-
ع
+

ما الذي يفسر نكوص النفس في التفكير الفلسفي؟

يحيى محمد

من مسلّمات التفكير الفلسفي التقليدي ان وجود الكائنات قائم على سلسلتين من الصعود والرجوع الى المبدأ الحق، وبالتالي لا مجال للقول بالنكوص والعودة إلى الوراء، فكل الكائنات تتوجه نحو غاياتها العالية فتتحد بها شيئاً فشيئاً. إذ تبعاً لمنطق الحتمية في علاقة العلية، لا يمكن ان ينقلب الكائن إلى ما هو دونه.

ففيما يخص تطورات الإنسان، مثلاً، تنتقل النفس وتترقى على سبيل الاتصال من نوع إلى نوع آخر، فتتحول الصورة الطبيعية لمادة خلقة الإنسان من الجمادية إلى النباتية ثم الحيوانية فالإنسانية فالملكية وما بعدها طبقاً لنظرية الإتحاد.

ووفقاً لمنطق الفلاسفة، فإن النكوص والرجوع مرة أخرى إلى ما هو أقل كمالاً من الأول، يعتبر منافياً لسريان الفيض المتصل في تكميل الأشياء وايصالها إلى غاياتها على نسق واحد.

وكما صرح صدر المتألهين بأن لكل طبيعة حركة جوهرية ذاتية إلى غاية ما، وهي في كل مرحلة تصل إليها لا يمكنها العودة إلى ما كانت عليه سابقاً، لذا من المحال ان يقع شيء من تلك الحركات والتحولات الانتكاسية بخلاف المجرى الطبيعي، فلا يمكن ان تصير القوة الحيوانية نباتية، ولا النباتية معدنية، ولا المعدنية صورة عنصرية، وهكذا من المحال ان تجري الأشياء على خلاف ما هي مفطورة عليه من المجرى الطبيعي[1].

مع هذا، رأى صدر المتألهين، انطلاقًا من اعتباراتٍ نقلية، أن ذلك الحكم لا يتعارض مع الشقاء والعذاب في الآخرة، كما لا ينافي حصول المسخ، سواء في صورة ظاهرة مثلما وقع كثيراً في أمة موسى (ع)، أو باطنة في كثير من أهل زمانه، على حد قوله[2].

فحول النكوص الأول، اعتبر هذا الفيلسوف ان الموت - مطلقاً - يمثل يمثّل نوعًا من الكمال، لما ينطوي عليه من تجرد وعودة إلى العالم القدسي[3]، واستشهد على ذلك بالآيتين الكريمتين: ﴿يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه﴾[4].. ﴿إنّا إلى ربنا لمنقلبون﴾[5]، حيث رأى فيهما إشارة إلى الانتقال الفطري للجوهر الطبيعي نحو الله. إذ يستوي في هذا التوجه الذاتي، والحركة المعنوية، جميع البشر على حد سواء، مؤمنهم وكافرهم، مطيعهم وعاصيهم، إذ الجميع مأمورون بالرجوع والسفر إلى الله والدار الآخرة.

غير أن هذا التوجّه الطبيعي، في نظره، لا ينافي الشقاء والعذاب، وذلك لأن منشأ العذاب ذاته ينبثق من تحقق الوجود وفعليّة الذات، حيث يزول الإلتباس وتُرفع الغشاوة وينكشف الغطاء، ويقوى البصر كما في قوله تعالى: ﴿فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد﴾[6]، إذ تستيقظ النفوس الشقية عند كشف الغطاء من نوم الطبيعة ورقدة الدنيا، فتتطلع على معاصيها وجهالاتها، مما يفضي بها إلى غاية الألم والتأذي، وتبلغ حد الكمال في الشقاء، فتسكنها الندامة والحسرة[7].

ومن حيث النقد، لو صح ان هذا العذاب هو نوع من الكمال؛ لما ذمّ الله الأشقياء في الآخرة، ولا وصفهم بالخزي والخسران إلى الحد الذي تمنوا فيه أن يكونوا ترابًا. كذلك فإن العودة إلى المبدأ الأول لا تحتمل ان تكون مصحوبة بالألم والشقاء، وهو منبع اللذة والطمأنينة على ما تقتضيه السنخية، فالنهاية كالبداية كما هو مقرر لدى التفكير الوجودي.

أيضاً، لو صح ان العذاب هو نوع من الكمال، فلماذا يبذل هذا الفيلسوف جهدًا كبيرًا في نفي خلوده وإثبات انقطاعه دعماً لفكرة الرحمة والخير، وكون النهاية كالبداية؟!

بل ما معنى العذاب ودخول الكافرين النار أصلًا، إن كان الوجود واحدًا في ذاته وصفاته؟

فهل ما يتعذب هو صفات الله وأسماؤه؟ ولو من حيث ما عليه الأعيان الثابتة، التي هي بحسب بعض الاعتبارات عين الذات الإلهية، وان هذه الأخيرة هي كل الأشياء، أو من حيث تجلي الحق في صور المحدثات، وظهوره بصفات النقص والذم، كما أخبر الحق بذلك عن نفسه. وهذا ما ذهب إليه إبن عربي[8]، وعبّر عنه الجندي بقوله: ‹‹فما تألم وما تنعم دنيا ولا آخرة إلا الحق المتعين بك وفيك بحسبك، ولا حسب للحق إلا أنت، وبحسبك يظهر لك أو عليك››[9].

فإن صحّ ذلك، كان معنى العذاب والنعيم راجعًا إلى تعيّنات الحق في صور الخلق، لا إلى ذوات منفصلة عنه، فينقلب المعنى برمّته من الثواب والعقاب كجزاء، إلى التجليات الإلهية في مقامات الظهور المختلفة، بحسب القابل واستعداده.

أما النكوص الخاص بالمسخ، فقد أقرّ به صدر المتألهين واعترف بوقوعه في الدنيا لأقوام غلبت نفوسهم الشهوانية أو الغضبية أو الشيطانية، فصاروا قردة وخنازير وعبدة الطاغوت. ومع ذلك إعتبره لا ينافي توجه النفوس إلى ما فوقها بحسب سلسلة الصعود؛ لكونها تحصل على شيء من الكمالات الحيوانية. إذ ما يراه مستحيلاً انما هو رجوع نوع إلى نوع آخر أدنى منه، وعودة كمال إلى نقص، كإن تتقهقر الإنسانية إلى الخنزيرية وما شاكلها، أما جمع صورة إلى صورة أخرى فليس بمستحيل عنده، فهو إنسان خنزير - مثلاً - لا إنسان بطلت إنسانيته وحلت صورة الخنزيرية محلها[10].

