-
ع
+

الخطاب الديني والتفكير الوقائعي

 

يحيى محمد

قد يشكّل السؤال الذي سنطرحه هاجساً ينتاب الفكر الإسلامي – اليوم -حول علاقة الخطاب الديني بالواقع. ويمكن ضبطه بالصيغة التالية:

ما هو نوع التعامل الذي لجأ إليه الخطاب الديني إزاء القضايا المشخصة للواقع، فهل كان يطبق منطقاً ماهوياً أو وقائعياً؟ وهل كان يتصور الوجودات الخارجية حاملة لماهيات ثابتة أم وقائع متغيرة ليُجري عليها أحكامه ومواقفه؟ وبالتالي هل جعل عنوان تعامله مع المشخصات الخارجية تابعاً للقوالب الحدّية والماهيات الكلية المغلقة من أمثال: الإسلام والإيمان والشرك والكفر وغيرها من المفاهيم الكلية العامة؟ أم أنه قيّد هذه القضايا بحدودها الإعتبارية الذهنية، وجعل المشخصات الخارجية تدخل ضمن تعامل آخر قائم على المغايرة؛ تبعاً للملابسات الجارية في الواقع؟

ولكي نجنب أنفسنا والقارئ الخلط والغموض لا بد من إيضاح ما نقصده بالتعامل الماهوي وما يقابله من التعامل الوقائعي.

بادئ ذي بدء، إن مفهوم ‹‹الماهوي›› مستمد من معنى الماهية، وكذا مفهوم ‹‹الوقائعي›› مستمد من معنى الواقع. فالمقصود بالماهية أنها الطبيعة النوعية للشيء كأمر ثابت يتصف بالكلية والعموم. وما نقصده بالواقع فهو ذلك الشيء المشخص والملتبس مع غيره من المصاديق والصفات والطبايع الجزئية، وأهم خصوصياته هي التغير والمرونة. ومن حيث المقارنة تتصف الماهية بالطبيعة الكلية التي لا تقبل التغير ولا الإلتباس. في حين يتصف الواقع بالطبيعة الجزئية ذات التغير والتلبّس الدائمين. وبالتالي كلما كانت القضية ماهوية فهي ثابتة، وكلما كانت غير ثابتة فهي واقعية.

ومع أن هناك مقابلة بين الكلي والجزئي، لكن كلاً منهما يظل متصفاً بما هو عليه من طبيعة دون تغيير، فعندما يتنزل الكلي إلى الجزئي، أو تتجسد الماهية بالواقع، او يحصل العكس بإنتزاع الكلي من الجزئي، فذلك لا يغير من طبيعة أيّ منهما، فهما من سنخين مختلفين يقبل كل منهما التوليد والسريان للآخر.

ليس هذا فحسب، فحيث أنه لا يوجد واقع دون ما يقابله من ماهيات إعتبارية تطابقه؛ لذا فإن تلبّس الواقعة بغيرها من الوقائع أو الصفات يجعل من الواقع حاملاً لمصاديق الماهيات مجتمعة حتى لو كان هذا الإجتماع والإتحاد متضمناً للتضاد أو التنافر، بسبب التلبّس والتغير، خلافاً للماهيات التي لا تقبل التلبّس والإنفتاح.

فالإيمان مثلاً ذو طبيعة محددة من الناحية الكلية، وبالتالي لا يمكن جمعه مع طبيعة أخرى، بل يبقى المفهوم كالكائن الفرد الذي يمتنع عن الإنفتاح على الغير والتلبّس به، ما لم يكن في الأصل متضمناً لعدد من المفاهيم الثابتة. إذ تصبح هذه المفاهيم ضمن حقيقته الذاتية الثابتة من غير انتزاع. وهي وبالتالي ليست مورداً للتلبّس مثلما هو الحال مع الواقع.

وهذا يعني أن الإيمان كمفهوم هو غيره كواقع. فمن حيث الأخير نجده ملبساً بعدد من الصفات المختلفة والمجتمعة في شخص واحد، كإن يكون الشخص متصفاً بالإيمان والشجاعة والعلم والكرم، وهي صفات تعود إلى ماهيات مختلفة قد اجتمعت - بعد إنفرادها - في شخص واحد، حتى أنها قد تتنافر أحياناً رغم أنها مجتمعة وعائدة إلى ذات الشخص، إذ قد يكون متصفاً بالإيمان والعلم والشجاعة، لكنه يتصف في الوقت ذاته بالشحة والبخل وسوء الخُلق. كما قد يتصف بصفات مترددة، كإن يكون تارة سيئاً وأخرى حسن الخُلق، أو يكون كريماً وأخرى بخيلاً. وهي صفات متضادة إلا أنها ترد على الشخص الواحد وتتلبّس به مع سائر الصفات الأخرى. وهو ما لا يتصف به عالم الماهية إطلاقاً.

والسؤال الذي يرد بهذا الصدد: هل كان تعامل الخطاب الديني مع المشخصات الخارجية نابعاً عن إعتبارات الماهية، أم عن تلبّسات الواقع وتغيراته؟ فمثلاً عندما أظهر الخطاب مقته للكفر؛ هل عنى بذلك مقتاً للكافرين جمعاً وضرورة، أم أنه أخذ في الإعتبار الملابسات الأخرى للكافرين؟ وكذا عندما أظهر حبّه للإيمان؛ هل قصد محبة المؤمنين كافة مهما كان أمرهم؟ وهل أن الدعوة إلى محاربة الشرك تعني دعوة إلى محاربة المشركين كافة بالضرورة؟ وبالتالي هل لا بد من ممارسة القياس المنطقي بجعل الماهيات الكلية مقدمات أساسية تتحكم في استتباع النتائج المحتمة، أم للأمر شأن آخر مختلف؟

ويمكن صياغة السؤال بنحو آخر، وهو أن الخطاب دعا المؤمنين - مثلاً - إلى محاربة المشركين وقتالهم، كما دعا الكافرين إلى الإلتزام بدفع الجزية وفرض ‹‹الصغار›› عليهم، فهل أن هذه الأحكام صدرت طبقاً للعناوين العامة الكلية، كالشرك والكفر، بحيث كلما وجد الشرك والكفر طُبق عليهما مثل تلك الأحكام، أم أنها صدرت بالنظر إلى ملابسات الواقع المتلبّس بمثل هذه الصفات مع غيرها من الصفات الأخرى لم يُعلن عنها صراحة؟

ومن الصحيح بحسب النظر الفلسفي أنه لا يمكن التعامل بغير إعتبارات تحكم الماهيات، فطالما أن الوقائع تنتمي إلى ماهيات محددة؛ فإن أي تعامل يأخذ الواقع بعين الإعتبار لا يتحقق إلا بفعل تحكم هذه الماهيات، وعند تضادها وتنافرها لا بد من ترجيح بعضها على البعض الآخر. فهذا أمر مفروغ منه بحسب المنطق الفلسفي للأمور.

