-
ع
+

الحديث النبوي وعصر التحفظ

 
 
 
الحديث النبوي وعصر التحفظ
يحيى محمد
 
في البحث عن تطورات الحديث عند اهل السنة هناك عصران مختلفان ومتضادان، نطلق على الاول منهما (عصر التحفظ) ويشمل ما كان عليه كبار الصحابة والتابعون، وعلى الثاني (عصر الانشغال والاشتغال) ويتجلى في اعمق صور تطوراته لدى المتأخرين من علماء القرن الثالث الهجري وما بعده. وتفصيل البحث عن العصر الاول سيكون كالاتي:
 
أـ المنشأ
مرت على الحديث النبوي مراحل واطوار تختلف كثيراً عن تلك التي جرت على القرآن الكريم. فقد بدأ القرآن بالتدوين كلاً او جزءاً، ومن ثم الجمع، ومن بعده الاقرار بنسخة مصححة تناقلتها الاجيال منذ زمن ثالث الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا، وهي المعروفة بمصحف عثمان. اما الحديث فامره مختلف، ذلك انه لم يجد تشجيعاً على تدوينه بالشكل الذي حصل مع القرآن، بل على العكس فان الاخبار الكثيرة الواردة عن النبي (ص) والصحابة والتابعين تفيد كراهة كتابته وتدوينه، رغم ان العديد منها ينتابه التعارض والتناقض.
فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) قال: لا تكتبوا عني شيئاً؛ فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه، ومن كذب عليّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار[1]. وكذا روي عن زيد بن ثابت أن النبي (ص) نهى أن يكتب حديثه[2]. وروي عن أبي هريرة انه قال: خرج علينا رسول الله (ص) ونحن نكتب الأحاديث، فقال ما هذا الذي تكتبون؟ قلنا أحاديث نسمعها منك، قال أكتاب مع كتاب الله? أمحضوا كتاب الله وأخلصوه، أتدرون ما ضل الأمم قبلكم الا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى، قلنا أنحدث عنك يا رسول الله? قال حدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، قلنا فنتحدث عن بني اسرائيل؟ قال: حدثوا ولا حرج، فأنكم لن تحدثوا عنهم بشيء إلا وقد كان فيهم أعجب منه، قال أبو هريرة فجمعناها في صعيد واحد فألقيناها في النار[3].
ومع ان نصوصاً اخرى نقلت عن النبي تجيز كتابة حديثه، كالتي ينقلها الحافظ البغدادي وابن عبد البر والرامهرمزي وغيرهم من الحفاظ، لكن يبدو من الكثير منها انها تفيد الكتابة الشخصية، وهي من هذه الناحية لا تدل على عزم النبي على كتابة حديثه، وقد عدها الحفاظ ليست باقوى من تلك التي ابدت الكراهة في الكتابة، وبعضها لا يتنافى مع مضامين الاولى؛ ككتابة السنن ومقادير الفرائض المعلومة، او الكتابة المعللة لاجل الحفظ، او لطلب ما فات من خطبة النبي (ص)، وإن كان بعضها الاخر يتناقض فعلاً مع الاولى.
ومن ابرز ما جاء في هذا الصدد حديث أبي شاه اليمني في التماسه من رسول الله (ص) أن يكتب له شيئاً سمعه من خطبته عام فتح مكة، حيث قال (ص): اكتبوا لأبي شاه[4].
وعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لا أحفظ شيئاً، قال: استعن بيمينك على حفظك. ومثله ما روي عن انس بن مالك[5]. وعن رافع بن خديج: قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها? قال: أكتبوا ولا حرج[6]. وقد نقلت روايات عديدة عما كان يكتبه عبد الله بن عمرو بن العاص وان النبي قد اجاز له ذلك، كالذي رواه البغدادي في (تقييد العلم). وروي عن أبي هريرة انه قال: ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله (ص) مني، إلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب بيده، فاستأذن رسول الله (ص) في أن يكتب ما سمع منه، فأذن له، فكان يكتب بيده ويعي بقلبه، وإنما كنت أعي بقلبي[7]. كما روي عن عبد الله بن عمرو انه قال: ما آسى على شيء إلا على الصادقة والوهط. وكانت الصادقة صحيفة إذا سمع من النبي (ص) شيئاً كتبه فيها، والوهط أرض كان جعلها صدقة[8].
لكن هذا المنقول عن ابي هريرة وابن عمرو وابن خديج يتنافى مع ما سبق ان روي عن ابي هريرة من ان النبي اعترض على من كتب عنه وطلب اتيان ما كتب حتى جمع وأحرق.
وقيل ان من ابرز الصحابة الذين اباحوا الكتابة هم كل من علي بن ابي طالب وابنه الحسن وأنس بن مالك وعبد الله بن عمرو[9]. وورد نص (قيدوا العلم بالكتاب) عن كل من النبي وعدد من الصحابة، منهم الامام علي وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وغيرهم[10]. فقد روي عن الامام علي انه خطب وقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرأه، ليس في كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة - وهي صحيفة معلقة في سيفه، فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات- فقد كذب[11]. وروي عنه ايضاً انه قال: من يشتري مني علماً بدرهم، اي يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم، ومثل ذلك روي عن ابن عباس[12]. كما روي عن الحسن بن علي انه دعا بنيه وبني أخيه فقال: يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم؛ فمن لم يستطع منكم أن يرويه، فليكتبه، وليضعه في بيته[13]. وروي ان مجاهداً سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه الواحه، فامره ابن عباس بالكتابة، حتى سأله عن التفسير كله، ولهذا كان سفيان الثوري يقول: اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به[14]. كما روي عن التابعي سعيد بن جبير بان عبد الله بن عباس كان يملي في الصحيفة حتى يملأها، وذكر انه كان هو الاخر يكتب في نعله حتى يملأها[15]. كذلك روي عن بشير بن نهيك انه قال: كتبت عن أبي هريرة كتاباً فلما أردت أفارقه قلت: يا أبا هريرة إني كتبت عنك كتاباً فأرويه عنك؟ قال: نعم اروه عني[16]. ومثل ذلك روي عن الشعبي انه قال: إذا سمعت شيئاً فاكتبه ولو في الحائط[17]، وكذا ما نُقل عن يحيى بن سعيد ان ابن أبي زائدة اخرج اليه كتاب الشعبي فكتب منه[18]، وهو خلاف ما سنرى في رواية اخرى انه كان يمنع نفسه من ان يكتب شيئاً.
***
وكما قلنا ان التعارض في النصوص عن النبي (ص) حول كتابة حديثه - حيث بعضها يدعو الى الكتابة في حين يمنع البعض الاخر ذلك - لا يلغي حقيقة كون النبي لم يرد لحديثه ان يدون تدويناً عاماً، اذ من الجائز انه كان يتقبل الكتابة الشخصية، وربما انه قام بمنع الكتابة احياناً عندما خشي ان تتحول الى التداول العام، كما تدل عليه بعض الاخبار.
وقد استمر حال التحفظ من التدويل العام للكتابة طيلة قرن من الزمان او اكثر قليلاً، وذلك في عهد كل من الصحابة والتابعين. وذكر الحفاظ اكثر من  تفسير لما حدث من منع كتابة الحديث او الامر بمحوها وازالتها. ومن ذلك احتمل ابن الصلاح امرين، احدهما هو ان النبي (ص) أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان، ونهى عنها لمن وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتاب. والاخر هو انه نهى عن الكتابة خوفاً من ان يختلط الحديث بصحف القرآن، ومن ثم أذن في كتابته حين أمن من ذلك[19]. وعلى هذه الشاكلة علل ابن حجر في (مقدمة فتح الباري) نهي النبي عن تدوين آثاره، وكذا استمرار ذلك في عصر الصحابة والتابعين، بأمرين: احدهما خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن، وثانيهما لسعة حفظ هؤلاء وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة[20]. وذكر الرامهرمزي بان علة كراهة الكتابة من قبل الصدر الأول للصحابة هو لقرب العهد وتقارب الإسناد ولئلا يعتمد على ذلك الكاتب فيهمل الحفظ ولا يعمل به[21]. كما قدّر بعض المعاصرين بانه لما عمّ القرآن وشاع حفظاً وكتابة لم يبق لهذا الخوف من معنى، بل أصبحت كتابة السنة واجبة لصيانتها من الضياع[22].
لكن هذا التقدير وكذا القول بان سبب النهي يعود الى  الخوف من ان يختلط الحديث بالقرآن، كما ردده المتأخرون الى يومنا هذا، ليس عليه دليل بحسب ما روي عن سيرة الصحابة واقوالهم.
ويبدو ان العلة في الكراهة والنهي تكمن في منع الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، وذلك لعدد من الاسباب، ابرزها ان لا يتخذ الحديث كتاباً يضاهي ما عليه القرآن، كما هو عادة الناس، وسنرى ان السيرة الفعلية للصحابة والتابعين تؤيد هذا المعنى. وقريب منه ما اشار اليه الحافظ أبو عمر بن عبد البر في ذكره للوجه الاول من علة كراهة الكتابة، حيث ذكر وجهين بهذا الخصوص: هما ألا يتخذ مع القرآن كتاباً يضاهى به، ولئلا يتكل الكاتب على ما كتب فلا يحفظ فيقل الحفظ[23]. ويؤيد هذا المعنى ان الكراهة لم تقتصر على كتابة الحديث، بل امتدت الى كراهة الاكثار منه، فالاكثار يفضي الى الانشغال به والاشتغال فيه، كما يفضي الى الكذب على النبي، حيث تكثر احتمالات تحوير كلامه او التقول عليه بشكل او بآخر، ومن ثم يؤدي الامر الى احلال دين بدين، كالذي حل في الاديان السماوية السابقة للاسلام. ومن هنا ظهر التحفظ في كل من كتابة الحديث والاكثار من روايته، بل وظهر التثبت في سماعه والرغبة في احالته احياناً الى من هو دون النبي (ص) خشية الكذب عليه، وذلك لما ورد عنه انه توعد بالنار لكل من كذب عليه.
 
