-
ع
+

خلاصة فكر (4) الكون ينكمش لا يتوسع

يحيى محمد

تعبّر هذه الفكرة عن نظرية جديدة كما وردت في كتاب (انكماش الكون)، واستندنا في هذه الفكرة على قاعدة منطقية قائلة بان البسيط هو أساس المركب ومتقدم عليه. فعالمنا الكبير قابل للتحليل إلى عالم صغير للغاية يصل إلى مرحلة الجسيمات الذرية، وليس من الممكن ان نقول العكس، فنعتبر اننا لو حللنا الجسيمات البسيطة فانها ستنتج لنا عالماً كبيراً. ويعتبر هذا الأمر المنطقي أساس ما تعول عليه العلوم الطبيعية، ومن ذلك ان الخلية هي أساس جسم الكائن الحي المتعدد الخلايا وليس العكس.

كذلك فان جميع الظواهر الطبيعية المكشوفة تثبت حالة التدرج في التصاعد والهبوط. فما لم تكن بعض الظواهر ثابتة أو تتغير كيفياً فانها تخضع للتصاعد والهبوط التدريجي.

لكن هذه القاعدة تتنافى مع ما يذكر حول بداية الانفجار العظيم من حركة وحرارة وطاقة عظيمة للجسيمات خلافاً للشواهد الطبيعية المألوفة. فالحركة والحرارة والطاقة عموماً لم تتدرج من الأقل فالأكثر، بل ما يُذكر هو العكس تماماً، فقد تم تصوير انها كانت في البدء في أقصى درجات الحركة والحرارة والطاقة من دون اختزال، ثم بعد ذلك توالى انخفاض هذه الدرجات باتساق. في حين ان المنطق يفرض ان يكون العكس هو الصحيح، أي ان الكون البدئي كان بارداً أدنى درجات البرودة، مع بداية حركة هي أدنى حالات السرعة، ومثل ذلك عموم الطاقة، ومنها بدأ الازدياد لعوامل معينة حتى وصل الحال إلى الاشتباك والتفاعل وتوالي الانفجارات.

لذا لو افترضنا بأن النشأة الأولى للكون كانت حارة؛ فسيستدعينا ذلك للبحث عن علة وجود هذه الحرارة والطاقة. ولحد الآن يعجز الفيزيائيون عن تفسير هذه الحالة، وانها لا تخضع للقوانين الفيزيائية المعروفة. أما لو افترضنا ان الكون كان بارداً منذ البدء؛ فسوف لا يستدعي ذلك البحث عن علة هذه البرودة، اذ ليست هناك حرارة أو طاقة مركبة تحتاج إلى تفسير فيزيائي. فالتفسير يأتي تباعاً بعد ان تظهر الحرارة والطاقة المركبة، خاصة عندما تكون ضخمة ضمن حيز فضائي ضيق.

لقد افترضنا ان الكون بدأ بطاقة بسيطة حدية غير قابلة للتحليل والتبسيط، مثل طاقة ثابت بلانك، وبسرعة هي أدنى سرعة، وبدرجة حرارة تعتبر أولى بعد الصفر المطلق. فكل ذلك يمثل بسائط طاقوية مفترضة كأساس لسائر مركبات الطاقة. لذا تعتبر هذه النشأة باردة وتشير الى كون فضائي لا متناه، فيما تشير النشأة الحارة إلى كون فضائي متناه. وبذلك فالكون البارد لا يثير مشكلة في طرح أسباب ما يجعله بارداً، فيما يثير الكون الساخن مشكلة حول مصدر طاقته الساخنة.

كما افترضنا اسباباً جعلت بعض المناطق تلتف حول نفسها لتصنع جيوباً ضيقة أو بقعاً حارة. فالفضاء بحسب شموليته العامة متجانس لكونه غير متناه، إلا ان فيه بؤراً من تموجات الكثافة المادية وخلخلاتها ما يجعلها غير متجانسة، وهو في هذه الحالة أشبه ببحر هادئ رغم بعض مناطقه الهائجة هنا وهناك، وهي ما تولد الأكوان المختلفة، ومنها كوننا المحلي.

ووفقاً لهذه النظرية اعتبرنا الفوتونات هي ابسط الجسيمات الاولية. كما اعتبرنا الاساس في قوى الطبيعة كان بسيطاً ومن ثم تكونت منه سائر القوى بفعل تراكب الطاقات وتعاظمها. فالقوة النووية الشديدة مثلاً لم تكن موجودة اذا ما افترضنا انه يمكن رد الكواركات الى جسيمات أصغر، حتى ننتهي الى طاقة الفوتونات أو ما شاكلها. وتعتبر هذه الفكرة مخالفة للتصور الفيزيائي الحديث الذي يبحث عن اتحاد للقوى الأربعة ليفترض ان هذا الاتحاد كان سابقاً زمنياً على ظاهرة الانفصال التي نشهدها لهذه القوى، والتي تمت خلال جزء ضئيل جداً من الثانية منذ لحظة الانفجار العظيم.

