يحيى محمد
تتحدد وظيفة الآلية الاستبطانية بالتخلي عن مجال النص وابداله بمجال آخر جديد مختلف، مما يلزم عنه عدم الحفاظ على الظاهر. وتتخذ الممارسة الوجودية وفق هذه الآلية أنماطاً مختلفة من القراءات، فتارة تجعل من الألفاظ الدينية ما تناظر بها قضايا الوجود والإدراك، وثانية تجعل منها رموزاً وتلويحات باطنية دالة على المفاهيم الوجودية لأدنى مناسبة، بلا ضابط ولا ميزان، لا سيما تلك التي لها علاقة بالإدراك؛ كالعقل والنفس ومراتبهما وصورهما العلمية. فالوجود عبارة عن مراتب مختلفة من الإدراك والصور، وبالتالي لِمَ لا يكون النص الديني هو أيضاً خاضعاً ومعبراً عن هذه المراتب تبعاً لمنطق السنخية؟!
ورغم أنه يمكن إدراج أنماط القراءة التابعة لهذه الآلية ضمن صنف واحد من الاستبطان، هو الاستبطان الإشاري والرمزي، إلا أن ذلك لا يمنع من تمييز أربعة أنواع رئيسة من التطبيق الذي يمارَس في ظل هذه الآلية:
أحدها خاص بالرمزية الدينية للمفاهيم والألفاظ الغيبية والوجودية العامة، كالنور والعرش والكرسي واللوح والقلم وما إلى ذلك.
وثانيها يتعلق بالألفاظ والاصطلاحات الدينية المفهومة ولو اجمالاً، مثل القرآن والفرقان.
وثالثها مناط بالألفاظ غير المفهومة تماماً، كالحروف المقطعة.
ورابعها فيختص بالقضايا المعيارية والتشريعية، إذ خضعت إلى نفس المعاملة مع قريناتها السابقة، وتمّ قراءتها باعتبارها رموزاً تشير إلى ما عليه الوجود واعتباراته القبلية.
وفي جميع الأحوال تصدق المماثلة بين الظاهر والباطن على كل من الوجود والنص الديني، ومن ذلك اعتبار الشريعة والحقيقة للنص جاءت على غرار الظاهر والباطن للوجود الخارجي، فالأول بصدد العالم التدويني، والآخر بصدد العالم التكويني.
ومن الناحية الاعتبارية يمكن تقسيم الممارسة الاستبطانية في هذه الآلية إلى عدد من التفننات كالتالي:
1ـ تفننات الاعتبارات التناظرية: إذ يعتمد هذا النمط على التناظر والتشاكل المدعى بين المعطيات الدينية والمضامين الوجودية رغم عدم وجود المناسبة الكافية لهذا الربط .
2ـ تفننات الإشارة الرمزية والتلويح الوجودي: إذ يجعل هذا النمط من النص رمزاً يلوّح ويشير إلى ما عليه القبليات الوجودية من غير مناسبة ظاهرة. ولا شك ان هذا النمط هو الأساس فيما عداه من التفننات.
3ـ تفننات تحويل الاعتبارات التشريعية إلى معانٍ وجودية: ففي هذا النمط تصبح التشريعات الفقهية الدالة على القضايا المعيارية لها معان باطنية وجودية رغم عدم وجود قرينة دالة على هذا الربط. وبذلك تتحول الحدود والفرائض والسنن إلى إشارات ترمز إلى مراتب الوجود أو تجليات الأسماء الإلهية. فهي عملية استبدال للمجال المعياري بالمجال الوجودي، حيث يتوارى المعنى التشريعي الأصلي خلف تفسير باطني يؤسس لمعنى جديد منسجم مع قبليات المنظومة الوجودية.
والحديث عن هذه التفننات سيكون كما يلي:
أ ـ المعطى الديني والتناظر الوجودي
كثيراً ما يقيم النظام الوجودي تناظرات ومشاكلات بين عالمي الوجود والدين، أو بين الصنعتين الإلهية والنبوية حسب تعبير بعض دعاة الإسماعيلية، حيث ان الله أوجد الدين على مثال ما عليه الوجود، ومنه تنشأ التماثلات والتناظرات، إذ أحدهما يماثل الآخر ويشاكله، وانه ما من شيء في أحدهما إلا وله نسخة مماثلة ومشاكلة في الآخر. أو ان أحدهما يكون تعبيراً عن الآخر ومراداً له.
ومن ذلك ما يقال عن عالم العقول المقدسة والنفوس الكلية بأنهما كتابان إلهيان. ويقال عن العقل الأول - كذلك الحقيقة المحمدية - انه أم الكتاب لإحاطته بالأشياء اجمالاً. ويقال عن النفس الكلية الفلكية بأنها الكتاب المبين لظهورها في الأشياء تفصيلاً. وعن النفس المنطبعة في الجسم الكلي بأنها كتاب المحو والإثبات. وان الإنسان الكامل هو كتاب جامع لهذه الكتب المذكورة، لأنه نسخة العالم الكبير؛ فمن حيث عقله هو كتاب عقلي يسمى بأم الكتاب، ومن حيث نفسه الناطقة يسمى بكتاب اللوح المحفوظ، ومن حيث روحه النفسانية التي في فلك دماغه يسمى بكتاب المحو والإثبات.
وقد إعتبر صدر المتألهين الكتب المذكورة بأنها أصول الكتب الإلهية، وأما فروعها فكل ما في الوجود من العقل والنفس والقوى الروحانية والجسمانية وغيرها[1].