حديث الكذب على النبي
من المهم بمكان ان نعرف انه ليس في الروايات التي رويت عن النبي ما يفوق حديث (الكذب على النبي) اهمية وصحة، وذلك لعدد من الاسباب. فمن جهة ان هذا الحديث اثر تأثيراً بالغاً على سائر ما روي من الاحاديث، اذ كان له تأثيره على عدم كتابة الحديث والاقلال من الرواية، والتثبت والتدقيق في ما ينسب الى النبي، وحتى الاقلاع عن الرواية كلياً. يضاف الى اهميته الخاصة في المنع من الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، كالذي تدل عليه السيرة الفعلية لكبار الصحابة والتابعين، إذ فيه ما يقتضي التحذير لاولئك الذين يكثرون من الرواية.
هذا من جهة، أما من جهة اخرى فهو ان لهذا الحديث خصوصية لا يدانيه فيها حديث اخر قط من حيث الصحة والتواتر، اذ ليس هناك خبر كثرت طرق روايته وتخريجه كهذا الحديث، حتى صوره العلماء والحفاظ بانه فاق حد التواتر، ولم يكن هناك حديث قط بلغ المدى الذي بلغه، حتى قال ابن الصلاح انه من سئل عن ابراز مثال للحديث المتواتر سوى هذا الحديث أعياه طلبه[24].
وقد ورد الحديث في الصحيحين وغيرهما، وذكر ابن حجر انه قد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه، فأول من وقف على كلامه في ذلك هو علي بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة، فذكر انه روى هذا الحديث من عشرين وجهاً عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم. كما ذكر كل من إبراهيم الحربي وأبي بكر البزار أن الحديث رواه أربعون من الصحابة. وقال أبو بكر الصيرفي انه رواه ستون نفساً من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلاً. وقال أبو القاسم بن منده رواه أكثر من ثمانين نفساً، وخرج الطرق بعض النيسابوريين فزادت قليلاً. وجمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب (الموضوعات) فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دحية. بل نقل عن ابن دحية ان الحديث أخرج من نحو أربعمائة طريق. وقال أبو موسى المديني رواه نحو مائة من الصحابة، وجمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر، وكان المجموع عنهما هو رواية مائة من الصحابة. ونقل النووي أن الحديث جاء عن مائتين من الصحابة، ولاجل كثرة طرقه اعتبره جماعة من الحفاظ أنه متواتر[25].
ومما ذُكر بهذا الصدد انه روى الحديث الكثير من التابعين عن طريق أنس بن مالك، ورواه ستة من مشاهير التابعين عن الامام علي، كما روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهم[26]. وذكر بعض الحفاظ ان من بين من روى هذا الحديث العشرة المشهود لهم بالجنة، وقال: ليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفساً من الصحابة عن رسول الله (ص) إلا هذا الحديث[27]. وقيل ان الحديث متواتر لفظاً ومعنى، فمن حيث التواتر اللفظي جاء بصيغة: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) حيث رواه بضعة وسبعون صحابياً منهم العشرة المشهود لهم بالجنة[28]. اما من حيث التواتر المعنوي فكما جاء عن النووي ان الحديث روي عن مائتين من الصحابة[29]. ويبدو ان طرق الحديث اخذ تخريجها بالازدياد مع تقادم الزمن، حتى قال ابن الصلاح: ان هذا الحديث لم يزل عدد رواته في ازدياد، وهلم جرا على التوالي والاستمرار[30]. الامر الذي يجعل المصداقية الفعلية لهذه الطرق تنحصر بتلك التي رواها المتقدمون لا المتأخرون. كما ان القول بتواتر هذا الحديث يواجه بعض الاشكالات كما سيمر علينا فيما بعد.
هكذا تتبين اهمية هذا الحديث الذي به يمكن فهم الكثير مما جرى لكبار الصحابة والتابعين، حيث اقلوا من الرواية وتحفظوا فيها. ولا ينكر ان هناك عدداً من الصيغ التي روي فيها الحديث، ومن ذلك صيغتان لهما دلالتان متضادتان، احداهما ذكر فيها الكذب (المتعمد) والاخرى دون هذا القيد، وفي بعض الروايات ان عبد الله بن الزبير سأل اباه: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله (ص) كما يحدث فلان وفلان؟ فاجابه الزبير: والله يا بني ما فارقته منذ أسلمت ولكني سمعته يقول من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار، والله ما قال متعمداً وأنتم تقولون متعمداً[31].
والذي يلاحظ هو ان سلوك الصحابة والتابعين يتسق مع دلالة الصيغة الاخيرة التي تخلو من لفظة (متعمداً) وما شاكلها[32]، وفي هذا تحذير قوي للاحتراز من ان يكون هناك تحوير لكلام النبي، وبالتالي المنع من احلال دين اخر غير الدين القائم على القرآن، ويساند ذلك ما ورد من قرائن كثيرة دالة على المنع من الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، حيث ان الانشغال والاشتغال في الحديث يفضيان في الغالب الى تحوير كلام النبي والكذب عليه، كما يفضيان الى تحويل المسائل الشخصية والادارية الى امور دينية ما انزل الله بها من سلطان، وهو ما يؤول الى احلال دين اخر خلاف ما عليه دين النبي والقرآن.
ويستنتج من ذلك ان النبي لم يرد من اقواله واحاديثه ان ترتسم ديناً الا تلك التي تتعلق بالسنة العملية العامة وتدل عليها قرائن انها من الدين، وميزتها التكرر، وقد تعاطاها الصحابة بالحفظ والعمل، كالصلاة والزكاة والصوم والحج وما اليها.
 
