-
ع
+

إبن رشد ووحدة الوجود النوعية

يحيى محمد 

لأول مرة نجد فيلسوف قرطبة العقلي إبن رشد (المتوفى سنة 595هـ) يخلص مع قانون الوحدة والشبه بشكل صريح ومنتظم من غير تردد، فيطبقه على العلاقة الخاصة بين مبدأ الوجود الأول وسائر الوجودات المتفرعة عنه. فهو لأول مرة في تاريخ الفكر الإسلامي لا يتردد من أن يعتبر علم مبدأ الوجود الأول بذاته هو نفسه عبارة عن العلم بالأشياء، لا أن هذا الأخير لازم عن علمه بذاته كما يقول الفارابيان اللذان خشيا من حدوث التكثر في الذات الإلهية. فبرأي هذا الفيلسوف أن علم الأول بذاته هو عين الذات التي هي عين صور الموجودات متحدة بشكل من الإتحاد البسيط الذي لا يخلو من تفصيل. فعقل الذات الإلهية لنفسها هو في حد ذاته عقل لجميع الموجودات من دون حيثية أخرى[1]، تبعاً لقاعدة (بسيط الحقيقة كل الأشياء) المستخلصة من قانون الشبه والسنخية، والتي صاغها المتأخرون من الفلاسفة المسلمين.

وإتساقاً مع هذا المنطق فإن إبن رشد يؤسس نظريته في وحدة الوجود تبعاً لوحدة النوع المستلهمة من نظام الأسباب والمسببات. فقد حلل العلاقة الخاصة بين العلة والمعلول ورأى أن علاقتهما قائمة على الشبه مما يبرر المقولة الفلسفية القائلة (علم العلة بذاتها يستلزم علمها بالمعلول). وعليه اعتبر التفاوت بين العلة والمعلول قائماً على الشرف في النوع الواحد لا إختلاف النوعية. وعلى حد قوله: «لما كان الفاعل إنما يعطي المفعول شبيه ما في جوهره، وكان المفعول يلزم فيه أن يكون غيراً.. وجب ضرورة أحد أمرين، إما يكون مغايراً له بالهيولى.. وإما أن تكون المغايرة التي بينهما في التفاضل في النوع الواحد، وذلك بأن يكون الفاعل في ذلك النوع أشرف من المفعول.. وإذا كان كذلك فهذه المبادئ التي ليست في هيولى إنما يغاير فيها الفاعل المفعول، والعلة المعلول بالتفاضل في الشرف في النوع الواحد لا بإختلاف النوعية»[2]. وقد اعتقد بأن ذلك هو الظاهر من مذهب أرسطو وأصحابه أو اللازم عن مذهبهم[3].

لكن يلاحظ أن النظرية الأرسطية الرشدية تقف موقفاً مضطرباً إتجاه الهيولى لتلك الوحدة من الوجود. إذ تراها - من جهة - أجنبية ومستقلة عن فعل الفاعل، فالمبدأ الأول ليس علة لذات الهيولى، بل علة لتحريكها، ومن ذلك ينشأ النظام والصورة وتتحقق المشابهة. لكن هذه النظرية تجعل - من جهة ثانية - الصور الموجودة في ذات الفاعل الأول بالفعل؛ موجودة كذلك في المادة الأولى بالقوة[4]. وهذا هو محل الإضطراب، إذ القول الأخير لا يجعل من الهيولى مستقلة عن الفاعل، وإلا كيف جاز أن يكون ما موجود في ذات الفاعل بالفعل، موجوداً لدى المادة بالقوة؟!

وإبن رشد كغيره من الفلاسفة المسلمين يفرش البساط العقلي الصوري على الوجود ككل طبقاً لعلاقة العلة بالمعلول حسب قانون الأصل والشبه. فالموجودات هي صور أو إدراكات عقلية متوزعة بحسب مراتبها من الوجود، أخسّها هو وجودها في المواد، ثم بعد ذلك وجودها في العقل الإنساني، ثم وجودها في العقول المفارقة. فهذه العقول هي نفسها عبارة عن صور بعضها أرقى وأفضل من البعض الآخر[5]. وكل صورة إدراكية فوجودها في نفسها ومعقوليتها ووجودها لعاقلها أمر واحد بلا تغاير، وبالتالي يصبح كل عاقل جميع معقولاته، وكلما كثرت المعقولات كلما أصبح التعقل أشدّ عقلية وأكمل ذاتاً وأقوى وجوداً وأزيد آثاراً، وهكذا تتفاوت العقول حتى ينتهي الأمر إلى العقل الإلهي المتمثل بـ «جميع العقول، بل جميع الموجودات بوجه أشرف وأتم من جميعها»[6].