على ذلك فإن لفظة (الكتاب) في قوله تعالى: ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾[2]، جاءت منبّهة على معنى الإنسان، وان الملك والجان جزء منه، وانموذج خرج عنه، أي انه بعض الخطاب، وان الإنسان هو كل الكتاب المعبر عنه بالكتاب الجامع لجميع الكتب الإلهية والكونية[3]، مثلما نبّه عليه قوله تعالى: ﴿ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾[4]، فالرطب يرمز إلى عالم الملائكة، واليابس يرمز إلى العالم الكوني، والكتاب هو الإنسان، فالإنسان هو مجموع هذين العالمين[5]. وان المقصود بقوله تعالى: ﴿إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً﴾[6]؛ هو الدعوة إلى معرفة كتاب الإنسان أو نفسه، فمن عرفها فقد عرف ما كان وما هو كائن ويكون، أو ان من عرفها فقد عرف ربه وعرف جميع الأشياء، باعتباره كتاباً مضاهياً للحق وفيه كل شيء[7].
وفي مشاكلة لصدر المتألهين انه إعتبر القرآن المبين نسخة شارحة لكمال الإنسان، فهي نسخة تكشف عن مقامات هذا الخليفة الرباني الظاهرة في الحقيقة الجمعية المحمدية، وان فاتحة القرآن هي نسخة النسخ القرآنية من غير اختلال ولا نقصان. وهذا ما جعله يوصي المعتني بعلم القرآن بضرورة ان يتعلم أولاً معرفة الإنسان؛ مبادئ أحواله وأسراره، وأسباب أكوانه ومقاماته، ومنازل أسفاره ودرجاته[8].
كما شابه هذا الفيلسوف بين الإنسان والقرآن، فلكل منهما سر وعلن، أو ظاهر وباطن. فللقرآن - كما ورد في الحديث - ظهر وبطن إلى سبعة أبطن؛ هي كمراتب باطن الإنسان من النفس والقلب والعقل والروح والسر والخفي والأخفى[9]. ولدى العارف الخميني انه كما يمكن ان يكون المراد من تلك البطون مراتب الإنسان؛ فكذلك يمكن ان يكون المراد منها المراتب الوجودية السبعة التي هي مقام الأحدية الغيبية، وحضرة الواحدية، ومقام المشيّة، والفيض المنبسط أو عالم العقل، وعالم النفوس الكلية، وعالم المثال المطلق، وعالم الطبيعة[10].
كما ثمة تناظر بين الوجود والقرآن، كالذي أشار إليه السيد الخميني، فالقرآن هو جميع صفحة الوجود، وما من شيء في الأول؛ إلا وموجود في الآخر، بل ان كل فرد من أفراد الوجود، بما في ذلك ما يعتبر عند أهل الظاهر من الموجودات الخسيسة، انما هو قرآن جامع له ظهر وبطن وحد ومطلع، فأي شيء هو حامل لكل شيء[11].
وهناك مشاكلات تربط بين ظواهر الأشياء المختلفة وبواطنها، كالعلاقة بين ظاهر الوجود وباطنه من جهة، وظاهر القرآن وباطنه من جهة ثانية، وكذا مع ظاهر العدد وباطنه، والحرف والكلمة، ومنها تم اشتقاق الكثير من المفاهيم. وكل ذلك يتأسس على طبقات الظاهر والباطن.
ففي الوجود مشاكلات للمراتب بين عالمي الشهادة والغيب، أو الظاهر والباطن الوجودي، ومثلها فيما هو مدوّن في النصوص الدينية كالقرآن الكريم، حيث فيه الظاهر والباطن، وكذا بين العدد والواحد الذي هو باطن كل عدد، وكذا الحال في العلاقة بين الحرف والكلمة، فكلها تتأسس وفق علاقة الظاهر والباطن. لكن بين هذه العلاقات المختلفة تشاكلات متعددة، ومنها التشاكل بين علاقات الوجود وعلاقات النصوص الدينية ومفاهيمها.
ويمكن ارجاع هذه الممارسة من الاستبطان إلى الاستبطان الرمزي والاشاري كما سنتحدث عنه بعد قليل، فالتناظر والتشاكل بين الصنعتين الإلهية والنبوية، أو الوجودية والدينية، ليس تناظراً يستقل أحدهما عن الآخر، بل بينهما رابطة التأسيس، حيث يتأسس الحرف وكذا الكلمة والآية والسورة والنص الديني على كل ما له نظير في الوجود.
وبالتالي فإن التعين الديني هو مرآة التعين الوجودي، مما يعني ان الأول لا بد ان يكون كاشفاً عن الآخر تبعاً للاستبطان الرمزي والاشاري.
ب ـ الإشارة الرمزية والتلويح الوجودي
ان أبرز ما يبرر قيام هذا النمط من الاستبطان هو اعتبار العينة الدينية جاءت كمرآة للعينة الوجودية تبعاً لمنطق السنخية، بل العكس صحيح أيضاً. لكن مع الأخذ بعين الاعتبار ان العلاقة بينهما هي علاقة تأسيس ومسانخة، حيث تتأسس العينة الدينية على الوجودية من دون عكس، الأمر الذي يجعل العلاقة بينهما تتخذ شكل المرآتين، فالنظر في إحداهما يفضي إلى رؤية الأخرى، مثلما يجري الحال في العلاقة الوجودية بين المرتبتين الإلهية والكونية، فهما يشكلان مرآتين إحداهما تعكس صورة الأخرى، وان النظر في أي منهما يفضي إلى مشاهدة الثانية.