ب ـ التداعيات
سلك الصحابة والتابعون مسالك متعددة لا يمكن فهمها الا بعنوان كراهتهم الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، وذلك لسببين، احدهما الخوف من الكذب على النبي كما قدمنا، والاخر المنع من ان يكون هناك شاغل اخر غير القرآن. وتدور هذه المسالك حول محورين اساسيين، هما الامتناع عن تدوين الحديث او محوه، وكذا الاقلال من الرواية والتحفظ في سماعها ونقلها. وسنحاول فيما يلي تسليط الضوء على هذين المحورين خلال الفقرتين التاليتين:
 
1ـ التحفظ من التدوين
روي عن الصحابة الكثير من الاقوال والافعال التي تفيد منع تداول الحديث المكتوب، كمحو الحديث واحراقه، وكذا كراهة الكتابة عموماً. والذي يتأمل الروايات التي وردت بهذا الشأن يجد ان بعضها يعلل المنع المذكور بعلة الخوف من الانشغال بشيء غير القرآن، كما يجد بعضاً اخر يعلله بعلة الخوف من الكذب على النبي لاحتمالات الزيادة والنقيصة في النقل المكتوب، سيما وان العرب كانوا اميين لا يألفون التدوين والكتابة. وكلا التعليلين يصبان في غاية واحدة هي المنع من الانشغال بالحديث والاشتغال فيه. وهناك روايات اخرى عامة تطالب بمحو الحديث المكتوب من غير تعليل.
فمما له دلالة على العلة الاولى، وهي الخوف من الانشغال بشيء غير القرآن، جاء ان عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار فيها أصحاب رسول الله (ص) فأشار عليه عامتهم بذلك، لكنه لبث شهراً يستخير الله للشك فيما اشاروا عليه، ثم أصبح يوماً فحسم الموقف وقال: إني كنت ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله كتباً[33].
وهناك من حمّل الخليفة الثاني مسؤولية ترك كتابة السنن ومنعه التدوين، فكما يرى الطوفي الحنبلي انه ‹‹لو ترك الصحابة يدوّن كل واحد منهم ما روى عن النبي لانضبطت السنة، ولم يبق بين احد من الامة وبين النبي في كل حديث الا الصحابي الذي دوّن روايته، لان تلك الدواوين تتواتر عنهم الينا، كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما››[34].
لكن المسألة لا تخص عمر وحده، فقد روي عن غيره من الصحابة كراهتهم كتابة الحديث ومنعها او محوها. كما لا يصح ان يقال ان هناك مؤامرة على الحديث النبوي قامت بها السلطة الحاكمة في عصر الخلافة لدوافع سياسية، وذلك لاسباب عديدة، اهمها ان من يفكر في هذه المؤامرة عليه ان يمنع - على الاقل - الحديث كتابة ورواية باطلاق لتكلل مهمته بالنجاح، وهذا ما لم يحدث. كذلك فان ما يلزم عن هذا الافتراض إما القول بجهل عموم الصحابة بما يجري حولهم من دسائس، او اتهامهم بالتواطؤ على الجريمة، او القول بخوفهم من السلطة الحاكمة، حيث لم يظهر منهم اي رد فعل مناهض؛ لا قولاً ولا فعلاً. وجميع هذه اللوازم المفترضة غير معقولة. فبحسب الفرض الاول انه اذا كان عموم الصحابة يجهلون ما يدور حولهم، كيف تسنى لنا معرفة ما كانوا يجهلون؟ أما الفرض الثاني وهو اتهامهم بالتواطؤ على الجريمة فهو غير معقول لأكثر من سبب، حيث انهم كثيرون فكيف امكن ان تجتمع دوافعهم ومصالحهم على هذا الغرض المشين؟ ناهيك عن ان هذا الافتراض يتناقض ومضمون الايات الصريحة في مدح عموم المهاجرين والانصار ومن اتبعهم باحسان. يبقى الافتراض الاخير وهو القول بخوف الصحابة من السلطة الحاكمة، وهو افتراض متهافت، ليس فقط انه من غير المعقول ان يخاف الجميع دون ان يظهر منهم من له الشجاعة الكافية لمناهضة ما تفعله تلك السلطة، ولم يحدثنا التاريخ عن مثل هذه الحالة من الاستسلام المطلق حتى في اشد الانظمة الاستبدادية عتواً وشراسة، بل كذلك لأن حالة الخوف لا تدوم؛ حيث تزول بزوال مسبباتها، فعند موت الزعماء تتكشف الحقيقة بالقول والفعل.
وهذه الاشكالات هي ذاتها ترد على نظرية المؤامرة في مسألة الخلافة، اذ من لوازمها الطعن بعموم الصحابة وعلى رأسهم المهاجرون والانصار، حيث انهم بايعوا الخلفاء الراشدين، وهم بذلك اما ان يكونوا جاهلين بأعظم قضية ورد فيها النص، وفي هذه الحالة كيف أمكن لنا معرفة ما كانوا يجهلون؟ او انهم كانوا متواطئين على ضرب النص بعرض الحائط رغم تضارب نوازعهم وتباين تدينهم وانهم لم يشكلوا طبقة واحدة ذات اهداف مشتركة، ومهما قيل حول هذا الافتراض فليس له معنى غير الكفر. فهذه هي الحدود المنطقية، أما ما سوى ذلك مما جاء من الروايات فيخضع للاجتهاد والتفسير، وهي الدائرة التي ينبغي ان تكون شغل المنشغلين في الخلاف المذهبي، خارج تلك الحدود، بل وبالهام منها لكونها اصل ودراية يردّ ما يعارضها من حديث ورواية.
وكما قلنا ان كراهة كتابة الحديث لا تختص بعمر، اذ روي عن عدد من الصحابة انهم يتحفظون من حفظ الحديث مكتوباً. ومن ذلك ما جاء عن الامام علي انه خطب يقول: أعزم على كل من كان عنده كتاب الا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم[35]. كما جاء عن عبد الله بن مسعود الكثير من الروايات التي تفيد كراهته لكتابة العلم والاحتفاظ به، ومن ذلك ما قيل ان ابن قرة اعجب بكتاب وجده في الشام فجاء به الى عبد الله بن مسعود، فاخذ ابن مسعود ينظر فيه ثم قال: إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم الكتب وتركهم كتابهم، ثم دعا بطست فيه ماء فماثه فيه حتى محاه { ومما جاء في كراهة ابن مسعود لكتابة العلم ما روي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه انه اصاب مع علقمة صحيفة فعرضاها على ابن مسعود ليقرأها فأبى ودعا بطشت فيه ماء فجعل يمحوها بيده ويقول: ((نحن نقص عليك أحسن القصص)) فقلنا انظر فيها فإن فيها حديثاً عجيباً، فجعل يمحوها ويقول إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره. كما جاء ان عبد الله بن مسعود خطب في مسجد وقد اخذ صحيفة من رجل فيها قصص وقرآن، فقال: إن أحسن الهدي هدي محمد (ص) وإن أحسن الحديث كتاب الله، وإن شر الأمور محدثاتها، وإنكم تحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأول، فإنما أهلك أهل الكتابين قبلكم مثل هذه الصحيفة وأشباهها، توارثوها قرناً بعد قرن، حتى جعلوا كتاب الله خلف ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فأنشد الله رجلاً علم مكان صحيفة إلا أتاني، فوالله لو علمتها بدير هند لانتقلت إليها. وفي رواية اخرى ان عبد الله بن مسعود فطن الى ابنه عبد الرحمن انه كان يكتب الشيء الذي يسمعه، فدعا بالكتاب وبإجانة من ماء فغسله[36]. وقيل انه تعذر قوم بعدم حفظهم للحديث فطلبوا من ابي سعيد الخدري ان يكتب لهم ما حفظه، فكان رده ان قال: لا نكتبكم، ولا نجعلها مصاحف؛ كان رسول الله (ص) يحدثنا فنحفظ، فاحفظوا عنا كما كنا نحفظ عن نبيكم[37].
