-
ع
+

الروايات المختلة في صحيحي البخاري ومسلم

يحيى محمد

كثيراً ما تتعارض الروايات في صحيحي البخاري ومسلم؛ إما مع الحقائق الحسية والكونية، او مع السنن الحياتية، او مع الاعتبارات التاريخية الموثقة، او مع القيم والضرورات الدينية، او مع النصوص القرآنية، او مع غيرها من متون الاخبار الاخرى، وذلك كالذي يتبين مما يأتي:

1ـ المعارضة مع القرآن

نبدأ اولاً بذكر ما جاء من الروايات التي لا تتوافق مع بيان القرآن الكريم، كالذي رواه ابو هريرة في صحيح البخاري من انه سمع النبي (ص) يقول: لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وأما مسيئاً فلعله أن يستعتب[1].

والحديث يتنافى في دلالته مع الايات التي تبدي ان الجزاء قائم على العمل، كما في قوله تعالى: ((وما تجزون الا ما كنتم تعملون)) (الصافات/39) وقوله: ((وأن ليس للانسان الا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى)) (النجم/39ـ40)[2].

ومثل ذلك ما روي في الصحيحين حول مسألة الاستغفار للمنافقين، اذ روى ابن عمر انه لما توفي عبد الله جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله (ص) فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله (ص) ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله (ص) وقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله (ص): إنما خيرني الله فقال: ((استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)) وسأزيد على السبعين، قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول الله (ص) فأنزل الله ((ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)) [3].

وهذه الرواية تخطّئ النبي في قضية دينية وتجعل من حكم عمر حكماً صحيحاً يطابق حكم الله، وبالتالي فهي لا تتسق مع القول بعصمة النبي في تبيانه للقرآن وتفسيره. كذلك انها تبدي خلاف بيان القرآن، حيث ظاهر الاية واضح في كون المراد ليس عدد الاستغفار، بل عدم التأثير، وهي كحال هذه الاية: ((إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط)) (الاعراف/40) اذ لقائل ان يقول بان الاية لا تمانع من جواز دخول الكافر المكذب للجنة، وذلك لانها علقت هذا الدخول على امر ممكن غير مستحيل وهو ولوج الجمل في سمّ الخياط، حيث لا يمتنع ان يصغّر الله الجمل ويكبّر سمّ الخياط، فيدخل الاول في الاخر. مع ان مراد الاية هو الاستحالة كما هو الظاهر، وليس هناك من يقول بالمعنى السابق.

ومما جاء في المعارضة مع نص القرآن ما روي في الصحيحين ان النبي نادى عدداً من قتلى المشركين فقال: هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقاً فإني قد وجدت ما وعدني الله حقاً، فقال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها؟ قال (ص): ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ شيئاً[4].

ويعد هذا الحديث معارضاً لقوله تعالى: (( إنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين)) (النمل/80) وقوله: ((وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنّ الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور)) (فاطر/22). لذلك ففي حديث اخر ان السيدة عائشة اعترضت على ناقلي الرواية بالايتين السابقتين، حيث جاء في صحيح مسلم ان عائشة اعترضت على الرواية السابقة واعتبرت من رواها قد وهل وان النبي لم يقل إنهم ليسمعون ما أقول، بل قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت الايتين المشار اليهما سلفاً[5].

وهذا الحديث للسيدة عائشة جاء معطوفاً على انكارها لحديث اخر رواه عدد من الصحابة مثل عمر وابنه عبد الله، وهو قول النبي: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه، فقالت وهِلَ ابن عمر، إنما قال رسول الله: إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن، ثم مثّلت على ذلك بتصحيحها لحديث سماع الموتى الانف الذكر.

وقد جاء حديث (تعذيب الميت ببكاء اهله عليه) بصيغ متعددة، منها ما روي عن  المغيرة بن شعبة انه سمع النبي يقول: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة[6]. لكن ابرز الصيغ المروية هي تلك التي جاءت عن ابن أبي مليكة انه قال: توفيت ابنة لعثمان بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس، وإني لجالس بينهما، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثم حدث فقال: لما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي ويقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر: يا صهيب أتبكي عليّ وقد قال رسول الله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، قال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، وقالت حسبكم القرآن: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى))[7]. وفي رواية اخرى اكملت أم المؤمنين حديثها لما بلغها قول عمر وابنه فقالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىء[8]. كما في رواية اخرى عن عروة بن الزبير ان عائشة قالت عند سماعها قول عمر (الميت يعذب ببكاء أهله عليه): رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئاً فلم يحفظه، إنما مرّت على رسول الله جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال: أنتم تبكون وإنه ليعذب[9].

واذا صح ان أم المؤمنين قد ردت حديث (تعذيب الميت ببكاء اهله عليه) معتبرة اياه مخالفاً لقوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى))، فانه على هذه الشاكلة يمكن رد عدد من الاحاديث المخالفة لمبدأ الجزاء على العمل، مثلما روي بشأن قضاء الصوم والصلاة وغيرهما للميت، ومن ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس من ان رجلاً جاء الى النبي (ص) فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى[10]، ومثله الحديث المروي عن عائشة ان النبي قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه[11]. ذلك ان مثل هذه الاحاديث لا تتسق وقول القرآن: ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأنّ سعيه سوف يرى، ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى)) (النجم/39ـ41). وقد كان احمد بن حنبل يستنكر حديث (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) رغم انه ثابت في الصحيحين[12].

ومما يستبعد حدوثه ما جاء في الحديث ان بعض الايات القرآنية تنزل وهي تعيد كلام احد الصحابة دون تغاير. فقد روى البخاري عن عمر بن الخطاب قوله: وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزلت: ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى))، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي (ص) في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فأنزلت هذه الآية[13]. اي انها انزلت بالمنطوق نفسه الذي ابداه عمر.

وكذا يستبعد حدوث ما تبديه بعض الروايات من ان صحابياً بارزاً كان يجهل العمل بآية التيمم وقت الخلافة الراشدة، كأنه لم يسمع بها من قبل، مع ان حالة الجنابة وغياب الماء هي من الامور التي يكثر فيها الابتلاء في ذلك الزمان، مما يجعل الاية حاضرة على الدوام، وكذا تبدي الرواية ان صحابياً اخر لم يستشهد بهذه الاية رغم انها تناسب المقام. فقد روى البخاري ومسلم أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال عمر: لا تصل، فقال عمار بن ياسر: أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي (ص): إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك. فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال عمار: إن شئت لم أحدث به[14].

وفي رواية اخرى ان احد الصحابة لم يبال بمنطق اية التيمم، وكأنها غير مجزية او كافية، وذلك ما لم نعتبرها شاهداً يؤيد مبدأ ترجيح المصلحة على النص كما ذهب اليه الطوفي؛ الذي استدل على ذلك بعدة ادلة، ومنها هذا الشاهد[15]. فقد روى البخاري ومسلم ان ابا موسى الاشعري سأل عبد الله بن مسعود: يا أبا عبد الرحمن! أرأيت لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً كيف يصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة ((فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً)) فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد، فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله (ص) في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي (ص) فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه؟ فقال عبد الله: أوَلم تر عمر لم يقنع بقول عمار[16]؟


2ـ تضارب المتون

ورد في الصحيحين عدد من الروايات التي بعضها يكذب البعض الاخر، ومن ذلك ما نقل ان مسلماً روى عن النبي انه توجه الى مكة يوم النحر فطاف طواف الافاضة ثم صلى الظهر بمكة، ثم رجع الى منى[17]، لكن في رواية اخرى جاء انه طاف طواف الافاضة ثم رجع فصلى الظهر بمنى[18]. وقد قال ابن حزم في هاتين الروايتين احداهما كذب بلا شك[19].