هكذا تعبّر العينة الدينية عن العينة الوجودية، وان من الممكن التعرف على إحداهما عبر الأخرى من خلال آلية الاستبطان، وهو ما يبرر اعتبار العينة الدينية رموزاً واشارات تشير إلى ماعليه العينة الوجودية، وبالتالي كان من الممكن استبدال المفاهيم الوجودية بتعابير دينية، طالما ان كلاً منهما يشكل كتاباً للآخر. لكن يظل الأساس هو ارجاع التابع للمتبوع، أي اعتبار كل ما هو ديني هو وجودي، والكشف عن كل ما هو وجودي عبر ما هو ديني.
فهذا هو محور استخدام منهج الاشارات والتلويحات في الفهم الديني، حيث تتلبس العينة الدينية لباس الوجود. والشواهد على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى، لكنا سنقتبس جملة منها كالتالي:
مثلاً ما جاء حول آية النور: ﴿الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾[12]، حيث صرح الفلاسفة بأن الآية ترمز إلى مراتب العقول، ومُثّلت المشكاة بالعقل الهيولاني والنفس الناطقة، والمصباح بالعقل المستفاد بالفعل، كما إعتبرت الزجاجة دالة على وجود مرتبة أخرى بين العقلين الهيولاني والمستفاد، و﴿يوقد من شجرة مباركة زيتونة﴾ بأنها القوة الفكرية.. الخ[13].
وبحسب الغزالي فإن مثال المشكاة هو النفس، والزجاجة هو القوة الخيالية، والمصباح هو العقل، والشجرة الزيتونة هو العقل الفعال[14].
ووفقاً لصدر المتألهين فإن الزجاجة هي النبي محمد (ص)، وكذا ان المصباح هو الحقيقة المحمدية أو العقل الأول.
أما الآهري صاحب (الاقطاب القطبية) فرأى ان معنى المشكاة هو القلب، والزجاجة هي الروح الحيواني، والمصباح هو النفس الناطقة، والشجرة هي فكرتها المثمرة لازهار اليقين وأنوار المشاهدة، والزيت هو الحدس التام[15].
ولدى بعض آخر ان المشكاة هي الصدر، والزجاجة هي القلب، والمصباح هو الروح.
وقد طبّق صدر المتألهين المشاكلة على المعنى الأخير، فأقرّ بوجود ثلاث مراتب لهذه الرموز، أولها حسية ظاهرية، وثانيها حسية باطنية، وثالثها عقلية نظرية:
فالحسية الظاهرية معلومة، حيث الصدر والقلب والروح التي هي أجسام لطيفة حارة عبارة عن مركب النفس الحيوانية المدركة للجزئيات لأجل الحركات الشهوية والغضبية. أما الحسية الباطنية فهي ان لتلك الأجسام الثلاثة ثلاث أرواح، حيث للصدر روح طبيعية، وللقلب روح حيوانية، وللروح روح نفسية إنسانية مستخدمة في القضايا العملية تبعاً لما يقتضيه العقل العملي. في حين يتمثل الصدر في النفس الحيوانية، وان القلب هو النفس الناطقة، وان الروح هي العقل المستفاد المشاهد للمعقولات تبعاً للاتصال بالعقل الفعال. والقلب بالمعنى الأخير هو الذي يقال عنه: عرش الله ومستوى إسم الرحمن، لكونه محل معرفة الله، ولكونه على سبيل الاستقامة من غير اعوجاج. أما الصدر فهو الكرسي، ونسبة العرش إلى الكرسي كنسبة العقل إلى النفس، والقضاء إلى القدر، حيث ان المعقولات كلها مجملة في القضاء مفصلة في القدر[16].
وتبعاً للآهري فإن الآيتين: ﴿والتين والزيتون وطور سنين﴾[17]، ترمز إلى ان التين يمثل الحدس، حيث لا نواة له، وهي عقدة التعب والمشقة، والزيتون هو الفكر المنوي لنواة التعب، وطور سنين هو مبدأ النفس الناطقة النافخ لها، وهذا البلد الأمين هو النفس الناطقة الأمينة على أسرار الملكوت المودعة فيها كنز المعرفة[18].
كذلك الحال فيما يرمز إليه قوله تعالى: ﴿والطور، وكتاب مسطور، في رق منشور.. والبحر المسجور﴾[19]، فالطور هو العقل الأول، والكتاب المسطور هو النفس الأولى، والبحر المسجور هو الهيولى، فهي بحر مسجور لتصلية الصور. ومثله قوله تعالى: ﴿ن والقلم﴾[20]، حيث ترمز النون إلى النفس، كما يرمز القاف من القلم إلى العقل.
كذلك ان قوله تعالى: ﴿المر﴾[21]، يرمز إلى ان الألف دالة على إله العقول، وان اللام هي جبريل مبدأ النفوس، وان الميم هي محمد مدبر الأرواح، وان الراء هي صفة الرسالة لمحمد[22].
كما جاء ان في قوله تعالى: ﴿فالسابقات سبقاً، فالمدبرات أمراً﴾[23]، تلويحاً إلى كل من العقول السابقة والنفوس المدبرة للأجرام العلوية[24]. وهذه النفوس وتلك العقول هي المعبر عنها بالملائكة. فالأخيرة هي صور علمية بعضها مجردة؛ كالعقول المحضة، مثل عقل جبريل المتمثل في العقل الفعال، وبعضها الآخر يتمثل في نفوس الأجرام الفلكية.