اما ما له دلالة على العلة الثانية، وهي الخوف من الكذب على النبي، فقد جاء ان ابا بكر جمع الاحاديث التي كان يحتفظ بها مكتوبة فاحرقها خشية ان تنتقل الى غيره ويكون فيها من الخطأ والكذب ما يكون. فكما روت السيدة عائشة بان اباها قد جمع الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيراً، فغمها ذلك وقالت له: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجاءته بالاحاديث فدعا بها فحرقها، فقالت عائشة: لِمَ أحرقتها؟ قال خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك[38]. كما جاء أن مروان دعا زيد بن ثابت وقوماً يكتبون وهو لا يدري فأعلموه، فقال: أتدرون لعل كل شيء حدثتكم به ليس كما حدثتكم[39].
تظل هناك روايات عامة تبدي كراهة الكتابة ومحو ما هو مكتوب من غير تعليل، ومن ذلك ما ورد عن ابي بردة انه قال: كتبت عن أبي كتباً كثيرة فمحاها وقال: خذ عنا كما أخذنا[40]. وروي عن ابن عباس عدد من الروايات التي نهى فيها عن كتابة الحديث، وبعضها معلل بجعل الكتاب محصوراً في القرآن خشية الانشغال بغيره. فعنه انه قال: إنا لا نكتب العلم ولا نكتّبه[41]. وجاء انه لم يكن من أصحاب النبي (ص) أكثر من أبي هريرة حديثاً عن رسول الله (ص) وإن مروان أراد أن يكتب حديثه فأبى، وقال أرووا كما روينا، فلما أبى عليه، تغفله فأقعد له كاتباً لقناً ثقفاً ودعاه، فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب الكاتب، حتى استفرغ حديثه أجمع، ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع? قال: وقد فعلتم? قال نعم، قال: فاقرأوه عليّ إذاً، فقرأوه عليه، فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه، فمحاه [42]. وعن سعيد بن جبير انه قال: كنا إذا اختلفنا في الشيء، كتبته حتى ألقى به ابن عمر؛ ولو يعلم بالصحيفة معي لكان الفيصل بيني وبينه[43].
على ان ظاهرة الكراهة في كتابة الحديث لم تتوقف عند عصر الصحابة، بل امتدت الى عصر التابعين، حيث ان الكثير منهم كانوا يهابون الكتابة لذات العلتين المشار اليهما في السابق، وهما خشية الانشغال بشيء غير القرآن، والخوف من الكذب على النبي ومنه الدس في الكتب. وهذا ما جعل اهتمامهم ينحصر في الحفظ وفي الكتابة الشخصية ثم محوها، حيث كان المحدّث اذا ما دوّن شيئاً لنفسه فانه يوصي بحرق او اتلاف ما كتبه بعد موته.
فقد جاء ان القاسم بن محمد ومنصور بن المعتمر ومغيرة والأعمش وابراهيم كانوا يكرهون كتابة الحديث[44]. كما جاء عن الضحاك بن مزاحم انه قال: لا تتخذوا للحديث كراريس ككراريس المصاحف[45]. وعن عبيدة انه دعا بكتبه عند موته فمحاها، وقال: أخشى أن يليها أحد بعدي، فيضعوها في غير مواضعها[46]. وعن ابن سيرين انه قال: إنما ضلت بنو اسرائيل بكتب ورثوها عن آبائهم[47]. وعن أبي قلابة انه اوصى بدفع كتبه الى ايوب إن كان حياً، او حرقها عند موته[48]. وعن طاوس أنه كان يأمر بإحراق الكتب[49]. وعن الحسن البصري انه امر بحرق كتبه فأحرقت غير صحيفة واحدة[50]. وعن  شعبة الحجاج انه اوصى ولده سعد بان يغسل كتبه ويدفنها من بعده، ولما مات قام سعد بتنفيذ الوصية[51]. وعن الشعبي انه قال: ما كتبت سوداء في بيضاء الى يومي هذا ولا حدثني رجل بحديث قط الا حفظته ولا أحببت ان يعيده عليّ، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه أحد لكان به عالماً[52]، وان كان قد نقل عنه ايضاً ما يشجع على الكتابة كقوله: الكتاب قيد العلم، وقوله: إذا سمعتم مني شيئاً فاكتبوه ولو في حايط[53]. وعن سفيان الثوري انه قال: بئس مستودع العلم القراطيس {تقييد العلم، ص12، وجاء عن خلف بن تميم انه قال: سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة: يا أبا الصلت اني كتبت عن سفيان الثوري عشرة آلاف حديث أو نحواً من عشرة آلاف، فقال لا تحدث منها إلا بما حفظ قلبك وسمعت أذنك فألقيتها[54]. وعن سعيد بن عبد العزيز انه قال: ما كتبت حديثاً قط[55] . وعن يحيى بن سعيد انه قال: أدركت الناس يهابون الكتب، ولو كنا نكتب لكتبت من علم سعيد وروايته كثيراً[56]. وعن مسروق انه قال لعلقمة: اكتب لي النظاير، قال: أما علمت ان الكتاب يكره? قال: بلى انما أنظر فيه ثم أمحوه، قال: فلا بأس[57]. وعن خالد الحذاء انه قال: ما كتبت شيئاً قط، إلا حديثاً طويلاً، فإذا حفظته محوته[58]. وعن عاصم بن ضمرة أنه كان يسمع الحديث ويكتبه، فإذا حفظه دعا بقراض يقرضه[59]. وعن عيسى بن يونس انه قال: إني لأهم بها أن أحرقها، يعني كتبه[60]. وجاء ان داود الطائي كان يدفن كتبه، وكذا يفعل ابو اسامة وابو ابراهيم الترجماني[61]. وعن إبراهيم بن هاشم انه قال: دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر وقوصرة. وجاء ان عبيد الله بن عبد الله دخل على عمر بن عبد العزيز، فأجلس قوماً يكتبون ما يقول، فلما أراد أن يقوم، قال له عمر: صنعنا شيئاً، قال: وما هو يا ابن عبد العزيز? قال: كتبنا ما قلت، قال: وأين هو؟ فجيء به فخرقه[62]. كما جاء عن ابي ادريس انه لما علم ان ابنه يكتب ما يسمعه منه، امر به فخرقه[63]. وجاء ان ابن شهاب الزهري كان يأتي الاعرج وعنده جماعة يكتبون وهو لا يكتب، لكنه عندما يجد الحديث طويلاً فانه يأخذ ورقة من ورق الأعرج، وكان الأعرج يكتب المصاحف، فيكتب ابن شهاب ذلك الحديث في تلك القطعة، ثم يقرأه ثم يمحوه مكانه، وربما قام بها معه، فيقرأها ثم يمحوها[64]. وقال مالك بن انس: لم يكن مع ابن شهاب الزهري كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه، قال ولم يكن القوم يكتبون إنما كانوا يحفظون، فمن كتب منهم الشيء فإنما كان يكتبه ليحفظه فإذا حفظه محاه[65].
وقد ادى هذا الموقف السلبي من كتابة الحديث الى ابتعاد التابعين وتابعيهم عن الاخذ بما هو مدون من أحاديث، ومن ذلك ما جاء عن اشهب انه قال لمالك: أيؤخذ ممن لا يحفظ الأحاديث وهو ثقة؟ فقال: لا يؤخذ منه، أخاف ان يزاد في كتبه بالليل[66]. وجاء عن هشيم انه قال: من لم يحفظ الحديث فليس من أصحاب الحديث؛ يجيء أحدهم بكتاب كأنه سجل مكاتب[67].
 