ومثل ذلك روى مسلم روايتين عن الاعور الدجال تارة ان عينه اليمنى طافئة، واخرى انها اليسرى، اذ روى عن ابن عمر ان النبي (ص) ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: ان الله تعالى ليس بأعور ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة[20]. لكنه روى في الوقت ذاته عن حذيفة ان النبي قال: الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار[21].

وروى مسلم عن يدي الله روايتين احداهما تكذب الاخرى، ففي احداهما جاء ان كلتا يديه يمين، وجاء في الاخرى ان يديه يمين وشمال. فقد روى عن رسول الله (ص): إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين[22]. لكنه روى ايضاً عن النبي (ص) انه قال: يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون[23].

كما روى مسلم روايتين عن كلب زرع احداهما لا تتسق مع الاخرى، حيث جاء في احداهما ان عبد الله بن عمر روى أن رسول الله (ص) أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية، فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعاً[24].

وفي هذه الرواية لوّح ابن عمر الى ان ابا هريرة قد زاد في الحديث عن النبي لمصلحة شخصية. في حين جاءت رواية اخرى عن ابن عمر تؤيد ما ذهب اليه ابو هريرة، وهو انه نقل عن النبي قوله: من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط[25].

وروى مسلم ايضاً بعض الروايات المتعارضة حول اللعن والسباب، فقد جاء عن ابي الدرداء ان النبي (ص) قال: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة[26]، وكذا جاء عن ابي هريرة انه قيل للنبي: يا رسول الله ادع على المشركين، فقال النبي: إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة[27]. لكن في روايات اخرى تبدي ان النبي لعن وسب بعض الناس، ومن ذلك ما روي  عن عائشة انها قالت دخل على رسول الله (ص) رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان، قال: وما ذاك؟ قلت: لعنتهما وسببتهما، فأجاب النبي: أو ما علمت ما شارطت عليه ربي، قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً[28].

كذلك روى البخاري روايتين متعارضتين حول الاستقبال والاستدبار في قضاء الحاجة، ففي رواية عن ابي ايوب الانصاري ان النبي قال: إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا[29]، لكن جاء في رواية اخرى عن عبد الله بن عمر انه قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله (ص) يقضي حاجته، مستدبر القبلة، مستقبل الشام[30].

وورد في بعض كتب الحديث ما يجمع الحديثين السابقين في رواية واحدة، حيث روي عن جابر انه قال: نهى النبي (ص) أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها[31]. وقد اختلف العلماء في الجمع بين الخبرين او الحكمين المتعارضين، فذهب قوم الى نسخ احد الحكمين للاخر، كالذي يقوله ابن حزم معترضاً عمن يرى النهي وارداً في الصحارى دون البنيان، وذلك باعتبار انه لم يرد عن النبي هذا التقييد[32]. وهو التقييد الذي يقول به كل من الشعبي والشافعي وغيرهما[33]، ويؤيده ما ورد من رواية عن  مروان الاصفر انه قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نـهي عن ذلك؟ فقال: بلى إنما عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس[34]. كما ذهب اخرون إلى أن القول عام محكم والفعل يحتمل كونه خاصاً بالنبي (ص) فلا ينتهض ناسخاً ولا مخصصاً[35].

كما ورد في صحيح البخاري أحاديث متضاربة حول مصير الصحابة، ففي بعض الاحاديث جاء ان عصرهم هو خير القرون، وانه لا يوجد لهم مثيل، وانهم ناجون من النار، لكن في بعض اخر جاء ان الناجين منهم قلة هم المعبر عنهم بهمل النعم، اي ضوال الابل. فمثلاً روى البخاري عن ابي سعيد الخدري ان النبي (ص) قال في حديث له أمام جمع من اصحابه: ان في يوم القيامة ينادي الله تعالى مخاطباً ادم فيقول: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد ((وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)) فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبّر الصحابة، ثم قال: ثلث أهل الجنة فكبّروا، ثم قال: شطر أهل الجنة، فكبّروا[36]. وقريب من هذا الحديث ما رواه البخاري عن أبي هريرة[37]. وهو يعني ان اغلب الناس في النار، وان نصف اهل الجنة هم من اصحاب النبي. في حين جاء عن أبي هريرة ما يخالف الرواية الانفة الذكر، وهو ان النبي (ص) قال: بينما أنا نائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، قلت أين؟ قال إلى النار والله، قلت ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم[38].

كما روى البخاري رواية اخرى لا تتسق مع الاولى ولا مع الثانية، اذ روى عن ابي ذر ان النبي قال له: عرض لي جبريل فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت يا جبريل وإن سرق وإن زنى؟ قال نعم وإن شرب الخمر[39].

وروى مسلم أحاديث متعارضة حول المرأة وقطع الصلاة، ففي رواية عن ابي ذر ان النبي قال: إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود[40]. وعلى هذه الشاكلة ما روي عن ابي هريرة ان النبي قال: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب. ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل[41].

لكن جاء في نفس الصحيح عدد من الروايات عن عائشة تكذب ذلك، ففي رواية انها قالت: أن النبي (ص) كان يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة[42]. وفي رواية عن عروة بن الزبير ان عائشة قالت: ما يقطع الصلاة؟ قال فقلنا: المرأة والحمار، فقالت: إن المرأة لدابة سوء! لقد رأيتني بين يدي رسول الله (ص) معترضة، كاعتراض الجنازة، وهو يصلي[43]. كما في رواية اعتراضية اخرى انه ذكر عند عائشة ما يقطع الصلاة (الكلب والحمار والمرأة) فردت: قد شبهتمونا بالحمير والكلاب، والله! لقد رأيت رسول الله (ص) يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله فأنسل من عند رجليه[44].

ومن الروايات المتعارضة ان حديث اعتزال امراء الجور جاء مخالفاً لغيره من الروايات العديدة التي تأمر بالطاعة والصبر دون مفارقة الجماعة، حيث روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة ان النبي قال: يهلك الناس هذا الحي من قريش، فقال اصحابه: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم[45].

في حين روى الشيخان العديد من الروايات التي تأمر بطاعة امراء الجور والصبر عليهم دون مفارقة الجماعة، ومن ذلك ما روي عن النبي أن اسمع وأطع الامير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك[46]، ومثله قوله: من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية[47]، وقوله: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة[48]، وقوله: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم[49].

وهذه الروايات تخالف الحديث الاول الذي ينصح باعتزال امراء الجور، وقد كان الامام احمد ينكر هذا الحديث ويأمر بالضرب عليه لمخالفته للاحاديث الاخرى الانفة الذكر والتي تأمر بالسمع والطاعة والصبر[50].

