يحيى محمد
ابتداءاً نتساءل عن منهج ابن تيمية وأتباعه: هل حقاً ما يدعونه من أن حمل الصفات الإلهية على ظاهرها لا يستلزم التشبيه والتكييف؟
واقع الأمر هناك مؤشرات عديدة تدل على صعوبة تقبل هذا النحو من الجمع المتنافي. فالقول بالصفات السابقة وغيرها يماثل القول بصفات الإنسان، عضواً بعضو، وحالة بحالة.
فمثلاً إن القول بأن لله صورة وأنه خلق آدم على صورته لا يُفهم إلا بهذا المعنى من التمثيل والتكييف. ثم أن القول بأن له عينين، والتعويل في ذلك على الحديث الذي يتضمن المقارنة بين عين الله وعين المسيح الدجال، لا يُفهم إلا على نحو التشبيه والتكييف. وكذا القول إن له أصابع، وفي بعض الأحاديث المصححة نجد التمثيل على ذلك بقبضة يد النبي، ومثل ذلك أن له يدين وقبضة وقدمين وساقاً وجنباً، وأنه يضحك ويعجب ويستحي ويغار وينزل ويهرول ويتكلم بصوت وحرف، فكلها تدل على التشبيه.
وقس على ذلك القول بأن لله كرسياً هو موضع القدمين كالذي يرويه ابن تيمية عن ابن عباس[1]، وما يسلّم به من أن الله يهبط يوم التجلي في الآخرة على كرسيه وأن الأنبياء يأتون فيجلسون على منابر تحفّ بهذا الكرسي، إذ يستشهد بقول أحد أئمة المالكية، وهو محمد بن أبي زمنين، الذي صرح بأن من قول أهل السنة ما روي عن انس بأنه إذا كان يوم الجمعة في الآخرة هبط الله من عليين على كرسيه، ثم يحف الكرسي على منابر من ذهب مكللة بالجواهر، ثم يجيء النبيون فيجلسون عليها[2].
ومثله القول بأن لله عرشاً استقر عليه، وقد ذكر ابن تيمية بأنه لو شاء الله لإستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض[3]. وكذا قول ابن القيم بأن الله أجلس نبيه على هذا العرش، مستشهداً عليه بقول جماعة كبيرة من السلف والعلماء المتقدمين[4]، كما استشهد عليه ببعض من أبيات الشعر لأبي الحسن الدارقطني[5]. وثمة عدد من الروايات تُروى عن علماء السلف بأن معنى المقام المحمود المنصوص عليه في آية الإسراء هو إجلاس النبي (ص) على العرش، كالتي ذكرها ابن أبي يعلى الحنبلي، ومن ذلك ما أُسند عن النبي وإبن عباس ومجاهد في عدد من الطرق، وفي بعضها أن الله يُجلسه معه على العرش أو السرير[6]، وهو معنى قوله تعالى: ﴿عَسَى أن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾ (الإسراء/ 79). وروي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قوله: «أنا منكر على كل من ردّ هذا الحديث»[7].
والعجيب أن الكرسي موصوف في القرآن بأنه يسع السماوات والأرض، وأن العرش أكبر من ذلك بما لا يعلمه إلا الله، كما هو مقرر لدى القائلين بحقيقة الصفات المذكورة[8]، لكنهم مع ذلك يقرون أيضاً أن الله قد أقعد نبيه على عرشه، فأيّ نوع من الإقعاد هذا، والنسبة بين الطرفين معدومة من حيث الحجم والسعة؟!
كما ذكر ابن القيم أنه قد ورد بأن السماء منفطرة به تعالى، الأمر الذي لم يسمح بنقله المتأخرون جبناً وضعفاً، بل قاله المتقدمون[9].