2ـ التحفظ من الرواية
كما تحفظ كبار الصحابة والتابعون من الرواية واقلوا منها؛ للعلتين المشار اليهما سلفاً، اذ من شأن الاقلال ان يمنع الانشغال بالحديث والاشتغال فيه، كما انه يدعو الى ضبط كلام النبي وعدم الكذب عليه. وجاء في الرواية ان النبي قال: يا أيها الناس إياكم وكثرة الحديث ومن حدث عني فلا يقل إلا صدقاً - أو حقاًً - ومن افترى عليّ فليتبوأ بيتاً في النار[68]. وقد تمسك كبار الصحابة بهذا المضمون، وكما وصفهم ابن القيم الجوزية انهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله ويعظمونها ويقللونها خوف الزيادة والنقص، ويحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي مراراً ولا يصرحون بالسماع ولا يقولون: قال رسول الله[69].
ومن الروايات التي وردت بهذا الخصوص ما جاء عن ابي بكر الصديق انه جمع الناس بعد وفاة النبي فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً؛ فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه[70]. كما روي عن عمر بن الخطاب انه منع الاكثار من الرواية خشية الانشغال بغير القرآن، او لعلة الخوف من الكذب على النبي، ومن ذلك انه حبس كلاً من ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاري لكونهم اكثروا الحديث عن رسول الله (ص) وجاء انه بعث اليهم فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله؟ فحبسهم بالمدينة حتى استشهد[71]. وجاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير – كما سبق أن عرضنا - أنه قال لأبيه: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله (ص) كما يحدث فلان وفلان؟ فأجاب الزبير: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: (من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار)[72]. ومثل ذلك روي عن عثمان بن عفان انه قال: ما يمنعني أن أحدث عن رسول الله (ص) أن لا أكون أوعى صحابته عنه، ولكن أشهد لسمعت رسول الله (ص) يقول: من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار[73]. وكذا قال عمران بن حصين: والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله (ص) يومين متتابعين ولكن ابطأني عن ذلك أن رجالاً من أصحاب رسول الله (ص) سمعوا كما سمعت وشهدوا كما شهدت ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون وأخاف أن يشبّه لي كما شبّه لهم[74]. وفي صحيح مسلم قال أنس بن مالك: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن رسول الله (ص) قال: من تعمد عليّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار[75]. ومثل ذلك روي عن صهيب حيث سئل عن علة عدم تحدثه عن رسول الله (ص) كما يحدث غيره من اصحاب النبي؟ فقال : أما إني قد سمعت ما سمعوا ولكن يمنعني أن أحدث عنه اني سمعته يقول: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، وكلف يوم القيامة أن يقعد بين شعرتين، ولن يقدر على ذلك[76]. وجاء انه قيل لزيد بن أرقم يا أبا عمرو ألا تحدثنا؟ فاجاب: قد كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله (ص) شديد[77].
وهناك من الصحابة من كان يحتاط في نقله عن النبي (ص) فلا يقطع باللفظ، بل يقول انه هكذا او على نحوه، واحياناً انه يرتعد حين يحدث عما سمعه منه، وذلك خشية ان يكون قد كذب عليه. وجاء عن عبد الله بن مسعود انه إذا حدث عن رسول الله استقلته الرعدة وقال هكذا أو نحو ذا أو قريب من ذا أو أو[78]. وجاء عن أبي الدرداء انه كان إذا حدث عن رسول الله (ص) ثم فرغ منه قال اللهم إن لم يكن هذا فكشكله[79]، وكذا روي مثل ذلك عن انس بن مالك[80]. بل ومن الصحابة من كان ينسب الامر الى نفسه ولا ينسبه الى الله والنبي، خشية ان يكون كذباً عليهما، ومن ذلك ما جاء عن عمر بن الخطاب انه افتى في مسألة، فكتب كاتبه عقب الفتيا: ‹‹هذا ما رأى الله ورأى عمر›› فقال عمر: ‹‹بئس ما قلت، هذا رأي عمر، فان يكن صواباً فمن الله، وان يك خطأ فمن عمر››[81]. كما ان ابن مسعود قال في احدى فتاويه: ‹‹اقول هذا برأيي، فان يكن صواباً فمن الله، وان يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان››[82]. وجاء ان عدد الذين رويت عنهم الفتيا من الصحابة هم مائة وثمانية وثلاثون من بين اكثر من عشرين ألف صحابي، كالذي قدره ابن حزم[83].
كذلك عرف عن كبار الصحابة انهم يتثبتون في النقل والرواية عن النبي؛ اما بطلب شاهد اخر لمن يدعي سماعه للحديث عن النبي، او بتحليف الراوي. فقد جاء ان ابا بكر لا يقبل الحديث الا من اثنين، فاذا جاءه واحد بحديث طلب منه ان يؤيده اخر يشهد له، ومن ذلك انه ورد في بعض الروايات أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمسه أن تورث، فقال ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسول الله (ص) ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله (ص) اعطاها السدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر[84]. وجاء أن عمر استشار اصحابه في أملاص المرأة او السقط، فقال له المغيرة بن شعبة ان رسول الله (ص) قضى فيه بغرة، فقال له عمر ان كنت صادقاً فأت أحداً يعلم ذلك، فشهد محمد بن مسلمة أن رسول الله (ص) قضى به[85].
ومن التابعين قال الشعبي: قد كره الصالحون الأولون الإكثار من الحديث، ولو استقبلت من امري ما استدبرت ما حدثت الا بما اجمع عليه أهل الحديث[86]. وقال إبراهيم النخعي: أقول قال عبد الله وقال علقمة أحب إلينا[87]. وقد كانت هذه سيرة عدد من الفقهاء في تحبيذ الاستدلال باقوال الصحابة والتابعين علماً منهم انها أحاديث منقولة لكنهم جعلوها موقوفة، كالذي قاله ابراهيم النخعي[88].
***
هكذا يتضح ان عصر كبار الصحابة والتابعين يمتاز بعدد من الخصائص، ابرزها: كراهة تدوين الحديث ومحو المكتوب منه لئلا ينتشر، والاقلال من الرواية ومنع الاكثار منها، والتحفظ من نسبة الحديث الى النبي، وعدم التدقيق في بحث الرجال والاسناد، والتثبت من الحديث غير المعروف. وقد عرفنا ان هذه الخصائص جاءت لسببين هامين: احدهما الخوف من الكذب على النبي، والاخر كراهة الانشغال والاشتغال بغير القرآن.
 