كما جاء في الصحيحين عدد من الروايات التي ضعّفها الحفّاظ لاصطدامها بمسلمات النصوص التاريخية وبعض اعتبارات القرآن الكريم. فقد روى البخاري ومسلم حديث الاسراء وفيه عبارة (قبل ان يوحى اليه)[51]، وقد تكلم الحفاظ في هذه اللفظة وضعفوها. حيث انكرها ابو سليمان الخطابي وابن حزم وعبد الحق والقاضي عياض والنووي، وذلك لأن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون قبل الوحي[52]. ونقل عن ابن حزم قوله بهذا الصدد: لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئاً لا يحتمل مخرجاً الا حديثين، وهذا واحد منهما[53]. كما ان الخطابي عد قصة الاسراء بطولها في الحديث انما هي حكاية يحكيها أنس بن مالك من تلقاء نفسه لم يعزها إلى النبي (ص) ولا نقلها عنه ولا أضافها إلى قوله، فهي اما من أنس واما من شريك فإنه كثير التفرد بمناكير الالفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة[54].

كذلك روى مسلم عن ابي سفيان انه قال للنبي (ص) لما اسلم: يا رسول الله اعطني ثلاثاً: تزوج ابنتي أم حبيبة، واجعل ابني كاتباً، وامرني ان اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، فاعطاه النبي ما سأله[55].

وقد عدّ هذا الحديث موضوعاً، حيث ان أم حبيبة تزوجها النبي وهي في الحبشة واصدقها النجاشي، كما ان ابا سفيان انما اسلم عام الفتح، وبين الهجرة والفتح عدة سنين، واما امارة ابي سفيان فانها غير معروفة. ومع ذلك فعلماء الحديث، على ما يقول الحافظ الناقد عبد القادر القرشي، يجيبون على هذه الامور باجوبة غير طائلة على سبيل التجوه ‹‹فيقولون في انكاح ابنة ابي سفيان انه اعتقد ان نكاحها بغير اذنه لا يجوز، وهو حديث عهد بكفر فاراد من النبي تجديد النكاح، ويذكرون عن الزبير بن البكار باسانيد ضعيفة ان النبي امره في بعض الغزوات، وهو امر لا يعرف››[56].


3ـ التعارض مع العلم والواقع

تتضمن كتب الصحاح عدداً من الروايات التي تعارض العلم، ومن ذلك ما جاء حول كيفية تكون الذكر والانثى، وكما روى مسلم عن أم سليم انها سألت النبي (ص) عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال رسول الله (ص): إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، فقالت أم سليم: وهل يكون هذا؟ فقال النبي (ص): نعم؛ فمن أين يكون الشبه، إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه[57].

وفي رواية اخرى ان يهودياً سأل النبي فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله (ص): هم في الظلمة دون الجسر، قال اليهودي: فمن أول الناس إجازة؟ قال النبي: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون- اي الحوت - قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت. ثم قال: جئت أسألك عن الولد؟ قال النبي: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة، ذكراً بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل، أنثى بإذن الله. قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله (ص): لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به[58].

وجاء حول عجب الذنب ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: كل بني آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب؛ منه خلق وفيه يركب[59].

وفي رواية اخرى عن ابي هريرة يحدث فيها اصحابه بأن النبي قال: ما بين النفختين أربعون،  فسأل اصحابه: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة[60].

كما روى البخاري عدداً من الاحاديث حول نفي العدوى، مثلما جاء عن ابن عمر ان النبي قال: لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث: في المرأة والدار والدابة[61]. وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان النبي قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد[62].

ومن الروايات الاخرى التي تعارض العلم ما جاء حول شق القمر، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله (ص) أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما[63]. ومثل ذلك ما اخرجه مسلم عن انس وعبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس[64]. وذكر الطحاوي ان هذا الحديث روي بصيغ مختلفة عن الامام علي وحذيفة وابن عمر وابن عباس وانس بن مالك[65].

ويعد هذا الحديث لدى البعض متواتراً من حيث المعنى[66] . وقديماً كذبه بعض المتكلمين محتجاً بان شق القمر يكون آية للعالمين وحجة للمرسلين ومزجرة للعباد وبرهاناً في جميع البلاد؛ فكيف لم تعرف بذلك العامة ولم يؤرخ الناس بذلك العام ولم يذكره شاعر ولم يسلم عنده كافر ولم يحتج به مسلم على ملحد[67]؟

وهناك روايات تفسر طلوع الشمس وغروبها بما يناقض العلم لما تحمله من خرافة. فقد روى مسلم، وقريب منه البخاري، عن أبي ذر أن النبي (ص) قال يوماً: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه الشمس تجري حتى تنتهي تحت العرش، فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله (ص) أتدرون متى ذاكم؟ ذاك ((حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً))[68].

وروى البخاري ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان، حيث روى عن ابن عمر ان النبي قال: إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان[69].

يضاف الى ما سبق هناك روايات مستبعدة او تحتاج الى تحقيق علمي مستقل، كحديث الذبابة والعجوة والحبة السوداء وغيرها. فقد روى البخاري عن ابي هريرة ان النبي قال: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء[70]. وروى عن سعد ان النبي قال: من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر[71]. كما روى مسلم عن ابي هريرة ان النبي قال: إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام[72].

***

كذلك تحتفل كتب الصحاح بالكثير من الروايات التي يكذبها الواقع، ومن ذلك ما جاء حول التنبؤ بوقت الساعة، وعدم تسليط غير المسلمين على المسلمين، وكون الامامة في قريش ما بقي منهم اثنان، وان الاسلام لا يزال عزيزاً الى اثني عشر خليفة.

فكما روى مسلم عن انس بن مالك انه قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي (ص): إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة[73].

وفي رواية اخرى عن عائشة انها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله (ص) سألوه عن الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم[74].

وكذا الحال في روايات (لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)، ففي بعضها ما يشير الى امر الساعة، وفي بعض اخر ورد توجيه لدى بعض الصحابة ان معناه هو ان هناك من يعمر مائة سنة، ففي رواية عن أبي سعيد انه قال: لما رجع النبي (ص) من تبوك سألوه عن الساعة؟ فقال رسول الله: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم[75].

وفي رواية اخرى عن عبد الله بن عمر ان النبي قال في آخر حياته: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد. وقد وجه ابن عمر هذه الرواية بان النبي يعني لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد؛ يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن[76]. وروي عن الامام علي مثل هذا التوجيه، وهو ان النبي قصد بكلامه لمن هو يومئذ على الأرض من الناس لا لمن سواهم. مع هذا فقد ذكر الطحاوي العديد ممن عمّر اكثر من مائة سنة، امثال زرّ بن حبيش الذي توفي وهو ابن (122 سنة) وسويد بن غفلة الذي توفي وهو ابن (127 سنة) وابي عثمان النّهدي الذي توفي وهو ابن (140 سنة). وقد احتمل الطحاوي أن يكون وفاة هؤلاء المعمّرين في المائة سنة التي ذكرها رسول الله (ص) قبل خروجها[77].

كما روى مسلم عن ثوبان ان النبي (ص) قال: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم[78].

وروى البخاري عن ابن عمر ان النبي قال: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان[79]. وفي رواية اخرى ان عبد الله بن عمرو كان يحدث مع وفد من قريش عند معاوية أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية وقام وأثنى على الله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله (ص) وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين[80].

وكذا روى مسلم عن جابر بن سمرة ان النبي قال: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش[81].

