-
ع
+

الفقه السني والعقل الغائب

يحيى محمد 

بحسب إستقراء نجم الدين الطوفي فإن أدلة الشرع بين العلماء تنحصر بتسعة عشر باباً القليل منها متفق عليه، واغلبها موضع اختلاف بين الأخذ والرد، وليس بين هذه الأدلة المطروحة عنوان خاص باسم العقل. فهي عبارة عن: الكتاب، السنة، إجماع الأُمة، إجماع أهل المدينة، القياس، قول الصحابي، المصلحة المرسلة، الإستصحاب، البراءة الأصلية، العوائد - العادات -، الإستقراء، سد الذرائع، الإستدلال، الإستحسان، الأخذ بالأخف، العصمة، إجماع أهل الكوفة، إجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة[1].

قد يقال ان عنوان العقل ورد ضمن أنواع الأدلة التي توصل للحق. فمن الناحية التاريخية نجد ان مؤسس المذهب الاعتزالي واصل بن عطاء هو أول من حدد المصادر العامة لطريقة الانتاج المعرفي لكل من علم الكلام والفقه معاً. إذ يقول الجاحظ في حقه: (وكل أصل نجده في ايدي العلماء في الكلام وفي الأحكام فانما هو منه). فالجاحظ يعتبر واصل بن عطاء (هو أول من قال: الحق يعرف من وجوه أربعة؛ كتاب ناطق، وخبر مجمع عليه، وحجة عقل، واجماع من الامة). وقد تصور الاستاذ علي سامي النشار ان الوجوه الأربعة التي ادلى بها واصل؛ تساوي حتماً اصول الفقه الأربعة: القرآن والسنة والقياس والاجماع[2].

 ومن حيث التحقيق يلاحظ ان حجة العقل لا تساوي القياس الفقهي. فمن جهة ان تلك الحجة اعم من اعتبار الجانب العقلي أو الإجتهادي للقياس الفقهي. كما من جهة أخرى ان القياس يحمل دلالة الارتباط بالنص خلافاً لما هو الحال في حجة العقل الذي له دلالة الاستقلال، فأحدهما لا يعني الآخر. ومنه نفهم لماذا لم يرادف العلماء بينهما، حيث وضعوا العقل كمصدر أساس للعقيدة والكلام ولم يضعوا القياس، ووضعوا القياس كمصدر للفقه ولم يضعوا العقل. وبعضهم ميّز، وهو ينص على سبر اصول الأدلة، بين القياس والعقل، كما هو الحال مع الباقلاني الذي عدد اصول الأدلة وحصرها بخمسة، وكان منها أصل العقل، وكذا أصل القياس والإجتهاد، فضلاً عن الكتاب والسنة والاجماع[3].

مع هذا لا ينكر ان المعتزلة أقروا مبدأ تشريع العقل في القضايا الرئيسة لأجل تصحيح العقيدة ضمن علم الكلام، كوجوب النظر والشك وشكر المنعم ودفع الضرر عن النفس وما اليها[4]. علاوة على ما نُسب إلى بعضهم من إقرار التعويل على العقل في الأحكام بدلاً عن الأخذ بأخبار الآحاد، لأنها لا تفيد علماً ولا توجب عملاً، كالذي نقله ابن السمعاني، معتبراً ان بعض الفقهاء قد تلقف هذا القول من القدرية والمعتزلة الذين أنكروا أخبار الآحاد، وعولوا على القرآن والحديث المتواتر ودليل العقل[5]. وسبق للشافعي في كتابه (الأم) ورسالة (جماع العلم) أنْ حكى مقالة جماعة من المعتزلة ينكرون الأخذ بأخبار الآحاد باعتبارها لا تفيد علماً أو يقيناً، مما جعله يرد عليهم[6].

أما في الوسط السني بعيداً عن أجواء المعتزلة، فمن الواضح أن رجاله يحصرون التشريع في النصوص دون العقل. وعلى رأيهم ان هذا الأخير لا يمكنه إدراك أدلة الأحكام بذاته[7]. فهذا هو الموقف العام لأهل السنة، حيث لا نجد من يعترف بدور العقل المستقل في التشريع الا من شذّ منهم، كالعز بن عبد السلام (المتوفى سنة 660هـ) الذي رأى بأن مصالح الدنيا كلها تُعرف بالعقل من خلال الضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرة، وذلك على خلاف مصالح الآخرة التي لا تدرك الا بالشرع، فعلى حد قوله: (من أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحها ومرجوحها فليعرض ذلك على عقله، بتقدير ان الشرع لم يرد به ثم يبني عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك الا ما تعبد الله به عباده ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته)[8]. مع أنه صرح قبل ذلك بسطر أو سطرين ما يبدو أنه مناقض للتقرير الذي نقلناه، حيث قال: (أما مصالح الدارين واسبابها ومفاسدها فلا تعرف الا بالشرع)[9].