ومع هذا فإن بحثنا هو بصدد الماهيات المعلنة على لسان الخطاب الديني أو المنتزعة عنه، وذلك في قبال الوقائع غير المعلنة، سواء من حيث ذاتها أو ماهياتها. فهل يطبق الخطاب الديني منهج ما ينطق به من الماهيات فحسب، أم أنه يراعي أخذ ما لم ينطق به، أي يراعي ملابسات الواقع وما يشكله من مصاديق لماهيات أخرى غير مصرح بها؟ فهذا هو محل السؤال. وبالتالي فإن الخلاف بين التفكيرين الماهوي والوقائعي يتحدد بالموقف من المشخصات الخارجية؛ فهل أخضعها الخطاب إلى نمط الماهيات المعلنة أو المنطوق بها فحسب، أم الأمر مفتوح للنظر في ملابسات الواقع أيضاً؟

فالتعامل بحسب التفكير الماهوي يجري على مسار واحد طبقاً لما هو معلن من ماهيات، ولو بطرق متعددة من الإستنتاجات البيانية الصرفة المعزولة عن أخذ الواقع بنظر الإعتبار، في حين يكون التعامل بحسب التفكير الوقائعي مختلفاً.

وهنا نحن نسمي هذا التفكير بالوقائعي وليس الواقعي، لأننا بصدد وقائع محددة تعامل معها الخطاب الديني، لا مطلق الواقع وإعتباراته المختلفة، وبالتالي فالعلاقة بين المنهجين الوقائعي والواقعي تتحدد بكون الأخير يتضمن الأول.

فمثلاً إذا نصّ الخطاب على وجوب محاربة المشركين، وعلمنا في الوقت ذاته أنه خصّ البالغين واستثنى منهم النساء والشيوخ؛ فستتشكل لدينا بذلك حصيلة من المفاهيم العامة أو الماهيات الكلية، وهي الشرك والبلوغ والرجولة. فلو اننا وجدنا مصداقاً يحمل هذه المواصفات؛ لكانت محاربة المشركين واجبة مفروضة طبقاً لمنطق التفكير الماهوي، إذ الماهيات معلنة حاضرة، وهي جاهزة لممارسة القياس المنطقي المفضي إلى حتمية الدعوة إلى وجوب محاربة المشركين بحسب تلك الصفات. في حين أن الحال بحسب منطق التفكير الوقائعي مختلف، فقد يتفاوت الحكم ويختلف بحسب ما عليه الواقع. إذ تجب محاربة الشرك وهو أمر مفروغ منه، لكن نحن مطالبون بإحترام القيم الحسنة حيثما كانت. فقد يجتمع الشرك مع هذه القيم في شخص واحد، وكما سبق أن علمنا بأن المصاديق المتنافرة يمكن أن تجتمع وتتزاحم في الواقع، لذا يقتضي العمل نوعاً من الموازنة والترجيح، تبعاً لما تقتضيه الأهمية والأولوية. فمثلما أن الله تعالى دعانا إلى محاربة الشرك، فإنه دعانا في الوقت ذاته إلى تقديس القيم العليا، خصوصاً إذا ما اعتبرناها من تجليات صفاته. وبالتالي فإن المفاهيم المتضادة لا تقتضي التعامل الموحد، بل يشهد الوجدان على سلامة التغاير في المعاملة تبعاً للوقائع المتنوعة.

مع هذا يتقوم منطق التفكير الوقائعي بالإعتماد على تحكم ماهيات المقاصد الكلية أو العامة. فقد يكون الواقع حاملاً لصور الضرر والفساد؛ مما يدعو المقاصد لتغييره، وهي من هذه الناحية حاكمة عليه عند التعارض.

وعموماً نقول: إن المنطق الوقائعي يعمل وفق ما تحدده ماهيات المقاصد الكلية، وهو بهذا الإعتبار يمارس تفكيراً ماهوياً، كما أنه يمارس نوعاً من القياس، إلا أن نتائجه تختلف عن نمط التفكير الماهوي الذي يعمل وفقاً لمنطوقات الماهيات النوعية للأحكام من غير إضافة واقعية.

وحقيقة، إن ظواهر النصوص الدينية إذا ما تمّ التعامل معها بنحو التجزئة والإنفصال كحقائق مغلقة - أشبه بالمونودونات - فإنها تدل على النمط الماهوي. وبالتالي فمن المنطقي أن نسأل: ما الذي يمنع الخطاب من ذكر التفاصيل الدالة على المسلك الوقائعي، وعلى الأقل إبداء الطريقة العامة لهذا المسلك؟ فهل يُعقل أنه يريد غير ما يظهره من معنى؟

مع هذا فالأمر لا يضطرنا لمثل هذه النتيجة لعدد من الإعتبارات المفضية إلى قلب الإشكال رأساً على عقب. ولإيضاح الموقف منهجياً لا بد من تحديد الشروط التي يتوقف عليها صدق المسلك الماهوي وسلامته. ويمكن فعل الشيء نفسه بالنسبة للمسلك الوقائعي.

فمن الشروط الأساسية لصحة المنطق الماهوي هو أن لا تتضارب مضامين النصوص فيما بينها. إذ يؤدي مثل هذا التضارب إلى جعل الماهية الواحدة متضاربة في ذاتها. فلا يمكن على هذا الضوء بناء أي قياس منطقي طالما تناقضت المقدمات، خلافاً لما عليه المنطق الوقائعي، بل على العكس فإن تضارب مضامين النصوص يؤيد المنطق الأخير تماماً، إذ أن حل مثل هذا التضاد لا يكون إلا بأخذ تغايرات الواقع بعين الإعتبار، فعليها ينشأ تبرير التعارض والإختلاف بين الأحكام. كما أن التفكير الوقائعي يتضمن الإعتراف بجدلية الخطاب مع الواقع، فأحدهما يؤثر في الآخر. وبحسب هذا التفكير فإن النص يظل حاملاً لإنعكاسات الواقع الخاص بالتنزيل وتأثيره، وبالتالي يتعذر فهمه من غير أخذ هذا الواقع بعين الإعتبار. ومثلما نتعرف على الواقع المشار إليه طبقاً للوثائق التاريخية، فإنه نتعرف عليه أيضاً تبعاً للسياق الدلالي للنص ذاته، باعتباره ينقل لنا أخبار هذا الواقع، ومن ثم كان من السهل إدراك المعنى المقصود للنص.