ورغم أن إبن رشد قائل بوحدة الوجود النوعية، إلا أنه يقترب أحياناً من النظرية الصوفية ويكاد يقع في أسرها، على ما سيتضح لنا ذلك في ما بعد.

كذلك فطبقاً لمبدأ السنخية تمكّن إبن رشد من حل مشكلة الصدور بما يقترب من مآل طريقة المتأخرين من الإشراقيين الذين وفّقوا بين السلوكين الفلسفي والعرفاني. إذ لم يتقبّل الإتجاه العرفاني تلك النظرية بصورتها القائلة (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد). فعلى الرغم من إعتقاده بصدق المقالة نظرياً، لكنه لم يجد لها تطبيقاً على أرض الوجود. فالمبدأ الأول عنده ليس مجرد واحد بسيط، بل له نسب متكثرة تجعله واحداً وكثيراً في الوقت ذاته، الأمر الذي يبرر على أساسه صدور الكثرة عنه[7].

كما هناك جماعة من المتكلمين وافقوا أيضاً على تلك المقالة نظرياً، إلا أنهم أنكروا أن يكون لها مصداق في الوجود. فبرأيهم أنه يجوز أن يصدر عن المبدأ الأول أمور كثيرة، لوجود الكثرة الإعتبارية في ذاته، كالسلوب والإضافات النسبية، كعالميته وقادريته ورازقيته وخالقيته، إلى غير ذلك من الإضافات، وكذا مع ما هو مسلوب عنه من صفات الممكنات وأحوالها. فبحسب كل سلب وإضافة يصدر عنه موجود عيني، فهذه الإعتبارات هي نظير الإعتبارات التي أثبتها الفلاسفة في العقل الأول المعلول، إذ بنظرهم أنها لا تقدح في وحدته وبساطته[8].

كذلك انطلق إبن رشد من الموقع ذاته الذي انطلق منه الصوفية وبعض المتكلمين. فهم جميعاً قد سلّموا بصحة قاعدة (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد) نظرياً، لكنهم نفوا أن يكون لها مصداق في الوجود. فالمبدأ الأول عندهم عبارة عن «الواحد الكثير» ولو إعتباراً. فقد اثبت الصوفية للمبدأ الأول صفات ونسباً مغايرة لذاته عقلاً لا خارجاً، وبالتالي جاز عندهم صدور الـكثير عن الـواحد[9]، وعلى هذه الشاكلة أثبت بعض الـمتكلمين الكثرة الإعتبارية في ذاته. ومع ذلك فإنهم يتفقون جميعاً على صدق القاعدة نظرياً. وكذا هو الحال مع إبن رشد، فهو لا ينفي المقولة نظرياً، بل على العكس أن تحليله لها يجعله يؤكدها. فإعتقاده بجواز صدور الكثرة عن الواحد مستمد من منطق إعتقاده بأن هذا الواحد البسيط فيه كـثـرة صوريـة مختلفة لا تتنافى مع كونه واحداً بسيطاً[10]. ومن هذا الموقع فهو يصحح جواز صدور الكثرة عنه إلى درجة أنه يقول: «ليس يمتنع في ما هو بذاته عقل ومعقول أن يكون علة لموجودات شتى من جهة ما يعقل منه أنحاء شتى، وذلك إذا كانت تلك العقول - أي المعلولات الفلكية المفارقة - منه أنحاء مختلفة من الصور»[11].

ويتوغل فيلسوفنا إلى أكثر من هذا، فهو لا يعترف بقاعدة الصدور نظرياً فحسب، بل يقيم مذهبه انطلاقاً منها دون تجاوزها، فيرى أن الكثرة التي تصدر عن الواحد البسيط هي كثرة مجملة في الواحد، فكما أن المبدأ الأول هو مطلق لأنه كل الأشياء، فكذا أن ما يصدر عنه من فعل لا بد من أن يكون مطلقاً بحمله للكثرة، وذلك على شاكلة الأول طبقاً للسنخية، فيكون الصادر واحداً وكثيراً، مثلما أن الأول هو «الواحد الكثير». لذا اعتبر قضية صدور الواحد عن الأول صادقة، مثلما أن قضية صدور الكثرة عنه صادقة أيضاً[12].

