-
ع
+

تصورات خاطئة (3) حديث الفرقة الناجية

 يتصور الكثير خطأً أن هناك ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة، كما في الحديث النبوي القائل: «إفترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أُمتي ثلاثاً وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة».

والحال إن الحديث لا يحظى بوثاقة تاريخية من حيث عدد الفرق. كما أن متن الحديث يحمل متوالية حسابية تجعل من التاريخ قائماً على صورة رياضية، فالفارق في الإفتراق بين الأُمم الثلاث (اليهود والنصارى والمسلمين) هو واحد لا أكثر، وهو أمر من الصعب تصديقه وفقاً لمنطق الإحتمالات. ناهيك عن عدم وجود أي شهادة تاريخية تؤيد تحديد الأعداد التي ينطوي عليها الحديث.

لذلك اجتهد علماء الفرق الإسلامية لتحديد الفرقة الناجية وفرق الضلال الأخرى بما يتفق مع العدد المشار إليه في الحديث، لكن حيث أن الواقع التاريخي لا يبدي أي إتفاق مع العدد المذكور، لذا جرت عمليات التعداد عشوائياً من غير انتظام، فكل فرقة عملت على تمزيق وتكثير غيرها من الفرق الكبرى بغية ايصال العدد إلى إثنتين وسبعين فرقة لأدنى مناسبة وإعتبار، لتصبح بالنتيجة هي المقصودة بالفرقة الناجية. هكذا عمل الشهرستاني في (الملل والنحل)[1]، ومثله إبن الجوزي في (تلبيس إبليس)، وكذا فعل البغدادي في فرقه للفرق[2]. وهناك جماعة من العلماء اعتبروا أصول البدع أربعة تتمثل في اربعة طوائف كبيرة، وعن هذه الأصول ظهرت سائر التفريعات الضالة، إذ كل منها انشطر إلى ثمان عشرة فرقة، ومع الناجية يتحقق العدد المطلوب[3]. بل هناك من حاول أن يحصر تلك الفرق الثلاث والسبعين بطائفة واحدة معتبراً ما عداها خارجة عن الإسلام[4]، وصنّف البعض كتاباً بهذا الخصوص، إذ ذكر فيه ثلاثاً وسبعين فرقة من طائفة واحدة[5]. وقد جرت مناقشات عقلية ونقلية عن تشخيص الفرقة الناجية، كالمباحثة التي تمّت بين نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي، والتي عقب عليها الشيخ الدواني ببعض التعقيبات[6]. لكن من جانب آخر إضطر البعض إلى عدم تعيين الفرق الضالة المنصوص على عددها في الحديث لعدم معرفة مقياس ذلك، كالذي لجأ إليه الطرطوشي وأيّده الشاطبي[7]. وفي القبال هناك من اعتبر الحديث موضوعاً من الأساس رغم تعدد رواته، كما هو الحال مع إبن حزم وغيره[8]، لا سيما الزيادة القائلة «كلها هالكة إلا واحدة».

ومن الطريف ما يُذكر بأنه يوجد في قباله حديث مناقض وإن لم يقف في قوته من حيث كثرة أسانيده، إذ روي أن النبي قال : «ستفترق أُمتي على نيف وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا واحدة»[9].


[1]           محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: الملل والنحل، عرض وتعريف حسين جمعة، دار دانية للنشر، الطبعة الأولى، 1990م، ص2.

[2]           الشاطبي: الإعتصام، دار الكتب الخديوية بمصر، تقديم محمد رشيد رضا، الطبعة الأولى، 1913م، ج3، ص61ـ77.

[3]           الإعتصام، ج3، ص77ـ78.

[4]           الملل والنحل، ص70.

[5]           فخر الدين الرازي: إعتقادات فرق المسلمين والمشركين، مراجعة وتحرير علي سامي النشار، مكتبة النهضة المصرية، 1356هـ ـ1938م، الباب الثالث، ص12.

[6]           نعمة الله الجزائري: الأنوار النعمانية، طبعة تبريز، إيران، ج2، ص279. ومحمد باقر الخوانساري: روضات الجنات، تحقيق اسد الله إسماعيليان، مكتبة إسماعيليان في قم، ج2، مادة 881، ص440. والشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والكلاميين، تحقيق وتقديم سليمان دنيا، دار احياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1958م، ج1، ص28ـ29.

[7]           الشاطبي: الإعتصام، ج3، ص80ـ83. والموافقات في أصول الشريعة، مع حواشي وتعليقات عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1395هـ ـ 1975م، ج4، ص181 وما بعدها.

[8]           إبن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل، تصحيح عبد الرحمن خليفة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بميدان الأزهر بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1989م، ج3، ص138. وعبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميين، الطبعة الأولى، ج1، ص33-34.

[9]           الغزالي: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، ضمن الجواهر الغوالي، مطبعة السعادة بمصر، 1353هـ ـ 1934م، ص101ـ102.

comments powered by Disqus