-
ع
+

صحيح البخاري ومسلم وروايات التشبيه

يحيى محمد

ترد كثير من الاحاديث التي لها علاقة بالصفات الالهية، كتلك التي تصور الله بما هو اقرب للتشبيه والتجسيم، حتى اضطرب العلماء في وجوه حملها وتفسيرها، فاغلب الصفات المادية التي يتصف بها البشر هي نفسها واردة في الخالق، فله وجه وعين ويد وكف وقبضة ويمين وساعد وذراع واصابع وانامل ورجل وقدم وساق وشعر، وان من صفاته انه يتكلم بصوت وحرف، وانه يعجب ويضحك ويتردد ويستحي ويغار ويهرول، وانه رؤي فاذا هو شاب جعد قطط، او انه في صورة شاب امرد، وانه يكشف عن ساق، وانه يضع قدمه في نار جهنم فتمتلىء، كما انه يستلقي فيضع احدى رجليه على الاخرى. واغلب هذه الصفات وردت في الصحاح جمعاً او انفراداً.

فقد ورد في صحيحي البخاري ومسلم ان الله خلق آدم على صورته، فعن ابي هريرة ان النبي (ص) قال: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً[1].

كما ورد ان لله يدين، ففي رواية ان كلتيهما يمين، وفي اخرى ان له يداً شمالاً، وكذا ان له عيناً وهو ليس بأعور، كما مر معنا. وقد احتجت المجسمة - كما نقل ابن بطال - بحديث العين وكيف ان النبي اشار بيده الى عينه كدلالة على ان عينه كسائر الاعين[2]. واعتقد هؤلاء وامثالهم ان لله عينين لا اكثر ولا اقل، واستدلوا على ذلك من دليل الخطاب في نص الحديث المشار اليه (ان الله ليس بأعور)[3].

وورد ايضاً ان لله اصابع، ففي رواية عن عبد الله بن مسعود انه جاء حبر من اليهود فقال: إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي يضحك حتى بدت نواجذه تعجباً وتصديقاً لقوله، ثم قال النبي: ((وما قدروا الله حق قدره)) إلى قوله يشركون[4]، وفي بعض طرق هذا الحديث لم تذكر عبارة (تعجباً وتصديقاً لقوله)[5]، واعتبرها البعض من قول الراوي، وهي باطلة لان النبي (ص) لا يصدق المحال وهذه الاوصاف في حق الله محال[6].

وقد شكك ابو سليمان الخطابي باحاديث الاصابع، وقال: ‹‹لم يقع ذكر الاصبع في القرآن ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر ان اليد ليست بجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الاصابع، بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الاصابع من تخليط اليهودي؛ فان اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين، واما ضحكه (ص) من قول الحبر فيحتمل الرضى والانكار، واما قول الراوي تصديقاً له فظن منه وحسبان، وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة››[7].

على ان حديث الاصابع جاء في عدد من الروايات، منها ما اخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي (ص) قال: إن قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء[8]. كما اخرج مسلم رواية اخرى عن عبد الله بن عمر ان النبي (ص) قال: يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله[9].

كذلك ورد ان لله قدماً يضعها في جهنم، ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك من ان النبي قال: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك[10]، وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان الله يضع رجله فيها فتقول قط قط[11].

وقد بلغت روايات القدم والرجل في الصحيحين وغيرهما اثنتا عشر رواية كما اخرجها الدارقطني في كتاب (الصفات)[12].

كما ورد ان لله ساقاً يكشف عنه يوم القيامة، حيث روي عن النبي في حديث طويل ان الله يسأل جماعة من الناس ان كانت بينهم وبينه اية يعرفونه بها، فيجيبون بنعم، فيكشف الله عن ساق، وعندها لا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة؛ كلما أراد أن يسجد خر على قفاه[13].

وروى البخاري على شاكلة ما سبق - في حديث طويل - ان النبي وعد امته بانهم سيرون الله تعالى يوم القيامة كما ترى الشمس والقمر ليلة البدر، حيث يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة... فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فيتبعونه[14].

وفي رواية اخرى جاء التعبير عن ذلك: فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه[15].

وتبدي الكثير من الروايات ان الله سيرى يوم القيامة، ومن ذلك ما جاء ان النبي قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته[16]. وقد جمع الدارقطني روايات الرؤية فبلغت اكثر من ثلاثمائة رواية وحديث، منها اكثر من مائتين اسندت الى النبي، وما تبقى رواها عن اقوال الصحابة والتابعين[17].

كما ورد ان لله وجهاً وبصراً - له حدود - وحجاباً من نور، ومن ذلك قول النبي: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه[18].

وورد ايضاً ما يقتضي تحديد الله في جهة من الكون، ففي رواية تبدي انه في السماء، وفي اخرى انه قبال وجه المصلي. وكما جاء في صحيح مسلم ان النبي سأل جارية: أين الله؟ فاجابت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي لمالكها: أعتقها فإنها مؤمنة [19]. وفي رواية اخرى قال النبي: إذا كان أحدكم يصلي، فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى[20].

كما اورد البخاري حديث الاسراء وفيه ان النبي وصل الى سدرة المنتهى، وعندها: دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة... فالتفت النبي (ص) إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا...[21].

وقد علق ابو سليمان الخطابي على هذه الرواية بالقول: ليس في هذا الكتاب - صحيح البخاري - حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل، فأنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما، هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق إلى أسفل[22]. وقال ايضاً: ان الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر، واعتبر العهدة في ذلك على شريك الذي رواها عن انس[23].

