-
ع
+

نضال البغدادي: قراءة تحويلية في كتاب منهجُ العلم والفهم الدّيني

الفكرُ المنتج هو: ذلك الفكر القادر على إحداثِ ضجّة تتّسم بالتشعّب في عقليّة القارئ كتلك الّتي يُحدثها صوت دّويّ مُفاجئ، مجهول المصدر، بحيث يقدح في فاهمة السّامع جميع الاحتمالاتِ الممكنة، بصرف النّظر عن الاتّفاق مع ذلك الفكر إن كليًّا أو جزئيًّا أو حتّى اللّاتفاق! وهو بلا شكّ يختلفُ عن ذلك الفكر الّذي حين تطّلعُ إليه ترى نفسك –تلقائيًّا- لم تزددْ منه إلّا توكيد الاصطفاف المألوف إنْ بالمعيّة معه أو بالتّضاد منه. الكتابُ الّذي بين يديّ هو عندي من ذلك الفكر المنتج، خاصّةً وأنّه يتّسم بالجدّ في الاتّزان، والاجتهاد في التمسّك بتلابيب التّواضع والموضوعيّة، وهما قيمتان جوهريتان في جديّة الطّرح وأصالتهِ. 

في كتابهِ «منهجُ العلم والفهم الدّيني، العبورُ من العلم إلى الفهم ومن الفهم إلى العلم»؛ تجشّم الباحثُ يَحيى مُحمّد عناء التّحليل لكلّ من المنظومتين المعرفيّتين العلميّة والدّينيّة ببراعةٍ وإتقان لا يخلو من إمتاع، فكان مُنقّبًا عن عناصر الحقيقة، فاضًّا لخيوط الالتباس الّتي تَشكل على كثيرين، سائرًا بِحرفيَّةٍ في ميدانٍ تتراكبُ فيه الألغام، شاقًّا طريقهُ نحو إبراز أفكارٍ ومفاهيم ورؤىً موضوعيّة، تضعُ كثيرًا من النّقاط فوقَ حروفها المناسبة، وتفتحُ في أحايين عديدة أبوابًا أو منافذَ لإمكانيّةِ الارتقاء في كلٍّ من منهجِ العلم والفهم الدّيني.

في الحقيقةِ؛ إنّ عنوان الكتاب لا يدلّ على المضمون الشّائع لهذه المفاهيم، فهو لا ينطلقُ في مجال استعراض طبيعة العَلاقة بين العلمِ والدّين، وهل هي اختلافٌ أم ائتلاف؟ تكاملٌ أم تعارض؟ صراعٌ أم وفاق؟ وإنْ كان مجمل الدّراسة يُعطي الانطباع عن هذا النّوع من العلاقات، بل الأحرى القول: إنّ منطلق الباحث هو المقارنة التّحليليّة الدّقيقة بينَ أداتي العلم، وهي: المنهج، والدّين، وهي: الفهم. وهو في تحليله المعمّق هذا لا يَعمد إلى التّفكيك في معناه النّقضي الباحث عن البدائل، بل يجتهدُ في إبراز أوجه التّمايز أو التّشابه بين المنظومتين، بما يجعل البحث وكأنّه مرجعٌ معجميٌّ حاوٍ مَفاتيحَ فكّ الاشتباك الشّائع-مُسوّغًا كان أو غير مُسوّغ- بين العلم والدّين، بل وحتّى الفلسفة والكلام والعرفان.

لعلّهُ من الأفضل أن أكتفي بهذا القدر من الوَصف العام المستحقّ لمضمون هذا الكتاب القيّم، وأنّ أُباشر في التّشمير عن ساعد الجدّ في إعادِة قراءة أهمّ مفاصل هذا الكتاب بالأسلوب الّذي أُسمّيه (القراءة التحويلية)، وفيهِ أحاول مناقشة المحاور المنتقاة منه وَفْقَ آليات الفهم التّضامري وأدواته، في مُحاولةٍ للوصول إلى نتائجَ مُتوازية، يكشفُ جانبٌ منها عن أهميّة تلك التّفصيلاتِ التي تناولها الباحث فيكون بمنزلةِ تسليطٍ للضّوء عليها، وجانبٌ يتداخل فيه مع الفكر التّضامري بغية اكتشاف المزيد عن طريق التّفاعل بين المنظورين البحثيّين. إذ قد وفّر هذا الكتاب بالفعل فضاءً رحبًا لإنتاج مثل هذه القراءة، وكما مُبيّن في النّقاطِ أدناه: 

أوّلًا: ينصُّ المبدأ الثّاني من مبادئ التّضامر على: (إذا تكرّرت علاقة التّضامر تتابعيًّا؛ فإنّ العلاقة المكرّرة لا تُماثل الأولى). في القراءة الّتي ذهبَ إليها الأستاذ يحيى بشأن نظم التّفكير العلمي مصداق مُناسب لهذا المبدأ، فقد ذهبَ إلى أنّ هناك ثلاثةَ أنظمةٍ للعلم بعد مرحلة النّظام القديم الّذي استمرّ منذ أرسطو إلى العصر الحديث، وهي كلّ من: النّظام الإجرائي، والنّظام الافتراضي، والنّظام التخميني أو الميتافيزيائي كما صنّفها. 