وهو بهذا ينحو منحى قريباً جداً من المنحى الذي سلكه الإشراقيون، سيما صدر المتألهين، وهو المسلك الذي جمع بين رأي الفلاسفة كالفارابيين وأتباعهما من جهة، ورأي العرفاء من جهة ثانية. فهو وإن كان يقول بصدور الفعل المطلق دفعة واحدة، لكنه في الوقت نفسه لا ينكر تسلسل مضامين هذا الفعل طبقاً لقاعدة «الإمكان الأشرف» القائمة على السنخية. وكما يرى بأن ما من صفة ناقصة إلا ويسبقها وجود صفة كاملة على شاكلتها، فمثلاً «أن ما وجدت فيه حرارة ناقصة فهي موجودة له من قبل شيء حار بحرارة كاملة، وكذلك ما وجد حياً بحياة ناقصة... وكذلك ما وجد عاقلاً بعقل ناقص فهو موجود له من قبل شيء هو عقل بعقل كامل، وكذلك كل ما وجد له فعل عقلي كامل فهو موجود له من قبل عقل كامل»[13]. وينطبق هذا الحال على عالم العقول المفارقة الموصوفة بالبساطة والكمال، فهي ليست متغايرة تغاير النوع ولا تغاير الشخص، بل تتغاير بمراتب البساطة في الشدة، بإعتبارها لا تحمل مرتبة واحدة من الإضافة أو المعلولية إلى المبدأ الأول، بل تتفاضل بحسب حالها من القرب والبعد منه، فكلما كانت متقدمة في رتبة الوجود وقريبة من الأول كانت أكثر كمالاً وبساطة، وبالتالي فإن المعلول الأول هو أكمل وأبسط من المعلول الثاني، وهذا أكمل وأبسط من الثالث، وهكذا. وهي وإن كانت بسيطة لأنها وحدات تامة بالفعل دون مادة ولا قوة، إلا أن لها نوعاً من الكثرة والتركيب، إذ تتفاوت في ما بينها بحسب القرب والبعد من المبدأ الأول، فهي تعقل من ذواتها معنى مضافاً إلى عللها، خلافاً لما هو الحال مع المبدأ الأول الذي نفى عنه مثل تلك الكثرة والتركيب، إذ أنه «يعقل من ذاته معنى موجوداً لا معنى ما مضافاً إلى علة»[14].

 على أن الجمع بين الدفعة الواحدة للفعل المطلق، وبين التسلسل الذي يقتضيه التفكير الفلسفي، جعل إبن رشد يعتقد بوجود قوة روحية واحدة تربط بين أجزاء ذلك التسلسل وتجعل من الكثرة أمراً واحداً، فهي تسري في الكل سرياناً واحداً. وإذا لم يصح وجود الأشياء إلا بإرتباط بعضها ببعض، لإفتقار كل منها للآخر كما تقتضيه علاقة العلة والمعلول؛ فإن وجودها يصبح تابعاً لإرتباطها، مما يعني أن معطي الرباط هو معطي الوجود، إذ الأشياء تفتقر بوجودها إلى المبدأ الأول من حيث إرتباطها وعالقيتها به، وحيث أن هذا المبدأ واحد، فما يعطيه يجب أن يكون واحداً طبقاً لقاعدة الصدور (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد)، لكن «هذه الوحدة تتنوّع على جميع الموجودات بحسب طبائعها، ويحصل من تلك الوحدة المعطاة في موجود موجود وجود ذلك الموجود، وتترقى كلها إلى الوحدة الأولى»[15].