ومن المؤشرات التي تؤكد معنى التشبيه في المنهج السالف الذكر؛ ما أضافه ابن القيم من استدراك حول بعض الصفات، فعلى رأيه أن ذكر الساق والجنب لا يدل على أن لله واحدة لكل منهما. وهو استدراك صحيح، لكن استقباحه واستشناعه أن يكون الرب عبارة عن شخص له وجه، وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة، وله جنب واحد عليه أيد كثيرة، وله ساق واحد، كما وردت هذه الصفات في القرآن والحديث؛ كل ذلك يدل على ما في النفس من أنه متصور كما في الشاهد، إذ ما المانع أن يكون للرب مثل هذه الصفات بلا تشبيه ولا تمثيل؟
وبعبارة أخرى، ما الذي جعل ابن القيم يعدّ هذه الصفات قبيحة وشنيعة لا تتناسب مع الله، مع أنها مذكورة في القرآن والأحاديث المصححة، إذ ورد أن لله أعيناً وأيدياً، وورد أن له جنباً وليس أكثر من ذلك، كما ورد أن له ساقاً ولم يرد ساقان أو أكثر. فلماذا يستنكر ابن القيم الأخذ بهذه المنطوقات لولا تأثره بالشاهد وتطبيقه على الغائب. إذ كان الأولى به تجويز مثل هذه النتائج التي أوردها بعض أصحاب الدائرة العقلية ليظهر من خلالها شناعة القول بإثبات الظواهر اللفظية للصفات[10].
وهناك من نقل عن ابن تيمية أموراً لها دلالة صريحة على التمثيل والتجسيم، لكنها تخالف ما هو معلوم من كتبه، ومن ذلك ما نقله صاحب (كشف الظنون) من أن لإبن تيمية كتاب العرش ذكر فيه «أن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى مكاناً يقعد معه فيه رسول الله (ص) ذكره أبو حيان في النهر.. وقال قرأت في كتاب العرش لأحمد بن تيمية ما صورته بخطه»[11]. ونُقل عنه في بعض تصانيفه بأن الله بقدر العرش لا أكبر ولا أصغر[12]. كما نُقل أنه قال في الكلام على حديث النزول المشهور: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا إلى مرجة خضراء وفي رجليه نعالان من ذهب[13]. ونُقل أيضاً أنه في يوم كان يخطب فذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين وقال كنزولي هذا[14].
هذا ما ينقل عن ابن تيمية، وهو مخالف لما هو معلوم من كتبه. لكن لا يعني ذلك أن ما تبناه من اتجاه لا يبعث على التشبيه، بل على العكس كما رأينا، وربما لهذه العلة كان السلف يأمرون بإمرار النصوص في الصفات التي يبدو عليها التشبيه دون تفسير وبحث وتنقيب، فربما كانوا يدركون أن الخوض فيها يجرّ إلى التشبيه ولو مع قيد (ليس كمثله شيء). خاصة أن بعض النصوص يعطي انطباعاً مباشراً بالتشبيه دون أن يؤثر عليه قيد عدم التشبيه والتكييف، كما هو الحال مع حديث الصورة. لذلك فقد كان بعض السلف يتمنى لو أن أصحاب الحديث يتركون عشرة أحاديث في الرؤية، كالذي يروى عن يحيى بن صالح، وقد علّق عليه أحمد بن حنبل بقوله: كأنه نزع إلى رأي جهم[15]. بل كان من الحنابلة من لا يتقبل أحاديث الصفات، معتذراً بأنها أخبار آحاد، كالذي عليه ابن سنينة (المتوفى سنة 610هـ) [16].
