-
ع
+

كيف فهم الصدر نظرية برنولي؟

يحيى محمد 

ان أول تقدم حقيقي شهدته نظرية الإحتمال كان على يد جاكوب برنولي (المتوفى سنة 1705). وهو عالم رياضي بذل ما يقارب عشرين سنة لانجاز كتابه الموسوم (فن التخمين)، ومع انه اثبت القسم الرئيسي من نظريته (سنة 1692) لكنه لم يكمل القسم الأخير من الكتاب، وسبب ذلك كما يقال انه لم يكن مطمئناً بصحة النتائج التي اوردها في كتابه، لذلك لم يقدم على طباعته، ولم يُنشر إلا بعد وفاته بثمانية اعوام (سنة 1713)1.

وملخص نظريته انه إذا كانت لدينا حادثة بدرجة إحتمالية ثابتة أو تميل إلى الثبات، فإن اقامة الإختبارات الكبيرة كفيلة بأن تعطي لنا معدلاً إحتمالياً يقترب من تلك الدرجة كلما زادت الإختبارات باضطراد، ضمن ما يُسمى منحنى الجرس كالذي يستفيد منه رجال الاحصاء. وهذا يعني ان من الممكن تأسيس جسر بين الإحتمال القبلي الثابت من جهة، وبين الإحتمال البعدي المفترض عند الإختبارات الكبيرة من جهة أخرى. ويعتمد الأمر على العلاقة الطردية بين كثرة الإختبارات وزيادة عدد التوافيق. فالقطع الكبيرة من التتابعات الصدفوية تسلك سلوكاً ثابتاً وموحداً من غير تقلبات ولا ذبذبات كبيرة، على عكس القطع الصغيرة التي ترينا حالة التقلبات والذبذبات الكبيرة. وبالتالي فنحن نجد في القطع الصغيرة ظاهرة العشوائية وعدم النظام، أما في القطع الكبيرة فلا نجد إلا الثبات والنظام. وعليه سميت هذه النظرية بقانون الاعداد الكبيرة2. وهي كما يقول كينز تُظهر الشكل الرياضي الجبري أكثر مما تُظهر الرؤية المنطقية3.

ويمكن توضيح ذلك من خلال المثال التالي المتعلق بإحتمالات رمي قطعة النقد:

لنفترض أن الإحتمال القبلي لظهور وجه الكتابة يساوي (1\2) للرمية الواحدة، فإذا كانت لدينا أربعة إختبارات فإنه ستصبح لدينا خمسة إحتمالات متنافية يمكن أن يتحقق واحد منها في الواقع كما يلي:

1 ـ إحتمال ظهور وجه الكتابة في جميع الإختبارات.

2 ـ إحتمال عدم ظهور هذا الوجه في أي واحد من تلك الإختبارات.

3 ـ إحتمال ظهور ذلك الوجه في إختبار واحد فقط.

4 ـ إحتمال ظهوره في إختبارين.

5 ـ إحتمال ظهوره في ثلاثة إختبارات.

وهذه الاشكال الخمسة تختلف في عدد توافيقها. فالشكل الأول له حالة واحدة يظهر بها، إذ ان عدد توافيقه واحد، طالما لا توجد إمكانية أخرى غير ظهور ذلك الوجه في كل الإختبارات..

وكذا الحال مع الشكل الثاني حيث ان عدد توافيقه هو الآخر يساوي واحداً لنفس السبب السابق.

والشكل الثالث له أربع حالات؛ لأن عدد توافيقه أربعة، إذ يتحقق إما في الإختبار الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.

والشكل الرابع له ست حالات، حيث عدد توافيقه يساوي ستة، إذ يتحقق إما في الإختبار الأول والثاني، أو الأول والثالث، أو الأول والرابع، أو الثاني والثالث، أو الثاني والرابع، أو الثالث والرابع.

والشكل الخامس له أربع حالات، حيث ان عدد توافيقه أربعة، إذ يتحقق إما في الإختبار الأول والثاني والثالث، أو الأول والثاني والرابع، أو الأول والثالث والرابع، أو الثاني والثالث والرابع4.