كذلك فمن شروط صدق النهج الماهوي هو أن لا يتضارب مع حقيقة الواقع بأي نحو كان، لضرورة استلزام أن تكون الماهية مطابقة للخارج. كما من هذه الشروط أن لا يفضي النهج المذكور إلى التعارض مع مقاصد الشريعة العامة، كالتعارض مع مبدأ العدل والقيم الأخلاقية. فلو أفضى إلى ذلك لدلّ على خطأ هذا المنهج، مثلما يقال الشيء نفسه بصدد النهج الوقائعي المستند إلى المقاصد أساساً، وبالتالي فأي تعارض معها يفضي إلى معارضة ذاتية، فضلاً عن معارضة الخطاب الديني وهدفه.

ومن الناحية المبدئية لا يمكن تبني النهج الوقائعي إذا ما افتقر إلى الحجة والتبرير الشرعي. فالضرورة تقتضي البحث في الأدلة التي تثبت كونه مقبولاً لدى الخطاب الديني. وعلى الأقل لا بد من إثبات عدم وجود ما يعارضه شرعاً بأي نحو كان. فبدون الأمر السابق يصبح لهذا النهج تأسيس خارج إعتبارات الدائرة التشريعية، كالذي يتصف به المسلك العلماني المعارض لدائرة التشريع الديني، الأمر الذي يجد رفضاً من قبل النهج الوقائعي. ومن الناحية التشريعية يتقوم النهج الأخير بعدد من الإعتبارات والأدلة، وسنكتفي بتناولها مجملة – هنا - ثم ندع ما تحتاج إليه من تفاصيل إلى ما بعد، وذلك كالتالي:

1ـ معلوم أن الواقع يشكل مصدراً معرفياً تتقوم على ضوئه سائر المصادر المعرفية، بما فيها المعرفة الناشئة من النص، كما رأينا من قبل. وهي نقطة تنسجم تماماً مع الوظيفة التي يتضمنها النهج الوقائعي، بإعتبار أن الأساس الذي يقوم عليه هذا النهج هو الواقع.

2ـ يستفاد من الخطاب في الكثير من النصوص ما يؤكد صحة الإعتماد على الواقع كمصدر معرفي لا غنى عنه، مثلما يستفاد منه الدعوة إلى اتباع طريقة العقل الوجدانية. فالخطاب لا يكفّ عن الحث على التعقل والتفكر والنظر في الآفاق لأجل التيقن والتحقيق. وبذلك يشكّل الواقع مصدراً معرفياً لوّح إليه الخطاب في كثير من المواضع.

3ـ تتضمن نصوص الخطاب قضايا كثيرة لا تُفهم بإتساق من غير عرضها على الواقع. فعلى الأقل أن عدداً‮ ‬من جوانب الخطاب يتعذر فهمها من‮ ‬غير اللجوء إلى الدلالة الواقعية‮، لا سيما تلك المتصفة بالوضوح والبساطة دون حاجة لأدنى إلتفات وتفكير‮. وبالتالي فمن الواجب أن يُتّخذ الواقع – ومعه الوجدان العقلي – مصدراً مسلّماً به للفهم. فلو اكتفينا بمجرد اللفظ والبيان اللغوي؛ لأفضى الخطاب إلى التضارب مع الواقع، أو لكان يحمل لغة مبهمة غير قابلة للفهم، خاصة بالنسبة للنصوص التي يحتاج فهمها إلى الواقع والوجدان العقلي بما لا يتطلب الإشارة إلى ذلك، لوضوح الأمر وبداهته، كما سنرى لاحقاً.

4ـ لقد لجأ الخطاب الديني في كثير من الأحيان إلى ممارسة تغيير الأحكام عبر النسخ والنسأ والتدرج فيها، وكل ذلك مما يناسب التفكير الوقائعي بعيداً عن المنطق الماهوي. وعلى هذه الشاكلة أبدى الخطاب الكثير من التعارض في الأحكام والمواقف بما يتعذر فهمها من غير النظر إلى الواقع والمقاصد الكلية العامة.

5ـ طبقاً لحقائق الواقع أنه لا يمكن الأخذ بعموم وإطلاق الكثير من النصوص الدينية، وبالتالي لا بد من تخصيصها وتقييدها. فمثلاً أن الإطلاقات الواردة في قوله تعالى: ((كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين. أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))1؛ هي من الإطلاقات المنحلة بدلالة الواقع الكاشف عن أن الهداية كثيراً ما ترد الظالمين، كما لا يعقل أن الناس جميعاً هم بصدد لعن أولئك الخارجين عن دين الإسلام. ومثل ذلك قوله تعالى: ((زعم الذين كفروا إن لم يبعثوا))2، بينما بحسب الواقع وبدلالة آيات أخرى لا يمكن التمسك بعموم الآية، بل لا بد من تخصيصها ببعض الكافرين. وبالتالي لا يمكن حمل الآيات السابقة على ما ورد فيها من إطلاق أو عموم، تبعاً للنهج الوقائعي. علماً بأن بعض الصحابة – كما يُنقل – قد وقع بمثل هذا الوهم من الإطلاق والعموم للنص الديني. ومن ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب كيف أنه زعم بعد وفاة النبي (ص) بأنه لم يمت. فالذي جعله يعتقد ويصرح بذلك هو الظاهر القرآني لبعض النصوص، وهو قوله تعالى: ((وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً))3، حيث فيه الإطلاق لشهادة النبي على أمته دون تخصيص وقت من الأوقات. لذا قال عمر بهذا الصدد: ‹‹فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها، فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت››4. لكن الذي جعله يتراجع عن اعتقاده هو سماعه لشاهد قرآني آخر معارض، والذي تلاه عليه وعلى جمهرة من الصحابة أبو بكر الصديق، وهو قوله تعالى: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين))5. إذ عند هذه الآية عرف عمر بأن النبي (ص) قد مات بالفعل6.

6ـ نجد في أحيان معينة أن تطورات الواقع ترغمنا على إعادة النظر لفهم النص، بحيث أن إبقاء الفهم معزولاً عن هذه التطورات يفضي إلى التضارب مع الواقع. وبالتالي فإن لتطورات الواقع والثقافة العصرية دخلاً‮ ‬في‮ ‬العودة إلى قراءة النص وصياغة فهمه من جديد‮. وهو أمر يتنافى مع النهج الماهوي بقدر ما يتسق مع النهج الوقائعي.