ويتسق الرأي السابق مع اعتبار الأحكام الشرعية الدنيوية لم تصدر عن الشرع بعنوان التأسيس كما هو الحال في التعبديات، وانما صدرت عنه بعنوان الإمضاء والتبعية[10].

كما نقل الشاطبي ما ذهب اليه جماعة اعتقدوا باكتفاء ما يرد في النفس من إطمئنان يخص جملة من الأحكام، ونقد ذلك من حيث ان التعويل عليه لا يستقيم مع الأخذ بما أمر به الله من العمل بالكتاب والسنة. وعلى رأيه ان احكامه تعالى لم ترد بما استحسنته النفوس واستقبحته[11]، اتساقاً مع ما ذهب اليه الأشاعرة من نفي الدلالة العقلية للحسن والقبح. كذلك نقل عن جماعة أنهم عوّلوا على إدراك مصالح العباد طبقاً لمقاصد الشرع الكلية المستخلصة بالإستقراء، حيث جردوا المعاني وطرحوا خصوصيات الالفاظ، بل وردّوا كل خاص يخالف العام المستخلص بالإستقراء، وقد عرفوا بأصحاب الرأي[12] . الا ان ذلك ليس له علاقة بالعقل، إذ الإستقراء المحكي عنه إنما هو الخاص بالشرع لا غير.

نعم جعل الغزالي عنوان العقل ضمن اصول الأدلة الفقهية، وهي عنده عبارة عن الكتاب والسنة والاجماع، مضافاً اليها دليل العقل والإستصحاب الدالين على براءة الذمة في الأفعال قبل ورود السمع[13]. لكن كما هو واضح أنه يعد هذا الدليل مقيداً بالحال قبل ورود الشريعة، وهو ما يطلق عليه (البراءة الأصلية)، أما مع وجودها وورودها فليس للعقل شأن يمكن ان يستكشف به الحكم مستقلاً. لهذا فمن الناحية المبدئية ان الإتجاه السني لا يعترف بدور العقل في استكشاف موارد التشريع والأحكام، وهو أمر يتسق مع نظرية الحسن والقبح الشرعيين التي يميل اليها أغلب أهل السنة، مثلما هو حال التفكير الأشعري، سواء لدى المتقدمين منهم أو المتأخرين.

واذا كنا نعتقد بأن قسطاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق الأشاعرة في ابطالهم لدور العقل في التشريع أو الكشف عن الأحكام، بسبب التنظير الذي آلوا اليه في قاعدة الحسن والقبح الشرعيين؛ فإن القسط الآخر من المسؤلية يتحمله - قبلهم - الشافعي، باعتباره المنظر الأول لأصول الفقه. فبحسب المعطيات المتوفرة لدينا اليوم هو ان تنظير الأدلة الشرعية وتقعيدها لم ينشغل بهما فقيه مسلم قبل هذا الإمام القرشي، أو على الأقل أنه لم يصلنا شيء واضح ومقطوع به قبله[14] . والعديد من العلماء يعتقدون أنه أول من صنف في ذلك العلم، كالذي نصّ عليه ابن خلدون وابن تيمية والزركشي ومن قبلهم الإمام الجويني[15]. وكان أحمد بن حنبل يقول: لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي[16]. مع ذلك فإن هذا الإمام الذي مارس التنظير والتقعيد لم يعط أي دور مميز للعقل في التشريع والاستكشاف. فغياب العقل هو الظاهرة البارزة في مشروعه. ذلك أنه يلتزم بالبيان التام لنص الخطاب فلا يدع مجالاً لمشاركة غيره في التشريع؛ باستثناء القياس للضرورة والاضطرار، كما نصّ على ذلك مرات عديدة، مثل قوله: (ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة الا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها)[17]. وقوله ايضاً: (ليس لأحد ابداً ان يقول في شيء: حلّ ولا حرُم الا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس)[18]. وكذا قوله: (العلم طبقات شتى.. ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة، وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من اعلى)[19].