وكما جاء في تعريف الفارابي للملائكة بأنها: ‹‹صور علمية، جواهرها علوم ابداعية ليست كألواح فيها نقوش، أو صدور فيها علوم، بل هي علوم ابداعية قائمة بذواتها؛ تلحظ الأمر الأعلى فينطبع في هوياتها ما تلحظ، وهي مطلعة، لكن الروح القدسية تخاطبها في اليقظة، والروح النبوية تعاشرها في النوم››[25]. كما إعتبر جبريل رب النوع الإنساني، فهو الذي يعتني بتكميل النفوس الآدمية، وهو الذي يعلّمهم المعارف[26].
وأشار الفلاسفة إلى ان آية ﴿عليها تسعة عشر﴾[27]، تلوّح إلى العقول العشرة والأفلاك التسعة.
ولدى إبن سينا انها مجموع القوى المبثوثة في النفس العملية والإدراكية[28]. وزعم بعضهم بأنها عبارة عن الاثنى عشر برجاً والسبع الدراري[29]، والمقصود بهذه الأخيرة هي الكواكب المسماة بالمتحيرة[30].
وجاء في رمز العرش ضمن قوله تعالى: ﴿ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية﴾[31]، بأنه الفلك التاسع، والثمانية هي بقية الأفلاك الثمانية، والفلك التاسع هو فلك الأفلاك، وهو نهاية الموجودات الجسمانية المبدعة، وهي جميعاً حية ناطقة لأنها ملائكة، فلا فرق في ذلك لو قلنا ان الفلك التاسع محمول بثمانية أفلاك، أو قلنا ان النفس الملائكية محمولة بثمانية أنفس ملائكية[32].
لكن الإسماعيلية فسرت العرش بأنه العقل الذي هو المبدع الأول وحملته الثمانية عبارة عن النبي وأوصيائه الأئمة السبعة[33].
أما صدر المتألهين فقد ظن ان الفلك الأقصى الجسماني يتمثل في الكرسي؛ وإن لم يقطع بذلك، وإعتبر العرش هو ما يحاذي ذلك الفلك من عالم المثال، وهو الفلك الكلي المثالي[34].
وعلى نفس هذه الشاكلة تم التعامل مع جملة من الألفاظ والمصطلحات القرآنية، كالقرآن والفرقان والكتاب المبين وأم الكتاب والصحف المكرمة وخزائنه تعالى والحروف المقطعة وغيرها.
فمثلاً إعتبر صدر المتألهين ان القرآن هو العلم الاجمالي المعبّر عنه بالعقل البسيط، وهو العلم بجميع الموجودات على وجه بسيط اجمالي، وهو فعال تفاصيل العلوم النفسانية. أما الفرقان فإنه اشارة إلى العلم النفساني المتكثر بصور عقلية حاصلة في النفوس الفاضلة. كما إعتبر كلا هذين الوصفين للقرآن هو نفس النبي في مقامين؛ مقام عقل بسيط قرآني متحد مع المعقولات كلها، ومقام لوح نفساني فيه تفاصيل العلوم وصور الحقائق المرسومة[35].
وهذا التقابل بين القرآن والفرقان، حيث القرآن هو العقل الأول، والفرقان هو الجوهر النفساني، هو ذات التقابل بين القلم واللوح لدى هذا الفيلسوف، فالقلم موجود عقلي متوسط بين الله وخلقه، فيه جميع صور الأشياء على الوجه العقلي، وهو أيضاً عقل بسيط، إلا انه دون الحق الأول في البساطة والشرف. وأما اللوح فهو جوهر نفساني وملك روحاني يقبل العلوم من القلم ويسمع كلام الله بواسطته[36].
وجاء في معنى قوله تعالى: ﴿ولو انهم أقاموا التوراة والانجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾[37]، ان المقطع الأخير من الآية يرمز إلى ما فوقهم من الأغذية الروحانية من العلوم والحقائق، وإلى ما تحتهم من المدركات الجسمانية التي هي من عجائب عالم المثال والكشف الصوري[38]. ويصبح معنى هذا المقطع هو أنهم لأكلوا رزق الوجدانيات، ولذاقوا ذوق التجليات، ونالوا الحالات الذوقية والواردات الإلهية التي تحصل بالسلوك والأرجل[39].
كذلك جاء في مضامين قوله تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً﴾[40]، بأن معنى (البر والبحر) يشير إلى الإدراكات الحسية والعقلية، وان (الطيبات) هي العلوم اليقينية، كما ان تكريم الإنسان يشير إلى ما خص الله تعالى الإنسان بالنفس الناطقة[41].
كما جاء في مضامين قوله تعالى: ﴿ربي اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات﴾[42]، ان الوالدين هما العقل والطبيعة، وان البيت هو القلب، وان المؤمنين والمؤمنات هم العقول والنفوس[43].
وفي استبطان قوله تعالى: ﴿مما خطيئاتهم أُغرقوا فأُدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً﴾[44]، اعتبر الشيخ الأعرابي وشارحه القيصري ان معنى الآية هو ان الخطيئات وان كانت بمعنى الذنوب؛ إلا ان فيها اشارة إلى الخطوات، باعتبار ان من يخطو ويتعدى أوامر الله فإنه يقع في الذنب، وبالتالي فإن هذه الخطوات وقطع المقامات بالسلوك حدت بقوم نوح إلى ان يتخطى بهم الأمر إلى بحار العلم بالله، فغرقوا في هذه البحار وما رأوا ذنوبهم، فخطاياهم هي التي أوجبت عليهم الغرق فدخلوا في عين الماء أو نار المحبة والشوق حال كونهم في عين الماء الذي هو عين العلم بالله، فكان الله عين أنصارهم دنيا وآخرة فهلكوا فيه إلى الأبد[45].
وان الماء الوارد في عدد من الآيات هو بمعنى العلم، مثل قوله تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماءً﴾[46]، وقوله: ﴿يُسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل﴾[47].