وعلى هذا الأساس قام إبن رشد بتصوير فيض هذه القوة السارية في الكل وتشبيهها بجسم الحيوان، مشيراً إلى أن الفلاسفة القدماء أجمعوا على ذلك، وهو يعوّل في هذه النظرية على كلام الاسكندر الذي يقول: «إنه لا بد أن تكون هنا قوة روحانية سارية في جميع أجزاء العالم كما يوجد في جميع أجزاء الحيوان الواحد قوة ترتبط أجزاءه بعضها ببعض»[16]. فقد صرح إبن رشد قائلاً: «وأما كون جميع المبادئ المفارقة وغير المفارقة فائضة عن المبدأ الأول وأن بفيضان هذه القوة الواحدة صار العالم بأسره واحداً وبها ارتبطت جميع أجزائه حتى صار الكل يؤم فعلاً واحداً كالحال في بدن الحيوان الواحد المختلف القوى والأعضاء والأفعال، فإنه إنما صار عند العلماء واحداً وموجوداً بقوة واحدة فيه فاضت عن الأول، فأمر أجمعوا عليه لأن السماء عندهم بأسرها هي بمنزلة حيوان واحد.. وقد قام عندهم البرهان على أن في الحيوان قوة واحدة بها صار واحداً وبها صارت جميع القوى التي فيه تؤم فعلاً واحداً وهو سلامة الحيوان، وهذه القوى مرتبطة بالقوة الفائضة عن المبدأ الأول.. فإن كان واجباً أن يكون في الحيوان الواحد قوة واحدة روحانية سارية في جميع أجزائه بها صارت الكثرة الموجودة فيه من القوى والأجسام واحدة، حتى قيل في الأجسام الموجودة فيه أنها جسم واحد، وقيل في القوى الموجودة فيه أنها قوة واحدة، وكانت نسبة أجزاء الموجودات من العالم كله نسبة أجزاء الحيوان الواحد من الحيوان الواحد، فباضطرار أن يكون حالها في أجزائه الحيوانية وفي قواها المحركة النفسانية والعقلية هذه الحال، أعني أن فيها قوة واحدة روحانية بها ارتبطت جميع القوى الروحانية والجسمانية وهي سارية في الكل سرياناً واحداً»[17].

وهذا التصور لعلاقة الكثرة بالوحدة من خلال الفعل الساري الفائض عن المبدأ الأول؛ يتفق تماماً مع ما يقوله الإشراقيون في المشرق العربي والإسلامي، فهم يعبّرون عن هذا الفعل المطلق بأنه وجود منبسط مطلق يرتبط بالمبدأ الأول إرتباط الفعل بالذات، فهو فعل الله الساري في كل شيء، وهو واحد وكثير ومجمل ومفصّل. فالفيلسوف المشرقي صدر المتألهين يقسّم الوجود إلى مراتب ثلاث: الأولى عبارة عن مبدأ الكل، وهو الواجب الأول. والثانية عبارة عن الوجود المتعلق بغيره، كالعقول والنفوس والطبائع والأجرام والمواد. أما المرتبة الثالثة فهي الوجود المنبسط على هياكل الأعيان والماهيات، وهو المسمّى بالنفس الرحماني وبالحق المخلوق به، حيث أنه الصادر الأول وأصل وجود العالم وحياته ونوره الساري في جميع ما في السماوات والأرضين؛ كل بحسب رتبته[18].

وهذا هو وجه إختلاف الإشراقيين عن الصوفية، فكلا الفريقين يعتقد بأصالة وثبوت الوجود الواحد البسيط ذي المراتب المتنزلة، إلا أن الإشراقيين يعتبرون المبدأ الأول تمام الأشياء وعينها - كلها - من حيث جمعه لكمالاتها، وغيره يعد من المتعلقات المرتبطة به[19]، وهي ما تمثل أطواره وشؤونه. أما الصوفية فتجعل من المبدأ الأول عين هذا الوجود المنبسط، إذ سريانه كسريان النفس في البدن، بل الكل واحد بمراتبه من التجرد والتجسّد، كما هو الحال مع النفس حيث تحتفظ بمرتبة لها في نفسها ومراتب أخرى تجامع فيها سائر الأعضاء. مما يعني أن الخلاف بين الفريقين ينحصر في موضوع السريان إن كان يخص الذات الإلهية أم فعلها، إذ الصوفية تقول بسريان الذات، والإشراقيون يقولون بسريان الفعل الواجب مع حفظ الذات في عزّ مرتبتها وعلوّها.