لكنه أقرّ، في النشأة الأخرى بعد البعث، بصيرورة النفوس الآدمية إلى صور أنواع مختلفة الذوات بما يناسب أعمال الناس وأفعالهم، وذلك عند ترسخ الملكات لديهم. فإعتبر أنواع النفوس بحسب تلك النشأة كثيرة، إلا أنها تقع تحت أجناس أربعة: الملائكي والشيطاني والبهيمي والسبعي. وفسّر على ذلك ما قيل: ‹‹ما من مذهب إلا والتناسخ فيه قدم راسخ››. كما فسّر عليه بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: ﴿واذا الوحوش حشرت﴾[11]، إذ إعتبرها تشير إلى انقلاب جواهر نفوس بعض الناس إلى نفوس الوحوش لغلبة صفاتها عليهم، فصارت نفوسهم في القيامة بهيئة الحيوانات بما يناسب طبائعهم واخلاقهم[12]. وقد اعترف بما أخذه عن الغزالي في (احياء علوم الدين) بأن لكل إنسان شوباً من تلك العناصر الأربعة (الملكية والشيطانية والسبعية والبهيمية)، وذلك من جهة روحه ونفسه وغضبه وشهوته، فيكون المجتمع في الشخص الإنساني يمثل جمعاً للحكيم والشيطان والكلب والخنزير، فالأول صورة الروح، والثاني صورة النفس، والثالث صورة الغضب، والرابع صورة الشهوة[13].

والمهم في هذا السياق، أن مثل هذه الأعقاب والنكوصات، سواء أكانت مسخًا دنيويًا أم أخرويًا، لا تنسجم مع ما تقتضيه السنخية من مسار تصاعدي نحو الكمال، ومن سير وجودي منتظم يتجه من النقص إلى التمام. فحتى وإن قيل في المسخ الدنيوي إنه لا يعبّر عن انقلاب صورة إلى أخرى مخالفة، بل عن جمع صورتين في جوهر واحد؛ لكن ما نراه في تلك التحولات هو ارتداد إلى مرتبة أدنى. فهي وإن حازت كمالًا نسبيًا في صورها الحيوانية الجديدة، إلا أنها فقدت ما هو أعظم، حيث فقدت بعضًا من روحها المنطقية وذاتها النورانية.

قانون النزول وصور الانتكاس

إذا كان أصل الوجود هو محض الخير باعتباره محض الوجود، وكانت مراتب الوجود متشابهة بحسب السنخية، فإن من المنطقي ان يُعد الخير سارياً في جميع المراتب. لكن على هذا يرد تساؤلان:

أولاً: لماذا اقتضت سلسلة النزول وجود الشرور والأعدام والكفر والشيطنة؟

وثانياً: لماذا لم تخضع هذه الشرور إلى نسق تسلسل مراتب الوجود بمقتضى منطق السنخية كما سنرى؟

لقد إعتبر أرسطو واتباعه أن الشر أمر عدمي نسبة إلى الوجود والكمال، حيث في حد ذاته لا وجود له إلا بالعرض، فهو إما عدم محض، أو أمر يؤدي إلى عدم. فمثلاً ان الموت والفقر والجهل البسيط وأمثالها هي عدميات محضة، لكن البرد المفسد للثمار والأخلاق الذميمة والأفعال القبيحة، لا تعد شراً، بل هي كمالات لأمور جسمية ونفسية، رغم انها من حيث تأديتها إلى العدم تُدرج في لائحة الشر[14]. والقاعدة العامة للحكماء تقر المقولة التالية: كلما هو شر بالذات فهو من أفراد العدم لا محالة[15]. فالشر الذاتي يساوق العدم، والخير يساوق الوجود، وكل ما هو خير وشر فهو نسبي، حيث يلتبس به الوجود والعدم.

ولو نظرنا إلى مراتب الوجودات وكيف تتنزل من الأكمل فالأكمل، وأرجعنا الكمال إلى ذات الوجود، فإن عدم الكمال يصبح معبراً عن ضعف الوجود، وبالتالي فإن الشر لما كان أمراً عدمياً فإنه يعني نقصاً في الوجود، إذ لا وجود للعدم المطلق، وكل شر هو وجود، لكنه وجود ضعيف. بهذا يتفاوت الشر في سلسلة الوجودات بحسب المراتب، فكل مرتبة تالية تكون أضعف من المرتبة التي قبلها، فتصبح فاقدة لشيء من كمال، ومن ثم تكون شراً قياساً بما قبلها، وإن كانت في حد ذاتها تمثل نوعاً خاصاً من الكمال والخير مهما كان ضعيفاً.

وينطبق هذا الأمر على القضايا الأخلاقية، إذ تصبح جميع الأخلاق الذميمة شراً وعدماً مقارنة بما فوقها من القوى الشريفة العالية الكمال، لكنها بالنسبة إلى مرتبتها الخاصة وما دونها تعد من الخيرات الوجودية[16].

وكذا الأمر مع الآلام والغموم والهموم، فهي بنظر أغلب الفلاسفة تعد وجودات خيرية باعتبارها إدراكات تصدر عن علل فاعلة كاملة، أما شرورها فيعود إلى متعلقاتها من الأعدام والفقدان، أو المفسدات والمؤلمات[17]، وهي بالتالي تمثل شروراً بالعرض[18].

ومن المعلوم ان مراتب الكمال تبدأ من أشرف الموجودات، وهو المبدأ الحق، ثم العقول العالية، ثم الجواهر المجردة كالنفوس الفلكية، ثم الصور المنطبعة السماوية، فالطبيعة العنصرية فالجسمية، إلى ان تنتهي بالوجود الذي لا أخس ولا أنقص منه، وهو الهيولى الأولى، حيث عندها تنقطع السلسلة النزولية[19]. وبحسب هذه المراتب ندرك ان المواد والأجسام هي أبلغ حالات الشر وصوره في عالم الوجود.

وتأكيداً لذلك فإن افلوطين نسبَ إلى المادة المحسوسة وجوداً سلبياً لانعدام الكمالات الإلهية فيها، وإعتبرها مصدر النقص وسبب الشرور[20].

كذلك ان صدر المتألهين إعتبر ان ‹‹كل ما هو أكثر برائة من المادة فهو أقل شراً ووبالاً››[21].

هكذا يمكن القول إن الشر هو من ضرورات تنزلات الوجود. ووفقاً لصدر المتألهين فإن الشر عائد من وجه إلى المظاهر والمجالي، وإن كان مسلوباً عنها من وجه آخر، تبعاً لقسمة الأشياء إلى الوجود والماهية، أو الجعل والأعيان الثابتة. وللأخيرة خصائص ثابتة لا تقبل التبديل والتحويل[22]، وهي منشأ النقائص والذمائم والشرور والآفات، وبهذا تكون وقاية للحق من نسبة النقص اليه[23]. وهي من حيث إمكانها الفاشي في كل الموجودات المعلولة تمثل شركاً أخفى من كل شرك، وهي مبدأ كل شر وآفة، وقد وصفها ملا صدرا بكفر الروح مقارنة بمراتب أخرى للكفر، مثل كفر القالب والنفس والقلب[24].

وتبعاً لمنطق السنخية فإنه لا فصل بين الوجود والماهية أو العدم، ولا بين الخير والشر، وكذا الايمان والكفر، والطهارة والنجاسة، والحسن والقبح.. الخ، وفقاً لاعتبارين، هما تنزلات الوجود وعلاقته بالماهية.

فمن حيث الاعتبار الأول ان كل وجود متنزل يستبطن عدماً، كما يستبطن كل خير شراً، وكذا كل ايمان كفراً، وكل طهارة نجاسة، وكل حسن قبحاً. وانه بحسب هذا الاعتبار هناك تناسب عكسي بين الضدين، فكلما اشتد أحدهما ضعف الآخر، والعكس بالعكس.