وفي قصة يوسف، انصرف ابن عربي عن الخوض في تفاصيلها الظاهرة، مشيراً إلى عدم جدواها، إذ الفائدة، بحسبه، تكمن في رمزيتها المتصلة بعالمنا الإنساني. وكأنّه لجأ في تأويله إلى طريقته الخاصة في الاعتبار، فقد رأى يوسف رمزًا للنفس المؤمنة، ويعقوب رمزًا للعقل، أما إخوته فهم النفس الأمارة واللوامة، في حين ترمز امرأة العزيز إلى النفس الكلية... وهكذا دواليك[48].
وعلى ذات المنوال، نسج رمزيته في قصة موسى. ففي قوله تعالى: ﴿إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليُلقهِ اليمُّ بالساحل﴾[49]، اعتبر أن التابوت رمز للناسوت أو الجسد الإنساني، وأن اليم هو العلم، وإلقاء موسى في اليم يُشير إلى ما يتاح للإنسان من بلوغ المعرفة بواسطة هذا الجسد، إذ لولا الجسد لما كان للنفس من قوى الفكر والحس والخيال؛ التي هي مصادر هذا العلم[50]..
وقوله: ﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون﴾، هو ان الخطاب للعقل ومربيه، أي اذهب أيها العقل ومربيك وممدك، وهو الوجود، فطهرا تلك الأوساخ والمعاصي من النفوس ليتم التمكن من الدخول[51].
وعلى هذا النسق الرمزي، أوّل بعضهم الأرض المقدّسة في قوله تعالى: ﴿ادخلوا الأرض المقدسة﴾ بأنها رمز لنفوس البشر قبل تصفيتها وتنقيتها من أدران المعاصي. وأما قولهم: ﴿يا موسى إن فيها قوماً جبارين﴾، فهو كناية عن الشهوات والمعاصي والعلائق الجسمانية التي تستولي على النفس. وقولهم: ﴿إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها﴾، تعبير عن امتناع النور عن الدخول إلى موطن الظلمة ما لم تُزَح الأخيرة، إذ لا يجتمع النور والظلمة في موضع واحد. أما قولهم: ﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون﴾، فهو توجيه الخطاب إلى العقل ومربيه، أي اذهب – أيها العقل – أنت ومربيك وممدّك، وهو الوجود، فطهّرا تلك النفوس من أوساخها ومعاصيها، لتغدو قابلةً للدخول في الأرض الموعودة.
وجاء في التفسير المنسوب لإبن عربي، ان معنى السبع المثاني هو الصفات الإلهية السبع[52]، وان معنى الصفا هو القلب، ومعنى المروة هو النفس[53]. وان معنى ابرهة في قصته المشار إليها في سورة الفيل هو النفس الحبشية، وان الكعبة التي أراد تدميرها هي القلب، وان سائر ما ورد في السورة ترمز إلى قوى الطبيعة الجسمانية والعقلية[54]. وكذا فإن معنى قوله تعالى: ﴿يوم تُبدل الأرض غير الأرض﴾[55]، هو تبدل أرض الطبيعة بأرض النفس، وذلك عند الوصول إلى مقام القلب[56].
كما ان الحروف المقطعة في أوائل السور تعد لدى إبن عربي صور الملائكة وأسماءهم، فإذا نطق بها القارئ كان مثل النداء بهم فيُجيبوه. فلكل حرف من هذه الحروف الأربعة عشر ظاهر هو صورته، وباطن هو روحه[57].
ومن ذلك أيضاً التقارب اللفظي، مثل الهاء والواو (أي: هو) الذي يقال على الهوية التي هي حفظ الغيب[58].
***
يضاف إلى ما سبق هناك تلويحات واشارات رمزية لها علاقة بمضامين مذهبية ايديولوجية.
فمثلاً إعتبر الإسماعيليون ان رؤية الرحمن ترمز إلى الاتصال بالوصي والأئمة[59]. وان العرش يرمز إلى العقل الذي هو المبدع الأول، وترمز حملته الثمانية إلى النبي وأوصيائه الأئمة[60]. كما ان آيات استواء الرب على العرش ومجيئه في ظل من الغمام والملائكة ترمز عندهم إلى ‹‹قائم القيامة (ع) المستو في قوى السماوات والأرض الستة الذين هم النطقاء الستة في مدة ادوارهم الستة المكنى عنه بخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وكان معنى استوائه على العرش في اليوم السابع هو انه (ع) محيط بهم احاطة العلم، مالك لأمرهم ملكاً. وكالتصرف ومجيئه في ظل من الغمام والملائكة بروزه (ع) بمن في ضمنه من الصور القدسانية والهياكل النورانية لكافة الخلق يوم فصل القضاء››[61].
وعندهم ان يأجوج ومأجوج هم أهل الظاهر. وان أنهاراً من خمر ترمز إلى العلم الظاهر، كما ترمز أنهار من عسل مصفى إلى العلم الباطن المأخوذ من الحجج والأئمة. وان الطوفان هو طوفان العلم الذي أغرق به المتمسكون بالسنة. وان نار ابراهيم هي غضب نمرود. وان عصا موسى هي حجته التي تلقفت ما كانوا يأفكون من الشبه[62].
وجاء في ما ترمز إليه الآية: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام﴾[63]، بأنها اشارة من النبي إلى ان يسلم إلى وصيه الذي هو وجهه الناظر بعده في أمته ودينه[64].