أما المشّاؤون فهم وإن اعتقدوا بأن الوجود يمثل حقائق متخالفة، لكن إقرارهم بأنه عبارة عن معنى بسيط لجميع الكائنات يجعلهم يقتربون من المعنى الإشراقي الآنف الذكر، بل ربما لهذا السبب كان صدر المتألهين يرى طريقته لا تختلف عن طريقتهم عند التدقيق والتفتيش[20]. ولعل أعظم إتفاق للمشّائين مع الإشراقيين يتمثل بما نقله إبن رشد عن القدماء حول الفعل المطلق الواحد الساري في سلسلة الوجودات، إذ نقل أنهم أجمعوا عليه، كما نصّ عليه شارح أرسطو الاسكندر. فهذا المنقول هو نفس ما قصده الإشراقيون من العقل الأول، فهو صادر أول تستمد منه سائر السلسلة الوجودية وجودها وإرتباطها وحياتها، لأنها تمثل تنزلات هذا الفعل.

وبعبارة أخرى، إن هذا الفعل المطلق الساري كما يسميه المشّاؤون، أو الوجود المطلق المنبسط كما يسميه الإشراقيون، هو ذات العقل الأول الفائض عن المبدأ الواجب بإعتبارين مختلفين، إذ يمثل هذا العقل من جهة صدارة وكمال ذلك الفعل أو الوجود وتمامه، كما يعتبر من جهة أخرى سارياً في جميع أرجاء ما دونه، أي أنه مفارق مع كل مفارق، وملابس للمادة مع كل مادة، فهو مفارق وملابس؛ كل بحسب رتبته الخاصة في سلسلة الوجود، ولولا حضوره فيها بنحو ما من الأنحاء ما كان لها أثر ولا وجود.

 



[1] تهافت التهافت، ص435 و339.

[2]  كتاب ما بعد الطبيعة، ضمن رسائل إبن رشد، ص150.

[3]  المصدر السابق، ص153.

[4]  تفسير ما بعد الطبيعة، ج3، ص1504ـ1505.

[5]  تهافت التهافت، ص215ـ216.

[6]  المصدر السابق، ص202 و442.

[7]  رغم أن إبن عربي استدل بدليل رياضي ذهني على خطأ النظرية، حيث أشار إلى قضية خروج خطوط متعددة من مركز الدائرة إلى محيطها، فبرغم أن نقطة المركز واحدة غير متعددة، إلا أن هناك خطوطاً عديدة تخرج منها لتنتهي إلى نقط متعددة على المحيط، كلها تكون في مقابل تلـك الـنقطة وجهاً لوجه (ابن عربي: الفتوحات المكية، ج1، ص260. كذلك: حيدر الآملي: المقدمات من نص النصوص، طبعة طهران، 1975م، ص115ـ116). إلا أن صدر المتألهين سخّف الاستدلال المذكور، فردّ عليه من جهة إعتبار النقطة مركبة من أمور غير متناهية، لهذا يصح عنها الصدور المتكثر، وبالتالي فإنها لا تتعارض مع مقالة الواحد لا يصدر عنه إلا واحد (الأسفار، ج2، ص206). علماً بأن إبن عربي أقرّ في محل آخر من كتابه الفتوحات - الذي ضمّن فيه دليله السابق - بعدم صحة تبرير صدور الكثرة عن طريق تلك المقالة، لذلك فقد فسّر الكثرة إستناداً إلى فكرة العدد (3) المقتبس عن الفيثاغوريين لكونه يمثل عندهم الأصل في الأعداد الفردية، معتبراً أن أبسط الكثرة في داخل العدد هو الثلاثة (أستين بلاثيوس: إبن عربي حياته ومذهبه، ترجمه عن الاسبانية عبد الرحمن بدوي، دار القلم، بيروت، وكالة المطبوعات بالكويت، 1979م، ص268).

[8] ملا نعيم الطالقاني: أصل الأصول، مقدمة وتصحيح وتعليق جلال الدين أشتياني، طبعة طهران ، ص91ـ93.

[9] المصدر السابق، ص80ـ81.

[10]  تهافت التهافت، ص231.

[11]  تفسير ما بعد الطبيعة، ج3، ص1649.

[12]  تهافت التهافت، ص250.

[13]  تهافت التهافت، ص342.

[14]  المصدر السابق، ص200ـ204 و217 و292ـ293.

[15] المصدر السابق، ص181.

[16] المصدر السابق، ص420.

[17] تهافت التهافت، ص229ـ231.

[18]  اللاهيجي: شرح رسالة مشاعر صدر المتألهين، مكتب الاعلام الإسلامي بطهران، ص177ـ180.

[19]  المصدر السابق، ص235ـ236.

[20]  صدر المتألهين: الشواهد الربوبية، ص7. والمبدأ والمعاد، ص194.

comments powered by Disqus