حلّلَ الأستاذُ يحيى تلك النّظم وْفَقَ المنظور القائل: إنّ منهجيّة النّظام القديم كانت تُصادر على مسلمة التّطابق بين العقل والواقع، استجابة لمبدأ إنقاذ الظّواهر، وخلاصتها: أنّ الظّاهرة إذا خالفت ما هو معروف في العقليّة المعرفيّة في تلك المرحلة أدينيّة كانت أم فلسفيّة؛ فإنّهم يجتهدون ليُؤولوا التّفسير بحيث يُنقذ الظّاهرة ويُحافظ على مفهومهم العقلي قائمًا، ولكي يُحقّقوا ذلك فإنّهم ينصحون بالنّظر إلى الظّاهرة على اعتبار أنّها فرضيّة وليست حقيقة واقعيّة، ومن ذلك ما ذهب إليه الكاردينال (بلارمين) في نقده لغاليلو عندما قال: إنّنا عندما نفترضُ أنّ الأرضَ مُتحرّكة والشّمس ساكنة نُنقذ جميع الظّواهر إنقاذًا أفضل ممّا تُتيحه دوائر كوبرنيك، أمّا تأكيد أنّ الشّمس تبقى ساكنة بالفعل في مركز العالم، وأنّها تدورُ حول نفسها فقط من دون أن تَجري من الشّرق إلى الغرب، وأنّ الأرضَ تدورُ بسرعةٍ فائقةٍ حولها؛ فذلك في غاية الخطورة! حيثُ إنّه لن يغضب جميع الفلاسفة واللّاهوتيين المدرسانيين ولكنّه يُنذر كذلك بإفساد الإيمان وتسفيه الكتاب المقدّس. إنّ ما يذهبُ إليه الكاردينال هُنا، وبصريح العبارة هو: قولوا يحتملُ أنّ الأرض تتحرّك حول الشّمس ولا تقولوا أنّ هذا ما يحدث حقيقة، وذلك أنّ الافتراض يحتملُ التّشكيك، ولا ينفي الظّاهرة، على حين التّأكيد يوقعهم في أزمةٍ فكريّةٍ وعقائديّةٍ لا رغبة لهم في قَبولها. كان هذا هو منطق النّظام القديم، يُقدّم الميتافيزيقيا على الواقع. وقد شقّ العلم طريقة منذ القرن السّابع عشر لينفض عنه غبارَ تلك المرحلة ولينتقلْ إلى النّظام الإجرائي، وهو منهج انقلب فيه النّظام على سابقه، أي: انقلبَ على الفروض الّتي تُنقذ الظّواهر ميتافيزيقيّة كانت أو حتّى فيزيائيّة، وتَحوْل إلى الإجراءاتِ الّتي تتضمّن المشاهدات والأرصاد والتّجارب، ثُمّ البناءُ عليها لإطلاق تعميماتٍ وَفْقَ المنهجيّة المعروفة بالاستقراء. مثالها أنّنا إذا علمنا أنّه باجتماع ذرّة أوكسجين مع ذرتي هيدروجين فإنّ النّاتج هو: جزئيّة الماء، وذلك على كوكب الأرض فهذا يعني أنّ هذه العمليّة يُمكن أن تتكرّر في أيّ جزءٍ من أجزاء الكون. فالاستقراء هو الانتقال من الجزء إلى التّعميم على الكل؛ وذلك لما لاحظه العُلماء من النّجاح المضطّرد للتّجارب ضمن ظروفها. مع مطلع القرن العشرين، ضُرِبَ النّظام الإجرائي بزلزالٍ بسبب نظريّة النّسبيّة ونظرية الكوانتم، واللاتان أعادتا إدخال الفرض والاحتمال كأسسٍ معرفيّة مُجدّدًا إلى الفضاء العلمي. النّسبيّة –مثلًا- لم تُكتشفْ نتيجة تجاربَ أو رصد أو مُشاهدات أو أيّ إجراءاتٍ، بل بالاعتماد على ما أسماهُ الأستاذ يحيى (المنهج الخيالي – الرّياضي)، حتّى إنّه صرّح بذلك قائلًا: «لا توجد مجموعة من الحقائق التجريبية، مهما كانت مفهومة، يمكن ان تؤدي إلى صياغة تلك المعادلات المعقدة» [ص: 35]. بصورة محايثة انتقلنا مع ميكانيكا الكم ومبدأ هايزنبرغ إلى اللّايقين، إذ لم يعدْ بالإمكان قياس سرعة جُسيم وموقعه في الوقتِ نفسه، إذ الدّقة في قياس أحدهما تعني اللّادقة في قياس الآخر، وبخلاف ما كان سائدٌ في الأجسامِ الكبيرة، وما كان يُظَنُّ بأنّه تعميمٌ كونيٌّ لأجزائهِ وجُزيئياته كافّة. من مُنتصف القرن العشرين –تقريبًا- وما يليه، دخلَ إلى ساحة الفيزياء ما أسماه الكاتبُ (نظام التّخمين الميتافيزيائي)، إذ ولأسبابٍ عديدةٍ، انطلق جمهرة من الفيزيائيّين النّظريّين في وضع صياغاتٍ تُشبه أساطير النّظام القديم، منها: نظريّة مُتعدّد الأكوان، ونظريّة الأوتار الفائقة، وإمكانيّة أن يكون الكائن حيًّا وميْتًا في الوقتِ نفسه، أو أن يُوجد في أكثر من مكان، ونظريّة الانفجار العظيم، والقول بالثّقوب الدّوديّة وغرائبها، وهناك الأكوان التّمثيليّة أو الحاسوبيّة، حتّى علا صوت التّنازع بين الفيزيائيّين أنفسهم وهل ما يقومون به فيزياء أم فلسفة؟ وكما يصفُ الكاتبُ فإنّ هذا النّظام يبحثُ عن حافَة العلم لا تخومه.