كما اشكل الخطابي على ما جاء في الحديث من نسبة المكان الى الله، وذلك في المقطع (فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا) مع ان هذه النسبة قد تكون مضافة الى النبي لا الى الله، فليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله كالذي اشار اليه ابن حجر[24].

وجاء في عدد من الروايات ان لله انتقالاً وحركة، فهو ينزل الى السماء الدنيا، وكما روي عن أبي هريرة قول النبي: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له[25].

وذكر ابن الجوزي ان هذا الحديث رواه عشرون صحابياً[26]، وزاد على ذلك ابن القيم واعتبر الحديث قد رواه ثمانية وعشرون صحابياً ذكرهم بمسانيدهم[27] وفي محل اخر ذكر ابن القيم انه جاء في النزول اكثر من سبعين نصاً[28].

وورد في الصحيحين ان لله هرولة، وكما روي عن أبي هريرة قول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة[29].

كما ورد في الصحيحين ان الله يضحك ويتعجب ويتردد ويغار. ففي رواية عن ابي هريرة أن رسول الله قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد[30].

وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان الله قد عجب من صنع ما فعله بعض الناس، حيث ورد انه جاء رجل إلى رسول الله فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح قال له النبي: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة[31].

وروي عن ابي هريرة ايضاً قول الله: ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته[32].

وجاء حول غيرة الله الكثير من الروايات، وهو انه لا احد اغير منه، وفي بعضها ان الله حرم الفواحش لغيرته، ومن ذلك ما جاء عن عبد الله بن مسعود قول النبي (ص): ما من أحد أغير من الله؛ من أجل ذلك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله[33]. وفي رواية عن عائشة أن رسول الله قال: ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني[34]. وفي رواية اخرى عن ابي هريرة ان النبي قال: إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله[35]. كما في رواية اخرى عن المغيرة ان سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله فقال: تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة[36].

 



[1] صحيح البخاري، حديث 5873، ومثله صحيح مسلم، حديث 2841. وجاء في رواية اخرى عن ابي هريرة قول النبي (ص): إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته (صحيح مسلم، حديث 2612).

[2] فتح الباري، ج13، ص329

[3] دفع شبه التشبيه، ص114

[4] صحيح البخاري، حديث 7075، وحديث 6978، وصحيح مسلم، حديث 2786

[5] صحيح البخاري، حديث 6979، وحديث 7013

[6] فتح الباري، ج13، ص337

[7] فتح الباري، ج13، ص336، ودفع شبه التشبيه، ص206

[8] صحيح مسلم، حديث 2654

[9] صحيح مسلم، حديث 2788

[10] صحيح مسلم، حديث  2848، وصحيح البخاري، حديث 6949

[11] صحيح مسلم، حديث 2846

[12] علي بن عمر الدارقطني: كتاب الصفات، تحقيق عبد الله الغنيمان، مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة الاولى، 1402هـ، عن شبكة المشكاة الالكترونية، باب ما جاء في القدمين، ص12ـ18

[13] صحيح مسلم، حديث 302

[14] صحيح البخاري، حديث 7000، ومثله حديث 773، وحديث  6204.

[15] صحيح مسلم، حديث 299، وصحيح البخاري، حديث 7001

[16] صحيح البخاري، حديث 6997 و6998ـ6999، وحديث 547، وعلى هذه الشاكلة صحيح مسلم، حديث 302

[17] علي بن عمر الدارقطني:رؤية الله، تحقيق مبروك إسماعيل مبروك، مكتبة القرآن، القاهرة، نشرته شبكة المشكاة الالكترونية مع كتاب الصفات للدارقطني.

[18] صحيح مسلم، حديث 293

[19] صحيح مسلم، حديث 33

[20] صحيح البخاري، حديث 398، وصحيح مسلم، حديث 50

[21] صحيح البخاري، حديث 7079

[22] فتح الباري ج13، ص402

[23] لكن ابن حجر ذكر من وافق شريكاً في رواية التدني والتدلي، ومن ذلك ما نقله القرطبي عن ابن عباس انه قال: دنا الله سبحانه والمعنى دنا أمره وحكمه (فتح الباري ج13، ص403).

[24] فتح الباري ج13، ص403

[25] صحيح البخاري، حديث 1094، وصحيح مسلم، حديث 168

[26] دفع شبه التشبيه، ص194

[27] مختصر الصواعق المرسلة، ص386ـ398

[28] انظر: علي بن عبد الكافي السبكي: السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل، ومعه تكملة الرد على نونية ابن القيم بقلم محمد زاهد الكوثري، تقديم لجنة من علماء الازهر، مكتبة زهران، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص136

[29] صحيح البخاري، حديث 6970، وصحيح مسلم، حديث 2675، وحديث 2687 

[30] صحيح البخاري، حديث 2671، وصحيح مسلم، حديث 1890

[31] صحيح البخاري، حديث 3587، وصحيح مسلم، حديث 2054

[32] صحيح البخاري، حديث 6137

[33] صحيح البخاري، حديث 4922، وحديث 6968، وصحيح مسلم، حديث 2760 

[34] صحيح البخاري، حديث 4923

[35] صحيح البخاري، حديث 4925، وصحيح مسلم، حديث 2761

[36] صحيح البخاري، حديث 6980، وصحيح مسلم، حديث 1498 وحديث 1499

comments powered by Disqus