أما من حيث الاعتبار الآخر، فهو ان الشيء الواحد يحمل ذلك الازدواج من الضدين؛ الوجود والماهية، فمن حيث وجوده يتصف الشيء بالخير، أو الايمان، أو الطهارة..الخ. أما من حيث ماهيته، فإنه يتصف بأضداد تلك الصفات. وهذا الاعتبار هو الذي مال إليه صدر المتألهين، حيث رد الشر وما على شاكلته إلى الماهية. أما ما يلابس هذه الماهية من الخير فقد إعتبره عائداً إلى نور الوجود الفائض عليها. فالشيء الواحد شر من حيث ماهيته، وخير من حيث وجوده. وكذا هو الحال لو قسنا ذلك بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة، كما فعل هذا العارف في مثاله عن الكلب والكافر الجامعين للضدين الطهارة والنجاسة، فإعتبر ان ‹‹الماهيات ما شمت رائحة الوجود، فعين الكلب نجس، ووجوده المفاض عليه طاهر، والكافر نجس العين من حيث ماهيته وعينه الثابت، لا من حيث وجوده، لأنه الطاهر الأصل، كنور الشمس الواقع على القاذورات والارواث، فإنه لا يخرج عن نورانيته وضيائه وصفائه لوقوعه عليها، ولا يتصف بصفاتها من الرائحة الكريهة والكدورة الشديدة››[25].

وهذا هو المعنى العرفاني الخلقي لوحدة الوجود كما تحدثنا عنه في دراسة مستقلة، إذ فيه يُعزى للماهية دورها الانفعالي الذي يتجلى بمظهر الوجود. وقد أشار العرفاء إلى ذلك بقول الحق تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾[26]، الأمر الذي يفسر قول البسطامي: ‹‹طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك››، وقوله أيضاً: ‹‹بطشي أشد من بطشه بي››[27].

لكن من حيث ان ذات المبدأ الحق عين جميع الماهيات، فإن هذه الذات تصبح حاملة لخلط من الأعيان الموصوفة بتلك الصفات المتضادة، وحيث انه ليس بالإمكان أبدع مما كان، كما أشار إليه ذلك العارف في (شرح أصول الكافي)[28]، لذا لا موضع للتعليل والاستفهام بأداة (لماذا)، فكل ما يظهر في عالمنا السفلي هو نتاج المشاكلة مع العالم العلوي الإلهي، وكل شيء يتجلى في العالم الأول يكون على نفس صورة ما في الذات، وبالتالي لا يمكن ان تُعطى الأشياء باكثر مما تستحق، أو انها لا تكسب شيئاً أكثر من افاضة الوجود عليها باعتبارها حقائق غير مجعولة، حيث ألبسها الحق هذه الحلية وخلع عليها من ثوبه وأنارها بنوره.

هكذا نخلص إلى ان تفسير حالات الشر استناداً إلى نقص مراتب الوجود وضعفه؛ لا ينفي ربطها من حيث الأصل بذات العلة الواجبة المتمثلة بمبدأ الوجود الحق، إذ لا يظهر شيء إلا على شاكلة هذا المبدأ تبعاً لمنطق السنخية. كذلك فإن تفسير تلك الحالات لا ينفي ربطها بالماهيات المستهلكة في عين الجمع، فبحسب اعتبار ذواتها مقيدة تكون منشأ الأحكام الكثيرة والذمائم والنقائص والشرور.

الشر والإرادة الإلهية

ذكرنا بأن للشر صوراً مختلفة وكثيرة، مثل النقائص الطبيعية، والقبائح الأخلاقية، والمعاصي الدينية. وحيث ان الشر من مقتضيات تنزلات الوجود السفلية، أو كونه من مقتضيات الأعيان الثابتة غير المجعولة، فقد أثار ذلك مشكلة بشأن التوفيق مع النص الديني ودور كل من الإرادتين الإلهيتين التكوينية والتشريعية.

إذ كيف يمكن التوفيق بين صور الشر المذكورة، وبين الإرادة التكوينية، خصوصاً فيما يتعلق بتلك التي لها قيم ومعايير دينية، كالكفر والعصيان؟

فقد أقر الفلاسفة بحتمية ما عليه الإرادة التكوينية للمبدأ الحق، وبالتالي كان لا بد من الوجود الناقص أو الشر المتضمن للمعاصي والأخلاق السيئة، مع الاعتراف بأن الحق لا يرضى بهذه القيم التي أوجدها عبر تلك الإرادة، فهو وإن أراد هذه القيم؛ لكنه غير راض عنها، استسلاماً - كما يبدو - لقوله تعالى: ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾[29]. وقد مثّل الفلاسفة على ذلك بأن من لسعت الحية اصبعه فإنه يختار قطعها لأجل السلامة، فهو بالتالي يريد القطع ولا يرضى به[30].

وانسجاماً مع الموقف الفلسفي قام صدر المتألهين بتصحيح ذلك المفهوم، فإعتبر المبدأ الحق يريد كل شيء ويرضى به من دون تفريق، لكنه اضطر لأجل هذا ان يأول النص القرآني الآنف الذكر، معتبراً معناه ان الكفر وغيره من القبائح غير مرضية عند الحق بأنفسها وبما هي شرور، لكنها مرضية لديه بالتبعية والاجترار. كذلك اتساقاً مع مذهبه فإنه لم يتقبل رأي البعض القائل بأن الإرادة زائدة على الذات، وهو ان الله يعلم كل شيء لكنه لا يريد كل شيء، فعلمه الذي هو عين ذاته غير إرادته.. ومن الطبيعي ان يكون هذا الرأي غير مقبول عند ملا صدرا لمنافاته للكثير من الاعتبارات الفلسفية وعلى رأسها منطق السنخية[31].

مع هذا يبقى الإشكال قائماً على موقف صدر المتألهين، إذ اعتبر أن الكفر والشرور، من حيث ماهياتها في أنفسها، ليست مرضية عند المبدأ الحق. غير أن الأصح أن يقال: إن الماهية، مهما كانت، هي من سنخ الوجود، بل إنها مندرجة في عين الحق من حيث الجمع، فكيف لا يرضى بشيء له تحقق في ذاته من الصور والمظاهر والأعيان الإلهية الثابتة؟!

بل يتعاظم الإشكال إذا أخذنا بعين الاعتبار الحتمية الوجودية، حيث تسير الأمور وفق نظام ضروري من الفيض والتجلي. فحينها يُطرح السؤال: ما معنى الرضا والسخط إذا كانت الأمور جارية تبعاً للحتمية الوجودية، وأن كل ما يقع؛ إنما هو تجلٍ لما في العلم الإلهي، ومرآة للأسماء والصفات؟!

كذلك تعرض هذا الموقف إلى نقد من قبل بعض الفلاسفة التابعين. فقد اعترض ملا هادي السبزواري على ما سبق، وإعتبر ان علم الحق وارادته لا يتعلقان بالشرور بما هي شرور بالحمل الشائع، لكونها أعداماً، وهو لا ينافي تعلقهما بها بما هي شرور بالحمل الأولي الذاتي.

كما ان الطباطبائي رغم اتفاقه مع صدر المتألهين في موقفه السابق، إلا انه إعتبر للآية الآنفة الذكر دلالة على الرضا التشريعي لا التكويني[32]. مما يعني ان الإرادة والرضا يجتمعان لديه في أمر واحد تكويني، مثلما يجتمعان في الأمر التشريعي.