وقد حار العلماء في تحديد هؤلاء الخلفاء الاثني عشر ومدة خلافتهم، وبعضهم حصرها في زمن واحد، وبعض اخر اعتبرها متوالية، واغلبهم ركز على خلفاء بني امية مضافاً الى الخلفاء الراشدين، معتبرين الفترة التي حكموها بانها تمثل عز الاسلام، ومع ذلك عجزوا عن القطع بتشخيص الخلفاء[82]، رغم ان الكثير من هؤلاء الخلفاء لم يكونوا من ذوي الصلاح، ولا كان زمانهم يمثل عز الاسلام لما فيه من الظلم والقهر والاجحاف. كذلك ليس من الصحيح تفسير الحديث وفق ما يراه الشيعة بان المقصود منه هو الائمة الاثنا عشر، وذلك لأن زمن الائمة لم تتوفر فيه عزة الاسلام كما يفترضه نص الحديث، خاصة وانهم يعتبرون الائمة عاشوا جميعاً في زمن التقية، وهو ما لا يتوافق مع متن الحديث.

كما روى البخاري ومسلم ان اكثر اهل النار من النساء، ففي حديث مروي عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله قال: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها[83]. وفي حديث اخر عن ابن عباس ان النبي قال: رأيت النار فإذا أكثر أهلها النساء. وعلل ذلك بانهن يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط[84].

لكن الواقع يشهد خلاف ذلك، وهو ان اكثر الشرور وابشع الجرائم يرتكبها الرجال لا النساء، وان المرأة غالباً ما تكون مغلوبة على امرها بسبب الرجال، وان ما ذكر من كفران المرأة للعشير كما في الحديث ليس بشيء قبال الفساد والدمار الذي يحدثه الرجال في الارض.


4ـ مشكلة الخرافة

روت كتب الصحاح الكثير من الروايات التي لا تعقل، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابي هريرة من ان النبي موسى لطم عين ملك الموت ففقأها. حيث روي ان رسول الله قال: جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال ثم مه، قال ثم تموت، قال فالآن من قريب رب امتني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله (ص) والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر[85].

وجاء في صحيح البخاري ما فيه الخرافة والاساءة للانبياء، ومن ذلك ما روي عن ابي هريرة ان رسول الله (ص) نقل عن سليمان (ع) قوله: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله وطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون[86].

ومثل ذلك روي عن قتادة ان أنس بن مالك قال: كان النبي (ص) يدور على نسائه في الساعة الواحدة، من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة - وفي رواية اخرى تسع زوجات- فسأل قتادة أنساً: أو كان يطيقه؟ فأجاب أنس: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين[87].

كما ورد في الصحيحين الكثير من الروايات الخرافية، مثل حديث التثاؤب من الشيطان، وان له ضراطاً عند المناداة بالصلاة، وانه يبول في اذن من نام ولم يقم لصلاة الصبح... الخ. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ان النبي (ص) قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال (ها) ضحك منه الشيطان[88].

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ان النبي (ص) قال: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل، فإذا ثوّب بها أدبر، فإذا قضي أقبل، حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً، فإذا لم يدر ثلاثاً صلى أو أربعاً سجد سجدتي السهو[89]. وروى البخاري ومسلم عن عبد الله من انه ذكر عند النبي (ص) رجل، فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال (ص): بال الشيطان في أذنه[90].

وروى البخاري عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً[91]. وروى مسلم عن ابي ذر انه سأل النبي عن الكلب الاسود فأجابه بأنه شيطان[92].

وروى البخاري عن ابي هريرة ايضاً انه كان يحمل مع النبي (ص) إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ قال: أنا أبو هريرة، فقال النبي: ابغني أحجاراً أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة، قال فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاماً[93]. وروى عن أم شريك أن رسول الله (ص) أمر بقتل الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام[94].  وروى ايضاً عن عامر بن سعد ان النبي (ص) أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقاً[95]. وفي رواية اخرى ان خمسة من الدواب تعد فواسق يقتلن في الحرم، فكما روي عن عائشة ان النبي (ص) قال: خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور[96].

وروى مسلم ان الفأرة ممسوخة، حيث جاء عن ابي هريرة انه قال: الفأرة مسخ وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه فقال له كعب: أسمعت هذا من رسول الله (ص)؟ قال: أفأنزلت عليّ التوراة[97]؟! والمقصود بذلك ان الفأرة هي من اليهود الممسوخين، ففي رواية انها كانت يهودية لذا انها لا تشرب البان الابل كما ان اليهود لا تشربها[98].

وروى مسلم ايضاً ان الضب قد يكون من الممسوخات، حيث جاء عن جابر بن عبد الله انه أتى رسول الله (ص) بضب فأبى أن يأكل منه وقال: لا أدري لعله من القرون التي مسخت[99] .

كما روى مسلم عن جابر ان النبي قال: إن عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة[100].

وروى عن ابي هريرة ان النبي قال: سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة[101]. كما روى مسلم  عن ابي هريرة ان النبي قال: لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر[102].

وروى ايضاً عن ابي هريرة ان النبي قال: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ ان ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيراً[103].

وفي رواية اسطورية تظهر ان رجلاً يوم القيامة تكون له الجرأة في ان يرد على الله تعالى ويقول: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟! فيضحك الرب على رده هذا[104].

وفي رواية اسطورية اخرى عن عمرو بن ميمون انه قال رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم[105].


5ـ مشكلة التشبيه

لم ينته الامر بعد!

فهناك الاحاديث التي لها علاقة بالصفات الالهية، كتلك التي تصور الله بما هو اقرب للتشبيه والتجسيم، حتى اضطرب العلماء في وجوه حملها وتفسيرها، فاغلب الصفات المادية التي يتصف بها البشر هي نفسها واردة في الخالق، فله وجه وعين ويد وكف وقبضة ويمين وساعد وذراع واصابع وانامل ورجل وقدم وساق وشعر، وان من صفاته انه يتكلم بصوت وحرف، وانه يعجب ويضحك ويتردد ويستحي ويغار ويهرول، وانه رؤي فاذا هو شاب جعد قطط، او انه في صورة شاب امرد، وانه يكشف عن ساق، وانه يضع قدمه في نار جهنم فتمتلىء، كما انه يستلقي فيضع احدى رجليه على الاخرى. واغلب هذه الصفات وردت في الصحاح جمعاً او انفراداً.

فقد ورد في صحيحي البخاري ومسلم ان الله خلق آدم على صورته، فعن ابي هريرة ان النبي (ص) قال: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً[106].

كما ورد ان لله يدين، ففي رواية ان كلتيهما يمين، وفي اخرى ان له يداً شمالاً، وكذا ان له عيناً وهو ليس بأعور، كما مر معنا. وقد احتجت المجسمة - كما نقل ابن بطال - بحديث العين وكيف ان النبي اشار بيده الى عينه كدلالة على ان عينه كسائر الاعين[107]. واعتقد هؤلاء وامثالهم ان لله عينين لا اكثر ولا اقل، واستدلوا على ذلك من دليل الخطاب في نص الحديث المشار اليه (ان الله ليس بأعور)[108].

وورد ايضاً ان لله اصابع، ففي رواية عن عبد الله بن مسعود انه جاء حبر من اليهود فقال: إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي يضحك حتى بدت نواجذه تعجباً وتصديقاً لقوله، ثم قال النبي: ((وما قدروا الله حق قدره)) إلى قوله يشركون[109]، وفي بعض طرق هذا الحديث لم تذكر عبارة (تعجباً وتصديقاً لقوله)[110]، واعتبرها البعض من قول الراوي، وهي باطلة لان النبي (ص) لا يصدق المحال وهذه الاوصاف في حق الله محال[111].