 
 
 

[1] صحيح مسلم، شبكة المشكاة الالكترونية، ج4، حديث 3004، كذلك: الخطيب ابو بكر البغدادي: تقييد العلم، شبكة المشكاة الالكترونية، ص1، ومقدمة ابن الصلاح في مصطلح الحديث، دار الفكر المعاصرـ دار الفكر، مراجعة نور الدين عتر، بيروت ـ دمشق، 1986م ـ1406هـ، عن مكتبة سحاب السلفية الالكترونية، باب في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده. كذلك جاء عن أبي سعيد قوله: استأذنت النبي (ص) أن اكتب الحديث، فأبى أن يأذن لي (تقييد العلم، ص2، ويوسف بن عبد البر النمري: جامع بيان العلم وفضله، موقع أم الكتاب للأبحاث والدراسات الإلكترونية، عن شبكة المشكاة الالكترونية، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف، لم تذكر ارقام صفحاته). وقوله ايضاً: ما كنا نكتب شيئاً غير القرآن والتشهد (تقييد العلم، ص25).

[2] تقييد العلم، ص3، وفي رواية اخرى عن زيد بن ثابت انه دخل على معاوية، فسأله عن حديث، فأمر إنساناً يكتبه، فقال له زيد: إن رسول الله (ص) أمرنا أن لا نكتب شيئاً من حديثه، فمحاه (تقييد العلم، ص3، وجامع بيان العلم وفضله، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف).

[3] تقييد العلم، ص3، وفي رواية اخرى عن أبي هريرة انه قال: بلغ رسول الله أن ناساً قد كتبوا حديثه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم، إنما أنا بشر، من كان عنده منها شيء فليأت به؛ فجمعناها فأحرقت، فقلنا يا رسول الله نتحدث عنك? قال تحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار (تقييد العلم، ص3).

[4] مقدمة ابن الصلاح في مصطلح الحديث، باب في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده.}. وجاء ايضاً ان النبي(ص) كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم وغيره {جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر الرخصة في كتاب العلم

[5] تقييد العلم، ص14

[6] تقييد العلم، 17

[7] وجاء عن عبد الله بن عمرو انه ذكر عن نفسه بانه كان يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله (ص) لاجل حفظه، فنهته قريش عن ذلك بحجة انه يكتب كل شيء يسمعه من النبي والنبي بشر يتكلم في الغضب والرضا، فامسك ابن عمرو عن الكتابة وذكر ذلك للنبي، فقال له النبي: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق. وعن عبد الله بن عمرو ايضاً انه قال لرسول الله (ص): ءأكتب ما سمعت منك؟ قال: نعم، قال عند الغضب وعند الرضا؟ قال: نعم، إنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقاً. وعنه ايضاً انه قال: قلت يا رسول الله أقيد العلم? قال: نعم، قلت وما تقييده؟ قال: الكتاب (تقييد العلم، ص15).

[8] تقييد العلم، ص22.

[9] مقدمة ابن الصلاح في مصطلح الحديث، باب في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده. وإن كنا سنجد بعض المنقولات عن الامام علي انه كان يطالب بمحو ما كُتب من الحديث.

[10] تقييد العلم.

[11] تقييد العلم، ص23، وجاء في صحيح البخاري ان علياً خطب على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال: والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل وإذا فيها المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وإذا فيها ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وإذا فيها من والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً (صحيح البخاري، ضبطه ورقمه ووضع فهارسه مصطفى ديب البغا، شبكة المشكاة الالكترونية، حديث 6870، كذلك: الخطيب البغدادي: الرحلة في طلب الحديث، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص130).

[12] أبو خيثمة النسائي: كتاب العلم، مكتبة يعسوب الدين الإلكترونية، ص34

[13] تقييد العلم، ص24 }. وعن أنس بن مالك انه كان إذا حدث فكثر عليه الناس جاء بمجال فألقاها، ثم قال: هذه أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله (ص) وعرضتها عليه { تقييد العلم، ص26

[14] الطبري: جامع البيان، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، ص62، وابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير، شبكة المشكاة الالكترونية، المقدمة (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته).

[15] تقييد العلم، ص28، مع ان هناك روايات اخرى منافية عن ابن عباس تشير الى كراهته كتابة العلم والحديث، ومنها ما نسب الى سعيد بن جبير، اذ جاء عن سعيد أن ابن عباس كان قد نهى عن كتاب العلم، وأنه قال: إنما أضل من قبلكم الكتب (تقييد العلم، ص6، وجامع بيان العلم، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف).

[16] كتاب العلم، ص35.

[17] كتاب العلم، ص34.

[18] أبو عبيد الآجري: سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود سليمان السجستاني، دراسة وتحقيق عبد العليم عبد العظيم، مكتبة دار الاستقامة بمكة - مؤسسة الريان ببيروت، الطبعة الاولى، 1418هـ ـ 1997م، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص322

[19] مقدمة ابن الصلاح، باب في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده.

[20] ابن حجر العسقلاني: مقدمة فتح الباري، ضمن الفصل الاول، مكتبة سحاب السلفية الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته). وانظر ايضاً: جمال الدين القاسمي: قواعد التحديث، شبكة المشكاة الالكترونية، ص69

[21] الرامهرمزي: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، شبكة المشكاة الالكترونية، ص386

[22] لاحظ مثلاً: مصطفى الزرقاء: الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، دار الفكر، الطبعة السابعة، ج2، ص927 وما بعدها. كذلك: عبد العزيز الخياط: نظرية العرف، مكتبة الاقصى، عمّان، 1397هـ ـ1977م، ص89.

[23] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف.

[24] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة المشهور من الحديث.

[25] ذكر ابن حجر ان بعض مشايخه نازع في تواتر هذا الحديث، وقال لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة، وليست موجودة في كل طريق منها بمفردها. لكن أجيب بان المراد بالتواتر هو رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كاف في إفادة العلم، لان العدد لا يشترط في التواتر. كما ردّ ابن حجر على من ادعى أن مثال التواتر لا يوجد الا في هذا الحديث، فذكر جملة من الاحاديث التي ينطبق عليها التواتر، منها حديث من بنى لله مسجداً، والمسح على الخفين، ورفع اليدين في الصلاة، والشفاعة، والحوض، ورؤية الله في الاخرة، والائمة من قريش، وغير ذلك (ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص181، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية : www.yasoob.com).

[26] فتح الباري، ج1، ص181، وقواعد التحديث، ص171

[27] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة المشهور من الحديث.