ج ـ المعطى التشريعي والاعتبار الوجودي
يدخل هذا التفنن من الاستبطان ضمن حيز التفنن الرمزي، وقد أدرجناه مستقلاً لكونه يمارس الرمزية والاشارة حتى بالنسبة إلى المعطيات المعيارية والتشريعية، عبر تحويلها إلى معانٍ وجودية صرفة. وكثيراً ما نجد هذا النوع من التوظيف لدى الباطنية والعرفاء، مع لحاظ ان الجماعة الأخيرة لم يكن لها صبغة مذهبية دينية بارزة بقدر حال الجماعة الأولى.
ويقف إبن عربي على رأس العرفاء الذين مارسوا هذا الدور من التحويل الرمزي، إذ وضع موسوعة فقهية باطنية يجمع فيها بين ظاهر الحكم وباطنه، كما في الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها. وسنختار بعض النماذج المتفرقة لموسوعته.
ففي مسألة ستر العورة رأى انه فرض واجب في الصلاة وغيرها بحسب الظاهر، لكنه يرمز من حيث الباطن إلى وجوب ستر السر الإلهي عن الجاهل[65]. كما ان من حيث الظاهر لا يجوز للمرأة ان تصلي وهي مكشوفة الرأس، أما من حيث الباطن فهو ان المرأة لما كانت في الاعتبار هي النفس، والرأس من الرياسة، لذا فقد أُمرت النفس ان تستر رياستها، حيث تكون في الصلاة بين يدي ربها[66].
وهو يرى ان التشهد بعد الوضوء يرمز في الباطن إلى نزول الروح - الأمين - على القلب، فيقول: يا عقل تشهد إذا فرغت من وضوئك لصلاة الظهر، لظهور سر العدد في الأحد، وفي العصر للألف المعطوفة المألوفة، وفي المغرب الشاهد لمغيب الأحد في الواحد، وفي العشاء للأحدية والأبدية، وفي الصبح لثبوتك لديها عند قدومك عليها. ويا حس تشهد إذا فرغت من وضوئك لصلاة الظهر، لظهور سر التوحيد، وللعصر لفناء التفريد، وللمغرب لوقوع التمجيد، وللعشاء لحصول التوحيد في التجريد، وفي الصبح لمشاهدة التوحيد في التبديد[67].
ومن الشواهد الأخرى ما يتعلق بالمعنى الباطن للجمرات ورمي الحصاة في الحج، فقد أقام إبن عربي تناظرات بين الجمرات وما تحمله من حصيات، وبين قضايا وجودية مستقلة. وأشار إلى ان الجمرة الواحدة هي سبع حصيات، وعلى شاكلتها تكون الجمرة الزمانية التي تدل على خروج فصل شدة البرد، حيث كل جمرة في شهر شباط هي سبعة أيام، وهي ثلاث جمرات متصلة، كل جمرة سبعة أيام، فتكون الجمرات بمضي واحد وعشرين يوماً من شباط، وذلك مثل رمي الجمار الثلاث التي هي واحدة وعشرون حصاة. وكذا الحال فإن الحضرة الإلهية على ثلاثة معان: الذات والصفات والأفعال، وان رمي الجمرات مثل الأدلة والبراهين على سلب كحضرة الذات، أو إثبات كحضرة الصفات المعنوية، أو نسب أو إضافة كحضرة الأفعال، فدلائل الجمرة الأولى لمعرفة الذات، ولهذا نقف عندها لغموضها، فهي مجهولة العين معلومة بالافتقار إليها. ولهذه الجمرة سبع حصيات تدفع بها سبع شبهات ذكرها. أما دلائل الجمرة الثانية فهي عبارة عن الصفات الإلهية السبع، وكذا فإن الجمرة الثالثة لحضرة الأفعال هي أيضاً عبارة عن سبع[68].
اما لدى العرفاء الآخرين، فالآملي مثلاً قد أكّد على وجود ثلاثة مدارك متطابقة، هي الشريعة والطريقة والحقيقة. فهناك - مثلاً - صلاة على أساس الشرع، وأخرى على أساس الطريقة، وثالثة على أساس الحقيقة. كذلك الحال مع الوضوء والتيمم والحج والغسل والجهاد والزكاة وغيرها من القضايا الفقهية والعقدية؛ كالقيامة وما على شاكلتها.
فمثلاً ان التيمم لأهل الحقيقة عبارة عن ضرب العارف بيديه المتمثلين بالعقل والنفس على أرض الظاهر والباطن ونفيهما عن النظر بالكلي، ثم نفض اليدين عن رؤية هذا الفناء بالكلي أيضاً، إلى آخر ما يجري من عمليات في طور الحقيقة[69].
وعلى هذه الشاكلة، فإن الصلاة من حيث الباطن عند الجيلي تمثل واحدية الحق، وان الزكاة هي التزكي بايثار الحق على الخلق، وان الصيام هو الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات الصمدية، وان الحج هو استمرار القصد في طلب الله، وان الايمان هو أول مدارج الكشف عن عالم الغيب[70].
وهناك من الاستبطانات ما تتصف بأنها تعليلية، ومن ذلك ما جاء في كشف السبب عن علة الاغتسال عند النكاح، حيث إعتبر إبن عربي هذا التطهير هو لغيرة الحق على عبده ان يعتقد انه يلتذ بغيره، ففي النكاح يعم الشهود أجزاء البدن كله، لذلك أمره بالاغتسال لتعم الطهارة كما عمّ الفناء في أعضاء البدن عند الشهوة[71].