وقد شكك ابو سليمان الخطابي باحاديث الاصابع، وقال: ‹‹لم يقع ذكر الاصبع في القرآن ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر ان اليد ليست بجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الاصابع، بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الاصابع من تخليط اليهودي؛ فان اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين، واما ضحكه (ص) من قول الحبر فيحتمل الرضى والانكار، واما قول الراوي تصديقاً له فظن منه وحسبان، وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة››[112].

على ان حديث الاصابع جاء في عدد من الروايات، منها ما اخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي (ص) قال: إن قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء[113]. كما اخرج مسلم رواية اخرى عن عبد الله بن عمر ان النبي (ص) قال: يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله[114].

كذلك ورد ان لله قدماً يضعها في جهنم، ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك من ان النبي قال: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك[115]، وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان الله يضع رجله فيها فتقول قط قط[116].

وقد بلغت روايات القدم والرجل في الصحيحين وغيرهما اثنتا عشر رواية كما اخرجها الدارقطني في كتاب (الصفات)[117].

كما ورد ان لله ساقاً يكشف عنه يوم القيامة، حيث روي عن النبي في حديث طويل ان الله يسأل جماعة من الناس ان كانت بينهم وبينه اية يعرفونه بها، فيجيبون بنعم، فيكشف الله عن ساق، وعندها لا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة؛ كلما أراد أن يسجد خر على قفاه[118].

وروى البخاري على شاكلة ما سبق - في حديث طويل - ان النبي وعد امته بانهم سيرون الله تعالى يوم القيامة كما ترى الشمس والقمر ليلة البدر، حيث يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة... فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيتبعونه[119].

وفي رواية اخرى جاء التعبير عن ذلك: فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه[120].

وتبدي الكثير من الروايات ان الله سيرى يوم القيامة، ومن ذلك ما جاء ان النبي قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته[121]. وقد جمع الدارقطني روايات الرؤية فبلغت اكثر من ثلاثمائة رواية وحديث، منها اكثر من مائتين اسندت الى النبي، وما تبقى رواها عن اقوال الصحابة والتابعين[122].

كما ورد ان لله وجهاً وبصراً - له حدود - وحجاباً من نور، ومن ذلك قول النبي: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه[123].

وورد ايضاً ما يقتضي تحديد الله في جهة من الكون، ففي رواية تبدي انه في السماء، وفي اخرى انه قبال وجه المصلي. وكما جاء في صحيح مسلم ان النبي سأل جارية: أين الله؟ فاجابت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي لمالكها: أعتقها فإنها مؤمنة [124]. وفي رواية اخرى قال النبي: إذا كان أحدكم يصلي، فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى[125].

كما اورد البخاري حديث الاسراء وفيه ان النبي وصل الى سدرة المنتهى، وعندها: دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة... فالتفت النبي (ص) إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا...[126].

وقد علق ابو سليمان الخطابي على هذه الرواية بالقول: ليس في هذا الكتاب - صحيح البخاري - حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل، فأنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما، هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق إلى أسفل[127]. وقال ايضاً: ان الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر، واعتبر العهدة في ذلك على شريك الذي رواها عن انس[128].

كما اشكل الخطابي على ما جاء في الحديث من نسبة المكان الى الله، وذلك في المقطع (فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا) مع ان هذه النسبة قد تكون مضافة الى النبي لا الى الله، فليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله كالذي اشار اليه ابن حجر[129].

وجاء في عدد من الروايات ان لله انتقالاً وحركة، فهو ينزل الى السماء الدنيا، وكما روي عن أبي هريرة قول النبي: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له[130].

وذكر ابن الجوزي ان هذا الحديث رواه عشرون صحابياً[131]، وزاد على ذلك ابن القيم واعتبر الحديث قد رواه ثمانية وعشرون صحابياً ذكرهم بمسانيدهم[132] وفي محل اخر ذكر ابن القيم انه جاء في النزول اكثر من سبعين نصاً[133].

وورد في الصحيحين ان لله هرولة، وكما روي عن أبي هريرة قول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة[134].

كما ورد في الصحيحين ان الله يضحك ويتعجب ويتردد ويغار. ففي رواية عن ابي هريرة أن رسول الله قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد[135].

وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان الله قد عجب من صنع ما فعله بعض الناس، حيث ورد انه جاء رجل إلى رسول الله فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح قال له النبي: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة[136].

وروي عن ابي هريرة ايضاً قول الله: ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته[137].

وجاء حول غيرة الله الكثير من الروايات، وهو انه لا احد اغير منه، وفي بعضها ان الله حرم الفواحش لغيرته، ومن ذلك ما جاء عن عبد الله بن مسعود قول النبي (ص): ما من أحد أغير من الله؛ من أجل ذلك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله[138]. وفي رواية عن عائشة أن رسول الله قال: ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني[139]. وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان النبي قال: إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله[140]. كما في رواية اخرى عن المغيرة ان سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله فقال: تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة[141].

***

هذه جملة من الروايات التي تسقط الصفات البشرية على الباري جل وعلا، وقد ذهب بعض السلف الى اثباتها بالقرآن الكريم، حيث جاء عن سلام بن أبي مطيع - وهو شيخ شيوخ البخاري - أن رد على الناكرين لها بقوله: ويلهم ماذا ينكرون من هذه الاحاديث؟ والله ما في الحديث شيء الا وفي القرآن مثله، يقول الله تعالى: ان الله سميع بصير.. ويحذركم الله نفسه.. والارض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه.. ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي.. وكلم الله موسى تكليماً.. الرحمن على العرش استوى.. ونحو ذلك. وقيل ان هذا الشيخ لم يزل يذكر الآيات من العصر إلى غروب الشمس[142].

مع انه لم يرد من الصفات في القرآن ذكر الاصابع ولا القدم ولا الرجل ولا الصورة ولا الهرولة ولا النزول ولا الضحك ولا التردد ولا العجب ولا الغيرة، وهي الصفات التي وردت في الصحيحين، دعك عن سائر الصفات التي لم ترد فيهما. اما ما ورد في القرآن من صفات (التشبيه) فهي مجملة غير صريحة ولا مفصلة كتلك التي وردت في الروايات، وبعضها ظاهر انه لا يفيد المعنى الحقيقي للفظ، كالوجه واليد والعين، وبعض الالفاظ او الصفات لم ترد اضافته الى الله في القرآن، كلفظ الساق في قوله تعالى: ((يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون)) (القلم/42) وذلك بخلاف ما ورد في الاحاديث، وهي ايضاً مؤولة بحسب ما جاء عن بعض الصحابة والتابعين[143]، وبعض اخر يمكن ان يفهم خلاف الظاهر بحسب لحاظ الاساليب المستخدمة في القرآن ذاته، وكذا بحسب الاستخدام اللغوي المتعارف عليه، كالاتيان والمجيء والاستواء على العرش والكرسي، بدلالة ما عرف عن بعض الصحابة والسلف من تأويل هذه الصفات طبقاً للاستخدام القرآني تارة، واللغوي تارة اخرى، او لاعتبارات اخرى عقائدية وغيرها.

ومن ذلك ما نقل عن ابن حنبل انه فسّر الاتيان في قوله تعالى: ((هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)) (البقرة/210) بانه قدرته وأمره، مثلما هو موضح في قوله تعالى: ((أو يأتي أمر ربك)) وكذا فان معنى المجيء في قوله تعالى: ((وجاء ربك)) (الفجر/22) هو قدرته[144]. وفي رواية اخرى عن ابن حنبل ان المقصود بالاية هو جاء ثوابه[145].

