-
ع
+

الالوهة وفق النظر العرفاني

يحيى محمد

لا تختلف طبيعة تنزيل المراتب الوجودية عند العرفاء عما لدى الفلاسفة، والاختلاف بينهما كما يصوره الاملي هو ان الفلاسفة يجعلون تأثير الحق على ما دونه عبر الوسائط، في حين ان العرفاء يوحدون الفعل الالهي، وانه لا فاعل والا مؤثر عندهم غير الحق تعالى، وان كلمات من امثال ظهر وخلق وصدر هي الفاظ متغايرة بمعنى واحد.1

ويصور العرفاء طريقتهم بتناظرات للعلاقة بين الحق وتنزلات الوجود من جهة، وبين الواحد والعدد من جهة ثانية. فكما ان من تكرار الواحد ينشأ العدد ويتزايد بلا نهاية، فكذا ان من جود الحق وفيضه نشأت الخلائق وتزايدت من غير نهاية. كذلك فكما ان الاثنين هو اول عدد ينشأ من تكرار الواحد، فكذا ان العقل الاول هو اول موجود فاض عن الحق. وكما ان الثلاثة ترتبت بعد الاثنين، فكذا ان النفس ترتبت بعد العقل الاول. وكما ان الاربعة ترتبت بعد الثلاثة، فكذا ان الطبيعة ترتبت بعد النفس. ومعلوم ما يأتي بعد الاربعة من اعداد، فانه ما يأتي من وجودات بعد الطبيعة هي بحسب التسلسل عبارة عن الهيولى ثم الجسم فالفلك فالاركان فالمولدات. وكما ان التسعة هي اخر مراتب الاعداد، فكذلك المولدات هي اخر مراتب الموجودات الكلية، وهي المعادن والنبات والحيوان. فالمعادن كالعشرات، والنبات كالمئات، والحيوان كالالوف، والمزاج كالواحد.2

وواقع الحال ان المناظرة بين الواحد والعدد من جهة، وبين الحق والتنزيل او الخلق من جهة ثانية، مناسب في التعرف على طريقة العرفاء في فهمهم لحالة التنزيل الخاصة بالخلق، فهي تبدي شكلاً من الظهور والبطون. فالظهور لا يكون الا للعدد، والواحد باطن فيه، وانه لولا الواحد ما ظهر العدد ولا كان بالامكان ايجاده، والعكس ليس صحيحاً، حيث ان الواحد لا يتوقف على العدد. وكذا الحال فيما يتعلق بالعلاقة بين الحق والخلق، اذ ما ظهر لدى افهام الناس هو الخلق، وان باطنه هو الحق، وانه لولا الحق ما ظهر الخلق. فالحق اساس الخلق، والعكس ليس صحيحاً.

فهذا هو التنزيل والايجاد بحسب الظهور والبطون. وهو تنزيل يعبر عن سريان الوجود الحق في الخلق، او سريان الوجود المنبسط العام في جميع الموجودات العلوية والسفلية. فابن عربي يصور الطبيعة والكون في صيرورة غير متناهية، من حيث اظهار النفس او تنفس العالم، وبذلك يدوم السريان ويتم حفظ الكون عنده. وكما يقول: ‹‹بالنفس كان العالم كله متنفساً، والنفس اظهره، وهو للحق باطن وللخلق ظاهر، فباطن الحق ظاهر الخلق، وباطن الخلق ظاهر الحق، وبالمجموع تحقق الكون، وبترك المجموع قيل حق وخلق، فالحق للوجود المحض، والخلق للامكان المحض، فما ينعدم من العالم ويذهب من صورته فمما يلي جانب العدم، وما يبقى منه ولا يصح فيه عدم فمما يلي جانب الوجود ولا يزال الامران حاكمين على العالم دائماً، فالخلق جديد في كل نفس دنيا واخرة، فنفس الرحمن لا يزال متوجهاً، والطبيعة لا تزال تتكون صوراً لهذا النفس حتى لا يتعطل الامر الالهي، اذ لا يصح التعطيل، فصور تحدث وصور تظهر بحسب الاستعدادات لقبول النفس، وهذا ابين ما يكون في ابداع العالم››.3