لكن إذا كنّا نضطر في كثير من الأحيان للرجوع إلى الواقع لفهم معنى النص، وإن لم نجد إشارة لغوية تلوّح بذلك، فإنه في قضايا أخرى كثيرة لسنا مضطرين للرجوع إلى الواقع للتحقق من المعنى. فهي قضايا محتملة يتنازع عليها المنهجان الماهوي والوقائعي، وبالتالي كيف يمكن ترجيح الفهم الوقائعي مع أن ظاهر النص يميل إلى الفهم الماهوي؟

ما سنشهده فعلاً هو أن معاملة الخطاب للقضايا الخارجية المشخصة لا يمكن حملها على المعنى الماهوي كما تشبثت به الطريقة التقليدية للنظام المعياري، ودليلنا على ذلك ما سنراه من المسارات الحرة التي سلكها الخطاب لمعالجة هذه القضايا. ويمكن تحديدها على نحو الإجمال بحسب الفقرتين التاليتين:

أ ـ إن من بين المسارات الحرة التي سلكها الخطاب ما يتعلق بتعارضات الظواهر النصية. فمن الناحية اللغوية الصرفة نجد نصوص الخطاب متعارضة، وقد أدى ذلك إلى إضطراب الطريقة التقليدية وإضطرارها للأخذ ببعض التعارضات على حساب البعض الآخر، أو العمل على تقنين هذه التعارضات عبر عمليات التخصيص والتقييد والنسخ وما إليها، ومع هذا لم تفلح في حل التعارضات لكثرتها، فكان من نتائج ذلك أن اشتد التضارب بين الآراء قديماً وحديثاً، دون حل جذري لأصل المشكل.

هكذا فإن ما تدل عليه التعارضات اللفظية يتناقض والنهج الماهوي. إذ لو طبقنا عليها هذا النهج لأدى بنا الأمر إلى فرض وإسقاط مقالة التناقض والتضاد على أصل الخطاب، فيصبح بعضه مناقضاً للبعض الآخر، بل وتكون الماهية المنتزعة عنه ماهية متناقضة، وكذا تتناقض كل النتائج المترتبة عليها. وهو فرض غير مقبول، سواء من حيث الوجدان، أو من حيث ما دلّ عليه الخطاب من بديل متعلق بأولية أخذ الواقع بعين الإعتبار للفهم، وهو ما يثبت صحة النهج الوقائعي.

ب ـ كما أن من بين المسارات الحرة التي سلكها الخطاب ما يتعلق بمنهج التنويع والتغيير، وهو ما لا يتسق وتعامل المسلك الماهوي للقضايا، فهو لا يملك سوى نهجاً أحادياً للتعامل، طبقاً لأحادية الماهية التي لا تتقبل الإنفتاح والتلبّس بغيرها كما عرفنا.

هكذا يمكن حل القضايا المشكوكة بما يُستكشف من الطريقة العامة لموقف الخطاب من المشخصات الخارجية، كما هو واضح من النقطتين الآنفتي الذكر.

لكن إذا كان هذا هو حال الخطاب الديني؛ فما هو الموقف العملي الذي ينبغي علينا ممارسته إزاء القضايا الخارجية المشخصة؟ فحالنا هنا بين أمرين:

إما أن نتعامل مع هذه القضايا طبقاً للنهج الماهوي فنخالف بذلك ما سلكه الخطاب من جانب، كما سنقع في دوامة لا تنتهي من التناقضات والصدام مع مقاصد التشريع والواقع.. أو لا بد من سلوك النهج الوقائعي فنكون بذلك قد حققنا الغرض من إعتبار الخطاب مصدر إرشاد وإلهام؟

وقد نطرح هذا التعامل بصيغة أخرى مختلفة كالتالي:

فإما أن نتصور بأن الخطاب قد انتهى عند النتائج الأخيرة للقضايا التي أثارها، بعد عمليات التصفية من النسخ والنسأ والتدرج وما إليها، أو نتجاوز هذا الحال ولا نتقيد بما انتهى إليه الخطاب؟

ولا شك أن الفرض الأخير للطرح السابق يثير في نفس القارئ المتدين شكلاً من الحرج الشرعي، خلافاً للفرض الأول. بل أن الكاتب لا يخفي هذا الحرج في نفسه إذا ما نظر للأمر بذات الصورة المتوقعة لنظر القارئ المعني. وقد يقال أن هذا ما يتفق مع الطرح العلماني الذي يتجاوز ما انتهى إليه الخطاب.

ولدفع هذا الحرج دعنا نجمع ما بين الطرحين الآنفي الذكر في صيغة جديدة قد تكشف عن المراد بوضوح أكثر.

دعنا نقول: إننا إما أن نتعامل مع القضايا المشخصة طبقاً لمفهوم الماهية فنكون قد التزمنا بالوقوف عند حد ما انتهى إليه الخطاب، لكنّا قد خالفنا نهجه في المعالجة، وورطنا أنفسنا بمزيد من التعارضات الذاتية، وكذا الوقوع في الصدام مع كل من مقاصد التشريع والواقع.. أو لا بد من اللجوء إلى النهج الوقائعي، فنكون قد تأسينا بطريقة الخطاب ورفعنا عن أنفسنا حرج التناقضات والصدام مع المقاصد والواقع، وإن كلّفنا ذلك عدم التقيد بالكثير من الأحكام التي انتهى إليها الخطاب، إذ العبرة في المقاصد لا الأحكام ذاتها؟

ويلاحظ أننا في الطرح الجديد قد قرّبنا الصورة إلى ذهن القارئ وإن بقيت غشاوة تعتريها بما لا يتسع المجال الآن لرفعها. لكنا نشير فقط إلى نقاط أربع بهذا الصدد، ونرجئ التفصيل إلى ما سيأتي:

1ـ إننا لو انتهجنا المسلك الماهوي، أو إلتزمنا بالأحكام المقررة لدى الخطاب بشكل تام ومطلق، لكان من المحتم تعريض هذه الأحكام إلى الصدام مع المقاصد العامة والواقع. ومع أن بعض تيارات المسلك الماهوي يعترف بالمقاصد ودورها في التشريع الديني، لكن جريان ذلك كان على نحو تقرير الأحكام وتبريرها لا تبديلها وتجديدها، كما بيّنّا ذلك في (فهم الدين والواقع)7.

2ـ إن ما عبّرنا عنه من عدم التقيد بالكثير من أحكام الخطاب طبقاً للنهج الوقائعي؛ لا يُقصد منه فك القيد والإنفصال عن هذه الأحكام، إنما يفسّر صلتها بالواقع الخاص طبقاً للمبدأ الأصولي القائل: إن تغيّر الموضوع يفضي إلى تغيّر الحكم. الأمر الذي يجعل المعالجة بعيدة كلية عن الطرح العلماني.