الآن... القراءةُ السّريعة لتحوّلات النّظم العِلميّة تُعطينا التّصوّر الآتي: انتقلَ العلمُ من النّظام الميتافيزيقي القديم إلى النّظام الإجرائي(التّجريبي)، ثمّ تحوّل إلى الافتراضي الّذي يتضمّن التّخيّل المقترن بالرّياضيّات كعنصرٍ أساسي، ومنه عاد كما يبدو ليحتضن الميتافيزيقا من جديد، فهل مآل العلم مُستقبلًا إلى العقليّة الأسطوريّة الّتي غادرها بتخلّيه عنِ النّظام القديم؟

وَفْقًا لمبدأ التّضامر الثّاني الّذي قدّمنا له، فإنّ النّظام إذا ما تكرّر فإنّه –قطعًا- لن يكون كالسّابق، بل سيكون لا مماثل له، أي سيكون تكرارًا مُتغيّرًا. وهذا ما أكّده لنا الأستاذ يحيى في بحثه، فقد أثبت عددًا من النّقاط تُبيّن أنّ العلمَ وإن سار في طريق التّخمينات الميتافيزيقيّة في نظامه الثّالث؛ إلّا أنّ هناك فوارقَ جوهريّة بين القديم والثّالث، ومنها: أنّ النّظام القديم دوغمائي لا يتقبّل احتمال الخلاف، أمّا النّظام الحديث فهي نزعة تخمينيّة تحتملُ الخلاف بل حتّى الإنكار. كما أن النّظريات القديمة محكومة بالسّلطة العقليّة القبليّة، ما لا نجده لدى النّظام الثّالث التّخميني الّذي يستندُ إلى الرّياضيات ومُحاولاتٍ جادّةٍ للتّجريب، والنّظام الثّالثُ لا يسعَى سعيًا حثيثًا إلى إنقاذِ الظّواهر كما كان يهدفُ النّظام القديم. استنادًا إلى هذه الرّؤية، نعتقدُ أنّ النّظام الثّاني لو عاد إلى الظّهور مُجدّدًا بطريقة قويّة فإنّه لن يكون على الوجهِ الّذي كان عليه، بل سيكون نسخةً محدثة أو تكرارًا مُتغيّرًا، وهكذا أمرُ النّظام الافتراضي أيضًا.

إنّنا في التّضامرِ نقرأُ هذه الأنظمة على أنّها مُتضامرة، القديم يضمرُ الثّلاثة الّتي أتت فيما بعد تباعًا، وعلامة الإضمار فيها هي: اللّاتماثل، أي: اللاحق لا يُماثل السّابق بدلالاتٍ مُحدّدة، وكما بين تلك الدّلالات الأستاذ يحيى في قراءته، فالإجرائي –مثلًا- لا يُماثل القديم بدلالة الاستقراء، والافتراضي لا يُماثل الإجرائي بدلالةِ الاحتمال، والتّخميني لا يُماثل الافتراضي بدلالة الإمكان، ... وهكذا دواليك، اللّاحق لا يُماثل السّابق بدلالةٍ مُحدّدة، وفي التّضامر كلّ لا مُتماثلين بدلالةٍ مُحدّدة، مُتضامرين.

