-
ع
+

خلاصة فكر (13) ركائز الجهاز المعرفي للتفكير

يحيى محمد

سبق أن حددنا ركائز الجهاز المعرفي للتفكير البشري لدى مختلف مجالات المعرفة بخمسة أركان، كما في (علم الطريقة)، وهي كل من المصدر المعرفي، والأداة المنهجية، والمولّدات والموجهات القبلية، والانتاج، واستنطاق الموضوع (كفهم النص مثلاً). ويمكن التعرّف عليها باختصار كالتالي:

1ـ المصدر المعرفي: وهو المنبع الذي تصدر عنه مضامين المعرفة بالنشأة والتكوين والتأسيس، كالنص والعقل والواقع والإلهام الغيبي.

2ـ الأداة المنهجية: وهي منهج استكشاف المعرفة وتوظيفها إعتماداً على المصدر المعرفي. وقد تكون الأداة إستقرائية أو تمثيلية قياسية أو بيانية أو كشفية إلهامية أو عقلية منطقية أو وجودية أو معيارية أو غيرها. وهي من هذه الناحية عبارة عن «عقل طريقي»، وأن التقسيم الفلسفي للعقل بأنه عقل نظري وعقل عملي هو تقسيم قاصر ما لم يُضف إليه ذلك العقل الذي بدونه لا يمكن للعقلين الآنفي الذكر أن يمارسا دورهما كلياً. وعليه يصبح تقسيم العقل ثلاثياً: نظري وعملي وطريقي، وأن العقلين الأوليْن يعبّران عن «عقل مضموني»، في حين يعبّر الثالث عن «عقل صوري». بل يمكن اختزال هذه العقول الثلاثة إلى عقلين: مضموني (نظري وعملي) وصوري، وأن علاقة العقلين المضوني والصوري هي علاقة عدم استغناء، فأحدهما لا يستغني عن الآخر.

3ـ المولّدات والموجهات القبلية: ونقصد بالمولّدات هي الأصول القبلية التي تعوّل عليها الأداة المنهجية في استنطاق موضوع البحث والتوليد، أو الكشف والإستنباط، والتي بواسطتها يتم توليد المعرفة وإنتاجها، لذلك أطلقنا عليها الأصول المولّدة. وعلى شاكلتها الموجهات، لكن الفارق بين الأخيرة والأولى هو أن الأولى تعمل على الإنتاج المعرفي، في حين لا تقوم الموجهات بهذا الدور التوليدي، وإنما يُسترشد بها في تكوين المعرفة أو تفسيرها وفهمها بإتجاه دون آخر، أو توظيفها لأغراض معينة.

4ـ الاستنطاق: وهو ممارسة ذهنية تعنى بالتعرّف على موضوع معين، كالنص الديني والكون وما الى ذلك، وفي حالة النص اصطلحنا على هذه الممارسة بالفهم، وللأخير صور متعددة من الإشارة والتفسير والتأويل وغيرها. وبذلك يتميز عن سائر ضروب الاستنطاق المتعلقة بالأشياء الخارجية والطبيعة. وتعتبر هذه الممارسة عنصراً من عناصر تركيب الجهاز المعرفي، ذلك لأن جزءاً من نشاط الجهاز مسخر لاستنطاق الموضوع الخارجي، كما في حالة فهم النص الديني، وقد يكون الجهاز المعرفي لا علاقة له بهذا الفهم، كالأجهزة الموظفة لمعرفة الواقع العلمي للطبيعة. والمهم في الأمر ان الجهاز المعرفي يمكن أن يضم مذاهب وعلوماً متنوعة، ميزتها أنها تشترك في العناصر الخمسة المشار إليها، وإن اختلفت أحياناً حول طبيعة الاستنطاق – كالفهم الخاص بالنص مثلاً -.

والاستنطاق كممارسة عملية يقتضي وجود موضوع له يمارس عليه هذا النشاط، ففي حالة الفهم الديني يتمثل الموضوع بالنص. وبصورة عامة فإن كل نشاط ذهني استنطاقي يقتضي وجود ما يخصه من موضوع، فالنشاط المتعلق بتفسير الطبيعة يقتضي وجود الأخيرة كموضوع لما يُعرف بعلم الطبيعة. وهكذا مع سائر النشاطات المعرفية الأخرى. وجميع هذه الممارسات ينتج عنها نتائج هي حصيلة هذا النشاط المعرفي. فمثلاً ان الفهم كممارسة ينتج عنه فهم كحصيلة، والعلم الطبيعي كممارسة ينتج عنه هو الآخر علم كحصيلة... الخ. لذا فالاستنطاق هنا، سواء في الفهم الديني أو العلم أو غيرهما، مأخوذ بكلا الإعتبارين كممارسة وحصيلة، للتلازم بينهما، لكن يبقى الأساس في ذلك هو الممارسة لا الحصيلةمع الأخذ بعين الاعتبار أن الممارسة العامة، سواء في الفهم أو العلم أو غيرهما من ضروب الاستنطاق المعرفي، لا تقبل التقييم، خلافاً للحصيلة؛ حيث أنها قابلة للخطأ والشك والصواب.

5ـ الإنتاج والتوليد: وهو أيضاً من الممارسات الذهنية التي تترتب عليها حصيلة معينة، وبالتالي فالتوليد هو ممارسة وحصيلة للتلازم بينهما، وحاله في ذلك حال الاستنطاق المعرفي كما في الفهم الديني. فالتوليد كحصيلة كل ما ينتج من معرفة، سواء كان سابقاً لعملية الاستنطاق أو بعدها، أي سواء كان معبّراً عن القبليات المعرفية الناتجة – مباشرة وغير مباشرة - عن المولّدات والموجهات، أو هو نتاج عملية استنطاق الموضوع - كالفهم -.

comments powered by Disqus