-
ع
+

إجتهاد الصحابة

يحيى محمد

 إختلف العلماء حول جواز وشروط الإجتهاد بين الصحابة. فمنهم من منع ذلك في حياة النبي وأجازه بعده، وهو المحكي عن أبي علي الجبائي وإبنه أبي هاشم، وإن كان أبو الحسين البصري قد نقل عنهما التوقف. وذكر البعض أن أبا علي توقف في الغائب من الصحابة، وقطع هو وإبنه بالمنع في الحاضر إذا أمكنه سؤال النبي (ص)، وفي الغائب إذا أمكنه مراسلته([1]). وممن توقف ما نُسب إلى القاضي عبد الجبار الهمداني الذي سلّم بوقوع الإجتهاد في الغيبة عن النبي وتوقف في حضرته، وهو الذي ذهب إليه الإمام الغزالي إستناداً إلى حديث معاذ بن جبل؛ رغم أنه من أخبار الآحاد، لكنه عوّل عليه لما قيل فيه إنه تلقته الأُمة بالقبول([2]). أما السبب في توقف هؤلاء العلماء فيعود إلى تعارض الأدلة وعدم القطع بها.

ومن العلماء من منع الإجتهاد عن الصحابة إلا في حدود القضاء دون غيره، وبشرط الغيبة عن النبي لا حضوره، وهو ما نقله الآمدي عن قوم([3]). ومنهم من منع ذلك باستثناء الحالة التي لا يتمكن فيها الصحابي أن يكون على إتصال بالنبي، كالغائب البعيد، أو في حالة إذن النبي له بالحكم، كالذي ذهب اليه صاحب (مسلم الثبوت). وهناك من أجازه مطلقاً في الغائب دون الحاضر. كما هناك من أجازه بشرط الإذن الخاص. والبعض توسع في هذا الإذن فشمل عنده الصريح والضمني. كذلك فهناك من أجازه بغياب النبي وحضوره بعد إذنه إذا ما خاف فوت الحادثة من دون حكم أو ضاق عليه الوقت([4]).

وذهب بعض آخر إلى إعتبار الإجتهاد جائزاً في كل ما ليس فيه أمر ولا نهي، كما هو مذهب إبن حزم الأندلسي الذي أجاز الإجتهاد على الجميع سواء كانوا صحابة أو غيرهم إلى يوم القيامة، حتى لو كان الأمر في حضرة النبي (ص)؛ طالما كان الإجتهاد في دائرة المباح لا الواجب ولا الحرام، كإجتهاد الصحابة فيما يجعلونه علماً للدعاء إلى الصلاة، وكإجتهادهم في تشخيص السبعين ألف الذين يدخلون الجنة ووجوههم كالقمر ليلة البدر، فقد أخطأوا ولم يعنفهم النبي على إجتهادهم هذا([5]).

هكذا تتعدد الأقوال التي تجيز للصحابة الإجتهاد في حياة النبي وبعده ضمن شروط وإعتبارات مختلفة.

وقد إستدل المانعون لإجتهاد الصحابة في حياة النبي بعدة أدلة، منها:

 1 ـ يمكن للصحابي معرفة الحكم الشرعي - في حياة النبي - على وجه اليقين والعلم، وبالتالي لا معنى لأن يمارس الإجتهاد المفضي إلى الظن.

 2 ـ إن الحكم بالإجتهاد في حياة النبي يعد إفتياتاً على مقام النبوة فلا يقع.

 3 ـ قد ثبت أن الصحابة كانوا يرجعون عند وقوع الحوادث إلى النبي، وعليه لو جاز لهم الإجتهاد لإجتهدوا دون مراجعة حضرته (ص)([6]).

أما الذين أجازوا إجتهادهم فقد فصلوا الأمر كما يلي:

إجتهاد الصحابة في حياة النبي

بدءاً، لا مانع من إجتهاد الصحابة بخصوص القضاء وما شاكله إن كان يتعلق بالتطبيق وتشخيص الواقع، بل لا غنى عنه في أيّ وقت من الأوقات، سواء في حياة النبي (ص) أو بعدها، وسواء في غيبته أو عند حضوره بعد أخذ الإذن منه.

ومن الوقائع المنقولة بهذا الصدد أن النبي طلب من عمرو بن العاص أن يحكم في مسألة، فقال أجتهد وأنت حاضر يا رسول الله؟ قال: نعم، إن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أجر واحد([7]).