تلك هي خمسة أشكال تضم ست عشرة حالة، فهي تعبر عن مجموعة التوافيق الممكنة5.

ويحمل الشكل الرابع من تلك الاشكال أكبر عدد للتوافيق الممكنة خلال الإختبارات الأربعة، وحيث ان درجة إحتمال الحادثة تساوي نصفاً، فهذا يعني انه يحظى بأقوى إحتمال ممكن قياساً مع غيره من الاشكال الأخرى خلال تلك الإختبارات.

وفي جميع الأحوال تستخرج الإحتمالات من خلال معادلة برنولي التالية:

 

ن!

ــــــــــــــــــــ × (هـ)م× (1-هـ)ن-م

م! (ن - م)!

 

حيث (هـ) تمثل إحتمال الحادثة.

هكذا ان ظهور وجه الكتابة مرتين خلال أربعة إختبارات هو أقوى الإحتمالات الممكنة، وهو يقدر بـ (6\16)، حيث تقسم الحالات التوافيقية الملائمة على جميع الحالات الممكنة. وليس من الصحيح إعتبار أكبر الإحتمالات يساوي (8\16)، أو نصف، إذ لا يمكن ايجاد هذه النسبة إلا في حدود الإختبار الواحد والإختبارين، أما ما عداهما من الإختبارات فالأمر يختلف، حيث لا يوجد عدد للتوافيق ينصف المجموعة الكاملة لاي شكل من الاشكال الممكنة.

ولو افترضنا إختبارات أكبر مما سبق لكان أقوى الإحتمالات الممكنة يتمثل دائماً بنصف عدد الإختبارات المفترضة. كما انه مع زيادة عدد ما نفترضه من إختبارات يزداد القرب من رتبة الإحتمال القبلي باطراد. إذ يلاحظ انه في حالة الإختبارات القليلة تصبح النسبة الإحتمالية بين الاشكال الممكنة متباعدة. ففي الإختبارات الاربع السابقة تتكون لدينا مجموعة من الإحتمالات المتباعدة نسبياً رغم تقارب اعداد التوافيق فيما بينها. في حين كلما زادت الإختبارات فإن التباعد بين الإحتمالات يقل بالنسبة للتوافيقات المتقاربة.

فمثلاً ان إحتمال ظهور وجه الكتابة في خمسين رمية من مجموع مائة رمية يقارب إحتمال ظهوره في (48) أو (49) أو (51) أو (52) أو (53)، بينما إحتمال أن يظهر هذا الوجه مرتين في أربع رميات ليس قريباً من إحتمال ظهوره مرة واحدة أو ثلاث مرات أو اربع. وبحسب قانون التوافيق هناك 16% يمكن أن يظهر وجه الكتابة ضمن الحد ما بين (49ـ51). أما عند رمي القطعة ألف رمية فإن هناك ما يقارب 47% يمكن أن يظهر الوجه ضمن الحد ما بين (490ـ510). وعند رمي القطعة عشرة آلاف رمية فإن هناك ما يقارب 95% يمكن أن يظهر الوجه ضمن الحد ما بين (4900ـ5100)، وهكذا يزداد الإحتمال والاقتراب من الإحتمال القبلي عند زيادة الإختبارات6.

اذاً أن زيادة التجارب والإختبارات تقرّب النسبة الإحتمالية للمرات التي يمكن أن تظهر فيها الحادثة من الإحتمال القبلي لها، وتتصف العلاقة بين زيادة التجارب والاقتراب من الإحتمال القبلي بأنها علاقة طردية. لذا ففي الإختبارات الكبيرة جداً يمكن إفتراض الحصول على هذا الإحتمال من الناحية العملية، لضآلة الإحتمالات الأخرى المنافسة له7.

ويلاحظ ان لنظرية برنولي إمكانيتين للتعبير، إحداهما انه إذا كان لدينا حادثة محتملة بنسبة ما، وكان عدد التجارب لا نهائياً فإن نسبة تكرار الحادثة التي نتوقعها تكون ذات النسبة المحتملة القبلية. أما الأخرى فإنه إذا كان لدينا حادثة محتملة بنسبة ما، وكان عدد التجارب كبيراً جداً نرمز إليه بـ (ن)، فإن هناك توقعاً قريباً من اليقين أو الواحد بأن نسبة نجاح الحادثة خلال (ن) هو ذات النسبة القبلية مع اختلاف يسير يضيق كلما أخذت (ن) بالزيادة والاتساع.