هكذا نرى غياب العقل من مشروع الشافعي، مثلما نشهد موته لدى الأشاعرة، وكل ذلك له انعكاساته الخاصة التي مازلنا نعاني منها حتى يومنا هذا.

ويلاحظ أنه حتى لو أوّلْنا مبادئ الإجتهاد التي تقول بها بعض المذاهب الإسلامية واعتبرناها مبادئ عقلية تتباين في الاستقلالية من حيث علاقتها بالنص، كالقياس أو المصالح المرسلة أو الإستحسان أو الإستصحاب أو البراءة الأصلية أو غيرها، فانها مع ذلك تظل مهملة غير فاعلة الا عند غياب النص، بل غالباً ما يكون العمل بها على نحو الاضطرار أو تبعاً لضغط الحاجات الزمنية. فعلى الأقل ان رؤساء المذاهب الإسلامية قد صوروا الأمر على هذا النحو من الاضطرار، مثلما يعترف بذلك أصحاب المذاهب الأربعة، حتى من عُرف منهم بشدة العمل بالإجتهاد - سيما القياس منه - كأبي حنيفة النعمان[20]. فهم يرجحون العمل بالنص رغم كونه لا يرقى - في الغالب - إلى درجة أقوى من الظن، سواء من حيث الصدور أو الدلالة. على هذا يظل العمل بمبادئ الإجتهاد متأخراً رتبة عن العمل بالنص. وهو أمر ينطبق حتى على من يعترف صراحة بمبدأ العقل في استكشاف الحكم الشرعي، إذ لا يرى له مرجعية تتقدم على مرجعية النص، رغم ما يعتري النص من مشكل عدم افادته العلم واليقين في الغالب، خاصة الحديث منه، حيث يشهد مشاكل اضافية تتعلق بالسند والتقطيع وإحتمالات الزيادة والنقصان، فضلاً عن مشاكل أخرى تلوح المتن ذاته.. كالذي يلاحظ عند مذهب الإمامية الاثنى عشرية التي تعد العقل مصدراً أخيراً لمصادرها التشريعية الأربعة (الكتاب والسنة والاجماع والعقل)، بدءاً من بداية عصر التنظير الشيعي، كما ينص عليه الشريف المرتضى، ومن ثم جاء الآخرون يؤكدون مقالته في حجية العقل بعد النص والاجماع.

والامامية وإن اختلف علماؤها حول ما يريدونه من المعنى الخاص بالعقل كمصدر استكشاف وتشريع، الا ان ما استقر عليه المتأخرون هو أنه ينحصر مستقلاً في دائرة التحسين والتقبيح العقليين.

من هنا يتضح ان مكانة العقل - أو الرأي والإجتهاد تسامحاً - في علم الفقه تختلف عما هي عليه في علم الكلام، فكثيراً ما يُحتج به في القضايا العقائدية قبال ظواهر النصوص للكتاب والسنة، فينتهي الأمر بهذه النصوص إلى التأويل والتوجيه، أو الترك والإبطال. مما يعني ان اعتبار العقل في علم الكلام هو اعتبار تأسيسي، أو ان له جعلاً على نحو التأسيس لا التبعية، سواء كان التأسيس خارجياً لاثبات الخطاب الديني من حيث الاصل، أو داخلياً يراد منه توجيه معاني نصوص الخطاب بما يتفق ومداليله الخاصة. لهذا كان متهماً من قبل النزعات البيانية بانه يقوم بدور مناهض لنصوص الخطاب وبيانها، مثلما ذهب اليه ابن تيمية وابن القيم وغيرهما ممن ابتعدوا عن الطريقة العقلية الكلامية[21].

أما في الفقه فالامر يختلف تماماً، ذلك ان هذا العلم لا يحتاج إلى العقل للتأسيس من الخارج، فتأسيس الخطاب الديني بالعقل هو في حد ذاته يصحح عمل البناء الفقهي. والاهم من هذا هو ان علم الفقه لم يجعل العقل موضعاً للتعارض مع النص كما فعله علم الكلام، إنما الإعتماد على بيانية النصوص هي الحالة الراكزة والمستقرة، رغم المفارقة في الامر! إذ كان العقل الكلامي يمارس حالة التوجيه والتأويل بتأسيس الخطاب من الداخل في النصوص القطعية الصدور (الايات القرآنية)، في حين أُهمل العقل في الفقه ولم يسمح له بممارسة حالة التأويل والتوجيه للنصوص؛ بما فيها نصوص الحديث رغم أنها ظنية الصدور والدلالة. ولو انا طبقنا عليها منطق الإحتمالات لكانت الأحكام المنتزعة منها في غاية الضعف لما ينتابها من مشاكل متنوعة على صعيد السند والمتن، كالذي التفت اليه أصحاب دليل الانسداد في الإتجاه الشيعي.