هكذا فإن الإتجاه الذي سلكه ابن تيمية في الجدل والتدقيق يأتي على خلاف ما أوصى به علماء السلف. فحاله في هذا الموضع كحال أبي الحسن الأشعري حينما أراد أن يدافع عن موقف الإمام أحمد بن حنبل وغيره من السلف بطريقة الجدل والكلام، لكن طريقته مع ذلك لم تكن مرضية لدى أتباع هذا الإمام، ربما لأنهم أدركوا أن النهج الذي سلكه في الجدل الكلامي سيفضي إلى تجاوز تلك النظرية، الأمر الذي تحقق لدى المتأخرين من الأشاعرة، فقد أصبحت نظريتهم في الصفات بعيدة كل البعد عما كانت عليه لدى شيخهم الأشعري، مثلما هي بعيدة عما ساد لدى السلف، ومنهم الإمام أحمد. وكذا يمكن القول بالنسبة لطريقة ابن تيمية، فهو يكثر الجدل والخوض في أمر الصفات بما لم يسبق إليه أئمة السلف المعروفين، مما أفضى به إلى التشبيه.
وهو أمر يذكّرنا بما قاله ابن هبيرة (وهو من حنابلة القرن السادس الهجري): تفكرت في أخبار الصفات، فرأيت الصحابة والتابعين سكتوا عن تفسيرها، مع قوة علمهم، فنظرت السبب في سكوتهم، فإذا هو قوة الهيبة للموصوف، ولأن تفسيرها لا يتأتى إلا بضرب الأمثال لله، وقد قال عز وجل: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ (النحل/ 74). لذلك رأى أن الصفات لا تُفسّر على الحقيقة ولا على المجاز؛ لأن حملها على الحقيقة تشبيه، وعلى المجاز بدعة[17].
فالنتائج السلبية للخوض في البيان هي كالنتائج السلبية للخوض في العقل كما عليه أهل الكلام، فأولئك أورثهم التشبيه، وهؤلاء أورثهم الشك، حتى صرح الكثير منهم بندمه، أو بنكوصه إلى تبني عقيدة الآباء والعجائز، أو الإعتراف بعدم الدراية بشيء، أو غير ذلك مما هو معلوم ومشتهر.
ناهيك عن أن البيانيين، سواء المتقدمين منهم أم المتأخرين، لم ينجوا من الممارسة التأويلية في عدد من الصفات، وينطبق هذا الحال على نهج ابن تيمية كما عرفنا.
وبذلك يكون مآل الدائرة البيانية قد انتهى إلى تأييد ما انتهت إليه غريمتها العقلية، رغم ما اعترى كلًّا منهما من تناقضات، حتى أعادت المسألةَ في علاقة العقل بالنص إلى نقطة البداية: مَن يحكم الآخر؟
تلك هي الإشكالية التي لم تجد حلاً خاليًا من التناقض إلا عند السلف الذين فوّضوا المعنى، واعتبار ذلك من الغيب الذي يعجز العقل عن إدراكه، بعد تنزيهه عن شُبه التمثيل والتكييف وما قد يتبادر إلى الذهن من مشابهة المخلوق.
الأمور المبتدعة
لقد أفضت طريقة ابن تيمية إلى إبتداع أمور لم تكن معروفة في العهد الأول، أهمها تقسيم التوحيد إلى توحيدين: ربوبية وإلهية. حيث الأول عبارة عن الإعتراف بالخالق الذي لا شريك له في الخلق، وقد عدّ ابن تيمية أن إثبات ربين للعالم لم يذهب إليه أحد من بني آدم، ولا أثبت أحد إلهين متماثلين، ولا متساويين في الصفات، ولا في الأفعال.
أما توحيد الإلهية فهو الإعتراف بعبادة الخالق وحده ودعائه والتقرب إليه دون وسائط، وهذا الصنف من التوحيد هو الذي ابتلي به الخلق، وظهر فيه الشرك بأصناف مختلفة مثل عبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان، وكذا عبادة الأنبياء والأولياء والملائكة أو تماثيلهم وما إلى ذلك. وقد استدل بعدد من النصوص القرآنية التي تشير إلى أن المشركين والكافرين كانوا يعترفون بأن الخالق للعالم واحد هو الله، لكن مشكلتهم أنهم جعلوا له وسائط وشركاء يشاركونه في العبادة أو الخلق دونه، كالذي جاء في هذه الآيات:
﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله﴾ (لقمان/ 25).. ﴿قل لِمَن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون للّه، قل أفلا تذكّرون، قل من ربّ السماوات السبع وربّ العرش العظيم، سيقولون للّه، قل أفلا تتّقون، قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون للّه، قل فأنّى تسحرون﴾ (المؤمنون/ 84ـ89).. ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ (يوسف/ 106).
