-
ع
+

خلاصة فكر (6) نظرية الاحتمال النوعي في الكشف عن معيار التصميم

يحيى محمد

تمت صياغة هذه النظرية في عدة دراسات ابرزها (الكأس المقدسة في اكتشاف معيار التصميم)، والتي تضمنت نقداً لمعيار التعقيد المخصص في اكتشاف التصميم كما جاء عن وليام ديمبسكي وغيره من انصار حركة التصميم الذكي. فقد صنّفنا الظواهر الكونية والحيوية الى خمسة اصناف تتمثل بكل من: العلاقات الصارمة والاحصائية والصدف العشوائية واللاتحدد الجسيمية وصنف العلاقات المتعمدة.

والمتفق عليه ان العلاقات الاخيرة تتمثل بالسلوكيات البشرية وآثاره الفنية والعلمية والصناعية وغيرها. لكن موضع الخلاف يتعلق بالنظم الحيوية وبعض النظم الكونية المعقدة. اذ باستثناء القليل نفى العلماء ان تكون هذه النظم قابلة للتفسير وفق صنف العلاقات المتعمدة او الذكية.

مع هذا وضعنا معياراً يحدد ما هو عائد الى الصنف الاخير لتمييزه بشكل معقول عن بقية الاصناف الاخرى من تفسير الظواهر الكونية والحيوية. فشرط هذا المعيار هو ان تكون الحادثة او الظاهرة المتحققة منتمية الى منطقة ضيقة جداً من الاحتمال النوعي؛ في قبال اخرى واسعة للغاية لكثرة توافيقها او امكاناتها الاحتمالية. اذ يفترض في هذه الحالة وجود منطقتين متضادتين ومتباعدتين الى اقصى حد من حيث الاحتمال النوعي لا الشخصي، فكلما قويت احداهما ضعفت الاخرى، والعكس صحيح، الى درجة نتوقع فيها ان يكون الحدوث التلقائي من نصيب احد افراد المنطقة الواسعة لا الضيقة، وعند حدوث العكس يمكن اعتبار ذلك دالاً على الذكاء؛ اعتماداً على مدى التفاوت بين المنطقتين.

ومن حيث الدقة يتحقق معيار التصميم وفق ثلاثة شروط، هي: التعقيد، والاحتمال النوعي المتباعد ثنائياً، وتحقق احد افراد المنطقة الضيقة. وبلا شك ان هذه الشروط تنطبق على اشكال مختلفة من البنى المعقدة، فقد تكون الاخيرة حقيقية، او مصطنعة، او مفترضة تخيلية، او رياضية مجردة، وذلك اعتماداً على تقسيمنا للنظم التي تتقبل هذا المعيار بشكل او بآخر، وهي اربعة: تكراري ووظيفي وضبط عددي دقيق ورياضي تجريدي.

وأهمها هو النظام الوظيفي، ويتميز بالوظيفة المعقدة الناشئة بفعل التعقيد البنيوي العشوائي. ونقصد بالبنية العشوائية المعقدة ان ارتباطاتها غير منتظمة الى حد كبير، كما في التسلسلات الجينية والبروتينية. فلهذا التعقيد العشوائي قابلية على توليد الوظائف المختلفة، وله وجود حقيقي، كما في النظم والآلات الحيوية، وكذا الآلات المصنوعة من قبل البشر. كما له وجود اخر اعتباري من دون تأصل طبيعي او صناعي، كما في الاحرف اللغوية، حيث ان ارتباطاتها عشوائية وهي لا تنتج المعنى ذاتياً، انما جرى الاتفاق البشري على جعلها منتجة لاغراض تتعلق بالحاجات الانسانية والاجتماعية.

وبلا شك ان جميع الظواهر السابقة يصعب تفسيرها من غير افتراض عامل الذكاء. بل من الممكن ان يؤدي ضيق منطقة الاحتمال النوعي الى الرفض التام لكل تفسير لا يستند الى هذا العامل، وذلك عندما يبلغ مقدار الاحتمال النوعي الى أقل من مقلوب مجموع عمليات الكون او الموارد الكونية المتاحة.

عموماً ان أهم القواعد والنتائج التي انتهينا اليها في هذا المجال هي كالتالي:

ثمة اربعة نظم مختلفة، اثنان منها يتعلقان مباشرة بالعشوائية كشرط توليدي، هما التكراري والوظيفي، يضاف الى نظام الضبط العددي الدقيق المشابه للوظيفي من بعض الوجوه،  واخيراً نظام الرياضيات المجردة.

لا يمكن للبنية المنتظمة ان تنتج سوى الوظائف البسيطة. ومن ثم فالعلاقة بين البنية المنتظمة والوظائف المعقدة عكسية.

ترتبط البنية العشوائية بالنظام الوظيفي المعقد بعلاقة طردية.

ان كلاً من النظامين المعقدين الوظيفي والضبط العددي الدقيق يقعان ضمن دائرة بنيوية ضيقة جداً؛ هي بمثابة (منطقة الرفض) مقارنة بسائر الحالات الممكنة ضمن البنية العشوائية لكل منهما. وهذا ما يجعلهما بحاجة الى تفسير غير طبيعاني قائم على عنصر التوجيه الذكي، فهما دالان على الذكاء من حيث الذات لا العرض، خلافاً للنظامين الاخرين، حيث لا علاقة لهما بالذكاء الا من حيث الاستخدام العرضي.

comments powered by Disqus