هذا هو حال الفقه ليس له زاد ولا معين يطمأن اليه وهو في صورته التقليدية تلك. الأمر الذي يحتاج إلى نوع من التعويض المسدد، وذلك بالتعويل على الاعتبارات الموثوقة لتشييد الأحكام واستكشافها، كاستخدام مبدأ العقل ومبدأ الواقع ونظام الخلقة، وكذا مقاصد الشرع وكلياته العامة.

إن إهمال العقل في الفقه جعل الممارسة الإجتهادية تصطدم أحياناً بالنتائج العقلية القطعية دون ان تشعر، أو أنها تجاهلت ذلك طبقاً لمسلكها الاستصحابي في إبعاد العقل عن الاستكشاف والنفي والإثبات. وهنا بيت القصيد !

فحتى الإتجاه الشيعي رغم اعترافه بمرجعية العقل للكشف عن التشريع ورغم ما صرح به بعضهم كالشيخ النائيني من أنه (لو عزل العقل عن الحكم لهدم أساس الشريعة)[22]؛ الا أنه من الناحية العملية ظل هذا الإتجاه يتعامل مع العقل تعاملاً سلبياً.

 



[1] نجم الدين الطوفي: رسالة في رعاية المصلحة، نشرت خلف كتاب مصادر التشريع الإسلامي في ما لا نص فيه لعبد الوهاب خلاف، دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية، 1970م، ص109ـ110.

[2] علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، الطبعة السابعة، 1977م، ج1، ص395.

[3] ابو بكر الباقلاني: الانصاف في ما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تحقيق وتعليق وتقديم محمد زاهد بن الحسن الكوثري، مؤسسة الخانجي، الطبعة الثانية، 1963م، ص19ـ20.

[4] انظر: عبد الجبار الهمداني: شرح الأصول الخمسة، تعليق الإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم، حققه وقدم له عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، مصر، الطبعة الاولى، 1965م، ص64. والمجموع في المحيط بالتكليف، نشر وتصحيح الأب جين يوسف اليسوعي، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، ج1، ص42. كذلك: يحيى محمد: منطق الإحتمال ومبدأ التكليف في التفكير الكلامي، دراسات شرقية، باريس، عدد9-10، 1411هـ ـ1991م. والعقل والبيان والإشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي (تحت الطبع).

[5] جلال الدين السيوطي: صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، تعليق علي سامي النشار، دار الكتب العلمية، بيروت، ص149 و161.

[6] الشافعي: الأم، عن شبكة المشكاة الالكترونية، ج7 (لم تذكر ارقام صفحاته). وجماع العلم، عن شبكة المشكاة الالكترونية (لم تذكر ارقام صفحاته).

[7] يس سويلم طه: مختصر صفوة البيان في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، مكتبة الكليات الأزهرية، 1393هـ ـ1973م، ج1، ص29.

[8] العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عن شبكة المشكاة الالكترونية، فصل في بيان جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما على الظنون (لم تذكر ارقام صفحاته). وقد نقل الشاطبي النص الذي أدلاه العز بن عبد السلام دون ذكر اسمه، وعلّق عليه المرحوم عبد الله دراز معتبراً رأيه اشبه بمذهب المعتزلة (الموافقات، ج2، ص48).

[9] وهو قد صرح قبل ذلك بأن (معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل، ولا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع ان تحصيل المصالح المحضة ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وكذا ان تقديم ارجح المصالح ودرأ افسد المفاسد عند التزاحم هو محمود حسن ايضاً) (نفس المصدر والفصل السابقين).