على ذلك اعتبر ابن تيمية أن الرسل قد دعوا الخلق إلى توحيد الإلهية، وهو يتضمن توحيد الربوبية[18]. إذ لم يكن مشركو العرب يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم، بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من الهند والترك والبربر وغيرهم، تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصدّيقين، ويتخذونهم شفعاء، ويتوسلون بهم إلى الله، وهذا كان أصل شرك العرب. وجاء في حكاية عن قوم نوح قوله تعالى: ﴿وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً﴾ (نوح/ 23). وجاء في صحيح البخاري وكتب التفسير وقصص الأنبياء وغيرها عن ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم، وأن هذه الأصنام بعينها صارت إلى قبائل العرب، ذكرها ابن عباس قبيلة قبيلة[19].
كما استدل ابن تيمية على مذهبه في توحيد الألوهية بقوله تعالى: ﴿لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً﴾ (الإسراء/ 42)، نافياً بذلك وجود آلهة مشاركة لله دونه، ومعتبراً أن الآلهة، لو وُجدت، لسعت إلى التقرب منه. وقد قيل في تأويل الآية إن هذه الآلهة كانت ستسعى إلى مغالبته، لكن ابن تيمية عدّ هذا المعنى مخالفاً لظاهر النص[20].
غير أن هذا المعنى شيء، وما دلّت عليه آية أخرى في سياق التوحيد شيء آخر، وهي قوله تعالى: ﴿ما اتّخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾ (المؤمنون/ 91). فلو افترضنا أن تلك الآلهة ليست في مرتبة الله بل دونه، أي أنها لا تسعى لمغالبته بل للتغالب فيما بينها واستقلال كل منها بخلق خاص، فإن هذا الافتراض يتناقض مع مدلول الآية الأولى. ففي كلا الحالتين يُفترض وجود آلهة، لكن الفرق أن الأولى تتقرب، والثانية تتغالب، ولا يمكن الجمع بين الحالتين، إذ لا يُعقل أن تكون الآلهة في حالة تقرب إلى الله وهي في ذات الوقت تستقل بالخلق أو تتنافس فيما بينها.
وعليه، فإن ظاهر الآية الثانية لا يدل إلا على فرض وجود آلهة موازية لله في الخلق والسيادة، وهو ما يقتضي تعدد العوالم واختلاف الإرادات، مما يؤدي إلى الفساد أو المغالبة، وهو عين ما نفته الآية ونقضته. والغالب أن هذا النفي جاء ردًّا على اعتقاد بعض المشركين الذين ظنوا بوجود أكثر من إله خالق، مما يبيّن أن احتجاج ابن تيمية لم يكن في محلّه، إذ جاء سياق الآية السابقة مخالفاً لمدعاه.
وينطبق السياق ذاته على قوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (الأنبياء/ 22)، إذ تدل على أن تعدد الآلهة يفضي إلى الفساد في النظام الكوني، وهو ما يؤكد استحالة وجود شركاء في الخلق.