ويعبّر هذا التنزيل عن تنزلات الحق وتقيده بالقيود، فاذا تقيد بقيد سمي به، حيث يسمى في اول تنزله بالعقل، ثم بالنفس، ثم بالفلك فالاجرام فالطبائع فالمواليد وهكذا. مع ان الحقيقة هي ان هذه الاشياء ليست عقلاً ونفساً وفلكاً وما اليه، وانما هي اسماء دالة على الحق، ومن حيث التحقيق فان الحق ليس له اسم ولا رسم، بل الحق والوجود هما من الاسماء الدالة عليه بحسب الاصطلاح لا غير، وانه لا وجود لغيره في الوجود4، حيث وجود الخلق اضافي اعتباري ليس له عين في الخارج، فالحق اذا ظهر بوجوده لم يبق للخلق وجود. فمثل النسبة بينهما كالنسبة بين الشمس والظل الذي ليس له الا الاسم والاعتبار، وهما امران عدميان ليس لهما وجود في الخارج5. ويمكن اعتبار الخلق عند العرفاء ما هو الا احتجاب الحق في الخلق، حيث ظهر الخلق وبطن الحق6. وكما يقول القيصري ان ايجاد الحق للاشياء جعله يظهرها ويختفي فيها7. لكن ذلك عند عموم الناس من غير اولي الكشف، أما لدى العرفاء فالامر معكوس، وكما يقول ابن عربي: ‹‹ان العالم غيب لم يظهر قط، والحق تعالى هو الظاهر ما غاب قط، والناس في هذه المسألة على عكس الصواب، فيقولون العالم ظاهر والحق تعالى غيب، فهم بهذا الاعتبار في مقتضى هذا التنزل كلهم عبيد السوى››8. فالعلاقة بين الحق والعالم هي ذاتها العلاقة بين الوجود والماهية او الاعيان الثابتة التي توصف بانها ما شمت رائحة الوجود قط، او انها غيب محض. وكذا بحسب صدر المتألهين فان احتجاب الحق في الخلق انما هو بالنسبة لذوي العقول الضعيفة في هذه الدنيا، اما بحسب النشأة الاخرى وبحسب العقول النيرة المقدسة فان الحق هو المشهود الجلي، وان الخلق هو المستور الخفي9. وكما يقول العرفاء ان الحق قد ‹‹حجب الذات بالصفات، والصفات بالافعال، والافعال بالاكوان››10، وان ما نتوهمه من الكثرة الوجودية هي ذات الاعيان الثابتة التي البسها الحق الوجود، وحقيقة الامر هي ان في كثرتها الموهومة واحداً كما يشهده كل عارف، حيث الوجودات الكثيرة هي كشخص واحد له احوال مختلفة11. وكما يقول العارف الاملي: ثبت من حيث العقل والنقل والكشف انه ليس في الوجود الا الله. او كما يقول العرفاء: لا يعرف الله الا الله، ولا يرى الله الا الله، ولا يدل على الله الا الله، ولا يحب الله الا الله.12

لكن التنزيل يتخذ صورة ثانية لدى العرفاء عبر علاقة الاسماء بلوازمها وتوابعها، فتارة تكون اللوازم مجرد صور علمية تلك التي يطلق عليها الاعيان الثابتة، واخرى احكام هذه الصور ووجوداتها الخارجية، فمثلما ان تلك الصور تعد لوازم الاسماء وعلى شاكلتها، فان ظهوراتها الخارجية هي ايضاً تعبر عن لوازمها وتوابعها التي لا بد ان تتجلى وتظهر بحسب تعيناتها الخاصة. وهو امر يطابق ما لدى الرؤية الفلسفية في علاقة العلة بالمعلول، حيث اتباع المعلول لعلته من غيرمفارقة، وان للمعلول صورة في العلة يكون فيها على نفس الشاكلة. او يمكن القول ان العالم عند العرفاء منوط بكل من الاسماء الالهية ولوازمها من الاعيان الثابتة. فطالما ان للاسماء هذه اللوازم التي تمثل العلوم التفصيلية الالهية فانه لا بد ان يكون لها الاثر من الوجود، وذلك شبيه بما عرفناه لدى الفلاسفة عندما عدوا العلم الالهي هو سبب التنزيل والايجاد.