وعلى هذه الشاكلة قام إبن عربي بتعليل سبب تحبيب الله النساء للنبي (ص) كما في الحديث النبوي، فإعتبر ذلك لكمال شهود الحق في النساء، حيث لا يشاهد الحق مجرداً عن المواد أبداً، فالله بذاته غني عن العالمين، وبالتالي فحيث ان شهادة الحق مجرداً ممتنعة، بل لا بد من ان تكون الشهادة في مادة، فإنه على هذا يكون شهود الحق في النساء أعظم شهود وأكمله، وان أعظم الوصال هو النكاح. وقد علق الجندي على حالة النكاح بأنها جامعة لشهود الحق، وان فيها ‹‹أسرار مكتمة، وعلى من ليس من أهلها محرمة››[72].
ومن الأمثلة التي علّل فيها الآملي حدود العبادات الشرعية وفقاً للاعتبارات الوجودية، ما يتعلق بعلة جعل صلاة العصر رباعبة، وذلك لأنها بإزاء الأركان الأولى من الأخلاط الأربعة، وعلة جعل صلاة المغرب ثلاثية، وذلك لأنها بإزاء القوى الثلاث المتمثلة برؤساء البدن (الطبيعية والحيوانية والنفسانية)، أما تعليل عدد الركعات في صلاة العشاء فهو لأنها بإزاء أصول الأعضاء ومبادىء قواها المسماة بالاعضاء الرئيسية (وهي الدماغ والكبد والانثيان)، وتعليل الركعتين في صلاة الصبح هو لأنهما بإزاء الروح والبدن. كما ماثل هذا العارف بين ركوع الإنسان وسجوده من جهة، وبين ركوع الحيوان وسجود النبات من جهة أخرى. فالركوع يمثل الرجوع إلى الأصل الحيواني، والسجود يمثل الرجوع إلى الأصل النباتي، إذ بدأ الإنسان نباتاً ثم حيواناً ثم استقام ناطقاً، فالقيام في الصلاة هو صورة الإنسان الحقيقية[73].
***
يضاف إلى ما سبق هناك التماثلات والتناظرات الإسماعيلية ذات الصبغة الايديولوجية، وهي مطبقة هذه المرة على المفاهيم التشريعية. منها تلك المتعلقة بظواهر الأشياء، كالماء والوضوء والكفان والاصابع والمضمضة والاستنشاق والوجه وغسله والرأس ومسحه وغسل الرجلين والمسح عليهما والنطقاء السبع (أي العينان والأُذنان والمنخران والفم) والطهارات والنجاسات والغسل والجماع وغيرها. وغالباً ما استعملوا هذه الظواهر لغرض الإشارة إلى مسألة الإمامة والولاية[74].
ولدى هؤلاء ان الصيام هو الامساك عن كشف السر، وان الكعبة والصفا هما النبي، والباب والمروة هما علي، والميقات هو الأساس، والتلبية هي إجابة الداعي، وان الطواف بالبيت سبعاً هو الطواف بمحمد إلى تمام الأئمة السبعة، وان المحرمات عبارة عن ذوي الشر من الرجال، كما ان العبادات عبارة عن الأخيار الأبرار[75].
كما تمثل الجنابة لدى هؤلاء مبادرة المستجيب بافشاء السر قبل ان يبلغ رتبة استحقاقه. ومعنى الغسل هو تجديد العهد على من فعل ذلك. وان الزنى هو القاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد. وان الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الإمام[76]. وان الغائط في الباطن هو الكفر، والبول هو الشرك، والريح الذي يخرج من الدبر هو النفاق في الباطن، وان الماء هو العلم، وتطهير النجاسات هو المعرفة والتعلم. فالتطهير من الغائط هو الايمان بالله تعالى، ومن البول هو توحيده ونفي الشرك والأضداد عنه، ومن الريح هو التطهر بالتوبة والاقلاع عنه.
ومثل الجماع الذي يوجب الغسل هو مثل اجتماع المؤمن المستفيد مع من يفيده العلم والحكمة وسماع ذلك منه. ومثل الاحتلام مثل المفيد يلقي ما يلقيه من العلم والحكمة وهو في غفلة وعن غير اقبال على ذلك بقلبه. ومثل الطهارة في الظاهر من كل ما خرج من القُبِل مثل ما يكون من الكلام من المفيد وان لم يصل ذلك إلى المستفيد، كما لا يصل إلى الفرج كل ما يخرج من الذَكر، مثل الدم والدود والحصاة. ومثل الطهارة مما يخرج من الدبر غير الغائط مثل ما يكون من إحداث الإنسان غير الكفر من المعاصي والذنوب والخطايا. ومثل الحيض مثل إحداث السوء في المستفيدين. ومثل غسل الميت قبل ان يكفن ويحمل إلى قبره مثل من كفر بعد ايمانه.
وان مثل الابهام في الاصابع مثل الرسول (ص)، ومثل المسبحة مثل أساسه أي علي (ع)، ومثل الوسطى مثل الإمام، ومثل التي تليها مثل حجته، ومثل الخنصر مثل باب دعوته، ومثل الأسنان مثل الحدود المنصوبة للدعوة. ومثل الوجه مثل النبي في عصره والإمام في زمانه. ومثل غسل الوجه مثل الإقرار بإمام الزمان، ومثل اليدين مثل الإمام والحجة، وغسلهما هو الإقرار بهما. والمسح على الرجلين هو الإقرار بالإمام والحجة، والغسل تأويله الطاعة، والمسح تأويله الإقرار[77].
[1] مطلع خصوص الكلم، ج1، ص70-71. كذلك: المبدأ والمعاد، ص127-128. وجمال الدين الأفغاني: مرآة العارفين، ضمن رسائل في الفلسفة والعرفان، ص16.
[2] الانعام/38.