على ان لصدر المتألهين موقفاً آخر يختلف عما سبق، فقد إعتبر الخير من الوجودات الذاتية للمبدأ الحق، لهذا كان مرضياً عنده بخلاف الشر، حيث انه عرضي عدمي لا يرضى به الحق، مؤيداً كلامه بالآية المشار إليها ذاتها. فالشر بحسب هذه الرؤية يدخل في العالم بالقصد الثاني على التبع لا الأول، بخلاف الخير الذي هو قصد فعله الأول، وما بالذات أسبق مما بالغير، فالخير من ذات الحق، والشر من فعله. وقد استعان هذا الفيلسوف ببعض النصوص القرآنية، فإعتبرها تلوّح إلى المعنى السابق، مثل قوله تعالى: ﴿كتب على نفسه الرحمة﴾[33]. وبذلك أنكر ان يكون تحليله العرفاني يفضي إلى اسناد الشرور والقبائح إلى المبدأ الحق، حيث الشرور ما هي إلا نتاج لوازم الوجود والايجاد[34]. مع ان هذا الاعتبار لا ينافي اسناد الشر من وجه آخر إلى المبدأ الحق، سواء أخذنا بوجهة النظر الفلسفية أو العرفانية، أي سواء قلنا ان الشر هو من متفرعات العلاقة العلية، إذ ليس هناك شيء في المعلول إلا ويوجد قبله في العلة.. أو قلنا ان الشر هو من مظاهر بعض أسمائه كالقهر وما شاكله، فما ينسب للشيطان وجنوده - مثلاً - انما يعود في الأصل والحقيقة إلى ذات الحق، كالذي يقتضيه منطق السنخية ووحدة الوجود.

وفعلاً اعترف ملا صدرا بهذا الأمر في بعض كلماته، إذ نسب الشرور واختلاف الماهيات إلى الأصل المتمثل في الذات الإلهية، أو إلى العلم الذي هو عينها.

وكما قال: ‹‹التفاوت في القوابل والحقائق الإمكانية والماهيات انما يحصل لها بوجه من نفس ذواتها، وبوجه من الفيض الأقدس المسمى بالقضاء الأزلي الذي هو عبارة عن ثبوت الأشياء في علم الله تعالى بالنظام الأليق الأفضل من حيث كونها تابعة لأسماء الحق وصفاته التي هي عين ذاته، ووجود تلك الماهيات في الخارج بإضافة الوجود عليها بحسب أوقاتها المخصوصة واستعداداتها من الحق يسمى عندهم بالفيض المقدس وهو بعينه القدر الخارجي، إذ التقدير تابع لعلم الله تعالى››[35].

وعليه فقد نسب الأفعال العائدة للشيطان إلى مكيدة إلهية، وارجع كل ما يتعلق بالقبائح إلى المبدأ الحق، ففي تفسيره لقول الحلاج ‹‹ما صحّت الفتوة إلا لأحمد وابليس›› ذكر قائلاً: ‹‹كإنه قال: هذان المظهران كل منهما كامل في بابه، متفرد في شأنه، أحدهما مظهر أسماء المحبة، والآخر مظهر أسماء القهر، ومن فتح عينيه وشاهد ياء المتكلم في قوله تعالى: ﴿وان عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾ بالعين الأخرى؛ ليعرف ان هاتين النسبتين تتحدان في شيء واحد، وهو مجمع الموجودات ومرجع الكل، والجميع مظاهر أسمائه ومجالي صفاته، وحينئذ يعلم سر قوله: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين﴾، وقوله: ﴿فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾، فمَن أمره ظاهراً بسجدة آدم في قوله: ﴿اسجدوا لآدم﴾ كان قد نهاه في السر عن سجدة غيره، فألهمه والقنه الحجة بقوله: ﴿ءأسجد لمن خلقت طيناً﴾؟ فافهم ياحبيبي هذه الكلمات.. وتنبه لما قيل: ان نور ابليس من نار العزة لقوله تعالى: ﴿خلقتني من نار﴾، ولو أظهر نوره للخلايق لعبدوه، انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، وذكر بعضهم النكتة في ان الخليل لماذا قال لما جن عليه الليل ورأى كوكباً قال: هذا ربي، مما روي عن كعب الأحبار انه قرأ في التوراة ان أرواح المؤمنين من نور جمال الله، وان أرواح الكافرين من نور جلال الله، وفي الأدعية النبوية: اللهم اني أعوذ بك منك››[36].

وقبل صدر المتألهين ذهب إبن عربي إلى ان كل موجود عند ربه مرضي، سواء كان سعيداً أو شقياً، تبعاً لما عليه الأسماء الإلهية، فكل إسم له مربوباته الخاصة، فمن كان مربوباً إلى إسم الهادي فهو مرضي عنده، وان كان مربوباً إلى إسم المضل فهو مرضي عنده، لكن المربوب إلى الإسم الأول هو غير مرضي عند الإسم الآخر، وكذا فإن المربوب عند الإسم الثاني فإنه غير مرضي عند الإسم الأول[37]. مما يدل على ان المرضاة تعطي معنى الإرادة التكوينية. فالجميع بما في ذلك العاصي والمطيع مرضيون عند الحق في جمعه للأسماء وإرادته للكل.

مع هذا يظل الإشكال قائماً حول الإرادة التشريعية التي يُفترض ان تكون على وفق الإرادة الأولى، وإلا فقدت معناها، أو أصبحت مجازاً لا حقيقة. أي لكان هناك تفكيك يبعث على عدم الاتساق، كالذي وقع به القيصري حينما أثبت مرضاة الله للعصيان والكفر من حيث الإرادة التكوينية، لكنه نفاها بحسب ما عليه الإرادة التشريعية، استجابة لنص الآية: ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾[38]. وبالتالي جعل القضايا التشريعية لا معنى لها قبال القضايا التكوينية، فليس في الحقيقة شيء سوى المشيئة والإرادة التكوينية المتمثلة بما عليه الأسماء الإلهية ولوازمها من الأعيان الثابتة. لذا فقد أكد انه لا مجال لما قد يقال: لِمَ كان هذا فقيراً وذاك غنياً، وهذا عاصياً وذاك مطيعاً، مثلما لا يقال: لِمَ كان هذا إنساناً وذاك كلباً، فكل ذلك رهين العدل والحكمة بفضل ما عليه الأعيان الثابتة، أو ان العدل هو اعطاء كل شيء على ما تقتضيه عينه الثابتة[39].

وشبيه بهذا ما ذكره حيدر الآملي من اسناد العطاء وأحوال الخلائق إلى الحق تعالى، معتبراً ذلك من العدل الذي يعني اعطاء الله كل موجود حقه الذي يستحقه في الأزل من دون زيادة ولا نقصان، وفقاً لما تكون عليه الصور العلمية أو الأعيان الثابتة[40]. وأقرّ انه بغير ذلك يصدق الظلم الفاحش باعتباره يعني وضع الشيء في غير موضعه[41].

وسبق للفارابي ان ادلى بما يقارب المعنى السابق، فإعتبر العدل هو ان يوفى كل كائن بما مهيأ له من الوجود، حيث جرى العدل بأن يحصل كل ممكن على قسطه من الوجود[42]. وكذا ما ذهب إليه السهروردي من معنى كون الحق قائماً بالقسط، أو كما أشار إليه المحقق الدواني من ان هذا العدل يقتضي ايصال كل قابل إلى ما يقبله من الوجود وما يتبعه من الكمالات[43].