وهناك تصوير بديع للكيفية التي تتم فيها هذه العملية من الايجاد كما يقدمها ابن عربي. اذ تتخذ عملية الخلق والتكوين لديه شكل العلاقة بين الاسماء الالهية فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين الذات الالهية من جهة ثانية، وذلك بطلب من الاسماء في ان يكون لها شيء من التأثير بظهور احكامها، فلو لم ينشأ العالم لما ظهر شيء من احكامها ولا اثارها، ولا تميز بعضها عن البعض الاخر.

ويبدأ تصوير ابن عربي لعملية الايجاد، حيث يشير الى ان الاسماء الالهية ارادت ان تظهر اثارها عبر خلق العالم فاجتمعت بحضرة المسمى ـ اي الذات الالهية ـ ونظرت في حقائقها ومعانيها فطلبت ظهور احكامها حتى تتميز اعيانها باثارها، فاسم الخالق واسم العالم وكذا المدبر والمفصل والباري والمصور والرزاق والمحيي وغيرها من الاسماء كلها لم يكن لها من الآثار ما يميزها قبل خلق العالم وتكوينه، فقد نظرت هذه الاسماء في ذواتها ولم ترَ مخلوقاً ولا مدبراً ولا مفصلاً مصوراً ولا مرزوقاً، لذلك فقد قالت الاسماء: كيف العمل حتى تظهر هذه الاعيان التي تظهر احكامنا فيها فيظهر سلطاننا؟ وكل ذلك جاء نتيجة اقتناعها بما سمعته من الاعيان الثابتة في طلبها الظهور والوجود، فقد سألت هذه الاعيان ـ وهي في حال عدمها ـ الاسماء الالهية سؤال حال ذلة وافتقار، وقالت لها: ان العدم قد اعمانا عن ادراك بعضنا بعضاً وعن معرفة ما يجب لكم من الحق علينا، فلو انكم اظهرتم اعياننا وكسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الاجلال والتعظيم، وكانت سلطتكم ايضاً تصح لكم في ظهورنا بالفعل، واليوم انتم علينا سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم هو في حقكم اكثر منه في حقنا. فقالت الاسماء ان هذا الذي تذكره الاعيان هو الصحيح، فتحركوا جميعاً بطلبه13.

على ان ربط عملية التنزيل بالاسماء الالهية هي وإن كانت تتماثل مع ما عليه الطريقة الفلسفية في ربط التنزيل بالعلاقة العلية، الا انه بحسب الرؤية العرفانية ليس هناك تأثير مثل الذي لاحظناه في تلك العلاقة (الفلسفية). فالعرفاء لا يعترفون بها، ولا يعدون المبدأ الاول علة لما هو دونه من الموجودات. فالمبدأ الاول عندهم غني عن العلة والعلية، ولو انه ارتبط بهذه الرابطة لكان مفتقراً اليها على نحو الايجاب لا الاختيار، انما كان في الازل ولا شيء معه، واوجد العالم لا من شيء، وهو الان كما كان ولا شيء، حيث ان العالم من حيث ذاته باق في عدميته لم يشم رائحة الوجود قط14، فما هو الا تلك الاعيان الثابتة التي هي من حيث ذاتها عدمية لم تظهر ولن تظهر ابداً. وان الحق على ذلك كان الدليل على نفسه وعلى الوهيته، وان العالم ليس الا تجليه في صور الاعيان الثابتة، حيث يتنوع ويتصور بحسب حقائق هذه الاعيان واحوالها. ومعنى كونه الهاً ورباً وخالقاً هو انه يظهر في الشيء، فظهوره فينا دليل على انه رب اله خالق لنا، فالموجود ليس سوى الحق الذي يتنوع ظهوره بحسب خصوصية المظهر، ومنه يعلم ان العالم تجل منه، حيث انه الظاهر في العالم بحسب حقيقة وخصوصية الاخير من القبول. فمن حيث ظهوره في العالم المحدث كان دليلاً على نفسه انه احدثه واوجده15. فهو الاله والرب والخالق بهذا المعنى المذكور لا غير.