[10] كشاهد على ذلك سُئل بعض الاعراب فقيل: كيف عرفت ان محمداً رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل ليته ينهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به. وقد عد ابن القيم هذا الشاهد احد الردود على الذين انكروا حسن الأشياء وقبحها لذاتها وليس لأن الشرع اعتبرها كذلك مثلما تقول الأشاعرة، حتى قال: (فهذا الاعرابي اعرف بالله ودينه ورسوله من هؤلاء، وقد أقرّ عقله وفطرته بحسن ما أمر به وقبح ما نهى عنه، حتى كان في حقه من اعلام نبوته وشواهد رسالته). كما قال: (فمن جوز عقله ان ترد الشريعة بضدها من كل وجه في القول والعمل، وأنه لا فرق في نفس الأمر بين هذه العبادة وبين ضدها، من السخرية والسب والبطر وكشف العورة والبول على الساقين والضحك والصفير وانواع المجون وامثال ذلك، فليعز في عقله، وليسأل الله ان يهبه عقلاً سواه.. ومما يدل على صحة ذلك قوله تعالى: ((ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث))، فهذا صريح في ان الحلال كان طيباً قبل حله، وان الخبيث كان خبيثاً قبل تحريمه، ولم يستفد طيب هذا وخبث هذا من نفس الحل والتحريم.. ومما يدل على ذلك ايضاً قوله تعالى: ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق))، وهذا دليل على أنها فواحش في نفسها لا تستحسنها العقول فتعلق التحريم بها لفحشها.. وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم ان القبح ثابت للفعل في نفسه، وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة) (ابن القيم الجوزية: مفتاح دار السعادة، عن شبكة المشكاة الالكترونية، لم تذكر ارقام صفحاته ولا فقراته، ضمن فصل: الشرائع كلها في أصولها وإن تباينت متفقة مركوز حسنها في العقول). كذلك: محمد محمد المدني: أسباب الخلاف بين ائمة المذاهب الإسلامية، مجلة رسالة الإسلام، نشر الاستانة الرضوية، مشهد، 1411هـ ــ1991، ج8، ص178ـ179.

[11] الشاطبي: الاعتصام، دار المعرفة، لبنان، ج2، ص347 وما بعدها.

[12] الموافقات، ج3، ص230.

[13] ابو حامد الغزالي: المستصفى من علم الاصول، المطبعة الأميرية، مصر، الطبعة الاولى، 1322هـ، ج1، ص100 و217ـ218.

[14] نعم هناك من اسماء الكتب التي نُسبت لبعض العلماء قبل الشافعي ما يشير إلى إحتمال تأسيس هذا العلم سلفاً. ومن ذلك ما ذكره ابن النديم من ان لمحمد بن الحسن الشيباني - تلميذ ابي حنيفة واستاذ الشافعي - كتاباً بعنوان (اصول الفقه). فلو صحت هذه النسبة لكان الشيباني سابقاً للشافعي في تأسيسه لهذا العلم (انظر: ابن النديم: الفهرست، اعتناء وتعليق ابراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الاولى، 1415هـ ـ1994م، ص254). كذلك ما نقله بعض علماء الإمامية من ان أول من صنف في هذا العلم هو هشام بن الحكم (المتوفى سنة 179هـ أو 199هـ) وهو تلميذ الإمام الصادق، حيث له كتاب بعنوان الألفاظ ومباحثها (حسن الصدر: تأسيس الشيعة، شركة النشر والطباعة العراقية، ص310).

[15] مقدمة ابن خلدون، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ص455. وابن تيمية: رسالة في الحقيقة والمجاز، عن شبكة المشكاة الالكترونية، فقرة عن اصول الفقه (لم تذكر أرقام صفحاتها). وبدر الدين الزركشي: البحر المحيط، شبكة المشكاة الالكترونية، لم تذكر ارقام صفحاته، فقرة 3.

[16] البحر المحيط، فقرة 3.

[17] الشافعي: الرسالة، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة دار التراث، القاهرة، الطبعة الثانية، 1979م، ص20.

[18] الرسالة، ص39 .

[19] الشافعي: الام، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ ـ1983م، ج7، ص250. والرويشد: قادة الفكر الإسلامي عبر القرون، مكتبة عيسى البابي وشركاه، ص61 . وابو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية، دار الفكر العربي، ص460.

[20] انظر بهذا الخصوص ما فصلناه في: مدخل إلى فهم الإسلام، دار أفريقيا الشرق، الطبعة الثالثة.

[21] لاحظ تفاصيل ذلك في الفصل السادس من: (مدخل إلى فهم الإسلام(.

[22] محمد جواد مغنية: مع كتاب محاضرات في اصول الفقه الجعفري للشيخ ابي زهرة، رسالة الإسلام، عدد10، نشر الاستانة الرضوية المقدسة، مشهد، 1411هـ ـ1991م، ص42 .

comments powered by Disqus