كما روي عن ابن عباس انه قام بتأويل لفظة الكرسي في اية ((وسع كرسيه السموات والارض)) بانه العلم[146]. وكذا اورد الطبري معاني كثيرة للفظ الاستواء المستخدمة في اللغة عند العرب[147].

ويشير البعض الى ان الصفات المذكورة في القرآن لها دلالة واضحة على المعنى الحقيقي للاثبات، خاصة فيما يتعلق بصفة العلو التي دلل عليها بعدد من الايات التي بعضها يسند البعض الاخر، حيث قال الله جلّ وعلا: ((الرحمن على العرش استوى)) (طه/5) وقال: ((خلق السموات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش)) في سبعة مواضع، وقال تعالى: ((يخافون ربهم من فوقهم)) (الأعراف/54) وقال: ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)) (فاطر/10) وقال: ((بل رفعه الله إليه)) (النساء/158) وقال: ((أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور، أم أمنتم من في السماء ان يرسل عليكم حاصباً)) (الملك/16ـ17) وقال ((قل نزّله روح القدس من ربك بالحق)) (النحل/102) وقال: ((من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)) (المعارج/4) وقال عن فرعون: ((يا هامان ابن لي صرحاً لعليّ أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباًً)) (غافر/36ـ37) وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ولهذا قال وإني لأظنه كاذباً، ثم ان الرسول (ص) لما أراد الله ان يخصه بقربه عرج به من سماء إلى سماء حتى كان قاب قوسين أو أدنى[148].

بالفعل ان معنى العلو والفوقية المكانية ظاهر لا غبش فيه.. لكن لم ينحسم الامر بعد! حيث انه معارض بمعنى اخر ظاهر في ايات اخرى، مثل قوله تعالى: ((ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)) (ق/16) وقوله: ((الم تر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم، ولا خمسة الا هو سادسهم، ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم أين ما كانوا)) (المجادلة/7) وقوله: ((وهو معكم أين ما كنتم)) (الحديد/4) وقوله: ((وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله)) (الزخرف/84) وقوله: ((وهو الله في السماوات وفي الارض)) (الأنعام/3) وقوله: (( ألا إنه بكل شيء محيط)) (فصلت/54)... الخ.

والعديد من السلف واتباعهم من البيانيين اخذوا يعتمدون على الظهور الخاص بالمجموعة الاولى من الايات، ويأولون المجموعة الثانية، في حين التزم اغلب المتكلمين بتأويل كلا المجموعتين من الايات، بينما سلك العرفاء مسلكاً مضاداً وذلك بالاخذ بظاهر جميع هذه الايات لاعتقادهم بوحدة الوجود، وانها على رأيهم تدل على هذا المعنى كالذي يشير اليه ابن عربي في عدد من نصوصه، حيث يرى ان دلالات تعدد تقييده وتحديده بالامكنة، وكذلك تنزيهه احياناً، كلها تفيد عدم التقييد والتحديد[149].

ومن الطريف ان الجهمية - اصحاب جهم بن صفوان وقد عرفوا بكثرة التأويل - يعولون على ظواهر تلك الايات، ومنها ايات المعية ضمن المجموعة الثانية، في حين يقوم السلف واهل البيان بتأويلها، فالجهمية تقول بان الله في كل مكان، ويستشهدون بقوله تعالى: ((وهو معكم أينما كنتم)) في حين ان السلف يأولون هذه الاية بان معناها ان الله مع الجميع بعلمه لا بذاته[150]، حتى قال نعيم بن حماد عنها بان معناها هو انه لا يخفى عليه خافية بعلمه، مثل قوله: ((ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم))[151]، وسئل سفيان الثوري عنها فأجاب: بعلمه[152].

اذن ليس في القرآن الدلالة الصريحة على ما جاء في الروايات من معاني التشبيه في الصفات، ويكفي ان ايات التنزيه في القرآن قوية ومحكمة لا تتسق ومثل تلك المعاني. ويخطئ من يرى هذه المعاني صحيحة لكن من غير تشبيه ولا تكييف كما ورد عن جماعة من السلف والمتأخرين. اذ يمكن ان يقال ذلك فيما ورد من الصفات الموهمة للتشبيه في القرآن لا الحديث، وذلك باعتبار ان الاول مجمل بخلاف الاخر الذي اخذ على عاتقه التفصيل.

على ان بعض ائمة الحديث انكروا عدداً من الاحاديث انكاراً شديداً، ربما لما تبديه من التشبيه والتجسيم. فعلى ما رواه الضراب عن عبد الرحمن بن القاسم انه قال: سألت مالك بن انس عمن حدّث بالحديث (إن الله خلق آدم على صورته) والحديث الذي جاء (إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد) فأنكر مالك ذلك انكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد، فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به، فقال من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الاشياء، ولم يكن عالماً، وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات[153]. وروى الضراب قول مالك هذا عن طريق ابن وهب ايضاً[154].

كذلك تمنى بعض رجال السلف ان يترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث في الرؤية، كالذي يروى عن يحيى بن صالح، وعلق عليه احمد بن حنبل بقوله: كأنه نزع إلى رأي جهم[155]. ومن الحنابلة من لم يتقبل أحاديث الصفات؛ لكونها أخبار آحاد، كما هو الحال مع ابن سنينة (المتوفى سنة 610هـ)[156].

***

هكذا نجد في الصحيحين روايات متعارضة، وبعضها يعارض القرآن، كما ان بعضاً اخر يخالف الواقع العلمي والحسي، او يتصف بالخرافة الظاهرة وبالاساءة الى الانبياء. وكذا ان فيها صوراً من تشبيه الخالق وتجسيمه. وهي في جميع الاحوال لا يعقل ان تكون صادرة عن النبي الاكرم صلوات الله وسلامه عليه.



[1] صحيح البخاري، حديث 5349

[2] علماً بأن هذه الايات لا تتنافى مع الاية القائلة: ((ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من احد ابداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم)) (النور/21) فقد فسرت هذه الاية بأن الهداية والرشد وتزكية النفوس من الله تعالى، ولولا ذلك ما صلح للانسان عمل (لاحظ القرطبي: الجامع لاحكام القرآن، دار الكاتب العربي، مصر، الطبعة الثالثة، 1387هـ ـ1967م، ج12، ص207). واغلب الظن ان معناها يرتبط بسياق الايات التي قبلها والتي تتحدث عن الافك، وفيها دلالة على التوبة كالذي يشير اليه ابن كثير في تفسيره (ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار قتيبة، ج3، ص303).

[3] صحيح البخاري، حديث 4393، وكذا حديث 1210، ومثله صحيح مسلم، حديث 2774، وحديث 2400، وجاء في رواية اخرى عن عمر بن خطاب انه تعجب من جرأته على رسول الله (ص) يومئذ (صحيح البخاري، حديث 1300).

[4] صحيح مسلم، حديث 2873، كذلك: صحيح البخاري، حديث 3802

[5] صحيح مسلم، حديث 932.

[6] صحيح مسلم، حديث 933.