هكذا ان أصل اتصاف الأشياء، بما هي عليه من خير وشر، يستمد وجوده من الحقيقة الإلهية، سواء إعتبرنا ذلك بحسب إفاضة الوجود، أو بحسب تبعية الأعيان الثابتة للأسماء والصفات.

أما مقاييس الإرادة التشريعية والاعتبارات الدينية وسائر القيم المعيارية، فجميعها تعد مجازية دون ان يكون لها حقيقة لدى أصحاب المنظومتين الوجوديتين الفلسفية والعرفانية، فكل شيء عندهم مقدر بقضاء حتمي لا يقبل التغيير والتبديل. فالعدل في الفهم الوجودي هو ما يماثل ضرورة الوجود، والظلم على خلافه يعطي معنى الاستحالة. لذلك صرح الآملي - في بعض المناسبات - ان هناك استحالة ذاتية لاعطاء الماهيات من الوجود بأكثر أو أقل من قابلياتها[44].

على ان هناك رأياً ملفقاً في تفسير مصدر وجود الشر، بين الروح الوجودية من جهة، وبين بعض المظاهر المعيارية من جهة ثانية، فقد ارتضى الكيلاني تلك الفكرة الوجودية التي تقول إن الشرور هي من مقتضيات الذوات الإمكانية، لكنه ردّ ببعض المظاهر المعيارية على شبهة من قال (لِمَ اوجد الله تعالى ذاتاً مقتضية للشر)، فإعتبر ان في ايجاد الحوادث لا بد من مادة واستعداد كي لا يكون هناك ترجيح بلا مرجح، وبالتالي فلما استعدت مادة زيد لافادة الوجود؛ فإما ان يفاض عليه الوجود من المبدأ الفياض أم لا. وفي حالة عدم افاضة الوجود عليه من المبدأ الحق، فإما ان يكون ذلك بسبب النقص والقصور في المبدأ الحق، أو بسبب البخل، أو لعدم علم الحق بالاستعداد. وقد اعتبر كل هذه الافتراضات ممتنعة، وبالتالي وجب افاضة الوجود لمن استحق الوجود.

فالمبدأ الحق فاعل بالجود الذاتي، والجود هو افادة ما ينبغي لا لعوض أو غرض، انما يجب على المبدأ الحق تبعاً لارادته الكاملة الذاتية افادة ما ينبغي من الوجود لمن يستحقه، وبه يندفع أصل الشبهة. والحاصل ‹‹ان الواجب لما علم ان مادة زيد صارت مستعدة للوجود، افاده الوجود بالجود الذاتي، ولما صار موجوداً صار منشئاً للشرور والنقائص، فاستحق بذاته اللوم والعقاب، فيجب ان يعاقبه بمقتضى الجود الذاتي الذي هو افادة ما ينبغي، ولو لم يعاقبه لكان ظالماً، إذ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهل عدم معاقبة من هو مستحق للعقاب إلا وضعاً له في غير موضعه››[45].

ويلاحظ ان أغلب ما ذكره الكيلاني غير صحيح للاعتبارات التالية:

 1ـ ان البخل غير وارد فيما لو أراد عدم ايجاد زيد، سواء كان مؤمناً أو كافراً، مادام انه معدوم.

 2ـ ان الجود الذي ذكره لا يعطي معنىً حقيقياً بحسب الاعتبارات الوجودية، فالجود تابع للعلم، وما هكذا شأنه لا يقال ان فيه جوداً.

 3ـ لو ان الله تعالى لم يوجد زيداً، فيما لو علِم انه سيصبح كافراً ومعذباً، لكان يمكن ان يقال انه فعل ذلك بفعل رحمته، كما يمكن ان يقال ان ذلك هو أرجح من حيث الرحمة والجود مقارنة بايجاده ومن ثم تعذيبه.

 4ـ من الغريب ان يعتبر الكيلاني عقاب زيد هو أمر واجب، بدونه يحصل الظلم. إذ لو اعتمدنا على هذه المقاييس المعيارية، لكان من العسير ان نفسّر لماذا تكون الرحمة والغفران والتجاوز عن العاصي والظالم حسنة ممدوحة، بل وان نعدّ ذلك من التقوى، وقد ورد عن الإمام علي انه فضّل العفو عن قاتله من ان يُقتل بالمثل.

الشر وقاعدة الإمكان الأشرف

الملاحظ أن النظام الوجودي، وإن كان قادراً على تفسير تلبّس الممكنات السفلية بصفات الكفر والشر والنجاسة وغيرها، إلا أن هذا التفسير لا ينسجم مع جملة من الوقائع والاعتبارات الدينية. فثمة تعارض ظاهر بين هذه الحالات وبين نظرية التراتب الوجودي المبنيّة على منطق السنخية وقاعدة الإمكان الأشرف. إذ يفترض - بحسب هذه القاعدة - أن تتسلسل الوجودات ترتيباً من الأخيَر فالأخيَر، ومن الأطهر فالأطهر، وفقًا لعلوها في سلّم الوجود.

ولو طُبّقت هذه القاعدة على الموجودات التي تُوصَف بالشر أو النجاسة، لكان من المفترض أن تحتل أدنى مراتب السلسلة الوجودية. غير أن الواقع لا يُطابق هذا التصوّر. فمثلاً يُنظر إلى الكلب بأنه نجس تبعاً للاعتبارات الدينية، وهذا يفترض أن تكون المراتب الأدنى منه في سلم الوجود أشد نجاسة، بينما نرى أن النبات، بل وأغلب الأجسام الطبيعية التي تقع تحته في التراتب، تُعدّ طاهرة.

وإن قيل إن الوجود – بما هو وجود – طاهر على الإطلاق، وينطبق هذا الحكم على جميع الموجودات، فإننا نقول: إن ذلك لا يمنع من التفاوت في درجات الطهارة، كما هو الحال في تفاوت مراتب الوجود من حيث القوة والضعف. فكلما ضعف الوجود، اقترب من شوائب النقص وقِلّة الطهارة، والعكس بالعكس. وإذا تقرّر أن النجاسة صفة ماهوية لبعض الكائنات، فلابد أن يكون لها موقع وجودي يتناسب مع هذه الماهية.

ووفق ما أقرّه صدر المتألهين من أن الماهية حاكية عن الوجود بمعناه الذاتي كما فصلنا الحديث عن ذلك في دراسة مستقلة، لذا تصبح العلاقة بينهما واضحة التحديد من حيث السنخية على صعيد الصفات، ومنها ما يتعلّق بالطهارة والنجاسة. فإذا كان الوجود في ذاته طاهراً، فلابد أن تكون الماهية كذلك؛ باعتبارها ظل الوجود.

وبناءً على ذلك، فإن وصف الكلب - مثلًا - بالنجاسة، بخلاف ما تحته من المراتب الوجودية التي تُعد طاهرة، يُمثّل خرقاً للمنظومة الوجودية، ويناقض أصلها التوليدي القائم على التراتب والسنخية.

وعلى نفس هذه الشاكلة من الخرق ما جاء في وصف بعض الفلاسفة لابليس والشياطين تبعاً للاعتبارات الدينية. فبحسب منطق السنخية يتوجب ان يحظى الشيطان بنسبة من الشر والقبح أقل من النباتات والحيوانات والأجسام المعدنية والعنصرية، مثل الماء والهواء والتراب وغيرها، باعتباره يتمتع بمرتبة وجودية أعلى.

