-
ع
+

الحديث الصحيح ومراتبه

يحيى محمد

يتميز الحديث الصحيح عن غيره بحسب حال الرواة في السلسلة، ومعناه عند البخاري هو ما دار على عدل متقن واتصل سنده[1]، بحيث يروى الحديث عن عدل ضابط فمثله، وذلك بصورة متصلة غير منقطعة حتى ينتهي الحديث الى الصحابي ومنه الى النبي (ص). وفي هذا التعريف قيد، وهو ان يكون الراوي العدل يمتاز بالضبط والاتقان، وذلك كي لا يكون هناك شذوذ، وهو ‹‹ان لا يخالف احد رواته ما يرويه من هو ارجح منه حفظاً مخالفة لا يمكن معها الجمع بين الروايتين كما اشار له مسلم في مقدمة صحيحه، ولا يكون فيه علة خفية قادحة مجمع عليها، فشرط البخاري ومسلم ان لا يخرجا الا الحديث المتفق على ثقة نقلته الى الصحابي من غير اختلاف بين الثقات الاثبات بسند متصل غير مقطوع››[2].

وبعبارة اخرى، قيل ان شروط الحديث الصحيح هي ان يكون الحديث متصل السند، وتام الضبط، وعدل الرجال، وليس فيه علة ولا شذوذ[3].

وللحديث الصحيح مراتب متعددة، اخرها ما استكشفه الترمذي واطلق عليه الحديث الحسن، واراد به أن يسلم راويه من أن يكون متهماً، وأن يسلم من الشذوذ، وأن يروى نحوه من غير وجه. وقد عرفه الذهبي بانه ما ارتقى عن درجة الضعيف ولم يبلغ درجة الصحة. وإن شئت قلت: الحسن ما سلم من ضعف الرواة، فهو حينئذ داخل في قسم الصحيح كاخر رتبة له[4]. واعتبر الحاكم النيسابوري ان الصحيح من الحديث عشرة أقسام، خمسة متفق عليها، واخرى مختلف فيها. والاقسام الاولى تتفاوت فيما بينها في الصحة، ومراتبها بحسب الدرجة كالاتي:

الاول: وصفة هذا القسم هو الرواية عن النبي (ص) بان لا تقل عن راويين عدلين في جميع الطبقات من الصحابة فنازلاً .

الثاني: وهو مثل الاول، الا أن راويه عن الصحابي واحد لا اكثر.

الثالث: وهو مثل الاول، الا أن راويه عن التابعين واحد لا اكثر.

الرابع: الأحاديث الأفراد الغرائب التي رواها الثقات العدول، وليس لها طرق مخرجة في الكتب، مثل حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: ‹‹إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجيء رمضان››[5].

الخامس: أحاديث جماعة من الائمة عن آبائهم عن أجدادهم، ولم تأت الرواية عن آبائهم عن أجدادهم الا عنهم، كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده واياس بن معاوية عن ابيه عن جده، وأجدادهم صحابيون وأحفادهم ثقاة.

وقد اعتبر الحاكم النيسابوري ان هذه الاقسام الخمسة مخرجة في كتب الائمة فيحتج بها. كما قدر ان البخاري ومسلم قد اخذا بشرط القسم الاول وعملا به، وهو القسم الذي قدرت أحاديثه بحوالي عشرة آلاف حديث[6]. لكن نقده على ذلك عدد من الحفاظ مثل المقدسي في (شروط الائمة الستة)[7]، ومن بعده الحازمي في (شروط الائمة الخمسة) حيث اعتبر ان التقسيم السابق خاطئ في الموارد المتفق عليها من الحديث الصحيح، واشار الى ان البخاري ومسلم لم يشرطا العمل بحسب القسم الاول ولم يلتزما به، وان ما قدره الحاكم من وجود عشرة الاف حديث هي لظنه انها عبارة عما اخرجه البخاري ومسلم، وهو غير صحيح[8]، واستشهد على ذلك بما قاله ابن حبان البستي من ان الاحاديث هي كلها اخبار احاد وليس هناك خبر من رواية عدلين فعدلين وهكذا حتى يصل الحديث الى النبي، وقد اعتبر البستي ان عدم وجود ذلك يثبت ان الاخبار كلها احاد، وان من اشترط الرواية بعدلين ‹‹فقد عمد الى ترك السنن كلها لعدم وجود السنن الا من رواية الاحاد››[9].

على ان مفهوم الصحيح عند اغلب علماء الحديث لا يعني القطع بصحة صدوره في نفس الامر، بل هو ظني الصدور مهما بلغت درجة صحته. لكن ذهب القليل منهم الى ان بعض مراتب الصحيح يفيد القطع كالذي صرح به ابن الصلاح في الحديث المتفق عليه، وهو الحديث الذي رواه البخاري ومسلم مجتمعين، اذ اعتبر ان ما اتفقا عليه لزم عنه اتفاق الائمة، ومن ثم اتفاق الامة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول. فهذا النوع من الحديث يعد لدى ابن الصلاح مقطوعاً بصحة صدوره، واستدل على ذلك باجماع الامة، واجماعها معصوم من الخطأ. وكان مذهب هذا الحافظ في السابق هو القول بظنية كل حديث صحيح بلا استثناء، كما اشار بنفسه الى ذلك[10].

 

 



[1] المـوقظـة في علم مصطلح الحـديث، مصدر سابق، فقرة الحديث الصحيح.

[2] تحقيقات وانظار في القرآن والسنة، ص76ـ77، ومحمد بن طاهر المقدسي: شروط الائمة الستة، علق عليه محمد زاهد الكوثري، دار زاهد القدسي، القاهرة، 1357هـ، ص10.

[3] وكما يقول ابن حجر: ان خبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته. والمراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة. والضبط: ضبط صدر، وهو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب، وهو صيانته لديه منذ سمع فيه إلى أن يؤدى بالتام إشارة إلى المرتبة العليا في ذلك. والمتصل ما سلم إسناده من سقوط فيه بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه. والمعلل ما فيه علة خفية قادحة. والشاذ ما يخالف فيه الراوي من هو ارجح منه، وتتفاوت رتبه بسبب تفاوت هذه الأوصاف (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، المقدمة. كما لاحظ: النكت على كتاب ابن الصلاح، ج1، فقرة صفات القبول).

[4] المـوقظـة في علم مصطلح الحـديث، فقرة الحسن.

[5] الأفراد جمع فرد، وهو قسمان: فرد مطلق، وهو ما تفرد به راويه عن كل واحد من الثقات وغيرهم بأن لم يروه أحد من الرواة مطلقاً إلا هو. وفرد نسبي: وهو ما تفرد به ثقة بأن لم يروه أحد من الثقات إلا هو، أو تفرد به أهل بلد بأن لم يروه إلا أهل بلدة كذا، كأهل البصرة، أو تفرد به راويه عن راو مخصوص بأن لم يروه عن فلان إلا فلان وإن كان مروياً من وجوه عن غيره (الرسالة المستطرفة، ص114)

[6] المدخل إلى الإكليل. ويحيى بن شرف النووي: صحيح مسلم بشرح النووي، دار الفكر، 1401هـ ـ1981م، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، ص27

[7] شروط الائمة الستة، ص14.

[8] محمد بن موسى الحازمي: شروط الائمة الخمسة، مصدر سابق، ص31 وما بعدها.

[9] شروط الائمة الخمسة، ص32، ولاحظ ايضاً: البحر المحيط، فقرة 1027

[10] مقدمة ابن الصلاح، باب معرفة الصحيح من الحديث.

comments powered by Disqus