-
ع
+

خلاصة فكر (2) ما هي السببية الابستيمية؟

يحيى محمد

للسببية شكلان مختلفان من حيث الطبيعة، احدهما ابستمولوجي، والاخر انطولوجي.

وتنقسم السببية الانطولوجية الى طبيعية وميتافيزيقية. وبالتالي فثمة ثلاثة اشكال مختلفة للسببية: طبيعية وميتافيزيقية واعتقادية، فالسببيتان الاولتان وجوديتان، فيما ان الاخيرة ابستيمية معرفية، وهي لم يُلق حولها شيء من الضوء، رغم انه يتوقف عليها اثبات السببيتين الوجوديتين الانفتي الذكر، بل واثبات كل شيء؛ سواء كان وجودياً ام معرفياً او قيمياً.

ان السببية الاعتقادية تختلف جوهراً عن السببيتين الاخريين، كما وتختلف عن قضايا المعرفة الاخرى، فهي لا تمثل في حد ذاتها قضية معرفية، بل وظيفة ذهنية تعمل على تعليل القضايا وتفسير الاعتقادات بجعلها تتخذ طابعاً ابستيمياً، وبدونها تنعدم الابستيما كلياً، فتصبح المعرفة لا تتعدى الحالات النفسية والفسيولوجية الصرفة فحسب.

وعليه فالسببية الاعتقادية قادرة على تفسير حتى القضايا القائمة على منطق مبدأ عدم التناقض. فالقضية القائلة بان (أ) إما ان تكون موجودة او غير موجودة، ولا يمكن ان تكون موجودة ومعدومة في الوقت نفسه، هي قضية معتقد بها تبعاً للسببية الاعتقادية المجردة، بمعنى ان للذهن قدرة كاشفية تفسر لنا بان التناقض المنطقي مستحيل وفق الحدس العقلي البديهي.. فلدينا سبب ابستيمي كاف للاعتقاد بان (أ) لا تكون متناقضة، ويتمثل هذا السبب الابستيمي بمبدأ عدم التناقض حسب المثال المعروض.

كذلك عندما نعتقد بمبدأ السببية العامة ونقول بان لكل حادثة سبباً ما، وان من المحال ان تكون هناك حادثة من غير سبب مطلقاً، فهذا التصديق مرهون ابستيمياً بالسببية الاعتقادية، فهي الوحيدة التي يمكنها ان تبين لنا لماذا علينا الانصياع لهذا التصديق.

ان بين السببيتين الطبيعية والميتافيزيقية ارتباطاً وثيقاً، ولولا السببية الاعتقادية ما كان لنا ان نعرف الاسباب الكامنة وراء الظواهر الطبيعية، ومن ثم الاعتراف بالاسباب الميتافيزيقية المجهولة.

comments powered by Disqus