[7] صحيح البخاري، حديث 1226

[8] صحيح مسلم،  باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، حديث 929

[9] صحيح مسلم، حديث 931

[10] صحيح البخاري، حديث 1852

[11] صحيح البخاري، حديث 1851

[12] سير أعلام النبلاء، فقرة 10

[13] صحيح البخاري، حديث 393

[14] صحيح مسلم، حديث 368، وصحيح البخاري، حديث 331

[15] رسالة في رعاية المصلحة، مصدر سابق، ص138، وانظر ايضاً كتابنا: فهم الدين والواقع، دار الهادي، بيروت، الطبعة الاولى، 2005م، ص103

[16] صحيح مسلم، حديث 368، وصحيح البخاري، حديث 340

[17] لم اجد هذه الرواية في صحيح مسلم حسب النسخة الالكترونية التي اعتمدتها.

[18] صحيح مسلم، حديث 1308

[19] الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، ص591، وتعليق الكوثري على: شروط الائمة الخمسة، ص61ـ62

[20] صحيح مسلم، حديث 169

[21] صحيح مسلم، حديث 2934.

[22] صحيح مسلم، حديث 1827

[23] صحيح مسلم، حديث 2788

[24] صحيح مسلم، حديث 1571

[25] صحيح مسلم، حديث 1574، وإن كان في (سلسة الذهب) لابن حجر لم يستثنى كلب زرع، حيث روى عن ابن عمر عن النبي قوله: من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو ضارياً نقص من عمله كل يوم قيراطان. وبه أن رسول الله (ص) أمر بقتل الكلاب ( ابن حجر العسقلاني: سلسلة الذهب، مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ص58).

[26] صحيح مسلم، حديث 2598

[27] صحيح مسلم، حديث 2599

[28] صحيح مسلم، حديث 2600

[29] صحيح البخاري، حديث 144، كذلك حديث 386

[30] صحيح البخاري، حديث 148، ومثله حديث 2935،

[31] دليل أرباب الفلاح.

[32] النبذ في أصول الفقه، ص40ـ41.

[33] ولي الله الدهلوي: الانصاف في بيان أسباب الاختلاف، دار النفائس، الطبعة الثانية، 1404 هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ص30.

[34] دليل أرباب الفلاح.

[35] الانصاف في بيان أسباب الاختلاف، ص30.

[36] صحيح البخاري، حديث 4464.

[37] صحيح البخاري، حديث 6164.

[38] صحيح البخاري، حديث 6215

[39] صحيح البخاري، حديث 6078

[40] صحيح مسلم، ج1، حديث 265

[41] صحيح مسلم، ج1، حديث 266

[42] صحيح مسلم، ج1، حديث 267، ومثله حديث 268، وحديث 272

[43] صحيح مسلم، ج1، حديث 269

[44] صحيح مسلم، ج1، حديث 270، ومثله حديث 271 

[45] صحيح البخاري، حديث 3409، وصحيح مسلم، حديث 2917

[46] صحيح مسلم، حديث 1847

[47] صحيح مسلم، حديث 1849، وصحيح البخاري، حديث 6724

[48] صحيح البخاري، حديث 6723

[49] صحيح مسلم، حديث 1846

[50] مسند الامام احمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز العمال، دار صادر، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج2، ص301

[51] صحيح البخاري، حديث 7079، وصحيح مسلم، حديث 262

[52] فتح الباري، ج13، ص399

[53] فتح الباري، ج13، ص404

[54] فتح الباري، ج13، ص403

[55] جاء في صحيح مسلم ان ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي (ص) يا نبي الله ثلاث أعطينهن، قال نعم، قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ازوجكها، قال نعم، قال ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال نعم، قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال نعم (صحيح مسلم، حديث 2501).

[56] تعليق الكوثري على: شروط الائمة الخمسة، ص61ـ62، والجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، ص593

[57] صحيح مسلم، حديث 311

[58] صحيح مسلم، حديث 315

[59] صحيح مسلم، حديث 2955

[60] صحيح مسلم، حديث 2955

[61] صحيح البخاري، حديث 5421

[62] صحيح البخاري، حديث 5380، ولاحظ على هذه الشاكلة ما روي عن ابي هريرة وابن عمر: حديث  5387، وحديث 1993.

[63] صحيح البخاري، حديث 3655

[64] صحيح مسلم، ج4، باب انشقاق القمر.

[65] مشكل الاثار، حديث 107

[66] دليل ارباب الفلاح

[67] هذه هي الحجة التي ادلى بها النظام من المتكلمين وقد رد عليها ابن قتيبة بقوله: ‹‹ان الله تعالى يقول: ((اقتربت الساعة وانشق القمر)) فإن كان القمر لم ينشق في ذلك الوقت وكان مراده سينشق فيما بعد، فما معنى قوله: ((وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر)) بعقب هذا الكلام؟ أليس فيه دليل على أن قوماً رأوه منشقاً فقالوا هذا سحر مستمر؟! وكيف صارت الآية من آيات النبي (ص) والعلم من أعلامه لا يجوز عنده أن يراها الواحد والاثنان والنفر دون الجميع، أو ليس قد يجوز أن يخبر الواحد والاثنان والنفر والجميع كما أخبر مكلم الذئب بأن ذئباً كلمه، وأخبر آخر بأن بعيراً شكا إليه، وأخبر آخر أن مقبوراً لفظته الأرض›› (تأويل مختلف الحديث،  باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي).

[68] صحيح مسلم، حديث 250، وصحيح البخاري، حديث 6988

[69] صحيح البخاري، حديث 3099

[70] صحيح البخاري، حديث 3142

[71] صحيح البخاري، حديث 5443، ومثله حديث 5435ـ5436، وحديث 5130

[72] صحيح مسلم، حديث 2215

[73] صحيح مسلم، حديث 2953

[74] صحيح مسلم، حديث 2952

[75] صحيح مسلم، ج4، حديث 2539، ومثله حديث 2538

[76] صحيح مسلم، ج4، حديث 2537

[77] مشكل الاثار، ج1، ص64

[78] صحيح مسلم، حديث 2889

[79] صحيح البخاري، حديث 3310، وحديث 6721

[80] صحيح البخاري، حديث 6720

[81] وهناك صيغ اخرى مقاربة كلها مروية عن جابر بن سمرة، مثل صيغة: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. وصيغة: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. لكن اكثر الصيغ تكرراً هي الاولى المذكورة في المتن (انظر: صحيح مسلم، حديث 1821، وعلى هذه الشاكلة حديث 1822، وصحيح البخاري، حديث 6796).

[82] فتح الباري، ج13، ص182ـ185

[83] صحيح البخاري، حديث 298، ومثله حديث 1393، ومثله في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر، حديث 132

[84] صحيح البخاري، باب كفران العشير، حديث 29، وعلى هذه الشاكلة حديث 1004، وصحيح  مسلم، حديث 907، وحديث 885

[85] صحيح مسلم، حديث 2372، وصحيح البخاري، حديث 1274، وحديث 3226

[86] صحيح البخاري، حديث 6263

[87] صحيح البخاري، حديث 265

[88] صحيح البخاري، حديث 5869، ومثله حديث 5872، وحديث 3115، وصحيح مسلم، حديث 2994

[89] صحيح البخاري، حديث 3111، ومثله حديث 1164، وحديث 1174، وحديث 583، وصحيح مسلم، حديث 389

[90] صحيح البخاري، حديث 1093، وصحيح مسلم، حديث 774

[91] صحيح البخاري، حديث 3127

[92] صحيح مسلم، ج1، حديث 265

[93] صحيح البخاري، حديث 3647

[94] صحيح البخاري، حديث 3180

[95] صحيح البخاري، حديث 2238

[96] صحيح البخاري، حديث 1732، وحديث 3136، ولاحظ ايضاً: سلسلة الذهب، ص77

[97] صحيح مسلم، حديث 2997

[98] تأويل مختلف الحديث، مقدمة المؤلف.

