-
ع
+

صحيح البخاري ومسلم والتعارض مع العلم والواقع

يحيى محمد

تتضمن كتب الصحاح عدداً من الروايات التي تعارض العلم، ومن ذلك ما جاء حول كيفية تكون الذكر والانثى، وكما روى مسلم عن أم سليم انها سألت النبي (ص) عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال رسول الله (ص): إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، فقالت أم سليم: وهل يكون هذا؟ فقال النبي (ص): نعم؛ فمن أين يكون الشبه، إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه[1].

وفي رواية اخرى ان يهودياً سأل النبي فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله (ص): هم في الظلمة دون الجسر، قال اليهودي: فمن أول الناس إجازة؟ قال النبي: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون- اي الحوت - قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت. ثم قال: جئت أسألك عن الولد؟ قال النبي: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة، ذكراً بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل، أنثى بإذن الله. قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله (ص): لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به[2].

وجاء حول عجب الذنب ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: كل بني آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب؛ منه خلق وفيه يركب[3].

وفي رواية اخرى عن ابي هريرة يحدث فيها اصحابه بأن النبي قال: ما بين النفختين أربعون،  فسأل اصحابه: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة[4].

كما روى البخاري عدداً من الاحاديث حول نفي العدوى، مثلما جاء عن ابن عمر ان النبي قال: لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث: في المرأة والدار والدابة[5]. وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان النبي قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد[6].

ومن الروايات الاخرى التي تعارض العلم ما جاء حول شق القمر، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله (ص) أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما[7]. ومثل ذلك ما اخرجه مسلم عن انس وعبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس[8]. وذكر الطحاوي ان هذا الحديث روي بصيغ مختلفة عن الامام علي وحذيفة وابن عمر وابن عباس وانس بن مالك[9].

ويعد هذا الحديث لدى البعض متواتراً من حيث المعنى[10] . وقديماً كذبه بعض المتكلمين محتجاً بان شق القمر يكون آية للعالمين وحجة للمرسلين ومزجرة للعباد وبرهاناً في جميع البلاد؛ فكيف لم تعرف بذلك العامة ولم يؤرخ الناس بذلك العام ولم يذكره شاعر ولم يسلم عنده كافر ولم يحتج به مسلم على ملحد[11]؟

وهناك روايات تفسر طلوع الشمس وغروبها بما يناقض العلم لما تحمله من خرافة. فقد روى مسلم، وقريب منه البخاري، عن أبي ذر أن النبي (ص) قال يوماً: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه الشمس تجري حتى تنتهي تحت العرش، فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله (ص) أتدرون متى ذاكم؟ ذاك ((حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً))[12].

وروى البخاري ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان، حيث روى عن ابن عمر ان النبي قال: إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان[13].

يضاف الى ما سبق هناك روايات مستبعدة او تحتاج الى تحقيق علمي مستقل، كحديث الذبابة والعجوة والحبة السوداء وغيرها. فقد روى البخاري عن ابي هريرة ان النبي قال: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء[14]. وروى عن سعد ان النبي قال: من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر[15]. كما روى مسلم عن ابي هريرة ان النبي قال: إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام[16].

***

كذلك تحتفل كتب الصحاح بالكثير من الروايات التي يكذبها الواقع، ومن ذلك ما جاء حول التنبؤ بوقت الساعة، وعدم تسليط غير المسلمين على المسلمين، وكون الامامة في قريش ما بقي منهم اثنان، وان الاسلام لا يزال عزيزاً الى اثني عشر خليفة.

فكما روى مسلم عن انس بن مالك انه قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي (ص): إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة[17].

وفي رواية اخرى عن عائشة انها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله (ص) سألوه عن الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم[18].

وكذا الحال في روايات (لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)، ففي بعضها ما يشير الى امر الساعة، وفي بعض اخر ورد توجيه لدى بعض الصحابة ان معناه هو ان هناك من يعمر مائة سنة، ففي رواية عن أبي سعيد انه قال: لما رجع النبي (ص) من تبوك سألوه عن الساعة؟ فقال رسول الله: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم[19].

وفي رواية اخرى عن عبد الله بن عمر ان النبي قال في آخر حياته: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد. وقد وجه ابن عمر هذه الرواية بان النبي يعني لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد؛ يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن[20]. وروي عن الامام علي مثل هذا التوجيه، وهو ان النبي قصد بكلامه لمن هو يومئذ على الأرض من الناس لا لمن سواهم. مع هذا فقد ذكر الطحاوي العديد ممن عمّر اكثر من مائة سنة، امثال زرّ بن حبيش الذي توفي وهو ابن (122 سنة) وسويد بن غفلة الذي توفي وهو ابن (127 سنة) وابي عثمان النّهدي الذي توفي وهو ابن (140 سنة). وقد احتمل الطحاوي أن يكون وفاة هؤلاء المعمّرين في المائة سنة التي ذكرها رسول الله (ص) قبل خروجها[21].

كما روى مسلم عن ثوبان ان النبي (ص) قال: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم[22].