[3] كتاب شق الجيب بعلم الغيب، ضمن رسائل إبن عربي (1)، ص343-344.
[4] الرعد/43.
[5] مرآة العارفين، مصدر سابق، ص17.
[6] الاسراء/ 14.
[7] يذكر بهذا الصدد أبيات شعر منسوبة للامام علي كالتالي: داؤك فـيـك ومـا تـشـعـر ودواؤك فيك وما تبصر وتـزعـم انـك جـرم صغـيـر وفيك انطوى العالم الاكبر فأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر (مطلع خصوص الكلم، ج1، ص71. ومرآة العارفين، ص16).
[8] مفاتيح الغيب، ص497-498.
[9] المصدر السابق، ص39.
[10] تعليقات على مصباح الإنس، مصدر سابق، ص214. علماً ان المراتب المذكورة في المتن تبدو كأنها ثمانية لا سبعة، لكن المرجح ان مقام المشيئة والفيض المنبسط يعبران عن مرتبة واحدة فتكون سبع مراتب.
[11] تعليقات على مصباح الإنس، ص214-215.
[12] النور/ 35.
[13] إبن سينا: رسالة إثبات النبوات، ص49-52. وتسع رسائل لابن سينا، ص86-87. وكذا لاحظ على هذه الشاكلة من التفسير: مجموعة رسائل السبزواري، ص441-446.
[14] معراج السالكين، ضمن مجموعة رسائل الامام الغزالي (1)، ص96.
[15] الأقطاب القطبية، ص60.
[16] تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج5، ص350-352.
[17] التين/ 1ـ 2.
[18] عبد القادر الاهري: الأقطاب القطبية، ص60.
[19] الطور/ 1ـ6.
[20] القلم/ 1.
[21] الرعد/ 1.
[22] الأقطاب القطبية، ص88.
[23] النازعات/ 3ـ 5.
[24] الأقطاب القطبية، ص69.
[25] الفصوص من رسائل الفارابي، ص9. والسياسة المدنية، ص32.
[26] صدر المتألهين: المبدأ والمعاد، ص358.
[27] المدثر/ 30.
[28] إبن سينا: رسالة إثبات النبوات، حققها وقدم لها ميشال مرمورة، دار النهار، بيروت، 1968م، ص59ـ61. وتسع رسائل لابن سينا، ص89..
[29] رسالة معراج السالكين من فرائد اللالي، ص39-40.
[30] تفسير ما بعد الطبيعة، ج3، ص1586.
[31] الحاقة/ 17.
[32] إثبات النبوات، ص53-55.
[33] الحقائق الخفية، ص39.
[34] الأسفار، ج6، ص304-305.
[35] أسرار الآيات، ص12-13. والمبدأ والمعاد، ص124-128.
[36] أسرار الآيات، ص46-47.
[37] المائدة/ 66.
[38] جامع الأسرار، ص570.
[39] مطلع خصوص الكلم، ج2، ص190و16-17.
[40] الاسراء/ 70.
[41] المبدأ والمعاد، ص302.
[42] نوح/ 28.
[43] مطلع خصوص الكلم، ج1، ص320-321.
[44] نوح/ 25.
[45] مطلع خصوص الكلم، ج1، ص311-313.
[46] المومنون/ 81.
[47] الرعد/ 4. انظر: مطلع خصوص الكلم، ج2، ص16.
[48] كتاب الأسفار، من رسائل إبن عربي، ج1، ص42.
[49] طه/ 38ـ39.
[50] مطلع خصوص الكلم، ج2، ص405-406.
[51] الرشتي: شرح آية الكرسي، ص7.
[52] تفسير إبن عربي، ج1، ص670.
[53] المصدر السابق، ج1، ص100.
[54] المصدر نفسه، ج2، ص855-856.
[55] ابراهيم/ 48.
[56] تفسير إبن عربي، ج1، ص660.
[57] الفتوحات المكية، ج2، ص440.
[58] كتاب الحروف الثلاثة التي انعطفت اواخرها على اوائلها، ضمن رسائل إبن عربي (1)، ص139.
[59] الحقائق الخفية، ص35.
[60] المصدر السابق، ص39.
[61] علي بن محمد الوليد: رسالة جلاء العقول وزبدة المحصول، ضمن منتخبات إسماعيلية، مقدمة وتحقيق عارف تامر، دار الكشاف في بيروت، الطبعة الأولى، 1953م، ص143.
[62] الغزالي: فضائح الباطنية، حققه وقدم له عبد الرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1383هـ - 1964، ص56-58.
[63] البقرة/ 144.
[64] رسالة جلاء العقول وزبدة المحصول، ضمن منتخبات إسماعيلية، ص118.
[65] الفتوحات المكية، ج1، ص502.
[66] المصدر السابق، ج1، ص504.
[67] لطائف الأسرار، ص83.
[68] الفتوحات المكية، ج1، ص855-856.
[69] أسرار الشريعة، ص153-154.
[70] الجيلي: الإنسان الكامل، دار الكتب العلمية، ص267-270.
[71] شرح الفصوص، ص678. ومطلع خصوص الكلم، ج2، ص466-467.
[72] شرح الفصوص، ص679. ولاحظ أيضاً: مطلع خصوص الكلم، ج2، ص468. والفصوص والتعليقات عليه، ج1، الفص السابع والعشرين، ص217.
[73] أسرار الشريعة، ص172-174 و185.
[74] تأويل دعائم الإسلام، ج1، ص45 وما بعدها.
[75] فضائح الباطنية، ص56.
[76] المصدر السابق، ص55-56.
[77] تأويل دعائم الإسلام، ص45 وما بعدها.