كما روي أن النبي بعث علياً إلى اليمن قاضياً وقال له: إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضِ للأول حتى تسمع كلام الآخر. فقال علي: فما شككت في قضاء بعد([8]). كما نُقل أن النبي أرسل حذيفة اليماني للقضاء بين جارين إختصما في جدار بينهما وإدعى كل منهما أنه له([9]).

وروي أيضاً أن النبي أَذِنَ لسعد بن معاذ أن يحكم في شأن يهود بني قريظة، فحكم بقتلهم وسبي نسائهم وذراريهم، فقال له النبي: لقد حكمتَ بحكم الله من فوق سبعة أرقعة([10]).

مع هذا يلاحظ أنه لا علاقة لمثل هذه المنقولات بالإجتهاد المتواضع عليه، فليس فيها إستنباط لحكم من الأحكام الشرعية كما هو واضح.

كما هناك منقولات تعبر عن مواقف عملية متعلقة بالتكليف، وقد إتخذها الصحابة إضطراراً لعدم تمكنهم من الإتصال بالنبي مع خوفهم من فوات الحادثة أو ضيق الوقت، وهي أيضاً لا تدل على أنهم كانوا يجتهدون بالمعنى المتواضع عليه، فهي حالات جزئية ووقتية تقتضي الاضطرار الى  إتخاذ الموقف العملي منها.

فمن هذه المنقولات جاء أنه خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما ثم صليا وبعد ذلك وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي (ص) فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: لك الأجر مرتين([11]).

كما نُقل أن النبي قال لأصحابه بعد إنصرافه عن الأحزاب: «ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، لكن بعضاً من الصحابة صلوا صلاة العصر قبل الوصول إلى مكان وجود يهود بني قريظة خشية فوات الوقت، بينما أخرها البعض الآخر حتى وصل إلى محل بني قريظة عملاً بقول الرسول، ومع ذلك فان النبي (ص) لم يوبخ ايّاً منهما([12]).

وروي أن جماعة من الصحابة كانوا في سفر وفيهم عمر ومعاذ، فأصبح كلاهما بحاجة إلى الغسل ولا ماء معهما، فعمل كل واحد منهما على ما ظن ورجى أنه الصواب. فأما معاذ فقد تمرغ وتوضأ بالتراب وصلى، لكن عمر لم يرد ذلك وأخّر الصلاة، فلما رجعا إلى الرسول بيّن لهما الصواب في قوله تعالى: ((فامسحوا بوجوهكم وأيديكم))، وقال يكفيكما أن تفعلا هكذا، مشيراً إلى كيفية التيمم([13]).

وهناك منقولات تبدي أن بعض الصحابة كان يحكم في حضور النبي دون إذنه. فمن ذلك جاء أنه لما قتل أبو قتادة الإنصاري مشركاً، وقال رسول الله (ص): من قتل قتيلاً فله سلبه، فقام أبو قتادة وقال: قتلت قتيلاً، فقال رجل: صدق وسلبه عندي، فإرضه يا رسول الله، عندها قال أبو بكر: لا ها الله ذا لا يعمد إلى أسد من اسود الله يقاتل عن الله تعالى ورسوله فيعطيك سلبه([14]).

وعلى فرض صحة هذه الرواية فانها لا تدل على إجتهاد أبي بكر، فما قاله مستمد مما صرح به النبي (ص) في قوله الآنف الذكر. كل ما في الأمر أن أبا بكر قد تعجل وحكم من نفسه دون إذن النبي، وكان الأولى أن يدع النبي يحكم أو يستأذن منه ذلك.

لكن أهم المنقولات التي لها دلالة على الإجتهاد بالرأي في حياة النبي هي منقولة معاذ بن جبل حينما بعثه النبي إلى اليمن قاضياً، إذ قال له النبي: بمَ تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: بما في كتاب الله، قال (ص): فإن لم تجد؟ قال: بما في سنة رسول الله، قال (ص): فإن لم تجد؟ قال: أجتهد ولا آلو. فسُرَّ بذلك رسول الله وقال: الحمد لله أن وفق رسول الله لما يرضي الله ورسوله.