ممّا يترتّب على قولنا بهذا التّضامر هو: إنّ جميع الأنظمة صحيحة نسبانويًا بدلالاتها. فلو نظرنا إلى النّظام القديم مثلًا، لأمكننا -وَوَفْق مُعطياتِ ما قبل العصر الحديث- أن نقول بصحّة نسبانويّة لمنظورهم العلمي آنذاك، والأمر ذاته ينطبقُ على جميع الأنظمة، ونحنُ اليوم ووَفْق مُعطيات العلم الحديث أكثر ثقة من ذي قبل بأنّ ما بين أيدينا من نظامٍ هو ليس الصّحيح المطلق بل النّسبانوي، فنحنُ لا نستطيع أن نُشكّك فيه إلى القدر الّذي نُساويه مع الأسطورة مثلًا، ولا نستطيع أن نتيقّن من أنّ معطياته تُعطينا اليقين المطلق فنركن إليه دونما قلق أو تردّد. إنّنا نضعُ أيّ نظام علمي على الحدّ الوسط بين الحواف والتّخوم.

 

ثانيًا: وَفْقًا للنّوع الأوّل من أنواع التّضامر الثّلاثة وهو المسمّى (التّضامر الذّاتي) الّذي يكون بين الشّيء وذاته بدلالةٍ مُحدّدة؛ فإنّ المعلومة -أيّ معلومة- تُعطي تصوّرًا عن إمكانيّة توقّع لا مثيلها كانعكاسٍ عنها.

ضمن هذا السّياق، أتاح لنا الأستاذ يحيى أكثر من معلومةٍ مُهمّةٍ ينطبق عليها هذا الفرض التّضامري، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قضيّة العلم والميتافيزيقيا، إذ التصوّر الّذي يُراد له أن يكون سائدًا دائمًا هو أنّ العلم بمجيئه حقّق -من أهم ما حقّق- القطيعة التّامة أو المطلقة أو الكليّة مع الميتافيزيقيا، وأُسبغت عليه النّظرة الماديّة في جوانبه وحيثيّاته كافّة، حتّى إنّها وصلت إلى مستوى البيولوجيا، وأبعد من ذلك الجانب السّيكولوجي. 

وَفْقًا للتّضامر، إنّ مقولة: «العلم معزول عن ميتافيزيقيا» الّتي تبناها النّظام الإجرائي -كما بينه الأستاذ يحيى-  تُضمر لا مثيليها بدلالة الميتافيزيقا، فينتجُ عنها مقولة نصّها: «العلمُ معزول لا معزول عن الميتافيزيقيا - نسبانويا». في الحقيقة المقولة الأولى جاءت كحالة إضماريّة كاشفة عن وضعٍ سابقٍ لها ضمن مقولة: «العلم غير معزول عن الميتافيزيقيا»، فيكون تسلسل المقولات كالآتي:

  • العلمُ غير معزولٌ عن الميتافيزيقيا، كما في النّظام القديم.
  • العلمُ معزولٌ عن الميتافيزيقيا، كما في النّظام الإجرائي.
  • العلمُ معزولٌ لا معزول عن الميتافيزيقيا – نسبانويًّا، كما في النّظام التّضامري.

إنّ المقصود بالمقولة الثّالثة، هو: أنّ العلم لن يستطيع أن يتخلّص كليًّا من الميتافيزيقيا كما يظنّ النّظام الإجرائي، والعلم لن يعتمد على الميتافيزيقيا اعتمادًا كليًّا أو مُطلقًا، بل سيبقى لها حضور في الأطروحات العلميّة مهما حاول بعضهم أن يُنزّهه منها. الحقّ لقد برع الأستاذ يحيى في تعرية هذه النّقطة في غير ما موطن من كتابهِ ليجعلها واضحة جليّة للأفهام، ومن ذلك المثال الّذي تحدّث به عن منهجيّة نيوتن الّتي عُرِفَت بأنّها إجرائيّة استقرائيّة، ومع هذا تضمّنت قوانينه فروضًا لم تُكتسب بالاستقراء، كفرض القصور الذّاتي، وقد كان هذا الفرض لدى نيوتن هو القانون الأوّل من قوانينه الثّلاثة، وفيه افترض: أنّ الجسم يبقى على حاله ما لم تكن هناك قوّة تُؤثّر فيه، فإذا كان ساكنًا فسيبقى ساكنًا، واذا كان مُتحرّكًا فسيبقى يسير بحركةٍ مستقيمةٍ منتظمةٍ دون توقّف إلى الأبد؛ مع أنّه عند مُحاكمة هذا القانون لا نجد أيّ تجربة استند إليها نيوتن في افتراضه، ولا أيّ ظاهرة كونيّة يُمكن أن يَبني عليه استقراءه هذا؛ لأنّ كلّ الأشياء محكومة بالقوى المؤثّرة (لا مُتعازلة)، وعلى هذا خلص الباحثُ إلى أنّ هذا الفرض ميتافيزيقي مادام لا يُمكن التحقّق منه على الصّعيد التّجريبي. كذلك فرض نيوتن حول الزّمان والمكان وكونهما مُستقلّين ومُطلَقين؛ ما وضع نيوتن في مرمى المتمسّكين بالإجرائيّة البحتة مثل: (إرنست ماخ) الّذي انتقد نيوتن على أخذه بمثل هذه المطلقاتِ الميتافيزيقيّة الّتي لا يُمكن إثباتها بالتّجربة، وغير ذلك فنيوتن معروف بالتجائه عند العجز عن التّفسير إلى ما يعرف بإله الفجوات، وبالتأكيد فهناك العديد والعديد من الشّواهد على هذه القضيّة، لعلّ من أشهرها الجاذبيّة؛ إذ لا يزال يُقال إنّها: «فرضيّة ميتافيزيقيّة وليست كيفيّة فيزيائيّة»، وغيرها. لقد أحسنَ الباحثُ حين أتى بمقولةِ مُؤسّس نظريّة الكوانتم ماكس بلانك الّتي قال فيها: «مثلما وراء كلّ إحساس موضوعًا ماديًّا، فكذلك يُوجد واقع ميتافيزيائي وراء كلّ ما تُقدّمه لنا التّجربة على أنّه واقعي»، وزاد على ذلك بأن قال: «إنّ عالم الميتافيزياء الواقعي ليس منطلقًا، بل الهدف لكلّ مشروع علمي، ومنار تلوح إلينا وتهدينا السّبيل»، فأجد هذا المنطق مُتّسق مع المنظور التّضامري. 