وبعبارة أخرى، لو كانت لدينا تجارب تؤكد بأن إحتمال حادثة معينة نرمز إليه بـ (ح)، وكان الرمز (ص) يعبّر عن عدد صغير، فإن تكرر هذه الحادثة في (ن) من المرات، يجعلنا نتوقع بما هو قريب من الواحد من أن الحادثة سوف تظهر في حدود لا تكون أصغر من ن(ح ـ ص) ولا أكبر من ن(ح+ص)، كلما كانت (ن) تميل إلى اللانهاية8.

مع هذا فقد كانت نظرية برنولي عرضة للعديد من سوء الفهم، ومن ذلك ما اخطأه البعض عندما تصور بأن هذه النظرية هي مثل القانون الطبيعي تحمل ضماناً في تحقق الإحتمال القبلي عند الإختبارات الكبيرة، وقد إعتبر نيل ان من الخطأ الإعتقاد بوجود مثل هذا الضمان، نافياً ان يكون هناك جسر ممدود بين الإحتمال واليقين، حيث كل الإحتمالات واردة، وإن كان بعضها أقوى من البعض الاخر9.

تظل ان هناك مشكلة تلوح هذه النظرية، وتتمثل بكيفية التحديد الأولي أو القبلي لنسبة إحتمال الحادثة، فتارة ان هذه النسبة تكون معلومة سلفاً قبل اقامة الإختبارات، واخرى انها تتقدر من خلال عدد الإختبارات التكرارية. وواضح ان دقة النظرية تعتمد على العلم المسبق والدقيق للإحتمال القبلي للحادثة. لكن كيف يكون الحال فيما لو لم يكن لدينا مثل هذا العلم المتضمن للتساوي في الإحتمال؟ فقد قدّم برنولي نظريته لمثل هذه الحالات التي ليس لدينا فيها معرفة قبلية عن إحتمال الحادثة، مستخدماً بذلك الطريقة الاحصائية10. فحيث انها تعتمد على المشاهدات الخارجية أكثر مما تعتمد على الإفتراضات القبلية، لذا تحتاج إلى شروط مسبقة؛ كتماثل الحالات والاستقلالية، أو ما يطلق عليه الحرية التامة للحوادث. وفي هذه الحالة نكون بين أمرين، فإما ان نعتمد على الإفتراضات القبلية التي هي غير مقنعة، أو ان نقتنع بالنتائج الخارجية التي هي في العادة غير دقيقة11.

مع هذا فما زالت هذه النظرية موضع اعتماد على النطاقين العلمي والعملي، ومن ذلك ما يستفاد منها في النظرية الحركية للغازات، حيث ان حجم الغاز يحتوي على عدد ضخم جداً من الجزيئات تتحرك باتجاهات متعددة، وتتصادم فيما بينها ومع جدران الحاوي من وقت لاخر. واذا امكن تحديد إحتمال حركة جزيئة معينة باتجاه معين من السطح في لحظة معينة، ولنفترض أن الحاوي فيه اتجاهان لليمين وللشمال، فإن من الطبيعي ان تكون حركة الجزيئة عبارة عن (1\2) باتجاه اليمين مثلاً. لكن حيث الملاحظ ان هناك تماثلاً واطراداً في حركة الجزيئات، لذا فإن نسبة الإحتمال ستكون ثابتة باطراد في أي وقت كان. أو يمكن القول ان هناك درجة قريبة جداً من الواحد نتوقع فيها ان تتساوى حركة الجزيئات في الإتجاه طبقاً لقانون برنولي، وذلك لاحتواء هذه الجزيئات على درجة عالية من التماثل والاطراد. كما يستفاد من نظرية برنولي في عدد من القضايا العملية، ومن بينها شركات التأمين، حيث ان الإحتمالات المقدرة تبعاً للاحصاءات السابقة تخول هذه الشركات الاعتماد عليها في تقدير الإحتمالات البعدية للسنوات القادمة، وحيث انها تتعامل مع مجاميع الناس حسب ظروفهم الخاصة فإن ذلك يضمن لها توقعاً كبيراً في الحفاظ على تلك النسبة التكرارية، الأمر الذي يجعلها تتوقع الحفاظ على ثبات ارباحها تقريباً12.