فهو على رأي البعض عبارة عن موجود نفساني متولد من طبقة دخانية نارية يغلب عليه الشرارة والإغواء والإضلال، ويتصف باللطافة وسرعة النفوذ[46]. وهو من وجهة نظر صدر المتألهين عبارة عن جوهر نفساني فاعل الشر، ومبدأ الغلط في الاعتقادات، والفسوق والعصيان في الأعمال، ومنشأ الوسوسة والمكر والخديعة، وإرائة أشياء لا حقيقة لها، وانه كذلك عبارة عن أصل الضلال والعمى والجهل، لا سيما ذلك المشفوع بالرسوخ[47].

غير أن وصف الشيطان بأصل الشر والضلال يكافئ ما توصف به المادة عند الفلاسفة، إذ إعتبروها أصل ذلك الشر لبُعدها عن مراتب الكمال في الوجود.

وهكذا أصبحنا أمام حكمين ملفقين، أحدهما ديني يقر بأن الشيطان يمثل المصدر الأساسي للشرور، وآخر فلسفي يرى أن منبع الشر ينبثق من المادة، نظرًا لضعف وعائها الوجودي.

مع هذا، لم ينكر صدر المتألهين الدور الايجابي للشيطان في الحياة، حيث إعتبر وجوده مقارنة بوجود الملائكة، هو كوجود القوة الوهمية مقارنة بالقوة العاقلة. فرغم أن القوة الوهمية تفضي إلى التضليل؛ لكنها ضرورية لإدراك الجزئيات. كذلك هو حال الشيطان، إذ رغم ما يسببه من شرور في الحياة؛ فإنه يلعب دوراً بارزاً في عمارة الدنيا وصلاحها. فلولا أوهام أتباع الشيطان من المعطلة والمتفلسفة والدهريين؛ لما انبعث أولياء الله وأهل الحكمة والعرفان في تحقيق الحقائق وتعليم العلوم وطلب البراهين لبيان التوحيد. كما يظهر هذا الدور الإيجابي في قضايا تهذيب الأخلاق والأحوال والأعمال، حيث يستفيد الإنسان من مراقبة الآخرين له في تصحيح مساره، واظهارهم عيوبه. كما يتجلى كمال الإنسان حيث تبدو نقائص الآخرين، لهذا قيل: لولا معاوية ما كان علي[48].

مع ذلك، فإن وصف الشيطان بأصل الشر والقبح يعد تركيبًا ملفقاً مع النصوص الدينية، ولا يتماشى مع المنظومة الفلسفية وأصلها المولّد.

وينطبق الموقف ذاته على النفوس البشرية، باعتبارها مصدراً للشر وباعثاً عليه بما يفوق غيرها من المراتب السفلية، كالذي يشهد عليه الواقع، وكذلك النصوص الدينية التي تشبّه أقواماً بأنهم كالأنعام أو أضلّ سبيلاً. الأمر الذي لا يتفق مع مرتبة البشر الوجودية وفقاً لمنطق السنخية ونظرية الإمكان الأشرف. إذ كلما كانت الوجودات أكثر تجرداً، فإنها تكون أشد كمالاً وقرباً من المبدأ الحق، كالذي أقرّ به صدر المتألهين[49]، لكنه بدافع الوحي اعترف بخسة بعض الكائنات وحقارتها ع مقارنة بمن هم أقل تجرداً، ومن ذلك النفوس الإنسانية الشريرة وما شاكلها.

فاستناداً إلى بعض النصوص القرآنية إعتبر ‹‹ان العالم كله في مقام الاستقامة على الصراط والعبودية والخضوع، إلا كل مخلوق له قوة الفكر وتسلط الوهم واغواء الشيطان، وليس إلا النفوس الإنسانية النطقية من حيث أعيان تلك النفوس. أما أبدانهم وهياكلهم فهي أيضاً كسائر العالم في التسبيح والعبودية الذاتية، فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة››[50].

والواقع ان المنظومة الوجودية تواجه إشكالاً حتى مع عدم لحاظ ما عليه النصوص الدينية، إذ كيف يمكن تفسير إمكانات الشر لدى النفوس البشرية بما يفوق غيرها من الكائنات التي دونها درجة؟

التنزل وعلة هبوط النفس

رغم ان تفسير عملية الصعود، كما في النزول، تعد من الحتميات الملازمة لدوران الوجود؛ إلا ان اضفاء صفة الغاية على هذه العملية لا يمكن أن يُفهم إلا على نحوٍ المجاز، لا الحقيقة. ذلك أن الأصل لما كان محض الكمال والتمام، فسوف لا يصح أن يكون منشأً للتنزل والتسافل وفقاً للمنطق الغائي. إذ كيف نفسّر بهذا المنطق علة التنزل الحتمي؟

وبعبارة أخرى، تتوقف سلسلة الصعود على جريان سلسة النزول، ولولا ان الأولى متوقفة على الأخيرة؛ لجاز تفسير هذه الأخيرة وفقاً للمنطق الغائي، إذ الغرض هو الوصول إلى الكمال. لكن المشكلة تتحدد في سلسلة النزول التي لا يبررها المنطق الغائي، باعتبارها سلسلة قائمة على التسافل لا التصاعد، أي الجريان من الكامل إلى الناقص، وان كل ما بوسع هذا الأخير هو العودة من جديد إلى الكامل دون ان يضيف إليه شيئاً آخر غير موجود فيه.

وعليه نتساءل: لماذا حدث للنفس ان تنزلت إلى عالم الأبدان المظلمة، مع انها كانت في الأصل ضمن عالم الكمال الجمعي؟

وتعد هذه المسألة من الإشكاليات الشائكة التي أرّقت عقول الفلاسفة القدماء، فاضطرتهم إلى تبرير عملية الهبوط نتيجة لما تعرضت له النفس في عالمها العلوي من ذنب وخطيئة قد اقترفتهما. وهو تبرير لم يرضِ صدر المتألهين، وحقّ له ان لا يتقبله، إذ كيف يمكن تصور ان تقترف النفس خطيئة، وهي في عالم العقل المقدس، حيث تكون كينونتها صافية نقية غير محتجبة ولا ممنوعة عن كمالها العقلي، بخلاف كينونتها في عالم الطبيعة والحس[51]؟!

لذا كان لا بد من تفسير آخر مغاير، كالذي عرضه صدر المتألهين، إذ رأى ان علة النزول لغرض غائي مفاده إتمام ما بقي للنفس من خيرات لا يمكن تحصيلها إلا بالهبوط والحلول في الأبدان[52]. غير أن هذا الهبوط لا يعني تخلّي النفس عن كمالها السابق، أو انقطاعها عن العالم العلوي، بل يعبّر عن نشأة من نشآتها ومقاماتها ومراتبها.

وهو تفسير ينسجم مع اعتبارات الترتيب ضمن سلسلة العلة والمعلول تبعاً لمنطق السنخية ونظرية الإمكان الأشرف، لكنه مع ذلك لا يبرر التفسير الغائي. بل ويصطدم مع الطبيعة الحتمية لعلاقة العلية التي تفترض أن التأثير يكون من الأعلى إلى الأدنى، بخلاف التوجّه الغائي الذي يفعل العكس، حيث التحرك من الأدنى فالأعلى.