فهذه الحادثة لها دلالة على الإجتهاد باستنفاد الجهد فيما لا نص فيه. لكنها من جهة وردت بخصوص القضاء وهو يحتاج إلى فض المنازعات والفصل فيها؛ سواء بالإستناد إلى النص أو إلى غير ذلك إن لم يتمكن القاضي من إيجاد الحكم في النص، وهو خلاف الحال في الفتوى، إذ قد لا يترتب على الفتوى أثر من المشاكل إن توقف المفتي وإمتنع عن الإفتاء أو قال بالإحتياط أو أيّ وظيفة عملية أُخرى، وذلك فيما لو عجز عن تحصيل الحكم الشرعي من النصوص. لهذا فإن قياس الإجتهاد في القضاء على الفتوى يعني إلغاء الخصوصية في الأول، وهو ما يحتاج إلى دليل منفصل يسمح بمثل هذا التعدي.

هذا من جهة، أما من جهة أُخرى فإن منقولة معاذ هي كغيرها من المنقولات - التي ذكرناها - تُعد من أخبار الآحاد التي لا تنفع في إثبات مثل هذا المطلب الكبير، ذلك أن الإجتهاد هو أصل أساس تتوقف عليه مختلف الفروع الفقهية، ومن غير المنطقي أن يتم إثباته بمجرد خبر الآحاد؛ وإن كان ظني الثبوت. وقد سبق لأبي حنيفة أن إعتبر خبر الآحاد إذا كان مما تعم به البلوى ليس بحجة([15])، فكيف الحال والخبر مرسل ؟! اذ روى الحديث أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي وإبن عدي والطبراني والبيهقي؛ عن أحّد أصحاب معاذ، وهو مرسل([16]). وقد نصّ الترمذي عليه بقوله: ليس إسناده عندي بمتصل. وعقّب عليه إبن العربي بقوله: هو حديث مشهور([17]). ناهيك عن أن هناك من عدّه من الموضوعات، كالجوزجاني الذي علّق عليه بقوله: «هذا حديث باطل جاء بإسناد لا يعتمد عليه في أصل من أُصول الشريعة»([18]). كما اعتبره ابن حزم حديثاً باطلاً لم يروه أحد إلا الحارث بن عمرو عن رجال من أهل حمص لم يسمهم، وهو ذاته رجل مجهول لا يعرف من هو. وعلى رأي ابن حزم ان هذا الحديث يتصادم مع عدد من الايات القرآنية، مثل قوله تعالى: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) وقوله: ((اليوم أكملت لكم دينكم))([19]).

هكذا يتضح انه لا دليل على إجتهاد الصحابة في حياة النبي (ص) بالمعنى المتعارف عليه. والعجيب ما زعمه الزركشي في (البحر المحيط) من «أن الصحابة تكلموا في زمن النبي (ص) في العلل». واحتج على ذلك بما رواه البخاري من حالات جزئية محدودة، كالذي روي حول حادثة نهي النبي عن أكل لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، اذ قال الصحابي عبد اللّه بن أبي أوفى انه تحدثنا عن ذلك وقلنا ان النبي نهى عنها لأنّها لم تخمّس، وقال بعضهم نهى عنها ألبتّة لأنّها كانت تأكل العذرة([20]).

مع هذا فقد قام الصحابة بتعليل عدد من الاحكام، خاصة بعد النبي، وبنوا على ذلك احكامهم، كما هو الحال في تعليل عمر بن الخطاب لحكم سهم المؤلفة قلوبهم. لكن ما ذكره الزركشي يوحي بأن مسألة العلل مركوزة في اذهان الصحابة مثلما هي مركوزة في اذهان الفقهاء، وهو أمر بعيد عن الصواب.

إجتهاد الصحابة بعد النبي

أما إجتهاد الصحابة بعد وفاة النبي فقد كثر النقل عنه حتى أصبح لا يقبل الشك، خاصة أن الحاجة والضرورة قاضية به عند تجدد الحوادث التي لم ينص عليها الشرع بشكل صريح وواضح. وقد قيل أن الذين حُفظت عنهم الفتوى من الصحابة بلغوا مائة ونيفاً وثلاثين ما بين رجل وإمرأة؛ منهم المكثرون ومنهم المتوسطون ومنهم المقلون([21]). لذلك إختلفوا في مسائل عديدة؛ من بينها ما أُطلق عليه: الجد والأخوة والخرقاء والمشتركة أو المشرّكة والحرام والخيار والخلية والبرية والبائن والمدبر والمكاتب والكلالة وغيرها([22]).