[28] لكن روي عن الزبير بن العوام، وهو احد هؤلاء العشرة، انه كذّب ذكر لفظة (متعمداً) في الحديث كما سنرى.

[29] حافظ احمد الحكمي: دليل ارباب الفلاح لتحقيق فن الاصطلاح، نقل الكتاب ابو عبد الله عمر العاتي، دون ذكر ارقام الصفحات او الفقرات، مكتبة سحاب السلفية الالكترونية.

[30] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة المشهور من الحديث.

[31] ابو جعفر الطحاوي: مشكل الاثار، شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، ص65، والكفاية في علم الرواية، مصدر سابق، باب الكلام في الجرح واحكامه.

[32] الكذب في اللغة يحتمل الغلط، ووضع الشيء في غير موضعه (بدر الدين الزركشي: البحر المحيط، شبكة المشكاة الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته)، فقرة 1068). وقد يكون المقصود من الكذب في الحديث النبوي حسب الصيغة الاخيرة هو النقل الخاطئ، ويؤيده ان هذه اللفظة كثيراً ما وردت عن الصحابة في اتهام بعضهم البعض الاخر بما يبدو ان معناه الخطأ دون التعمد. ومن ذلك ما رواه ابن عبد البر من انه جاء في حديث مشهور ان سمرة قال: كان للنبي سكتتان يعين في الصلاة عند قرائته، فبلغ ذلك عمران بن الحصين فقال: كذب سمرة، فكتبوا إلى أبي بن كعب، فكتب قد صدق سمرة. وعن طاوس انه قال: كنت جالساً عند ابن عمر فأتاه رجل فقال أن أبا هريرة يقول أن الوتر ليس بحتم فخذوا منه ودعوا، فقال ابن عمر كذب أبو هريرة؛ جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن صلاة الليل فقال مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فواحدة. كما كذّبت عائشة ابن عمر في عدد عمر رسول الله (ص) وفي أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. وقيل لعروة بن الزبير ان ابن عباس يقول أن رسول الله لبث بمكة بعد أن بعث ثلاث عشرة سنة، فقال كذب إنما أخذه من قول الشاعر. وعن الحسن بن علي أنه سئل عن قول الله عز وجل ((وشاهد ومشهود)) فأجاب فيها، فقيل له أن ابن عمر وابن الزبير قالا كذا وكذا خلاف قوله، فقال كذبا. وعن عبادة بن الصامت أنه قال كذب أبو محمد - وهو الصحابي مسعود بن أوس - في وجوب الوتر، حيث استشهد عبادة بقول رسول الله خمس صلوات كتبهن الله على العباد ... الحديث (جامع بيان العلم، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض).

[33] كما جاء عن عمر انه بلغه بما ظهر في أيدي الناس من كتب، فاستنكرها وكرهها وقال: أيها الناس قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب؛ فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى فيه رأيي، فظن القوم أنه يريد أن ينظر فيها، ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب. وعن عمر ايضاً انه أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده منها شيء فليمحه (تقييد العلم، ص8ـ9، وجامع بيان العلم وفضله، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف. وكتاب العلم، ص11).

[34] الطوفي: رسالة في رعاية المصلحة، نشرت خلف كتاب مصادر التشريع الإسلامي لعبد الوهاب خلاف، دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية، 1970م، ص133.

[35] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف.

[36] تقييد العلم، ص10 و5، وجامع بيان العلم، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف).

[37] تقييد العلم، ص3، وجامع بيان العلم وفضله، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف. وكتاب العلم، ص24، وفي رواية اخرى عن أبي نضرة أنه قال: قلنا لأبي سعيد إنا اكتتبنا حديثاً من حديث رسول الله (ص) قال: امحه (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[38] الذهبي: تذكرة الحفاظ، مراجعة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1374هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، فقرة 1 (لم تذكر ارقام صفحاته).

[39] جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف.

[40] وفي رواية اخرى عن أبي بردة انه قال: كان أبو موسى يحدثنا بأحاديث فنقوم أنا ومولى لي فنكتبها فحدثنا يوماً بأحاديث فقمنا لنكتبها، فقال: أتكتبان ما سمعتما مني؟ قالا نعم، قال فجيئاني به، فدعا بماء فغسله، وقال احفظوا كما حفظنا (تقييد العلم، ص5، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق، وكتاب العلم، ص35).

[41] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وجاء انه سأل رجل من أهل نجران ابن عباس، فأعجب الاخير حسن مسألته، فقال الرجل اكتبه لي، فقال ابن عباس: إنا لا نكتب العلم  (تقييد العلم). وفي رواية اخرى عن طاوس قال: إن كان الرجل يكتب إلى ابن عباس يسأله عن الأمر، فيقول للرجل الذي جاء: أخبر صاحبك أن الأمر كذا وكذا، فأنا لا نكتب في الصحف إلا في الرسائل والقرآن (كتاب العلم، ص11). كما في رواية عن طاوس انه قال: كنا عند ابن عباس، وكان سعيد بن جبير يكتب، فقيل لابن عباس إنهم يكتبون، قال: أيكتبون؟ ثم قام (تقييد العلم، ص6). وعن طاوس ايضاً انه قال: أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي فمحاه، إلا قدر وأشار سفيان بن عيينة بذراعه (صحيح مسلم، ج1، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها).

[42] تقييد العلم، ص5، والذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق  شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة التاسعة، 1413هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج2، فقرة 598، وفي رواية اخرى عن ابي هريرة انه قال: لا نكتم ولا نكتب (تقييد العلم، ص6، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[43] تقييد العلم، ص6، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[44] وفي تعبير ابراهيم انهم كانوا يكرهون الكتاب (تقييد العلم، ص7ـ8، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وكتاب العلم، ص36).

[45] تقييد العلم، ص7، وعنه ايضاً انه قال: يأتي على الناس زمان يكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا ينظر فيه (جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[46] تقييد العلم، ص13، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. ومما يذكر عن عبيدة انه اوصى أن تحرق كتبه أو تمحى (تقييد العلم). وعن إبراهيم انه قال: كنت أكتب عند عبيدة فقال: لا تخلدن عني كتاباً (تقييد العلم، ص7). وعن محمد بن سيرين انه قال: قلت لعبيدة أكتب منك ما أسمع؟ قال لا، قلت: وجدت كتاباً ءأنظر فيه? قال: لا (تقييد العلم، ص7، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق).

[47] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وكتاب العلم، ص35. كما جاء عن ابن سيرين أنه لم ير بأساً إذا سمع الرجل الحديث أن يكتبه، فإذا حفظه محاه (تقييد العلم، ص12).

[48] تقييد العلم، ص13

[49] تقييد العلم، ص13

[50] محمد بن سعد بن منيع: الطبقات الكبرى، ج7، فقرة الحسن بن أبي الحسن، عن مكتبة نداء الايمان الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته):  www.aleman.com

[51] وقال سعد: كان أبي إذا اجتمعت عنده كتب من الناس أرسلني بها إلى البازجاه، فأدفنها في الطين (تقييد العلم، ص13).

[52] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. وتذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 76، وكتاب العلم، ص12

[53] وروي عنه ايضاً انه قال لأبي كبران: لا تدعن شيئاً من العلم إلا كتبته، فهو خير لك من موضعه من الصحيفة، وإنك تحتاج إليه يوماً ما (تقييد العلم،  باب ذكر الرواية عن التابعين، ص27).