وبالتالي فإن ما لجأ إليه صدر المتألهين لا يخلو من تناقض. إذ قرر ان العالم العلوي هو سبب هبوط النفس ونزولها، وعزا ذلك إلى شؤون فاعلها وجهات علتها وحيثياتها، ولأن النفس ضعيفة فقد تشبثت بأبدان ساكنة في منازل سفلية؛ تبعاً لاختلاف الأطوار والنشآت[53]، وكما قال: ‹‹ان النفوس الإنسانية موجودة قبل الأبدان بحسب كمال علتها وسببها. والسبب الكامل يلزم المسبب معها، فالنفس موجودة مع سببها لأن سببها كامل الذات تام الإفادة، وما هو كذلك لا ينفك عنه مسببه، لكن تصرفها في البدن موقوف على استعداد مخصوص وشروط معينة، ومعلوم ان النفس حادثة عند تمام استعداد البدن وباقية بعد البدن إذا استكملت، وليس ذلك إلا لأن سببها يبقى أبد الدهر. فإذا حصل لك علم يقيني بوجود سببها قبل البدن، وعلمت معنى السببية والمسببية، وان السبب الذاتي هو تمام المسبب وغايته، حصل لك علم بكونها قبل البدن بحسب كمال وجودها وغنائها، والذي يتوقف على البدن هو بعض نشآتها، ويكون استعداد البدن شرطاً لوجود هذه النشأة الدنيوية والطبيعة الكونية، وهي جهة فقرها وحاجتها وإمكانها ونقصها، لا جهة وجوبها وغناها وتمامها››[54].

وواضح ان هذا التفسير متسق ومقبول بقدر ما يعبّر عن العلاقة الحتمية بين العلة ومعلولها، لكنه يخفق عندما يعبّر عن التفسير الغائي، كإن يقال ان علة هبوط النفس إلى العالم السفلي هو لأجل تتميم الخيرات في هذا العالم[55]، أو كما استشهد صاحب هذا التفسير بكتاب (اثولوجيا) المنسوب خطأً إلى أرسطو، وهو ان هناك فائدة عظيمة في هبوط النفس إلى عالمنا السفلي، فالنفس لم يضرها هذا الهبوط شيئاً، بل انتفعت به في معرفة الشيء والعلم بطبيعته بعد ان افرغت عليه قواها، وتراءت أعمالها وأفاعيلها الشريفة الساكنة التي كانت فيها وهي في العالم العقلي. فلو لم تظهر أفاعيلها، وتفرغ قواها وتصيّرها واقعة تحت الابصار، لكانت تلك القوى والأفاعيل باطلة، ولكانت النفس تنسى الفضائل والأفعال المحكمة المتقنة عندما تكون خفية لا تظهر، بل لو خفيت قوة النفس ولم تظهر لفسدت وصارت كأنها لم تكن[56].

وكما أسلفنا، إن الإشكال ليس في وجود نشآت النفس وأطوارها المختلفة، قبل حلول البدن وبعده، بل في اعتماد التفسير الغائي الذي يذهب إلى أن النفس تهبط لاكتساب كمالٍ لا يُنال إلا في العالم السفلي. والحال ان هذا العالم محكوم بالعالم العلوي، وأن النفس في مقامها الأعلى ليست في حاجة إلى أفاعيل النفس الدنيا، تماماً كما لا تحتاج العلة إلى معلولها، والعالي لا يلتفت إلى السافل. فكل ذلك يجعل من النفس وهي في العالم العلوي غنية عما دونها، بخلاف النفس الدنيوية التي أبلغ ما تتطلع إليه من الكمال هو الالتحاق بأصلها الثابت من دون ان تضيف إليه شيئاً أصلاً، إذ الفيض والجود والعطاء يسير باتجاه واحد من العالي إلى السافل، لا العكس.

وبالتالي ليس ثمة ما ينفع النفس العلوية أو يضرها، سواء ظهرت أفاعيلها في الدنيا أم لم تظهر. بل كيف يمكن للنفس الدنيوية أن تفعل شيئاً بذاتها وهي تابعة في وجودها ومسيرتها لما فوق؟! ناهيك عن ان الواقع يطلعنا على أن النفس الدنيوية قد تلوثت وحملت معها الكثير من من الأدران والآثام والخطايا التي هي في غنى عنها فيما لو بقيت في عالم العقلي الجمعي.

من هنا وجّه السهروردي اعتراضه المعروف إلى الفلاسفة القائلين بقدم النفس ونزولها من عالم القدس، إذ تساءل: لو كانت النفس مجردة قديمة كما زعموا، فما الذي ألجأها إلى مفارقة عالم النور والحياة والتعلّق بعالم الظلمة والموت؟! ومَن ذا الذي قهرها على التعلق بالبدن؟ بل كيف انجذبت من عالم القدس والنور إلى الفقر المادي؟ وقد دعته هذه الإشكالات إلى القول بحدوث النفس عند تمام استعداد البدن لقبولها، دون ان ينقص شيء من عالم القدس بفيضان النفوس إلى غير نهاية[57].

ونضيف إلى ما سبق، ان مقالة هبوط النفس وحلولها في العالم السفلي لتتميم الخيرات؛ تأذن بفتح الباب أمام الاعتقاد بعدم وجود مانع من تنزّل المبدأ الحق ذاته إلى العالم الجسماني، وذلك كي لا يفوته من الخيرات شيء، وهو ما يفضي إلى اعتبار الحقيقة الإلهية سارية في كل شيء من دون استثناء، حتى في أدنى مراتب الوجود، كالذي تقرره المدرسة الصوفية ضمن ما يُعرف بالوجود المطلق أو واجب الوجود، لا سيما ان هذه الطريقة ترى الكمال حاضراً في كل شيء باطلاق من دون تشتيت ولا تفريق، وهو ما يبرر اعتبار الواجب الحق عين الكل من دون نقص؛ بما في ذلك ما نتوهمه نقصاً، كوجود الأعراض والمواد والأجسام وما شاكلها.