ومن بين ما نُقل أن بعض الصحابة أشار في كلماته إلى دليل القياس فيما لا نص فيه، كما هو الحال مع الخليفة عمر بن الخطاب، حيث جاء في رسالة مطوّلة له بعثها إلى أبي موسى الأشعري قال فيها: «.. ثم الفهم الفهم فيما أدى إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس بين الأُمور عند ذلك، وأعرف الأمثال، ثم أعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق». وقد ضعّف ابن حزم هذه الرسالة من حيث السند وكذبها([23]). كما توصل الاستاذ محمود بن محمد عرنوس في كتابه (تاريخ القضاء في الإسلام) إلى تأييد ابن حزم واعتبار تلك الرسالة موضوعة بالإستناد إلى دليل تاريخي، وهو ان أبا موسى الأشعري لم يتولَّ الكوفة في عهد عمر، بل كان قاضيها آنذاك شريح، أما أبو موسى فقد تولاها في عهد عثمان([24]).

وقد اعتبر بعض المتأخرين ان القياس دليل مستقل لعمل الصحابة وإجماعهم عليه، اذ قال إبن خلدون: «ثم نظرنا في طرق إستدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة؛ فإذا هم يقيسون الأشباه منها بالأشباه، ويناظرون الأمثال بالأمثال بإجماع منهم، وتسليم بعضهم لبعض في ذلك الإلحاق. فإن كثيراً من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النصوص الثابتة فقاسوها بما ثبت، وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق؛ تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين، حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد، وصار ذلك دليلاً شرعياً بإجماعهم عليه، وهو القياس وهو رابع الأدلة»([25]).

ويُعدّ مثل هذا الرأي من المجازفات. فكون الصحابة إجتهدوا في الكثير من القضايا وأقاموا الشورى كي يحددوا الموقف العملي لمسائل لم ينزل فيها تشريع؛ لا يعني أنهم عملوا بالقياس كدليل مميز ومستقل، وما روي في هذا الشأن يعد من القليل لا يصح أن يُصور كأنه مركوز في أذهان الصحابة مثلما هو الحال عند المجتهدين عبر العصور.

مع أنه يُنقل في القبال عن الصحابة والتابعين الكثير من النقد والإعتراض على الرأي والقياس، ولو بصورة مجملة، فمن ذلك ما روي عن أبي بكر قوله: «أيّ سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي». وعن الإمام علي قوله: «لو كان الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره»([26]). وسبق لابن حزم إنكار ان يكون أحد من الصحابة أباح القول بالقياس، باستثناء الرسالة الموضوعة عن عمر بن الخطاب، وهي عنده لا تصح، اذ رواها رجلان متروكان([27]).

 

يبقى القول المعقول هو أن الصحابة مارسوا الإجتهاد عند الحاجة والإضطرار، وكان في الغالب ممزوجاً بالشورى. ومن ذلك ما ذكره ميمون بن مهران من أن أبا بكر كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله (ص) في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين إن كان الرسول قد قضى في ذلك بقضاء؟ فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله (ص) جمع رؤوس الناس وخيارهم فإستشارهم؛ فإذا إجتمع رأيهم على أمر قضى به)[28](. وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه قائلاً: إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة رسول الله فانظر ما إجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة رسول الله ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أيّ الأمرين شئت، إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك)[29].(

وعن عبد الله بن مسعود قال: أتى علينا زمان لسنا نقضي، وإن الله قد قدر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون، فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عز وجل، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله ولم يقض به رسول الله (ص) فليقض بما قضى به الصالحون ولا يقل إني أخاف وإني أرى «فإن الحرام بيّن والحلال بيّن، وبين ذلك أُمور مشتبهة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك»)[30].(

لقد جاء إجتهاد الصحابة رحمة للذين أتوا من بعدهم. فبفضله فتح الفقهاء باب الرأي والاستنباط على مصراعيه، ولولاه لكان التفكير خارج صريح النص مشكلاً. لهذا يؤثر عن عمر بن عبد العزيز قوله: «ما أحب أن أصحاب رسول الله (ص) لم يختلفوا؛ لأنه لو كانوا قولاً واحداً كان الناس في ضيق، وانهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة»[31].

مع هذا كان النهج الإجتهادي الذي سلكه الصحابة يختلف عن الأساليب الإستدلالية كما زاولها المجتهدون من بعدهم عبر العصور، اذ كان تلقائياً ذا طبيعة وجدانية تعمل على اقتناص المطلوب مباشرة بعد التأمل ومشاورة الرأي عادة. وقد إستمر العمل بهذا النهج حتى ظهر الإحتياج إلى الإجتهاد المعتمد على سبل الإستدلال ضمن قواعد محددة.