***

أما حول تفسير المفكر الصدر لنظرية برنولي، فقد اعتمد وفق فهمه لنظرية الإحتمال على ايجاد علم إجمالي يضم كافة الأطراف المحتملة للإختبارات المقامة. ففي مثالنا السابق عن الإختبارات الأربعة لرمي قطعة النقد، عرفنا أن هناك ستة عشر طرفاً إحتمالياً ممكناً، وقد حاز الشكل الرابع منها على ستة مراكز. ولو افترضنا عدداً أكبر من الإختبارات فإن أطراف العلم الإجمالي تزداد تبعاً لذلك، وبالتالي تصبح أكثر المراكز عائدة للشكل الذي تكون قيمته الإحتمالية مساوية للقيمة القبلية (1\2). وعند إفتراض عدد كبير من الإختبارات فإن إحتمال الحصول على نفس النسبة القبلية يصير كبيراً جداً، نتيجة تضاءل الإحتمالات الأخرى المنافسة له.

فهذا هو التفسير الذي أبداه المفكر الصدر لنظرية برنولي، رغم أن هذه النظرية لا تريد ان تثبت كون الشكل الذي يطابق إحتماله للإحتمال القبلي هو الذي يقترب من اليقين خلال الإختبارات الكبيرة؛ نتيجة ضآلة جميع إحتمالات الاشكال الأخرى. أي ان من الخطأ إعتبار النظرية تعبر عن العلاقة التي صورها الصدر كالتالي13:

 

عدد ما يحتله ذلك الشكل من المراكز

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يقترب جداً من الواحد

عدد أطراف العلم الإجمالي

 

فنظرية برنولي لا تعين الشكل الذي يقترب من الواحد، لاستبعاد تحققه بعينه من بين الاشكال الكثيرة. كما من الخطأ تصور ان بقية الاشكال الأخرى ضئيلة الإحتمال وفقاً للفهم السابق. فجوهر النظرية يثبت بأن الإختبارات الكبيرة تفضي إلى ايجاد نسبة إحتمالية تقترب باطراد من نسبة الإحتمال القبلي، نتيجة ما يستبعد من الاشكال التي تتضمن المنافسة مع هذه النسبة. إذ تصبح بقية الاشكال عالية الإحتمال لقوة ما تملك من اعداد كبيرة للتوافيق. وظهور أي شكل من هذه الاشكال يحقق حالة الاقتراب من النسبة القبلية رغم التفاوتات الضئيلة التي من الممكن اهمالها عملياً.

كما يلاحظ ان المفكر الصدر لم يتعامل مع الحوادث التي تختلف نسب إحتمالاتها القبلية بطريقة موحدة. فهو يفرق بين الحادثة التي تكون قيمة إحتمالها نصفاً، وبين سائر الحوادث الأخرى التي لا تصدق عليها هذه النسبة. فمثلاً حاول أن يفسر حاثة (أ) المقدرة بـ (2\3) بالطريقة التالية:

لما كانت هذه الحادثة تعبّر عن ظهور (أ) مرتين في كل ثلاث مرات؛ فلا بد أن يكون هناك علم إجمالي يضم ثلاثة أطراف، تحتل فيه (أ) مركزين فقط وهو الإحتمال القبلي لها. إلا أن هناك إحتمالاً آخر ينتج عما نفترضه من التجارب، إذ ينشأ من العلم الإجمالي الذي يتألف من مجموعة اعداد توافيق الاشكال الممكنة لتكرر الحادثة (أ). وبضرب العلمين ببعضهما يتكون لدينا علم إجمالي ثالث تتساوى قيم اعضائه المحتملة، فتحصل الحادثة (أ) على المراكز التي تحتلها من مجموعة الأعضاء الكلية، وبذلك تطابق الإحتمال القبلي للحادثة بما قيمته (2\3)14.