في جانبٍ آخر تعرّضَ له الباحث إلى ما أسماه (هرمنة العلم)، من الهرمنوطيقيا، أي: التّأويل، وفيه يصلُ الباحث -بعد تقديم شروحات وأدلّة مُفصّلة ومن تحليل مستند- إلى رؤيته باعتماد العلم على منهجين بحثيين مُترابطين هما المنهج: (الرّياضي–الخيالي)، والمنهج: (الخيالي–الرّياضي)، واستنتاجه منهما أنّ كلّ من الأبستمولوجيا والهرمنوطيقيا غير متعازلين، وكلّ ما هنالك من فرق بينهما أنّه في الأوّل نرى البستمة الهرمنوطيقيّة، وفي الثّاني نمسك بالهرمنة الأبستمولوجية. وهو تحليل بارع حقًّا، فضلًا عن أهميّته الّتي تتطلّب الوقوف عندها واستثمارها في أكثر من قراءة؛ إلّا أنّ الأهم بالنسبة لنا في هذه التفصيلة هو: النّتيجة الّتي خلص لها الباحث من ذلك وهي رأيه القائل: «هكذا تجعلنا المقارنات السّابقة نُدرك أنّ التّفاسير الفيزيائيّة هي أشبه بتأويلاتِ النّص المختلفة، فكلّ تفسير هو تأويل يقابله آخر، ويُمكن تفسير أيّ شيء بتأويلاتٍ مُختلفة»، وهي نتيجة غاية في الرّوعة الّتي توصّل إليها بعد استعراضه لسلسلة من الشّروحات والتّفصيلات العلميّة الّتي تقود بلا ريب إليها. منها على سبيل المثال: التّأويلات المتعدّدة حول طبيعة الشّيء أو الجُسيم وموضعه وَفْقًا لنظريّة الكوانتم، إذ فيها ينبغي أن نتقبّل أن هناك عالمًا للامكان أو الاحتمال يكون فيه الشّيء قابلًا لاتّخاذ موضوع هنا وهناك من دون تحديد. ثمّ تطوّرت الفكرة لتُقلب إلى الإمكان إلى الوجود، فأصبح بدلًا من أن نتحدّث عن الشّيء بأنّه يُمكن أن يكون هنا أو هناك من غير تحديد، تحدّثنا عنه بأنّه موجود هنا وهناك، فهي مرحلة يُصنّفها الباحث على أنّها تطوير للتّأويل من الإمكان إلى الوجود. ثمّ هذه المرحلة من التّأويل تطوّرت أكثر، فبدلًا من قول إنّ الشيء موجود هنا وهناك، أصبح الحديث يتطوّر إلى قول إنّ للشيء نسخة مُضادة وَفق عدد الإمكانات، فنسخة هنا، ونسخة مُضادة هناك؛ وهو ما دفع للقول بإمكانيّة وجود نسخ بلا نهاية ولا حدود. هكذا تترى التّأويلاتُ للواقع الموضوعي الّذي لا نلمس فيه ضمن مستوياته الكبيرة مثل هذه الظّواهر الغرائبيّة.