[99] صحيح مسلم، حديث 1949

[100] صحيح مسلم، حديث 2813

[101] صحيح مسلم، حديث 2839

[102] صحيح مسلم، حديث 1470

[103] صحيح مسلم، حديث 1468

[104] روى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله قال: آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة فيقول: أي رب! أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب! ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب! أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب! أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب! هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب! أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم! ما يصريني منك (اي يقطع مسئلتك)؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟! فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر (صحيح مسلم، حديث 310)

[105] صحيح البخاري، حديث 3636.

[106] صحيح البخاري، حديث 5873، ومثله صحيح مسلم، حديث 2841. وجاء في رواية اخرى عن ابي هريرة قول النبي (ص): إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته (صحيح مسلم، حديث 2612).

[107] فتح الباري، ج13، ص329

[108] دفع شبه التشبيه، ص114

[109] صحيح البخاري، حديث 7075، وحديث 6978، وصحيح مسلم، حديث 2786

[110] صحيح البخاري، حديث 6979، وحديث 7013

[111] فتح الباري، ج13، ص337

[112] فتح الباري، ج13، ص336، ودفع شبه التشبيه، ص206

[113] صحيح مسلم، حديث 2654

[114] صحيح مسلم، حديث 2788

[115] صحيح مسلم، حديث  2848، وصحيح البخاري، حديث 6949

[116] صحيح مسلم، حديث 2846

[117] علي بن عمر الدارقطني: كتاب الصفات، تحقيق عبد الله الغنيمان، مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة الاولى، 1402هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، باب ما جاء في القدمين، ص12ـ18

[118] صحيح مسلم، حديث 302

[119] صحيح البخاري، حديث 7000، ومثله حديث 773، وحديث  6204.

[120] صحيح مسلم، حديث 299، وصحيح البخاري، حديث 7001

[121] صحيح البخاري، حديث 6997 و6998ـ6999، وحديث 547، وعلى هذه الشاكلة صحيح مسلم، حديث 302

[122] علي بن عمر الدارقطني:رؤية الله، تحقيق مبروك إسماعيل مبروك، مكتبة القرآن، القاهرة، نشرته شبكة المشكاة الالكترونية مع كتاب الصفات للدارقطني.

[123] صحيح مسلم، حديث 293

[124] صحيح مسلم، حديث 33

[125] صحيح البخاري، حديث 398، وصحيح مسلم، حديث 50

[126] صحيح البخاري، حديث 7079

[127] فتح الباري ج13، ص402

[128] لكن ابن حجر ذكر من وافق شريكاً في رواية التدني والتدلي، ومن ذلك ما نقله القرطبي عن ابن عباس انه قال: دنا الله سبحانه والمعنى دنا أمره وحكمه (فتح الباري ج13، ص403).

[129] فتح الباري ج13، ص403

[130] صحيح البخاري، حديث 1094، وصحيح مسلم، حديث 168

[131] دفع شبه التشبيه، ص194

[132] مختصر الصواعق المرسلة، ص386ـ398

[133] انظر: علي بن عبد الكافي السبكي: السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل، ومعه تكملة الرد على نونية ابن القيم بقلم محمد زاهد الكوثري، تقديم لجنة من علماء الازهر، مكتبة زهران، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص136

[134] صحيح البخاري، حديث 6970، وصحيح مسلم، حديث 2675، وحديث 2687 

[135] صحيح البخاري، حديث 2671، وصحيح مسلم، حديث 1890

[136] صحيح البخاري، حديث 3587، وصحيح مسلم، حديث 2054

[137] صحيح البخاري، حديث 6137

[138] صحيح البخاري، حديث 4922، وحديث 6968، وصحيح مسلم، حديث 2760 

[139] صحيح البخاري، حديث 4923

[140] صحيح البخاري، حديث 4925، وصحيح مسلم، حديث 2761

[141] صحيح البخاري، حديث 6980، وصحيح مسلم، حديث 1498 وحديث 1499

[142] فتح الباري، ج13، ص304

[143] جاء عن ابن عباس ان لفظ الساق في الاية له دلالة عن شدة من الامر، والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت، ومنه قد سن أصحابك ضرب الاعناق وقامت الحرب بنا على ساق. وجاء عن أبي موسى الاشعري في تفسير الساق انه نور عظيم. قال ابن فورك: معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والالطاف، وقال المهلب: كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة، وقال الخطابي: تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق، ومعنى قول ابن عباس ان الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة (فتح الباري، ج13، ص359، والنووي: المنهاج شرح صحيح مسلم، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، كتاب الايمان، باب معرفة طريق الرؤية (لم تذكر ارقام صفحاته). ودفع شبه التشبيه، ص118). وقد روي عن عدد من التابعين وغيرهم ان المقصود بالساق في الاية المذكورة هو الشدة، كالذي عليه مجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة وجمهور العلماء (دفع شبه التشبيه، ص118).

[144] دفع شبه التشبيه، ص141

[145] البداية والنهاية، ج10، ص361

[146] علق الطبري على ذلك بقوله: أصل الكرسي العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسة، ومنه قول الراجز في صفة قانص: حتى إذا ما احتازها تكرسا يعني علم. ومنه يقال للعلماء: الكراسي، لانهم المعتمد عليهم، كما يقال: أوتاد الارض، يعني بذلك أنهم العلماء الذين تصلح بهم الارض، ومنه قول الشاعر: يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالاحداث حين تنوب، يعني بذلك علماء بحوادث الامور ونوازلها. والعرب تسمي أصل كل شيء: الكرس، يقال منه: فلان كريم الكرس: أي كريم الارض (الطبري: جامع البيان، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج3، ص15ـ17).

[147] يقول الطبري: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها استقامة ما كان فيه أود من الامور والاسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيم: طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده يعني: استقام به. ومنها الاقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الاحسان إليه. ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه (جامع البيان، ج1، ص276ـ277).

[148] الواسطي: النصيحة في صفات الرب جل وعلا، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص11ـ12

[149] مؤيد الدين الجندي: شرح فصوص الحكم، تعليق وتصحيح جلال الدين اشتياني، انتشارات دانشگاه مشهد، ايران، ص432، كذلك كتابنا: مدخل الى فهم الاسلام، طبعة مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 1999م، ص179

[150] سير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 402، وابن أبي شيبة: كتاب العرش، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص50

[151] سير اعلام النبلاء، ج10، فقرة 610ـ611.

[152] سير اعلام النبلاء، ج7، فقرة 274، وانظر حول ذلك ايضاً: ابن تيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، المكتب الاسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1390هـ، ص96ـ97، ومحمد بن الموصلي: مختصر الصواعق المرسلة لإبن القيم الجوزية، تصحيح زكريا علي يوسف، مطبعة الامام 13، مصر، ص411.

[153] سير اعلام النبلاء، ج8، فقرة 103 و104

[154] السيف الصقيل، ص129ـ130

[155] سير اعلام النبلاء، ج10، فقرة 455

[156] ابن رجب الحنبلي: ذيل طبقات الحنابلة، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج2، فقرة محمد بن عبد الله بن الحسين السامري (لم تذكر ارقام صفحاته).

comments powered by Disqus