3ـ إن فهم النص ليس بوسعه أن يكون متسقاً، في كثير من الأحيان، ما لم تؤخذ الدلالة الواقعية بعين الإعتبار، وهو ما يؤكد صدق النهج الوقائعي. لا سيما أن الأمر لا يتوقف عند حدود الأحكام، بل يشمل مختلف قضايا النص ذات الصلة بالمشخصات الخارجية.

4ـ من الناحية المبدئية أن القضية كلما ارتبطت بالواقع المباشر كلما كانت قابلة للنقض والتغيير، وكلما هي غير قابلة للنقض والتغيير فهي لا ترتبط بالواقع المباشر. وبالتالي فالنهج الوقائعي قائم على مسلمة النقض والتغيير لإرتباط قضاياه بالواقع المباشر، خلافاً للنهج الماهوي الذي لا يعلّق قضاياه على الأخير. لكن الحصيلة عكسية، حيث يتسم الأول بالإتساق مع الواقع بخلاف الثاني الذي يناقضه.

***

وينطبق ما سبق ذكره على التعارضات التي أثارها الخطاب الديني حول القضايا التوصيفية والغيبية للمشخصات الخارجية، مثل مسائل الثواب والعقاب والتكفير والتفسيق وما إليها. فأحياناً نجد القضية الواحدة يلوحها عدد من الأحكام المتعارضة. ومن ذلك قوله تعالى: ((ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها))8. وهو من حيث الظاهر يقع في معارضة مع قوله تعالى: ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً))9. وفي الأحاديث نجد مثلاً ما روي عن النبي (ص) قوله: ‹‹من مات وهو يعلم أنه لا اله إلا الله دخل الجنة››، وقوله (ص): ‹‹من قال: اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وإبن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء››10. إذ تتعارض مثل هذه الأحاديث بحسب الظاهر البياني مع نصوص أخرى لا تكتفي بالشهادتين مثل قوله تعالى: ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))11، وقول النبي (ص): ‹‹ليس بين الإسلام والكفر إلا ترك الصلاة››12.

هكذا يتوارد على الفرد - أو الجماعة – عدد من الأوصاف والأحكام المتعارضة لإعتبارات مختلفة أو متضادة، كما هو مبين في النص، فيحكم بعضها بالأسلمة والإيمان ودخول الجنة مثلاً، فيما يحكم البعض الآخر بالكفر ودخول النار. وقد صوّر البعض حالات المعارضة واستصوبها بفعل المطاوعة التي تبديها النصوص، كما هو الحال مع قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن الذي بالغ فكان يعتبر آراء العلماء المتعارضة كلها مصيبة وعليها شاهد من النص الديني، سواء كانت عقائدية أو فقهية13.

وغالباً ما لا يفي الرجوع إلى ذات النصوص لحل التعارضات الواردة فيها، فكان لا بد من أن تتدخل دلالة خارجية يستعان بها لفهم التعارض والتمايز. إذ تكشف هذه التعارضات عن تلونات الواقع وتناقضاته، فلا يمكن أن تجتمع ضمن أحكام ماهوية واحدة، لا سيما وأن للوجدان العقلي دوراً مميزاً بجعل الأمور تتخذ تماسكاً منطقياً يتفق مع القيم التي تؤكدها مقاصد الخلق والتشريع، وبالتالي فمن الممكن تفكيك الإطلاقات الظاهرة للنصوص، ومنها النصوص المتعارضة، وتحويلها إلى مضامين غير مطلقة أو ماهوية.

وسنقدم للقارئ - في هذا الكتاب - نموذجاً حول موقف الخطاب الديني من المشركين وأهل الكتاب، وفقاً للفهم المبني على المسلك الوقائعي ودوره في حل التعارضات الإطلاقية وتفكيكها. مع لحاظ أن هناك ثلاث دلالات متعاضدة يمكنها حل ما يعترضها من المظاهر الإطلاقية وصور التعارضات المبنية عليها، وهي كل من دلالة العقل والواقع والمقاصد.

ونشير أخيراً إلى أن النظام المعياري لا يحرّم اللجوء إلى الواقع مطلقاً. فأحياناً يضع له حدوداً هامشية، وأخرى يلجأ إليه عند الإضطرار، تبعاً للحاجة الزمنية، لكنه من حيث المبدأ يتعامل مع القضايا تعاملاً ماهوياً طبقاً لبيان النص، أو بحسب الفهم الخاص بفقهاء السلف. وبالتالي فالتمييز بين المسلكين الوقائعي والماهوي لا يتعين طبقاً للحد الفاصل بينهما على أرض الواقع، إذ لا يوجد مثل هذا الحد ليشار إليه بدقة وتمام، طالما أن هناك بعض التداخل. فأحياناً يلجأ أتباع النهج الماهوي إلى الإستعانة بالمسلك الوقائعي عند الحاجة والضرورة، كما سنعرف لاحقاً. وبالتالي فالتقسيم الذي أبديناه هو تقسيم منهجي بحسب الإطار الكيفي، أي النظر في أنماط كل طريقة وتحليلها عقلياً، ومن ثم رسم صورة نموذجية لها كمسلك، بغض النظر عما يلوحها أحياناً من تداخل على أرض الواقع.

فمن ذلك مثلاً ما أشار إليه ابن تيمية حول التفرقة بين النوع والشخص في قضيتي التكفير والوعيد، فأحدهما لا يستلزم الآخر، ففي الكفر - مثلاً - قد يوصف كل من يفعل شيئاً دالاً على الكفر بانه كافر، لكن ذلك لا يقتضي تكفير شخص معين يفعل ذلك الشيء بالضرورة، اذ هناك شروط للتكفير وموانع قد تصدق في حق الشخص او الجماعة المعينة. ومما قاله بهذا الصدد: «وحقيقة الأمر‏:‏ أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا‏:‏ من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع.‏.»14‏.‏ كذلك جاء حول الوعيد – مثلاً - قوله تعالى: ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)). فاعتبر ابن تيمية ان «هذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يُشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد، لفوات شرط أو ثبوت مانع. فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم.. وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة المحرم.. وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع.. وقد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق.. وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها. وقد تكون عرضت له شبهات يعذره الله بها. ومذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والمعين››15.

ولا شك أن هذا النهج أقرب إلى المسلك الوقائعي منه إلى الماهوي.