فإذا كانت لفظة (الإله) في القرآن قد تُستخدم أحياناً بمعنى الخالق، كما في الآيات المذكورة، وأحياناً أخرى بمعنى الوسيط في العبادة أو الشفيع، فإن المعنى لا ينبغي أن يُفهم على نحو واحد في كل موضع ما لم تدل قرينة على ذلك. وهذا ما التبس على ابن تيمية، حيث حمَلَ كثيراً من الآيات على المعنى الوسائطي، سواء توفرت القرينة أو لم تتوفر. ومن ذلك استشهاده بآيات مثل قوله تعالى عن المشركين: ﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب﴾ (ص/5)، وقوله تعالى على لسان يوسف: ﴿أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾ (يوسف/ 39)، وكذا قوله على لسان ابراهيم: ﴿أئفكاً آلهة دون الله تريدون﴾ (الصافات/ 86). وهي آيات لا تدل بالضرورة على أن المشركين رأوا في آلهتهم مجرد وسائط أو شفعاء، وإن وُجدت آيات أخرى كثيرة تدل على ذلك المعنى، وهي القرينة المطلوبة، لكن حيث إن القرآن أورد بعض الصور من الإعتقاد بالإلهة المتعددة المفترض فيها الخلق المستقل، فهذا يدل على تنوع تصورات المشركين ومصادر شركهم.
على أن التقسيم الذي استحدثه ابن تيمية للتوحيد، ومن ثم اتّبعه في ذلك تلميذه ابن أبي العز، الذي أضاف في (شرح للعقيدة الطحاوية) قسماً ثالثاً للتوحيد هو توحيد الصفات[21].. كل ذلك فتح الباب واسعاً أمام الدعوة إلى تكفير المخالفين في مثل تلك الأصول، وما زلنا نعاني من تبعات ذلك حتى يومنا الحالي. مع أن هذا المسلك لم يكن معهوداً لدى السلف، وأن القرآن الكريم أظهر من صفات المشركين في التوحيد ما لا ينطبق على المسلمين، مثل قوله تعالى: ﴿وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً﴾ (الإسراء/ 46) وقوله: ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون﴾ (الزمر/ 45) وقوله: ﴿إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون﴾ (الصافات/ 35ـ36)... الخ.
فالمسلمون يقرون بالإله الواحد الخالق، و ويؤمنون بأن العبادة مختصة به دون سواه، ، وأن الشركاء المزعومين لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، وإنما هم مملوكون لله، لا يفعلون إلا ما يأذن به، كالذي يوافق عليه ابن تيمية[22]. وكل ذلك يجعل المسلمين في طرف غير الطرف الآخر، آخذين بعين الإعتبار ما يرد عن بعض الجهلة من الأفعال التي تعود إلى شيء من الشرك، وأن بعض الأفعال ما تندرج ضمن حالات الخلاف بين العلماء. لكن في جميع الأحوال ليس هؤلاء كأولئك الذين نصّ عليهم القرآن الكريم من الشرك الواضح الصريح.
فأي عذر يبقى إذن لأولئك الذين وسّعوا دائرة التكفير، وجعلوا من مسائل الخلاف مواضع تفسيق بل وتكفير، خلافاً لهدي الوحي الذي دعا إلى الإنصاف والتقوى.
[1] ابن تيمية: العقيدة الحموية الكبرى، شبكة المشكاة الإلكترونية، فصل حول وصف الله بما وصف به نفسه (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته). وبيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، شبكة المشكاة الإلكترونية، ضمن فصل حول قول الرازي البرهان الخامس (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته). مع أن هناك رواية تروى عن ابن عباس أنه يأول معنى الكرسي إلى العلم كالذي نقله الطبري كما مر معنا.
[2] العقيدة الحموية الكبرى، فصل حول وصف الله بما وصف به نفسه. ومجموع فتاوى ابن تيمية، ج5، ضمن فصل إن يوصف الله بما وصف به نفسه..
[3] بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، ضمن فصل للناس في حملة العرش.
[4] نقل ابن القيم أن المروزي صنف كتاباً في فضيلة النبي (ص) وذكر فيه اقعاده على العرش. كما نقل أن اقعاد النبي على العرش قال به جماعة كبيرة من أهل العلم، مثل أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبي بكر بن حماد وأبي جعفر الدمشقي وعياش الدوري واسحاق بن راهويه وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهاني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب العابد وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبي قلابة وعلي بن سهل وأبي عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي ومحمد بن يونس البصري وعبد الله بن الإمام أحمد والمروزي وبشر الحافي وإبن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير (بدائع الفوائد، ضمن فقرة: بعض مسائل فقهية من فتاوى أبي الخطاب وإبن عقيل وإبن الزاغوني).