وطبقاً لهذا التفسير لو افترضنا وجود إختبارين فإن عدد مجموع التوافيق فيهما يكون ‹‹4›› - كما سنرى -، ولو ضربنا هذا العلم بالعلم الإجمالي القبلي ذي الأطراف الثلاثة لكان الناتج مساوياً لـ ‹‹12›› عضواً، حيث يُفترض أن تحتل الحادثة (أ) ثلثي الأعضاء، فتصبح قيمتها نفس القيمة القبلية. ويمكن تصوير هذه الطريقة كالآتي:

1 ـ ظهور (أ) في تجربة واحدة فقط.

2 ـ ظهور (أ) في التجربتين معاً.

3 ـ عدم ظهور (أ) في كلا التجربتين.

ويمتلك الشكل الأول ‹‹2›› من التوافيق، حيث إما أن تظهر (أ) في التجربة الأولى أو الثانية. أما بالنسبة إلى الشكلين الآخرين فيمتلك كل منهما ‹‹1›› من التوافيق، إذ لكل منهما إمكانية واحدة، وبهذا تصبح مجموعة التوافيق ‹‹4››. ومع ضرب هذه المجموعة بأطراف العلم القبلي نحصل على ‹‹12›› طرفاً تتوزع لصالح كل من ظهور الحادثة وعدمه.

لكن هذه الطريقة تخالف قانون برنولي الذي يأخذ بإعتبار مقدار الإحتمال القبلي مع عدد التوافيق. فبحسب هذا القانون انه سواء كانت قيمة الحادثة نصفاً أو غير نصف لا بد من ضرب قانون التوافيق بالقاعدة الرياضية التي تقدر قيمة إحتمال حالة من الحالات المتساوية لاي شكل من الاشكال السابقة، فمثلاً ان الشكل الأول له حالتان توفيقيتان متساويتا الإحتمال، وكل منهما يمكن أن يستخرج عبر هذه القاعدة:

 

(هـ)م× (1-هـ)ن-م

 

حيث (هـ) تمثل القيمة الإحتمالية للحادثة، و(ن) مجموع التجارب المفترضة، و(م) مقدار التجارب التي نعينها لظهور الحادثة15. ومن ثم فاستخراج قيمة إحتمال أي شكل كان؛ يتحدد بمعادلة برنولي التالية:

 

ن!

ــــــــــــــــــــــ × (هـ)م× (1-هـ)ن-م

م! (ن - م)!

 

فإحتمال الشكل الأول هو:

 

2!

ـــــــــــــــ × 2\3 × 1\3 = 4\9

1 × 1

 

وإحتمال الشكل الثاني هو:

 

2!

ــــــــــــــــ × 4\9 × 1 = 4\9

2! ×1

 

وإحتمال الشكل الثالث هو:

 

2!

ـــــــــــــ × 1 × 1\9 = 1\9

1 × 2

 

والملاحظ في هذه الإحتمالات ان مجموع الإمكانات عبارة عن تسعة، بينما تكون الإمكانات حسب طريقة المفكر الصدر اثني عشر إمكاناً. كذلك فإن القيمة الإحتمالية العظمى التي يحددها الصدر هي (8\12) أو (2\3)، بينما قيمتها الحقيقية حسب قانون برنولي هي (4\9).

وفي حالة إفتراض أربع تجارب فسيوجد هناك ستة عشر توفيقاً ممكناً. وطبقاً للمفكر الصدر فإن هذا العلم يضرب بالعلم الإجمالي الأول فيتكون لدينا (48) عضواً، حيث تحتل الحادثة (أ) ثلثي اعضائها. في حين أن مجموع الإمكانات الكلية طبقاً للقانون السابق هي (81)، حيث تتوزع على خمسة اشكال محتملة تحظى بالقيم التالية:

1ـ إحتمال ظهور (أ) في جميع التجارب الاربع:

 

4!

ـــــــــــــــــــــــــــ × 16\81 × 1 = 16\81

4! (4 - 4)!

 

2ـ إحتمال عدم وقوع (أ) في أي تجربة مطلقاً:

 

4!