[1] أسرار الآيات، ص148-149.
[2] مفاتيح الغيب، ص558.
[3] صرح صدر المتألهين في (أسرار الآيات، ص167) بوجود ثلاثة أنواع للموت؛ أولها وأدناها الموت الطبيعي، اي موت البدن، باشارة قوله تعالى: ﴿كل من عليها فان﴾ الرحمن/ 26، والثاني هو موت الفزع أو عدم النفس، باشارة قوله تعالى: ﴿ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض﴾ النمل/ 87، والثالث هو موت الصعق والفناء في التوحيد الذي يمثل عدم الروح، باشارة قوله تعالى: ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض﴾ الزمر/ 68. وقد اعتبر ان بالموت الأول يستحق المؤمن الذي من أصحاب اليمين جنة السعداء، والكافر جحيم الأشقياء، وبالموت الثاني يستحق جنة الكاملين المعبر عنها بقوله تعالى ﴿يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية﴾ الفجر/ 27-28، اما بالموت الثالث فيستحق جنة الموحدين المعبر عنها بقوله تعالى: ﴿ادخلي في عبادي وادخلي جنتي﴾ الفجر/ 29-30.
[4] الانشقاق/ 6.
[5] الزخرف/ 14.
[6] ق/ 22.
[7] أسرار الآيات، ص87-88 و149. والأسفار، ج9، ص27-28.
[8] وذلك باشارة له إلى عدد من النصوص التي استظهر منها انها تدل على الفقر والحاجة والنقص، مثل قوله تعالى: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً﴾ البقرة/ 245، أو ما جاء في الحديث القدسي: ‹‹جعتُ فلم تطعمني، مرضتُ فلم تعدني، ظمئتُ فلم تسقني›› (شرح الفصوص، ص346).
[9] شرح الفصوص، ص3973. ويقول بهاء الدين العاملي: ‹‹فان قيل فمن المثاب والمعاقب والمنعم والمعذب في الدار الآخرة اذا كان الوجود واحداً؟ أُجيب بأن في الدنيا غنياً وفقيراً وعزيزاً وذليلاً ومالكاً ومملوكاً فكذلك في الدار الآخرة›› (مصطفى صبري: موقف العقل والعلم والعالم، ج3، ص161).
[10]  مفاتيح الغيب، ص85. ولطائف العرفان، ص19-20.
[11]  التكوير/ 5.
[12]  أسرار الآيات، ص150-151. والأسفار، ج8، ص399-400. وعرشيه، ص241.
[13]  تفسير القرآن لصدر المتألهين، ج4، ص279 و288.
[14]  مفاتيح الغيب، ص197ـ198.
[15]  الأسفار، ج7، ص66.
[16]  فمثلاً ان البخل والجبن والاسراف والكبر والعجب وكذا الأفعال الذميمة مثل الظلم والقتل والزنا والسرقة وغيرها كلها تعد من الخيرات الوجودية، فهي كمالات لأشياء طبيعية وقوى حيوانية في الإنسان، وانما شريتها قياساً بما فوقها من القوى النفسية أو العقلية الأكمل منها (الأسفار، ج7، ص61).
[17]  الأسفار، ج7، ص61-63.
[18]  لقد اعترض صدر المتألهين على هذا الموقف العام للفلاسفة من الآلام. فصحيح انه لا ينكر ذلك الشر العرضي الذي تحدث عنه الفلاسفة والذي هو شر عدم الكمال، لكنه يرى ان بجنبه شراً آخر غير عدمي، وبالتالي هناك نوعان من الشر متلازمان، احدهما عدمي مثل قطع العضو وزوال الصحة، وآخر وجودي هو ذات الألم، فهو شر بذاته، فرغم كونه نوعاً من الإدراك مما يجعله على نحو ما من الوجود، لكنه من أفراد العدم باعتبار انه إدراك للمنافي العدمي؛ كإدراك قطع العضو وما على شاكلته، فيكون شراً بالذات، وهو وإن كان نحواً من العدم لكن له ثبوتاً على نحو ثبوت أعدام الملكات كالعمى والسكون والفقر والنقص والإمكان والقوة. وعليه فالأمر عنده لا ينقض القاعدة الفلسفية القائلة: ‹‹كلما هو شر بالذات فهو من أفراد العدم البتة››. وهذا الرأي لصدر المتألهين لم يلق قبولاً لدى كل من السبزواري والطباطبائي، لكنا لسنا بصدد ذكر التعليق والاعتراضات عليه (لاحظ: الأسفار، ج7، ص63-66).
[19]  المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص206.
[20]  اعلام الفلسفة العربية، ص377.
[21]  الأسفار، ج7، ص67.
[22]  وكما يقول صدر المتألهين: ‹‹قد ظهر ان ما ينسب إلى المظاهر والمجالي من الأفعال والصفات المخصوصة، فهو ثابت لها من وجه ومسلوب عنها من وجه، اذ لكل موجود خاص جهة ذات وماهية، وجهة وجود وظهور. ليس للحق الا افاضة الوجود على الماهيات›› (ايقاظ النائمين، ص33).
[23]  ايقاظ النائمين، ص31.
[24]  مفاتيح الغيب، ص175.
[25]  صدر المتألهين: رسالة جبر وتفويض، ص7 .
[26]  النساء/ 79.
[27]  انظر: شطحات الصوفية، مصدر سابق، ج1، ص30.
[28]  شرح أصول الكافي، مصدر سابق، كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسمية.
[29]  الزمر/ 7.
[30]  رسالة جبر وتفويض، ص5.
[31]  الأسفار، ج6، ص343-344.
[32]  الأسفار، ج6، حاشية ص 344-345.
[33]  الانعام/ 12. انظر: مفاتيح الغيب، ص297.
[34]  مفاتيح الغيب، ص166-167.
[35]  الأسفار، ج2، ص354. وايقاظ النائمين، ص33-34.
[36]  صدر المتألهين: مفاتيح الغيب، ص173-174. والمبدأ والمعاد، ص198.
[37]  مطلع خصوص الكلم، ج1، ص417-418.
[38]  مطلع خصوص الكلم، ج1، ص424.
[39]  المصدر السابق، ج1، ص254-255.
[40]  أسرار الشريعة، ص87-88.
[41]  وعلى نفس هذا المقياس أقرّ الجيلي بعدالة عقاب وتعذيب كل من يكون مصدراً للشر والقبائح، اذ بدونه يتحقق الظلم تبعاً لوضع الشيء في غير موضعه (تحفه، ص288-289).
[42]  السياسة المدنية، طبعة انتشارات الزهراء، ص64.
[43]  هياكل النور، ص87. وشواكل الحور في شرح هياكل النور، ص193.
[44]  أسرار الشريعة، ص19.
[45]  تحفه، ص288-289.
[46]  المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص191.
[47]  مفاتيح الغيب، ص164.
[48]  مفاتيح الغيب، ص165-166. وتفسير صدر المتألهين، ج4، ص253-254.
[49]  الشواهد الربوبية، ص180.
[50]  لاحظ أسرار الآيات، ص81-82. وكذا نفس المصدر، ص164-165.
[51]  الأسفار، ج8، ص353.
[52]  المصدر السابق، ج8، ص354.
[53]  المصدر نفسه، ج8، ص358 و369.
[54]  المصدر نفسه، ج8، ص346-347. كذلك أسرار الآيات، ص101.
[55]  تُذكّر هذه النظرية بقصة ترويها الباحثة المختصة في الموت والاحتضار (اليزابث كوبلر – روس)، فهي تروي حواراً بينها وبين كائن روحاني غير متجسد تصفه بأنه واحد من مرشديها. لقد قال لها هذا المرشد: عندما أُولد من جديد في جسم كائن بشري أريد أن أموت جوعاً كالطفل. لكن لم تكن اليزابث ممن يؤمنون آنذاك بالأثر المطهّر للألم فأجابته بصراحة قاسية: أي بلاهة هي بلاهتك حتى تختار أن تولد لتموت جوعاً؟! فأجابها المرشد معقباً بمحبة فائقة: اليزابث، إن من شأن هذا أن يعزز فيّ الرحمة (آلان كومبس - مارك هولند: التزامن: العلم والأسطورة والألعبان، ترجمة ثائر ديب، دار الفرقد، دمشق، الطبعة الثانية، 2008م، ص253، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com)..
[56]  عن: الأسفار، ج8، ص356-357.
[57]  رسالة هياكل النور، ص82. كذلك: رسالة شواكل الحور في شرح هياكل النور، مصدر سابق، ص153 و158.
comments powered by Disqus