حقيقةً؛ إنّ التّضامر يضع فرضيّة التّأويل للنّصّين العلمي والدّيني كشرطٍ أساسي ضمن الاحتمالات الممكنة في أيّ علاقةٍ يتناولها. وبيان ذلك كالآتي:

إذا كان (أ) يضمر (لا أ) بدلالةٍ محدّدة وهي المتغيرّ (د).

حيثُ إنّ (أ) هي فكرة، قضيّة، نظريّة، حدثُ، كيان ... إلخ. (لا أ ) لا مثيل أ.

فإنّ الاحتمالاتِ الممكنة لـ (لا أ) ينبغي أن تكون:

(1) (نقيض أ): أي مُضادها وفي هذا الاحتمال تضمر جدل هيغل.

(2) (ليس أ): أي نفيها وفي هذا الاحتمال تضمر جدل النّفي الديالكتيكي.

(3) (حياد أ): وهو ما لا هو (أ) ولا هو (نقيض أ). وفي هذا الاحتمال تضمر التّعميم النيوتروسوفي.

(4) (أ لا أ): وهو الإثبات النسبانوي لكلٍّ من الاحتمالات المذكورة سلفًا، مضافًا لها (أ).

(5) (تأويلانوية أ): أيّ القراءات المتعدّدة لكلِّ من الاحتمالاتِ المذكورة سلفًا، وفي المستويين العلمي والدّيني.

(6) (+ 1): الاحتمال الآخر الّذي من الممكن أن يكتشف من أيّ كان في أيّ وقتٍ ممكن.  

خلاصةُ هذه المنظومة، أنّ النّتيجة الّتي استخلصها الأستاذ يحيى في بحثهِ حول إمكانيّة تأويل العلم كتأويل الفهم، هي نتيجة لها ما يدعهما في التّضامر. وإن كان الأستاذ يحيى قد اقترح إمكانيّة إخضاع النظم الفيزيائيّة لآليات القراءة كما تمارس في الفهم وَفقًا لعلم الطّريقة الّذي ابتكره، فإنّني بعد تأييد ذلك، أقترحُ إمكانيّة استثمار ذلك الإخضاع في القراءاتِ التّضامرية، لتكامليّة الأمرين كما أرى.

 

ثالثًا: المحور الأساسي في هذه الدّراسة هو المقارنة اللّافتة الّتي استخلصها الباحث بين العلم والفهم، وقبل الحديث عنه يجدرُ توضيح مراد الباحث بكلّ من لفظتي: العلم والفهم. فأمّا (العلم) فعنده يُطلق على ما هو موضوع خارج الذّهن أو الذّات وهو الطّبيعة أو الفيزيقا، وفي المقابل فإنّ (الفهم) يُطلق أيضًا على موضوع خارج الذّهن أو الذّات وهو النّص، فيقال: علم الطبيعة وفهم النّص. ثمّ إنّه كلّ من العلم والفهم يمتنع التعرّف إليه من غير الذّات البشريّة وقبليّاتها واعتباراتها، سواء أدى ذلك إلى الابتعاد عن معرفة كنه الشّيء أم الاقتراب منه، كما يقول.

في الحقيقة تنطلقُ القراءة التضامريّة من أصل أساسي وهو الّذي نصطلح عليه اسم (اللاتماثل)، فإن أمسكنا به، أمكن استخدام أدوات التّضامر وقوانينه في الفهم والاستنتاج. واللاتماثل مفهوم يتضمّن التّشابه واللاتشابه بين أمرين مشتركين في نقطةٍ مُعيّنة -أو كما- نُسمّيها (دلالة مُحدّدة). فأمّا الدّلالة المحدّدة فقد بيّنها الأستاذ يحيى في أنّ مناط العلم والفهم هو العقل، بمعنى: أنّ الأصل في الانطلاق لمعرفة الطّبيعة أو النّص الدّيني هو العقل. وأمّا التّشابه واللاتشابه، فقد أفاض الأستاذ يحيى في بيانها باتقان محكم. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

1) التّقابل بين إنقاذ الظّواهر في العلم وإنقاذ المظاهر النّصية، وكلاهما تأويل، فالأوّل يخصّ الواقع الموضوعي، والثّاني تأويل يخصّ النّص الدّيني، كالّذي تُمارسه الفلسفة والمتكلّمون دفاعًا عن مسلماتهم العقليّة، فإذا كان النّصّ هو من يُحدّد طبيعة المجال الّذي يتضمّنه عبر فعل القراءة، فإنّ الكون هو من يُحدّد طبيعة المجال الّذي يتضمّنه عبر الملاحظة والتّجربة والاختبار.

2) التّقابل بين النّظام العلمي الإجرائي وبين المنهج البياني للفهم الدّيني، والتّقابل –أيضًا- بين النّظام العلمي الافتراضي والمنهج العقلي في الفهم، بدلالة التّشابه من وجوه.