 

النص والحاجة إلى الدلالة الواقعية

ليست لدينا قضية - فيما نقدمه من هذه البحوث - أهم من تلك التي تؤكد على علاقة الواقع بضبط الفهم الخاص بنص الخطاب. فنحن على يقين من أنه لا يمكن فهم النص بإتساق ما لم يتم الارتكاز على الدلالة الواقعية. وإذا كان الأمر لم يحن لنفرغ شحنة من فيض طاقة هذه الدلالة، وهي تمارس دورها في الضبط، فإن ذلك لا يعفينا من ذكر نماذج بسيطة وواضحة تفي بغرض تهيئة ذهن القارئ لتفهّم واستيعاب ما سيتم طرحه، رغم أننا فصّلنا الأدوار المختلفة التي تتخذها الدلالة الواقعية للضبط في عدد من الدراسات.

فمن الأمور الواضحة الدالة على ضبط الدلالة الواقعية للفهم ما سيأتي عرضه لعدد من النصوص القرآنية كالتالي:

نقرأ مثلاً قوله تعالى: ((فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض))16، ونعلم بوضوح أنه لا يفهم بغير قرينة الواقع الدال على أن المراد ليس الظاهر من الإرادة، بإعتبار أن الحس كاشف على انعدام الإرادة فيه، مثلما حملها أبو الحسن الأشعري على المجاز17.

ومثل ذلك يقال في قوله تعالى: ((واسأل القرية التي كنّا فيها والعِير التي أقبلنا فيها))18، وقوله: ((وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة))19، حيث المراد في ذلك أهل القرية وليس ذاتها بإعتبارها - حسب دلالة الواقع - ليست مورداً للسؤال ولا مورداً للظلم والإدراك، لذلك حملها الشافعي على المجاز20.

ونقرأ ما جاء في قوله تعالى: ((ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، إن الذي أحياها لمحيي الموتى))21، ونعلم أنه لا يمكننا – بدلالة الواقع - إعتبار الأرض خاشعة على الحقيقة. فلو حملنا كل ما في النص على وجه الحقيقة لوقعنا في التناقض، إذ كيف يمكن التوفيق بين إعتبار الأرض خاشعة في الوقت الذي تكون فيه ميتة لم يتم إحياؤها بعد؟!

وكذا قوله تعالى: ((يقلّب الله الليل والنهار))22، وقوله: ((وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً))23، وقوله: ((وينزل عليكم من السماء ماءً))24، وقوله: ((ألم ترَ أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً))25، حيث لولا قرينة الواقع لربما كنا نفهم أن عمليات تقليب الليل والنهار وإرسال الرياح وتنزيل الماء وزجي السحاب والتأليف بينه ثم جعله ركاماً؛ كل ذلك يجري بشكل مباشر منه تعالى من غير وسائط سننية.

كذلك قوله تعالى: ((تدمر كل شيء بأمر ربها))26، حيث يلاحظ من جهة الواقع أنه لا يمكن للريح أن تدمر كل شيء في عالم التكوين والخلق، وما تدمره إنما هو أجزاء بسيطة مقارنة بما موجود على سطح الأرض.

ومثله قوله: ((وآتاكم من كل ما سألتموه))27، وقوله: ((وأُوتيت من كل شيء))28. ونحن ندرك - حسب الواقع - أن الله تعالى لم يعطنا كل ما نريد، ولعل المقصود – بدلالة الواقع - هو أن الله هيء لنا كل الحاجات والمتطلبات اللازمة لبقاء الإنسان وكماله.

وقوله: ((ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء))29. وواضح بأن الكتاب لم يبين كل شيء بإطلاق، لذا فلعل المراد هو تبيان المبادئ والأصول المتعلقة بالدين والهداية.

وكذا قوله: ((إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام))30. حيث لا يمكن حمل ما جاء في آخر الآية على المعنى الذي يفيد بأن الله وحده المستأثر بعلم الذكورة والانوثة كما فهم ذلك المفسرون على ما سنرى.

كما نقرأ ما جاء في قوله تعالى: ((والله لا يهدي القوم الكافرين))31، وقوله: ((إن الله لا يهدي القوم الظالمين))32، وقوله: ((إن الله لا يهدي القوم الفاسقين))33. فمن منّا يشك في عدم أخذ هذه النصوص على إطلاقها الظاهر؛ لعلمنا واقعاً بهداية الكثير من الكافرين والظالمين والفاسقين.

وكذا يقال الشيء نفسه حول قوله تعالى: ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم))34. فبقرينة الواقع نعلم أنه لا يمكن حمل هذا النص على الظهور الإطلاقي.

وكذا قوله تعالى على لسان نوح (ع): ((إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً))35. ولا شك أنه لا يمكن حمل الآية على الظهور الإطلاقي، فالواقع كاشف عن مضمون الآية؛ لكن دون حتم ولا إطلاق، إستناداً إلى ما يُعرف بالضغط الإجتماعي.

وقوله تعالى: ((ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت))36، رغم وجود الإختلاف في الخلق، كالأضداد والصغر والكبر وما إلى ذلك، وبالتالي فالمراد - كما يبدو - هو الخلل والعيب والنقصان ((فارجع البصر هل ترى من فطور))37.

وقوله: ((إن الإنسان خُلق هلوعاً))38. مع أن الإنسان لا يتصف بذلك حال خلقه، لذا ينضبط المعنى عند إعتبار الهلع مقدّراً فيه، ويفسره ما جاء بعده من آيات.

وقوله: ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب))39. لكن من حيث الواقع نجد الكثير من الأتقياء يعانون ضيقاً في الرزق. مع هذا فالآية تنبّه على شيء من العلاقة بين التقوى والرزق.

وقوله ((ادعوني استجب لكم))40، ومثله قوله: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أُجيب دعوة الداعي إذا دعانِ))41، لكن بدلالة الواقع ليس كل من سأل الله تعالى ودعاه أُجيبت دعوته. لذلك جاء عن النبي (ص) قوله: القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب وهو غافل.

وقوله: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس))42. فبمثل هذه الآية اعتبر الطباطبائي أن الشرور كالحروب والأمراض المعدية والزلازل والجفاف والفيضانات وغيرها كلها نتاج الإنحراف والفساد والغي والظلم والضلالة43. مع أننا على يقين – بدلالة الواقع - أن هذه الكوارث لا تحدث بسبب الفساد البشري دائماً.