هكذا إن التعويل على نظرية الانكماش الكوني سوف يجعلنا لا نحتاج الى افتراض وجود وحدة أولية مركبة تمثل أساس ما ظهر من تعقيد وتأثير للعلاقات السببية المختلفة، فاستناداً إلى فرضية الكون البارد يكون الانكسار والغنى الوجودي نابعاً من الاحترار لا التبريد، فمن تلك الشروط الأولية تبدأ حالة الاختلاف والتمايز بين الأشياء. بمعنى ان برودة الكون والطاقات المنخفضة كانت سائدة بما تمثل تناظراً تاماً في كل مكان، ثم ان ازدياد هذه الطاقات في بعض المناطق وتجاذبها أدى الى كسر التناظر. ويعود الفضل في ذلك الى وجود كميات ضخمة من الجسيمات الهائمة التي بدأت حركتها الأولية بتناظر تام وبأقل قدر ممكن من الحركة، ثم تطور الحال بازدياد السرعة والطاقة حتى تم الكسر المشار إليه. وما زال هذا الحال ساري المفعول في نطاقات مختلفة من الفضاء اللامتناهي.

وعموماً افترضنا ان حركة الجسيمات قد بدأت بانفرادية مستقلة هنا وهناك، وذلك قبل بدء عملية التجمع والتمركز. واذا كان أصل الجسيمات يتمثل بالفوتونات؛ فإن من الممكن ان تتكوّر على هيئة تكاثف (بوز - اينشتاين) طبقاً للفضاء البارد. فبحسب التجارب الفيزيائية ان بعض أنواع الجسيمات لها القابلية على ان تتجمع ككتلة واحدة عند انخفاض درجة الحرارة لا ارتفاعها. وينطبق هذا الحال على تكاثف البوزونات باعتبارها لا تخضع لمبدأ باولي في الاستبعاد، كما ينطبق على الذرات التي لا تخضع أيضاً لهذا المبدأ عند الدرجات الدنيا والمتعادلة من الطاقة المنخفضة والتبريد المكثف، اذ تصبح متداخلة وغير متمايزة ضمن فقاعة كمومية واحدة بلا أدنى تفاعل، وعندها تتلاشى لزوجة الغازات المسالة وتتحول إلى تميع فائق.

وعليه يمكن ان تتولد مجاميع من البقع الفوتونية وقد تتصادم فيما بينها بفعل التجاذب، فتزداد طاقة وحرارة. وعند التصادمات القوية تتولد منها جسيمات ثانوية مثل الالكترونات والبوزيترونات.

هكذا ان حشر الجسيمات يقتضي ان يكون ضمن بيئة باردة للغاية كما في الفضاء المفتوح، ويفترض ان يكون أول هذه الجسيمات هي البوزونات لامتيازها بخاصية التجمع والتكثف، خلافاً للفرميونات التي تخضع لمبدأ باولي في الاستبعاد. في حين انه وفقاً لنظرية الانفجار العظيم ان وجود حرارة عظيمة لا يبرر جعل الجسيمات محشورة مثل البرودة، بل متدافعة إلى أقصى حد ممكن. ومن حيث الدقة ثبت ان الفوتونات هي من لها القابلية على التكاثف ضمن البرودة الفائقة، وان البوزونات الأخرى يفترض لها ذات القابلية.

أخيراً اشرنا الى انه يمكن تصور مناطق الفضاء الكوني ممتلئة بأطياف مختلفة من البلازما والجسيمات الحارة والباردة. كما ان الكون ممتلئ بوجود تقطعات من المادة والفراغ الخاوي المتصف بالبرودة، فمثلما هناك تجمعات محتشدة من الجسيمات فانه يقابلها فراغات من المناطق الكونية. وقد تفضي التجمعات الأولية في بعض المناطق إلى وجود تفاوت بينها وبين الفراغات التي تتوسطها، فمثلما انها تتصف بالحرارة العالية فإن أواسطها الفارغة ستكون باردة، وربما انعكس هذا الحال على ما وصلنا من الخلفية المايكروية الكونية cosmic microwave background. وينبني هذا الافتراض على ما تم العثور عليه من بقعة باردة (Cold Spot) غير عادية تحيط بها تقلبات متباينة ضئيلة من درجة الحرارة على طول الخلفية المايكروية الكونية، وقد حيرت عقول العلماء، فلماذا كانت هذه البقعة باردة مقارنة بمحيطها.

comments powered by Disqus