[5] انظر: بدائع الفوائد، ضمن فقرة: بعض مسائل فقهية من فتاوى أبي الخطاب وإبن عقيل وإبن الزاغوني.
[6] حيث جاء في بعض الروايات عن ابن عمر أن النبي قال في معنى المقام المحمود كما في آية الاسراء إنه «يجلسه معه على السرير» (ابو الحسين بن أبي يعلى: كتاب الإعتقاد، تحقيق وتعليق محمد بن عبد الرحمن الخميس، مكتبة المشكاة الإلكترونية، باب الإسراء والمعراج، لم تذكر ارقام صفحاته).
[7] كتاب الإعتقاد، باب الإسراء والمعراج.
[8] بيان تلبيس الجهمية، ضمن فصل للناس في حملة العرش.
[9] السيف الصقيل، ص136.
[10] الصواعق المرسلة، ضمن الفصل الثامن.
[11] حاجي خليفة: كشف الظنون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، عن مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ج2، ص1438. جاء أن العبارة المذكورة موجودة في النسخ المخطوطة من تفسير أبي حيان، لكنها ليست موجودة في التفسير المطبوع، ونقل الشيخ الكوثري عن مصحح طبع الكتاب بمطبعة السعادة أنه استفظعها جداً فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين (تكملة الرد على نونية ابن القيم، ضمن: السيف الصقيل، ص97. والتوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني، لجماعة من العلماء، مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ص21).
[12] تكملة الرد على نونية ابن القيم، نشر ضمن: السيف الصقيل، ص163.
[13] تقي الدين الحصني: دفع شُبه من شبّه وتمرّد، ضمن التوفيق الرباني، ص21.
[14] ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، شبكة المشكاة الإلكترونية، ج1، ص49.
[15] سير أعلام النبلاء، ج10، فقرة 455.
[16] ذيل طبقات الحنابلة، ج2، فقرة محمد بن عبد الله بن الحسين السامري.
[17] ذيل طبقات الحنابلة، ج1، فقرة يحيى بن محمد بن هبيرة. وكان ابن هبيرة يقول: ما أنزل الله آية إلا والعلماء قد فسروها، لكن يكون للآية وجوه محتملات، فلا يعلم ما المراد من تلك الوجوه المحتملات إلا الله عز وجل. كما قال: ليس مذهب أحمد إلا الاتباع فقط. فما قاله السلف قاله، وما سكتوا عنه سكت عنه، فإنه كان يقول في آيات الصفات: تمرّ كما جاءت (نفس المصدر والفقرة السابقين).
[18] درء تعارض العقل والنقل، ج9، في نقد الفلاسفة.
[19] شرح العقيدة الطحاوية، فقرة (قوله: نقول في توحيد الله..).
[20] درء تعارض العقل والنقل، ج9، في نقد الفلاسفة.
[21] والمقصود به إقرار ما ورد في القرآن والحديث من الصفات بما فيها تلك الموهمة للتشبيه (شرح العقيدة الطحاوية، فقرة قوله: نقول في توحيد الله..).
[22] قال ابن تيمية بهذا الصدد: «وأما إثبات الأسباب التي لا تستقل بالأثر، بل تفتقر إلى مشارك معاون وانتفاء معارض مانع وجعلها مخلوقة لله، فهذا هو الواقع الذي أخبر به القرآن ودل عليه العيان والبرهان، وهو من دلائل التوحيد وآياته ليس من الشرك بسبيل، فإن ذلك مما يبين أنه ليس في المخلوقات ما يستقل بمفعول من المفعولات» (درء تعارض العقل والنقل، ج9، في نقد الفلاسفة).