ولدى ابن عربي ان لكل شيء روحاً او ملكاً او اسماً من اسماء الله هي التي تقوم بفعل التأثير دون ان يكون للعامل الطبيعي دور يذكر. فهو يشير بان الله تعالى ‹‹لا يسوي صورة محسوسة في الوجود على يد من كان من انسان او ريح اذا هبت فتحدث اشكالاً في كل ما تؤثر فيه، حتى الحية والدودة تمشي في الرمل فيظهر طريق، فذلك الطريق صورة احدثها الله بمشي هذه الدودة او غيرها، فينفخ الله فيها روحاً من امره لا يزال يسبحه ذلك الشكل بصورته وروحه الى ان يزول فتنتقل روحه الى البرزخ، كما في قوله تعالى: {كل من عليها فان} الرحمن/ 6 2. وكذلك الاشكال الهوائية والمائية لولا ان ارواحها ما ظهر منها في انفرادها ولا في تركيبها اثر، وكل من احدث صورة وانعدمت وزالت وانتقل روحها الى البرزخ فان روحها الذي هو ذلك الملك يسبح الله ويحمده، ويعود ذلك الفضل على من اوجد تلك الصورة التي كان هذا الملك روحها››.16

وهو يطبق هذه الروح حتى على اخراج الحروف وهيئتها نطقاً وكتابة، بل وانه يقيم علاقة بين كل من الحروف والانسان والاسماء الالهية والملائكة. فلكل اسم من اسماء الله الحسنى المختصة بالانسان ‹‹روحانية ملك تحفظه وتقوم به، وتحفظها لها صور في النفس الانساني تسمى حروفاً››. وتسمى هذه الملائكة الروحانيات في عالم الارواح باسماء هذه الحروف17. فالملائكة ارواح هذه الحروف، وهذه الحروف اجساد تلك الملائكة لفظاً وخطاً. حيث بهذه الارواح تعمل الحروف لا بذواتها، اعني صورها المحسوسة للسمع والبصر، المتصورة في الخيال، فلا يتخيل ان الحروف تعمل بصورها وانما بارواحها، ولكل حرف تسبيح وتمجيد وتهليل وتكبير وتحميد لتعظيم خالقه، وان مظهره وروحانيته لا تفارقه. وبهذه الاسماء يسمون هؤلاء الملائكة في السماوات. ويؤكد ابن عربي ان ما من هؤلاء ملك الا وقد افاده18.

مع هذا يمكن القول انه لا توجد فوارق جوهرية بين العرفاء والفلاسفة حول مفاهيمهم الخاصة بالتنزيل، فالمآل عندهما واحد من حيث مراتب التنزيل واعتباراته الازلية التي لا تنتهي ابداً، لعدم انتهاء صفات الحق واسمائه. بل ان الالوهة لدى العرفاء لها من الشمول ما هو اعظم مما لدى الفلاسفة. فمن حيث كون الحق عبارة عن جميع الاشياء، فان هذه الالوهة تصبح شاملة بجميع تلك الصور، ومنه يعلم صحة عبادة اية صورة من صور العالم باعتبارها تمثل احدى تعينات الالوهة. الامر الذي جعل ابن عربي يعد فرعون صادقاً في قوله: {أنا ربكم الاعلى} النازعات/ 24.

 

 

 