[1] المعتمد، ج2 ، ص765. والإحكام للآمدي، ج4، ص407 . وفواتح الرحموت، ج2، ص375 .

[2] المعتمد، ج2 ، ص765 . والمستصفى، ج2 ، ص355. والإحكام للآمدي، ج4، ص407 .

[3] المستصفى، ج2، ص354 . والإحكام للآمدي، ج4، ص407.

[4] فواتح الرحموت، ج2، ص375 .

[5] الإحكام لإبن حزم، طبعة دار الجيل، ج5، ص122. والبحر المحيط، ج6، ص220 – 221 .

[6] الإحكام للآمدي، ج4، ص408.

[7] التبصرة، ص519 . والمستصفى، ج2، ص355.

[8] ابو جعفر الطحاوي: مشكل الآثار، شبكة المشكاة الالكترونية، ج1، ص7. والماوردي: الأحكام السلطانية، دار الكتب العلمية، الطبعة الاولى، 1985م، ص86. ومناهج الإجتهاد في الإسلام، ص42.

[9] مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص42.

[10] الإحكام للآمدي، ج4، ص294 و408. وفواتح الرحموت، ج2، ص375. وابن سلام: الأموال، مؤسسة ناصر للثقافة، الطبعة الاولى، 1981م، ص63 . واعلام الموقعين، ج1 ، ص204 .

[11] ابو داود السجستاني: سنن ابي داود، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ج1، ص85ـ86. واعلام الموقعين، ج1، ص204. والمرعي: الإجتهاد في الشريعة الإسلامية، مصدر سابق، ص74.

[12] فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، ج2، ص375. والبحر المحيط، ج6، ص224.

[13] الهمذاني: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، تعليق وتصحيح راتب حاكمي، مطبعة الاندلس، حمص، الطبعة الاولى، 1386هـ ـ1966م، ص61.

[14] الإحكام للآمدي، ج4، ص408 . وفواتح الرحموت، ج2، ص296  .

[15] الإحكام للآمدي، ج4، ص296. وفقه أهل العراق وحديثهم، فقرة بعنوان (شروط قبول الأخبار).

[16] الإحكام للآمدي، ج4، ص296، وهامش ص293.

[17] السباعي، مصطفى: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة، 1402هـ ـ1982م، ص377.

[18] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص378 .

[19] ابن حزم: النبذ في أصول الفقه، شبكة المشكاة الالكترونية، ص60.

[20] البحر المحيط، فقرة 1260. وعلي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، الطبعة السابعة، 1977م، ج1، ص34. ونص ما ذكره البخاري عن ابن أبي أوفى قوله: أصابتنا مجاعة يوم خيبر فإن القدور لتغلي، وبعضها نضجت، فجاء منادي النبي (ص): لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً وأهرقوها. قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمّس، وقال بعضهم: نهى عنها ألبتة لأنها كانت تأكل العذرة (صحيح البخاري، حديث 3983).

[21] الإحكام لإبن حزم، طبعة دار الجيل، ج5، ص87 وما بعدها. وأعلام الموقعين، ج1، ص12.

[22] الفصول في الأُصول، ج4، ص53 . والتبصرة، ص428 .

[23] المحلى، ج1، ص55ـ56. وأعلام الموقعين، ج1، ص86. وابن أبي الوفا: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، شبكة مشكاة الالكترونية، ص620.

[24] عرنوس: تاريخ القضاء في الاسلام، المطبعة المصرية، القاهرة، ص15.

[25] تاريخ إبن خلدون، ج1، ص813 . كما انظر بهذا الصدد: أعلام الموقعين، ج1، ص203  وما بعدها.

[26] ملخص إبطال القياس، ص57 وما بعدها. والتبصرة، ص429. والإحكام للآمدي، ج4، ص304. ورسالة القول المفيد، ص33.

[27] النبذ في أصول الفقه، مصدر سابق، ص69.

[28] حجة الله البالغة، ج1، ص149.

[29] الإحكام للآمدي، ج4، ص304 . وحجة الله البالغة، ج1، ص149 .

[30] حجة الله البالغة، ج1، ص149ـ150 .

[31]          جامع بيان العلم وفضله، باب جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء. كذلك: تاريخ المذاهب الاسلامية، ص255.

comments powered by Disqus