ومثله قوله تعالى: ((ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون))44. فمن المعلوم أن حزب الله غُلبوا في زمن النبي (ص) وبعده مرات عديدة، لذا فبهذه القرينة الواقعية اعتبر المفسرون أن المراد بالغلبة هو بالحجة والبرهان45. وقد يكون المراد بالغلبة هو ما يحدث في الآخرة. أو يكون للآية خصوصية ببعض المواقف الحربية التي خاضها النبي (ص). أو أنها تتحدث عن المآل في هذه الحروب في عصر النبي.

ومثل ذلك قوله تعالى: ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً))46. فالواقع يدلنا على تحكم الكافرين بالمؤمنين في كثير من الأحيان، لذا فليس هو المراد من المعنى قطعاً، بل اعتبر البعض أن المقصود بالسبيل هو الحجة والبرهان. فقد جاء عن السدي بأن تفسير الآية هو أن لا يكون للكافرين حجة على المؤمنين. كما جاء عن عدد من الصحابة والتابعين بأن قصد الآية هو أن لا يكون للكافرين على المؤمنين سبيل في الآخرة لا الدنيا، كما روي ذلك عن الإمام علي وإبن عباس47. ويبدو أن الآية معنية بعصر الرسالة، رغم ان ظاهرها لا يفيد ذلك، اسوة بالآيات التي تبدو مطلقة لكنها ليست كذلك.

وكذا قوله: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون))48. لكننا نعلم واقعاً بأن الإسلام لم يغط الأديان الأخرى، مما قد ينبئ بعودة الإسلام وظهوره التام. وكان بعض السلف من المفسرين يرى بأن معنى الآية هو الغلبة على أهل الأديان، أو بمعنى العلو عليها، أو بمعنى ليبطل كل الملل لتصبح واحدة وذلك عند نزول عيسى (ع) كما ذهب إلى ذلك جماعة ومنهم الطبري، أو أنه يعني العلم بالأديان، فمن قولهم قد ظهرت على سره أي علمت به، وهو ما جاء عن إبن عباس، حيث يقول: ‹‹ليظهر الله نبيه على أمر الدين كله، فيعطيه إياه كله، ولا يخفى عليه شيء، وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك››49. ونرجح بأن للآية خصوصية تتعلق بعصر النبي؛ كسائر الآيات التي توهم الإطلاق رغم أنها مشدودة إلى أحوال هذا العصر. ولا شك أن آخر الآية يشير إلى هذا المعنى.

ومثل ذلك قوله تعالى: ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة))50. وظاهر الآية يخالف الواقع من حيث أن الزاني ينكح العفيفة والمسلمة، لذا فلا بد أن يكون المراد هو غير ذلك، كإن يكون المراد هو مفهوم الآية لا منطوقها، بمعنى النهي عن أن ينكح الزاني المؤمنة والعفيفة، فتكون (لا) ناهية لا نافية.

وكذا قوله: ((الذي أحسن كل شيء خلقه))51. مع أنه بدلالة الواقع نجد ما هو شر وقبيح نسبياً، لذا فقد يكون معنى (أحسن) هو أحكم وأتقن، كالذي يشهد عليه الواقع.

ثم كيف نفسّر النصوص التي تتحدث عن قضايا الواقع مجملاً من غير النظر إليه ومعرفة أحواله، كالآيات الخاصة بالسنن الإجتماعية، مثل آية التسخير52، وآية دفع الناس53، وآية تغيير الأنفس54، مع أن الكشف - هنا - متبادل بين النص كمجمل والواقع كمفصل؟ بل وكيف نفسّر بعض القضايا العقائدية التي لها علاقة بالمشخصات الخارجية، مثل قضية القضاء والقدر؟ إذ نعلم أن النصوص فيها متعارضة، وأن هذا التعارض لا ينكشف إلا بالنظر إلى الواقع ومعرفة قوانينه55. وبالتالي لم نجد لهذه المشكلة حلاً داخل المألوف من نظامي تراثنا المعرفي الإسلامي (الوجودي والمعياري)، حيث الواقع غائب عن الإعتبار والنظر، مما لا يسعنا تفصيل ذلك هنا.

***

مما لاحظناه سابقاً أن الخطاب الديني لم يؤسس لطريقة الواقع بشكل واضح وصريح. أو أنه - بعبارة أخص - لم يذكر شيئاً حول مراعاة الواقع لفهم النص صراحة. وعليه قد يقال: كيف يصح لنا الإعتماد على الواقع كأصل وهو لم يستمد من قول الشارع وبيانه؟

ولعل الجواب ببساطة أن الأمر لا يحتاج إلى مثل هذا الكشف الصريح؛ طالما كان التعامل مع الواقع تلقائياً لا يستغنى عنه عادة. ففي جميع الأحوال أن الواقع معتمد عليه كأصل أساس، كما في السيرة العقلائية للناس، فلا يحتاج إلى ذكره، مثلما لا يحتاج إلى التصريح بمبادئ عامة صحيحة يستند إليها الناس وإن لم يفكروا بها عادة، مثل مبدأ السببية وامتناع إجتماع النقائض. بل أن العلماء يدركون الكثير من القضايا التي لا تُفهم من النص بمعزل عن بعض القرائن الخارجية، كتلك المطلق عليها (مناسبات الحكم والموضوع)، مثل ما جاء في الآيات: ((حُرمت عليكم امهاتكم))56.. ((أُحلت لكم بهيمة الأنعام))57،... الخ. فهي معلومة وفق الفهم العرفي دون حاجة لجهد التفكير58.

كما يدرك العلماء جدوى تلك التي لها إرتباط مخصوص بأسباب النزول والتي لها علاقة بوقائع محددة تكشف عن معنى لا يستبان من ظاهر النص59. فأثر الواقع هنا واضح والذي يعبّر عنه الأصوليون بمقتضيات الأحوال، ومن ذلك أن الشاطبي يرى بأن معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، ومما استدل به في هذا الصدد هو أن معرفة مقاصد الكلام يعتمد على معرفة مقتضيات الأحوال حال الخطاب من جهة نفس الخطاب أو المتكلم أو المخاطَب أو الجميع، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وكذا بحسب مخاطبين، كالاستفهام لفظه واحد، لكن له معان متعددة كالتقرير والتوبيخ وغيرهما، ومثل ذلك الأمر فقد يدل على معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، لذلك ليس بالمستطاع معرفة هذه المعاني إلا من خلال الأمور الخارجية وعمدتها مقتضيات الأحوال. لكن ليس كل حال ينقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة؛ فات فهم الكلام جملة أو بعضاً منه. لذلك فإن الجهل بأسباب التنزيل يوقع في الشُبه والإشكالات60. فهذا ما يدركه العلماء كالذي يشير إليه الشاطبي.