1 جامعالاسرار،ص146-147.
2 جامعالاسرار،ص193-194.
3 الفتوحاتالمكية،مصدرسابق،ج2،ص420.
4 جامعالاسرار،ص207-208.
5 جامعالاسرار،ص175-176.
6 ابن عربي: تفسير القرآن الكريم، تحقيق وتقديم مصطفى غالب، انتشارات ناصر خسرو، طهران، الطبعة الثانية، 1978م، ج2، ص273.
7 مطلعخصوصالكلم،ج1،ص181.
8 جامع الاسرار، ص163. كذلك: نقد النقود، ص668.
9 تفسيرصدرالمتألهين،طبعةدارالتعارف،ج6،ص118.
10 جامعالاسرار،ص162.
11 الفتوحاتالمكية،مصدرسابق،ج1،ص217.
12 نقدالنقود،مصدرسابق،ص702-703.
13 يتابع ابن عربي تصوير كيفية ظهور الاعيان الى مسرح الوجود فيذكر بان الاسماء قد اقتنعت بطلب وسؤال الاعيان، فلجأت اول الامر الى الاسم الباري فقالت له: عسى انك توجد هذه الاعيان لتظهر احكامنا ويثبت سلطاننا، حيث الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا. فقال الباري: ذلك يرجع الى الاسم القادر، فاني تحت حيطته. فلجأوا الى الاسم القادر وقالوا له مثل السابق فاجاب بقوله: أنا تحت حيطة المريد فلا اوجد عيناً الا باختصاصه، ولا يمكنني الممكن من نفسه الا ان يأتيه امر الآمر من ربه، فاذا امره بالتكوين وقال له كن مكنني من نفسه وتعلّقتُ بايجاده فكونته من حينه، فالجؤوا الى الاسم المريد عسى انه يرجّح ويخصص جانب الوجود على جانب العدم، فحينئذ نجتمع أنا والآمر والمتكلم ونوجدكم ـ اي الاعيان ـ، فلجأوا الى الاسم المريد وقالت الاعيان له: سألنا الاسم القادر في ايجاد اعياننا فاوقف أمر ذلك عليك فما ترسم؟ فقال المريد: صدق القادر ولكن ما عندي خبر ما حكم الاسم العالم فيكم هل سبق علمه بايجادكم فنخصص او لم يسبق، فأنا تحت حيطة الاسم العالم فسيروا اليه واذكروا له قضيتكم. فساروا الى الاسم العالم فقال لهم: صدق المريد وقد سبق علمي بايجادكم، ولكن الادب اولى فان لنا حضرة مهيمنة علينا هي الاسم الله فلا بد من حضورنا عندها فانها حضرة الجمع. فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله فقال: أنا اسم جامع لحقائقكم واني دليل على مسمى هو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه فقفوا حتى ادخل على مدلولي، ولما دخل قال له المسمى: اخرج وقل لكل واحد من الاسماء ما يتعلق بما تقتضيه حقيقته في الممكنات، فاني الواحد لنفسي من حيث نفسي والممكنات انما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والاسماء الالهية كلها للمرتبة لا لي الا الواحد خاصة فهو الاسم الله، ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممكنات والاسماء، فذكر للاسماء ما ذكره المسمى فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر فظهر الممكن الاول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم. ولما ظهرت الاعيان والاثار في الاكوان وتسلط بعضها على بعض وقهر بعضها بعضاً بحسب ما تستند اليه من الاسماء ادى ذلك الى منازعة وخصام، فقالت الممكنات: إنا نخاف علينا ان يفسد نظامنا ونلحق بالعدم الذي كنا فيه، فنبهت الممكنات الاسماء بما القى اليها الاسم العليم والمدبر فقالت: انتم ايها الاسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم، وحد مرسوم، بامام ترجعون اليه يحفظ علينا وجودنا ونحفظ عليكم تأثيراتكم فينا لكان اصلح لنا ولكم، فالجؤوا الى الله عسى ان يقدم من يحد لكم حداً تقفون عنده، والا هلكنا وتعطلتم، فقالوا: هذا عين المصلحة والرأي، ففعلوا ذلك وقالوا: ان الاسم المدبر هو ينهي امركم فانهوا الى المدبر الامر، فقال: أنا لها فدخل وخرج بأمر الحق الى الاسم الرب وقال له: افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء اعيان هذه الممكنات، فاتخذ وزيرين يعينانه على ما أمر به؛ الوزير الواحد الاسم المدبر، والوزير الاخر المفصل الذي هو الامام، وقد قال تعالى: {يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} الرعد/ 2، فبذلك حد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لاصلاح المملكة والرعية، فكان ذلك على ابلغه مما جاء به الانبياء من الوحي (الفتوحات، مصدر سابق، ج1، ص402ـ403. ولاحظ هذا النص ايضاً في: تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج3، ص413- 416).
14 كشفالغايات،ص383-384.
15 شرح الفصوص،ص350.
16 الفتوحات المكية،مصدرسابق،ج2،ص439-440.
17 يذكر ابن عربي هذه الحروف بحسب ترتيب مخارجها حتى تعرف مراتبها، فاولها ملك الهاء ثم الهمزة، وملك العين المهملة، وملك الحاء المهملة، وملك العين المعجمة، وملك الخاء المعجمة، وملك القاف، وملك الكاف، وملك الجيم، وملك الشين المعجمة.. وهكذا حتى ينتهي بملك الواو (الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج2، ص439).
18 الفتوحاتالمكية،مصدرسابق،ج2،ص439.

 

 

comments powered by Disqus