3) التّقابل بين آليات القراءة الثّلاثة: الاستظهار والتّأويل والاستبطان بين العلم والفهم، فالاستظهار يُمكن أن يطبّق على (البيان/ الإجرائي) والتّأويل على (العقلي/ الافتراضي) والاستبطان يطلق على (العرفاني/ التخميني).

4) يتّصف الفهم بالثّبات والدّوران على نفسهِ، فما يظهر من فهم جديد ليس بإمكانه إلغاء القديم، وغالبًا لا يُعتدّ بالمعاصر قدر الاعتداد بالقديم، والاستقطاب المتعارض يركّز الثّبات والدّوران كالّذي بين المذهبَين السّنة والشّيعة، وعامل القوّة في الفهم أنّ القديم يعتمدُ كدلالةٍ على الأصالةِ والقوّةِ المقرّبة للحقيقة، على حين يجري العكس – نسبيًّا- لدى العلم الطّبيعي؛ فلو أنّنا استثنينا النّظام الثّالث الميتافيزيائي لقلنا إنّ كلّ ما هو جديد في العلم يُصبح موردًا للاعتماد مقارنة بالقديم، فالعلم لا يدور بل يتقدّم خطيًّا. والعلّة في الحركة الخطيّة للعلم -كما يرى الباحث- عائدة إلى تمجيد الأحياء والاهتمام بهم دون الموتى، والعكس صحيح لدى الفهم. العلّة الأخرى، أنّ العلم يتعلّق بالمدنس الخاضع للاختبار، على حين ينتمي الفهم إلى المقدّس الّذي يتّسم بالثّبات وعدم الخضوع للفحص أو النّقد أو الاختبار. فميزة النّظم الدّورانيّة هي: البقاء ثابتة لا تتبدّل عبر الزّمن، خلافًا للنّظم الخطيّة المتقدّمة؛ إذ أنّها تُزيح بعضها بعضًا للتقدّم.

5) ينزع العلم إلى البرجماتيّة، بينما ينزع الفهم إلى التماثلية.

6) العلم والفهم كلاهما لديه من القضايا ما يسكت عنها.

7) يتقبّل العلم النّظريات المتناقضة معًا، على حين لا يتقبّل الفهم ذلك.

8) مثلما يجري في العلم من السّعي إلى توحيد الظّواهر الكونيّة المختلفة ضمن تفسيرٍ يسيرٍ موحّد بالمعنى الشّمولي، فكذا هو الحال في الفهم الدّيني، إذ يتقبّل توحيد المظاهر اللّفظيّة ضمن تفسيرٍ يسيرٍ موّحد وَفْقًا لذات المعنى المشار إليه، مثل عصمة الأنبياء الّتي وردت نصوص كثيرة في القرآن تُبدي أنّ الأنبياء لم يكونوا معصومين في سلوكهم وعلمهم ومواقفهم.

9) السّببيّة في العلم والقصديّة في الفهم.

10)                   يعتمدُ العلمُ على الشّواهد كحقائق مسلّم بها وثابتة، على حين لا يعتمدُ الفهم على الحقائق فقط، بل غالبًا ما يُضيف إلى ذلك الشّواهد غير الثّابتة، كأن يعتمدُ على رواية لم تثبت صحّتها.

11)                    التّكافؤ معتمد عليه في العلم، بينما في الفهم لا يعتمد عليه دائمًا.

12)                   النّظام النّسقي مقبول أحيانًا في العلم، بينما هو غير كافٍ للقَبول في الفهم.

هناك كثيرٌ من نقاط التّقابل، وفي مُقَابلةٍ أجريت بهذا الشّأن، تبيّن أنّ كلًّا من العلم والفهم يتقاربان ولا يتقاربان، يتشابهان ولا يتشابهان، يتخالفان ولا يتخالفان، يتعاكسان ولا يتعاكسان ... إلخ، والوصف الشّامل لمثل هذه التّقابل -كما ذكرنا- هو اللاتماثل. وإن كانا لا متماثلين وبينهما دلالات مُحدّدة؛ فإنّ العلاقة بينهما هي علاقة تضامر؛ لأنّه وبحسب التّضامر: أي لا متماثلين بينهما دلالة مُحدّدة هما مُتضامران. وإن كانا متضامرين فإنّ قوانين التضامر الثّلاثة يُمكن أن تستخدم للاستفادة من اكتشاف مجهول أحدهما من معلوم الآخر وكما في المثال الآتي:

لنأخذ قضيّة النّظريّات المتناقضة، فقد ذكر الأستاذ يحيى أنّ العلم يتقبّل وجود نظريّتين مُتناقضتين ما دام لا سبيل إلى توحيدهما أو استبدالهما. أمّا في الفهم فعند التّعارض الثّابت أو المؤكد ينقسم العلماء والباحثون حولهما، بحيث لا نجد شخصًا يعول على نظريّتين وهو يعلم بأنّهما متعارضتان تمامًا، ومثل هذا المضمون يُصاغ وَفق ما نسمّيه (التضامر اللاذاتي)، وعلاقته تكتب بالصّيغة:

العلم ı|ı الفهم ← النّظريّات المتناقضة

وتقرأ: العلم يتضامر تضامرًا لا ذاتيًّا عكوسًا مع الفهم بدلالة النّظريّات المتناقضة.