ـــــــــــــــــــــــــــ × 1 × 1\81 = 1\81

صفر! (4 - 0)!

 

3ـ إحتمال وقوع (أ) في تجربة واحدة فقط:

 

4!

ــــــــــــــــــــــــ × 2\3 × 1\27 = 8\81

1! (4 - 1)!

 

4ـ إحتمال وقوع (أ) في تجربتين:

 

4!

ـــــــــــــــــــــــ × 4\9 × 1\9 = 24\81

2! (4 - 2)!

 

5ـ إحتمال وقوع (أ) في ثلاث تجارب:

 

4!

ــــــــــــــــــ × 8\27 × 1\3 = 32\81

3! (4 - 3)!

 

هذه خمسة اشكال محتملة يحظى فيها الشكل الخامس أعظم قيمة للإحتمال، وليس بينها ما يحمل ثلثي المراكز المقدرة.

على هذا نخلص بأن طريقة الصدر السابقة لتفسير القضايا الإحتمالية ذات الأطراف اللاثنائية ليست صحيحة، ولا يوجد مبرر معقول لتمييزها عن القضايا الأخرى الثنائية. وفي جميع الأحوال إن من الممكن تفسير تلك القضايا تبعاً لإعتبار وجود مراكز وعوامل مفترضة، حيث تتوزع الحصص المستحقة لكل طرف من الأطراف الممكنة. بل إن صياغة قانون برنولي قائمة على هذا الشكل المنطقي مثلما تصوره النظرية التقليدية للإحتمال، وكل عملية تفسير قائمة على الإمكانات وتساويها، تبعاً لمبدأ عدم التمييز، لا جدوى لها، لأنها ليست سوى تحصيل حاصل.

 

 

1 Hacking; p.143.
2 Popper; p.180.
3انظر:Mariana Belis, ‘On the Causal Strucure of Random Processes’, in: Logic, Language and Probability, Holland, D. Reidel Publishing Company, 1973, p.67.
4حيث ان الحادثة لها درجة النصف من الإحتمال فإن من الممكن معرفة عدد توافيقها من العلاقة: ن!\م!(ن - م)!، حيث (ن) تمثل عدد الإختبارات، و(م) تمثل الإختبارات المرادة للنجاح.
5 علماً بأن مجموعة التوافيق الكاملة تقدر بإمكانات الحادثة مضروبة في نفسها بعدد الإختبارات. فإذا كانت الحادثة ذات إمكانيتين كما هو الحال في رمي قطعة النقد، فإن مجموعة التوافيق الكاملة لاربعة إختبارات هي عبارة عن (2) مضروبة في نفسها أربع مرات، والنتيجة تساوي (16). ولو كانت الرميات عبارة عن مائة، فإن مجموعة التوافيق تكون عبارة عن (2) مضروبة في نفسها مائة مرة.
6 Mises; p.108.
7 حول اشتقاق قانون الاعداد الكبيرة لبرنولي يراجع الملحق رقم (1).
8 Mises; p.105.
9 Kneale; p.139ـ140.
10 Hacking; p.155.
11 Lucas; p.162.
12 Kneale; p.141.
13 الاسس المنطقية للاستقراء، ص215ـ216.
14 المصدر السابق، ص218. والصحيح ان يقال أن (أ) تحظى بمراكز تتناسب طرداً في قربها من النسبة (2\3) كلما كانت الإختبارات كبيرة، ولا يمكنها أن تطابق هذه النسبة مع أخذ إعتبار منتهى الدقة الرياضية. إذ كما عرفنا أن نظرية برنولي لا تقر بتطابق النسبة بين الإحتمالين القبلي والبعدي، إنما تؤكد على اقتراب الإحتمال البعدي من الإحتمال القبلي كلما زاد عدد الإختبارات باضطراد.
15 يلاحظ ان هذه القاعدة لا تصح فيما لو كانت الحادثة مؤكدة أو منفية، أي فيما لو كانت قيمة الحادثة واحداً أو صفراً. كما يلاحظ انه إذا كان إحتمال الحادثة نصفاً فإن المقدار الناتج عن هذه القاعدة لكل الاشكال يظل ثابتاً لا يتغير.   
comments powered by Disqus