-
ع
+

ايران ومشكلة الأنفال وسهم السادة من الخمس

يحيى محمد

لا شك أن للواقع دوراً في معارضته للفتاوى الفقهية أحياناً، وكمثال على ذلك ما واجهته الدولة الإسلامية في ايران لعدد من الموروثات الفقهية، كتحليل الانفال على الشيعة، واخراج سهم السادة من حصص انتاج النفط وسائر المعادن الأخرى الثمينة.

فحول تحليل الأنفال على الشيعة جاء في بعض الروايات عن الإمام الصادق قوله: ‹‹ما كان لنا فهو لشيعتنا›› . وقوله ايضاً: ‹‹هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال››[1] . لكن وجدت ايران نفسها - في ظل الدولة الإسلامية - عاجزة عن العمل بمثل هذه الأحاديث وفتاواها، وأخذت تفعل ما تراه مناسباً بحسب المصلحة، دون مراعاة الحلية ولا قيد (الشيعة) في النص. وبذلك أُلغي حكم النص مراعاة لما قد يسفر عنه من اضرار عند التطبيق. وقد نصت المادة الخامسة والأربعون من الدستور بأن الانفال والثروات مثل الأراضي الموات والأراضي المهجورة والمعادن والبحار والبحيرات والأنهار وكافة المياه العامة والجبال والوديان والغابات ومزارع القصب والأحراش الطبيعية والمراتع التي ليست حريماً لأحد.. كل هذه تكون باختيار الحكومة الإسلامية لتتصرف بها وفقاً للمصالح العامة[2].

أما بخصوص سهم السادة، فالمعروف ان موارده - ضمن الخمس - عديدة، منها المعادن سواء كانت منطبعة كالذهب والفضة والرصاص، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجَدْ والكحل، أو مائعة كالقير والنفط والكبريت[3]. وحيث ان هذا السهم يعادل نصف الخمس، كما يرى الفقهاء، لذا يتبين كم هو حجم المشكل الذي واجهته ايران، إذ لا يعقل ان يُعطى عشر موارد النفط وسائر المعادن الأخرى الضخمة إلى السادة ويُحرم الآخرون من فئات الشعب. وبالتالي كان المعوّل عليه هو ان لولي الأمر حق التصرف بسهمي الخمس - للسادة والامام - بحسب ما يراه من مصلحة وما تقتضيه الدولة من حاجات، اعتماداً على نظرية الإمام الخميني في ولاية الفقيه[4] .

وقديماً ذهب أحد الفقهاء إلى عدم تخصيص السادة بسهم خاص، كالذي انفرد به ابن الجنيد وشذ دون الطائفة. أما حديثاً فقد صرح كل من الإمام الخميني والشيخ المنتظري بهذا الموقف، تجنباً للتمايز الطبقي المترتب على الرأي السائد للفقهاء، إذ تعجز الدولة عن صرف مثل هذه الحصة من الثروات الضخمة. لذا قال المنتظري متبعاً ما يراه الخميني ومعترضاً على من سبقه من الفقهاء: ‹‹هذه نماذج من كلمات الأعاظم في المقام يظهر منها أنهم لم يلتفتوا إلى الخمس بما أنه ضريبة اسلامية واسعة ان اخذت من المعادن بسعتها ومن الارباح بكثرتها ومن غيرهما تبلغ في كل سنة آلاف الميليارات، وقد شُرّعت لادارة شؤون امامة المسلمين وحكومتهم كيفما اتسع نطاقها، غاية الأمر ان ادارة شؤون السادة الفقراء ايضاً بما أنهم من بيت النبوة تكون من شؤونها ايضاً. بل تراهم يرون الخمس مجعولاً لشخص الإمام المعصوم والسادة الفقراء فقط بالمناصفة. ومن التفت إلى كثرة مقدار الخمس وسعته ونسبته إلى مقدار الزكاة المشروع عندهم في خصوص الأشياء التسعة المعروفة بحدودها وشروطها، ونسبة عدد السادة الفقراء إلى جميع المصارف الثمانية للزكاة التي منها جميع الفقراء غير السادة وجميع سبل الخير والمشاريع العامة بل وفقراء السادة ايضاً بالنسبة إلى زكاة انفسهم؛ يظهر له بالوجدان بطلان ما ذكروه. والعمدة ان أصحابنا لبعدهم عن ميدان السياسة والحكم؛ لم يخطر ببالهم ارتباط هذه المسائل ولا سيما الانفال والأموال العامة بباب الحكومة وسعة نطاقها واحتياجها إلى نظام مالي واسع، وانصرف لفظ الإمام الوارد في أخبار الباب في أذهانهم إلى خصوص الأئمة الإثني عشر المعصومين عندنا وحملوا الملكية للإمام على الملكية الشخصية فتدبر جيداً››[5] .

 

 



[1] وسائل الشيعة، ج9، كتاب الخمس، باب اباحة حصة الإمام من الخمس للشيعة.. وجواز تصرف الشيعة في الانفال والفيء، ص543 وما بعدها، حديث17 وحديث4.

[2] دستور الجمهورية الإسلامية في ايران، المادة الخمسون، ص39.

[3] النهاية للطوسي، ص197. وشرائع الإسلام، ج1، ص179.

[4] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج3، ص118.

[5] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج3، ص28ـ29، وص106 وما بعدها.

comments powered by Disqus