وحين نقرأ هذه العلاقة في ضوء قانون التّضامر الأوّل مثلًا، نستنتجُ ما يأتي:

1) بما أنّ العلم لا يتقبّل من حيث المبدأ النّظريّات المتناقضة لأنّه يسعى حثيثًا لإيجاد نظريّة شاملة أو بديلة يرتفع فيها التّناقض، فهذا يضمر الدّلالة على أنّ الفهم لا يرتكزُ على التعدّد المتمايز في النّظريات كما هو شائع، بل إنّ الفهم في ذاته يتضمّن خاصيّة البحث عن النّظرية الشّاملة الّتي يرتفع فيها التّناقض بين السّنة والشّيعة في قضيّة عصمة الإمام وعدالة الصّحابي على سبيل المثال.

2) لو افترضنا أنّ الفهم قطع وبيقين أنّه لا مجال لوجود نظريّة مُوحّدة حول نظرياته المتناقضة ولا بأيّ حال من الأحوال، فهذا يُضمر الدّلالة على أنّ العلم لن يصلَ إلى نظريّته الموحّدة الّتي يبحثُ عنها، وسيبقى التّناقض حاضرًا بطريقةٍ أو بأخرى، وكلّما اكتشف حلًّا ظهرَ النّقيض مقابله.

من جانبٍ آخر: بما أنّ العلم يتقبّل من حيث الأمر الواقع التّعامل مع النّظريّات المتناقضة، فإنّ هذا يُضمر الدّلالة على أنّ الفهم سيُحاول الحذو حذو العلم مستقبلًا في هذا -إن لم تكن هناك مُحاولات بهذا الصّدد أصلًا- بل وإنّنا نحثّ على ذلك، شريطة أن تُؤخذ نقطة مُهمّة في الاعتبار وهي: أنّ العلم حين يتعامل مع النّظريّات المتناقضة لا يفرض واحدة منهما على الأخرى، فهو يقصر –مثلًا- نسبيّة أينشتاين في الأحجام الكبيرة، على حين يفرض في المستوى الجسيمي نظريّة الكوانتم؛ ما يعني أنّه يأخذ بالمبدأ النسبانوي وإن كان يطمح إلى التّوحيد. وبالمثل، فإنّ تقبل الفهم للنّظريّات المتناقضة ينبغي أن يكون على أساس مُناظر لذلك، بأن يتقبّل فرض أيّ نظريّة ضمن حيز نسبانوي من الأدلّة دون الجزم أو القطع ببطلان المناقض. بعبارة أصرح: يُمكن القول إنّ عصمة الإمام صحيحة نسباونيًّا وكذلك عدالة الصّحابي، ونسبانويّة كلّ منهما منسوبة لأدلّة كلّ منهما، وما يضاف في هذا المضمون هو التّنازل عن افتراض خطأ المقابل. أي أنّ قَبول النسبانويّة يعني تقبّل اللانكار للآخر.

هكذا نستمرّ، في القراءة واستنباط الاحتمال المقابل، لمعرفة مجهول أحدهما من معلوم الآخر، وفي الحقيقة فإنّ الأستاذ يحيى مهّد الطّريق في بحثه هذا لدراسة تضامريّة مستفيضة ومُعمّقة على قدر كبيرٍ من الأهميّة، وربّما إن سنحت لي الفرصة فسوف أخوض غمار هذا البحث.

* * *

تضمّنت دراسة الأستاذ يحيى تفصيلاتٍ كثيرةٍ، منها: إنتاج آراء ومُصطلحات وتحليلاتٍ ومُقارناتٍ غاية في الأناقة والسّلاسة والمقبوليّة العلميّة، والخلاصة هذا الكتاب من نوع الكتب الّذي لا يكون فيها الكاتب مُجرّد ناقل ومرجّح بين الآراء؛ بل من النّوع الّذي نلمسُ فيه الشّغف للإنتاج المعرفي.

لعلّي في هذه القراءة التّضامرية الموجزة أكون قد سلّطتُ ولو شيئًا من الضّوء على منظورينا الفكريين أنا والأستاذ يحيى ضمن هذا الموضوع المُهم، آملًا أن يكون لي وقفة أكثر توسّعًا في المستقبل مع هذه الأطروحة القيّمة.

 

عن موقع الدكتور نضال البغدادي:

http://www.dr-nidhal.com/writings_parts.php?id_p=23

www.dr-nidhal.com

 

comments powered by Disqus