[54] المحدث الفاصل، ص385، والكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في استفهام الكلمة والشيء من غير الراوي). وعن سفيان الثوري انه قال: قيل لعمرو إن سفيان يكتب؛ فاضطجع وبكى وقال: أحرج عليّ من يكتب عني، قال سفيان: وما كتبت عنه شيئاً؛ كنا نحفظ (تقييد العلم، ص7).

[55] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[56] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق

[57] تقييد العلم، ص12، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق. تقييد العلم، ص12، وجامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[58] تقييد العلم، ص12

[59] تقييد العلم، ص12

[60] تقييد العلم، ص13

[61] سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود سليمان السجستاني، ص231

[62] تقييد العلم، ص7

[63] تقييد العلم، ص7

[64] تقييد العلم، ص12

[65] جامع بيان العلم وفضله، الباب السابق.

[66] الكفاية في علم الرواية، باب القول فيمن كان معوله على الرواية من كتبه لسوء حفظه. وسليمان بن خلف الباجي: التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، دراسة وتحقيق أحمد لبزار،  مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، ص264

[67] الكفاية في علم الرواية، الباب السابق.

[68] مشكل الاثار، ج1، ص65، وابن الجوزي: الموضوعات، ضبط وتقديم وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة الاولى، 1386هـ ـ 1966م، عن مكتبة سحاب السلفية الالكترونية، ج1، ص70ـ71

[69] ابن القيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، راجعه وقدم له وعلق عليه طه عبد الرؤوف، دار الجيل، بيروت، 1973م، ج4، ص148

[70] تذكرة الحفاظ، مصدر سابق، ج1، فقرة 1.

[71] تذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 2، والموضوعات، ج1، ص94، وجاء عن قرظة بن كعب انه قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر إلى صرار فتوضأ فغسل اثنتين ثم قال: أتدرون لِمَ مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله (ص) مشيت معنا، فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم؛ جودوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله (ص) امضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة قالوا حدثنا، قال نهانا عمر بن الخطاب (جامع بيان العلم وفضله، باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم والتفقه فيه. وتذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 2). وفي رواية انه قال: انكم تأتون الكوفة فتأتون قوماً لهم ازيز - صوت بالبكاء - بالقرآن فيأتونكم فيقولون: قدم اصحاب محمد، قدم اصحاب محمد، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فاقلوا الرواية عن رسول الله (ولي الله الدهلوي: حجة الله البالغة، دار التراث، القاهرة، 1355هـ، ج1، ص151ـ152). وفي رواية اخرى سئل أسلم مولى عمر بن الخطاب بان يحدث عن عمر، فقال لا أستطيع، أخاف أن أزيد أو أنقص، كنا إذا قلنا لعمر حدثنا عن رسول الله (ص) قال: أخاف أن أزيد أو أنقص إن رسول الله (ص) قال: من كذب عليّ متعمداً فهو في النار (الموضوعات، ج1، ص58).

[72] صحيح البخاري، حديث 107، وفي رواية اخرى قال الزبير: يا بني كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما علمت، وعمته أمي وزوجته خديجة عمتي وأمه آمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب ابني وهيب عبد مناف بن زهرة وعندي أمك وأختها عائشة عنده، ولكني سمعته يقول: من كذب عليّ.. كذا رواه البخاري ليس فيه متعمداً (فتح الباري، ج1، ص179).

[73] الموضوعات، ج1، ص59

[74] ابن قتيبة الدينوري: تأويل مختلف الحديث، دار الجيل، مراجعة محمد زهري النجار، بيروت، 1972م ـ1393هـ، عن مكتبة سحاب السلفية الالكترونية،  باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي (لم تذكر ارقام صفحاته). والكفاية في علم الرواية.

[75] صحيح مسلم، ج1، حديث 2، والموضوعات، ج1، ص79، وفي رواية اخرى عن انس انه قال: لولا أن أخشى أن أخطأ لحدثتكم بأشياء قالها رسول الله (ص)، سمعت رسول الله (ص) يقول: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار  (الموضوعات، ج1، ص79).

[76] الموضوعات، ج1، ص.66.

[77] الكفاية في علم الرواية، باب ما جاء في رواية الحديث على اللفظ.

[78] تذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 5، وحجة الله البالغة، ص151

[79] جامع بيان العلم وفضله، باب الأمر بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث. والكفاية في علم الرواية، باب ذكر من كان يذهب الى إجازة الرواية على المعنى من السلف.

[80] حيث جاء ان أنس إذا حدث عن رسول الله (ص) حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله (جامع بيان العلم وفضله، باب الأمر بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث).

[81] ابو زهرة: تاريخ المذاهب الاسلامية، دار الفكر العربي، ص247

[82] تاريخ المذاهب الاسلامية، ص247

[83] ابن حزم: النبذ في أصول الفقه، شبكة المشكاة الالكترونية، ص26

[84] تذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 1، والكفاية في علم الرواية، باب ذكر بعض الدلائل على صحة العمل بخبر الواحد ووجوبه. علماً ان اسم محمد بن مسلمة قد ورد في شهادة اخرى على هذه الشاكلة مع عمر بن الخطاب، على ما سنرى، فهل كان ذلك صدفة؟!

[85] تذكرة الحفاظ، ج1،  فقرة 2، وجاء عن  أبي سعيد الخدري ان ابا موسى سلّم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع، فأرسل عمر في أثره، فقال: لِمَ رجعت؟ قال سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا سلّم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع، قال: لتأتني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك، فجاءنا أبو موسى منتقعاً لونه ونحن جلوس، فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم كلنا سمعه، فأرسلوا معه رجلاً منهم حتى أتى عمر فأخبره (صحيح مسلم، باب الاستئذان، وتذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 2). كما جاء عن عبد الله بن أبي بكر في رواية طويلة ان عمر بن الخطاب ردّ على ابي بن كعب فيما رواه من حديث عن النبي (ص) وقال له: لتأتني على ما تقول ببينة، فذكر أبي ذلك لجماعة من صحابة النبي، فقالوا: قد سمعنا هذا من رسول الله (ص) فقال عمر: أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت (تذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 2). }. وكان الامام علي لا يقبل الحديث الا بعد استحلاف قائله، فكان يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله (ص) حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلف لي صدقته { الكفاية في علم الرواية، باب الرد على من زعم أن العدالة هى إظهار الإسلام وعدم الفسق الظاهر. كذلك: تذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 4، وابو عبد الله الحاكم النيسابوري: المدخل إلى الإكليل، شبكة المشكاة الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته). كما جاء عن الامام علي انه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله (ص) فوالله لأن أخرّ من السماء احب الي من ان اكذب على رسول الله (ص) (الكفاية في علم الرواية، باب الكلام في الجرح واحكامه).

[86] تذكرة الحفاظ، ج1، فقرة 76، وجاء انه سئل الشعبي عن حديث أيرفع الى النبي؟ فقال: لا، على من دون النبي احب الينا، فان كان فيه زيادة ونقصان كان على من دون النبي (تذكرة الحفاظ، ج1، وحجة الله البالغة، ص144ـ145).

[87] تذكرة الحفاظ، ج1

[88] حجة الله البالغة، ص144.

comments powered by Disqus