كذلك يدرك العلماء أنه ليس كل ما لم يُصرح به مباشرة من الشرع لا يعبّر عن مراد الشرع61. فالقول بأصل العقل لم يصرح به كأصل، وكذا قاعدة المصالح والإستحسان ومقاصد الشرع، ومثل ذلك القياس والتعدي إلى ما هو غير منصوص فيه. لذا فالإعتماد على مثل هذه الموارد لم يأتِ بحسب منطوق الشرع صراحة، إنما هي من الموارد الإجتهادية التي اختلف على حجيتها الفقهاء. والعديد منهم كان ينتزع بعضاً من تلك الموارد - بشكل غير مباشر - بحسب ما يدل عليه الإستقراء وقرائن النصوص التي تصب في محور واحد من الفهم الدال على صحة الأصل المستدل عليه. والحال لا يختلف عما نحن بصدده من أمر الواقع، بل أنه يفوق ما ذكرنا بكثير، بإعتباره مصدراً أولياً يدين له الخطاب الديني بالحجية، كما أن بدونه لا يمكن ضبط فهم أغلب نصوص هذا الخطاب.

 

1آل عمران/86ـ87.
2التغابن/7.
3البقرة/143.
4إبن هشام البصري: سيرةإبنهشام،ج2،ص661، مكتبة المشكاة الإسلامية الإلكترونية www.almeshkat.net.
5آل عمران/144.
6جاء في رواية عن أبي هريرة كما تنقلها سيرة إبن هشام أن عمر بن الخطاب قال بصدد سماعه للآية التي تلاها أبو بكر: ‹‹والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات››(سيرةإبنهشام،ج2،ص655).
7انظر الفصل الرابع من: فهم الدين والواقع.
8النساء/93.
9الزمر/53.
10 هناك الكثير من مثل هذه الأحاديث، مثل ما روي عن النبي (ص) أنه قال: ‹‹أشهد أن لا اله إلا الله واني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة››. وقال صلوات الله وسلامه عليه: ‹‹من شهد أن لا اله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، حرم الله عليه النار››. وقال (ص): ‹‹لا يشهد أحد أن لا اله إلا الله واني رسول الله فيدخل النار، أو تطعمه››. كما جاء في عدد من الروايات أن النبي (ص) قال لمعاذ بن جبل: ‹‹يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟›› قال معاذ: الله ورسوله اعلم. قال (ص): ‹‹فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً. قال معاذ: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا›› (صحيح مسلم، دار إحياء الكتب العربية، تحقيق وتعليق وفهرسة محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى، 1347هـ ـ 1955م، ج1، ص55ـ62). وجاء عنه قوله أيضاً: ‹‹لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كِبْر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان›› (سنن إبن ماجة، تحقيق وتعليق وفهرسة محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، 1327هـ ـ 1952م، ج1، ص23).
11المائدة/44.
12عن جابر أن رسول الله (ص) قال: ‹‹بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة›› رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وإبن ماجة. وعن بريدة قال رسول الله (ص) : ‹‹العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر›› رواه أحمد وأصحاب السنن. وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: ‹‹كان أصحاب محمد (ص) لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة›› رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين. وقال محمد بن نصر المورزي: سمعت اسحاق يقول عن النبي (ص): ‹‹إن تارك الصلاة كافر››. وقال إبن حزم: جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة: ‹‹إن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد›› ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفاً (السيد سابق: فقه السنة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الرابعة، 1403هـ ـ 1983م، ج1، ص80).
13إبن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، مطبعة كردستان العلمية في مصر، الطبعة الأولى، 1326هـ، ص55ـ57.
14 مجموع فتاوى ابن تيمية، ج12، فصل في مسألة تكفير أهل البدع والأهواء، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com .
15يوسف القرضاوي: ظاهرة الغلو في التكفير، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1411هـ ـ 1990م، ص26ـ28، عن مكتبة الموقع الإلكتروني: www.4shared.com.
16الكهف/77.
17أبو الحسن الأشعري: اللمع، مطبعة مصر، 1955م، ص66.
18يوسف/82.
19الأنبياء/11.
20الشافعي: الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة دار التراث في القاهرة، الطبعة الثانية، 1997م، ص62ـ64.
21فصلت/39.
22النور/44.
23الحجر/22.
24الانفال/11.
25النور/43.
26الاحقاف/25.
27ابراهيم/34.
28النمل/23.
29النحل/89.
30لقمان/34.
31البقرة/264.
32الأنعام/144.
33المنافقون/6.
34محمد/7.
35نوح/27.
36الملك/3.
37الملك/3.
38المعارج/19.
39الطلاق/3.
40غافر/60.
41البقرة/186.
42الروم/41.
43الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص181 و183.
44المائدة/56.
45مسائل الرازي في غرائب آي التنزيل، ص37.
46النساء/141.
47أبو جرير للطبري: جامع البيان، دار الفكر، بيروت، 1405هـ ـ 1984م، ج5، ص333ـ334. وتفسير الماوردي، مصدر سابق، ج1، ص430.
48التوبة/33.
49جامع البيان، ج10، ص116ـ117، وج26، ص109، وج28، ص88. وتفسير الماوردي، ج2، ص131ـ132، وج4، ص233.
50النور/3.
51السجدة/7.
52وهي قوله تعالى: ((وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً)) الشورى/32.
53وهي قوله تعالى: ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)) البقرة/251.
54وهي قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) الرعد/11.
55انظر ما أشرنا إليه بهذا الصدد: مدخل إلى فهم الإسلام.
56النساء/23.
57المائدة/1.
58انظر مثلاً: محمد رضا المظفر: أصول الفقه، دار النعمان، النجف، الطبعة الثانية، 1386هـ ـ 1966م، ج1، ص201ـ 202. كذلك: الإتقان في علوم القرآن، ج3، ص63 .
59 انظر بهذا الصدد (علم الطريقة)..
60الموافقات، ج3، ص347.
61 سبق أن أثار الأشعري شبهة من هذا القبيل حول تمسك الحنابلة برفض الخوض بالكلام استدلالاً من حيث أنه لم يرد عن النبي وأصحابه أي شيء حوله، وقد رد الأشعري عليهم بأن بعض القضايا الفقهية المتداولة، كالنذور والوصايا والعتق، هي أيضاً لم ترد عن النبي، وذلك في رسالته المسماة (رسالة في إستحسان الخوض في علم الكلام، طبع مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند، الطبعة الثانية، 1344هـ، ص12).

 

comments powered by Disqus