وروى البخاري عن ابن عمر ان النبي قال: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان[23]. وفي رواية اخرى ان عبد الله بن عمرو كان يحدث مع وفد من قريش عند معاوية أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية وقام وأثنى على الله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله (ص) وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين[24].

وكذا روى مسلم عن جابر بن سمرة ان النبي قال: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش[25].

وقد حار العلماء في تحديد هؤلاء الخلفاء الاثني عشر ومدة خلافتهم، وبعضهم حصرها في زمن واحد، وبعض اخر اعتبرها متوالية، واغلبهم ركز على خلفاء بني امية مضافاً الى الخلفاء الراشدين، معتبرين الفترة التي حكموها بانها تمثل عز الاسلام، ومع ذلك عجزوا عن القطع بتشخيص الخلفاء[26]، رغم ان الكثير من هؤلاء الخلفاء لم يكونوا من ذوي الصلاح، ولا كان زمانهم يمثل عز الاسلام لما فيه من الظلم والقهر والاجحاف. كذلك ليس من الصحيح تفسير الحديث وفق ما يراه الشيعة بان المقصود منه هو الائمة الاثنا عشر، وذلك لأن زمن الائمة لم تتوفر فيه عزة الاسلام كما يفترضه نص الحديث، خاصة وانهم يعتبرون الائمة عاشوا جميعاً في زمن التقية، وهو ما لا يتوافق مع متن الحديث.

كما روى البخاري ومسلم ان اكثر اهل النار من النساء، ففي حديث مروي عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله قال: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها[27]. وفي حديث اخر عن ابن عباس ان النبي قال: رأيت النار فإذا أكثر أهلها النساء. وعلل ذلك بانهن يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط[28].

لكن الواقع يشهد خلاف ذلك، وهو ان اكثر الشرور وابشع الجرائم يرتكبها الرجال لا النساء، وان المرأة غالباً ما تكون مغلوبة على امرها بسبب الرجال، وان ما ذكر من كفران المرأة للعشير كما في الحديث ليس بشيء قبال الفساد والدمار الذي يحدثه الرجال في الارض.

 



[1] صحيح مسلم، حديث 311

[2] صحيح مسلم، حديث 315

[3] صحيح مسلم، حديث 2955

[4] صحيح مسلم، حديث 2955

[5] صحيح البخاري، حديث 5421

[6] صحيح البخاري، حديث 5380، ولاحظ على هذه الشاكلة ما روي عن ابي هريرة وابن عمر: حديث  5387، وحديث 1993.

[7] صحيح البخاري، حديث 3655

[8] صحيح مسلم، ج4، باب انشقاق القمر.

[9] مشكل الاثار، حديث 107

[10] دليل ارباب الفلاح

[11] هذه هي الحجة التي ادلى بها النظام من المتكلمين وقد رد عليها ابن قتيبة بقوله: ‹‹ان الله تعالى يقول: ((اقتربت الساعة وانشق القمر)) فإن كان القمر لم ينشق في ذلك الوقت وكان مراده سينشق فيما بعد، فما معنى قوله: ((وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر)) بعقب هذا الكلام؟ أليس فيه دليل على أن قوماً رأوه منشقاً فقالوا هذا سحر مستمر؟! وكيف صارت الآية من آيات النبي (ص) والعلم من أعلامه لا يجوز عنده أن يراها الواحد والاثنان والنفر دون الجميع، أو ليس قد يجوز أن يخبر الواحد والاثنان والنفر والجميع كما أخبر مكلم الذئب بأن ذئباً كلمه، وأخبر آخر بأن بعيراً شكا إليه، وأخبر آخر أن مقبوراً لفظته الأرض›› (تأويل مختلف الحديث،  باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي).

[12] صحيح مسلم، حديث 250، وصحيح البخاري، حديث 6988

[13] صحيح البخاري، حديث 3099

[14] صحيح البخاري، حديث 3142

[15] صحيح البخاري، حديث 5443، ومثله حديث 5435ـ5436، وحديث 5130

[16] صحيح مسلم، حديث 2215

[17] صحيح مسلم، حديث 2953

[18] صحيح مسلم، حديث 2952

[19] صحيح مسلم، ج4، حديث 2539، ومثله حديث 2538

[20] صحيح مسلم، ج4، حديث 2537

[21] مشكل الاثار، ج1، ص64

[22] صحيح مسلم، حديث 2889

[23] صحيح البخاري، حديث 3310، وحديث 6721

[24] صحيح البخاري، حديث 6720

[25] وهناك صيغ اخرى مقاربة كلها مروية عن جابر بن سمرة، مثل صيغة: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. وصيغة: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. لكن اكثر الصيغ تكرراً هي الاولى المذكورة في المتن (انظر: صحيح مسلم، حديث 1821، وعلى هذه الشاكلة حديث 1822، وصحيح البخاري، حديث 6796).

[26] فتح الباري، ج13، ص182ـ185

[27] صحيح البخاري، حديث 298، ومثله حديث 1393، ومثله في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر، حديث 132

[28] صحيح البخاري، باب كفران العشير، حديث 29، وعلى هذه الشاكلة حديث 1004، وصحيح  مسلم، حديث 907، وحديث 885

comments powered by Disqus