-
ع
+

علاقة الأعيان الثابتة بالوجود

يحيى محمد 

لفظ الاعيان الثابتة هو لفظ عرفاني اريد به معنى الماهية الامكانية قبل ان يفيض عليها الوجود. وهو يصدق على الاشياء الكلية والجزئية، بينما يطلق الفلاسفة على الكليات عادة مصطلح الماهيات والحقائق، وعلى الجزئيات مصطلح الهويات.1

ويُقصد بالاعيان الثابتة انها صور الاشياء الكامنة في العالم الالهي، او انها صور الوجودات الامكانية. لكن اذا كنا قد علمنا ان الماهيات هي اظلال الوجود وان لها خصوصية محاكاته في الشبه، فان الامر في العلاقة بين الاعيان الثابتة والوجودات الممكنة لا يستقيم الا بان يتخذ صورة العكس، حيث يكون الوجود الامكاني تابعاً وظلاً حاكياً لما عليه تلك الاعيان. فهذه الاخيرة تسبق الوجود وتتقدمه رتبة باعتبارها كائنة في محل الجمع الالهي. والاعيان مع هذا السبق والتقدم والاصالة فانها ليست معدودة في لوح الوجود، وعلى حد قول الفلاسفة والعرفاء انها ما شمت رائحة الوجود ولا كانت موضعاً للجعل والتأثير، بخلاف الحال مع نظيرها الوجود. لكن من جانب اخر انها بهيئتها الجمعية تعبر عن ذات الوجود الالهي الذي يمثل صور الاشياء جميعاً ضمن قاعدة (بسيط الحقيقة كل الاشياء). وهنا ان الفارق بين الوجود والماهية يتحدد بحسب اعتبارات الحدود، حيث تتصف الماهية بكونها محدودة، أما الوجود المحض فهو عبارة عن مجموع الماهيات من غير ان يكون محدوداً بحد خاص، مثلما صوره صدر المتألهين.

فها نحن امام مشاكلة ومطابقة اخرى بين الوجود والماهية، او الاشياء والاعيان الثابتة. فالمشاكلة والسنخية بين الوجود والماهية على الصعيد المعرفي الانساني ما هي الا نتاج تلك المشاكلة السابقة بين الاعيان الثابتة والاشياء، وبالتالي بين المبدأ الاول والوجودات الفائضة عنه.

ورغم ان صدر المتألهين انكر وجود سنخية بين المبدأ الاول والماهيات الكلية2، الا ان اعتبار الماهية شبحاً وصورة للوجود، لا بد ان يحتم وجود نوع من التناسب بينها وبين الاول.

نعم انه عند اخذ الوجود بمعناه الفعلي فانه لا مجال للقول بوجود اي شبه ومشاكلة بين الطرفين، لكن اخذ الوجود بمعناه الذاتي يقيم هذه العلاقة، وهو المعنى الذي صرح به ذلك الحكيم في العديد من المرات، واعترف بوجود المشاكلة والمحاكاة بين الوجود والماهية، وبالتالي يتحتم ان يكون بين المبدأ الاول والماهيات نوع من الشبه والمشاكلة مهما بدا ضعيفاً، فمن المقرر وجود هذه المشاكلة بينه وبين الوجودات الفائضة عنه، وانه مع وجود المحاكاة بين هذه الوجودات وماهياتها، فانه لا محالة ان تكون هناك مشاكلة ومحاكاة بين ذلك المبدأ والماهيات المجعولة عرضاً بجعل الوجود. بل نجد في بعض المواضع ان كلام صدر المتألهين يتضمن هذه المسانخة والمحاكاة، كالذي صرح به تعويلاً على اثولوجيا افلوطين، اذ قال: ‹‹ان جميع الماهيات والممكنات مرائي لوجود الحق تعالى، ومجالي لحقيقته المقدسة، لكن المحسوسات لكثرة قشورها لا يمكن فيها حكاية الحق››.3

ورغم اننا لا نجد اتحاداً نوعياً بين الماهيات المجردة او المفاهيم النوعية الكلية باعتبارها مفاهيم مبهمة، لكن فيما يخص الماهيات الجزئية يلاحظ انها تعكس ما عليه رتب الوجود الخاصة، وبالتالي فان تكثر الماهيات واختلافها انما يأتي من حيث كونها مفاهيم كلية غير مجعولة. وسواء اعتبرنا الماهية المجعولة هي نفس الذات المشخصة أو أنها ظل الوجود وتابعه، ففي كلا الحالتين يقتضي الامر ان تكون هناك وحدة للماهيات يسود بين مراتبها التشابه والتشكيك. الامر الذي يفسر لنا علة مشابهة محض الوجود للوجودات من حيث كونهما وجوداً، في الوقت الذي يشابه الماهيات من حيث كونه جامعاً لكل الأشياء الماهوية، او باعتبار كونه جسماً اشرف من سائر الانواع الجسمية، او انه نور الانوار جميعاً، وهو تعبير اخر عن الكيفية الماهوية وليس الوجود.

هكذا حين يكون الوجود أصلاً والماهية فرعاً فانه لا يمنع من وجود سنخ وتشكيك فيما بين الفروع كما هو حاصل مع الاصول. بل اذا كانت الفروع على شاكلة الاصول، وكانت الاصول ذاتها محكومة بمنطق المشاكلة، فان الفروع ستكون هي الاخرى محكومة بهذا المنطق بالعرض والتبعية. وكل ذلك من مقتضيات قانون السنخية.

كما بحسب هذا المنطق ان سريان الوجود وتنزلاته يجر معه تنزلات ما يتبعه من الماهيات. فالسريان مختص بالوجود، فهو يسري على الماهيات فيجعلها موجودة، وهو بهذا السريان الذي يحفظ للماهيات مقام التبعية يتنزل فيكون بعضه اضعف من البعض الاخر وفقاً لمقدار البعد عن المبدأ الاول، لكن ذلك يفضي الى ان تكون الماهيات التي يسري عليها الوجود هي الاخرى متنزلة بالتبع، فيكون بعضها اضعف من البعض الاخر وفقاً لما هي عليه من الرتب التابعة للوجود.

مع هذا يمكن القول ان الماهيات من حيث كونها اعياناً ثابتة فانها تكون الاصل في نشأة الوجودات الفائضة، فهي لا تتقدم على وجود الممكنات فحسب، وانما ايضاً لها ارتباط سنخي معه. وهنا تنشأ المشكلة، اذ كيف يمكن تصور انها الاصل الذي تعود اليه نشأة الوجودات الممكنة مع انها لا توصف بالوجود؟

وبعبارة اخرى كيف نصف الاعيان الثابتة قبل سريان الوجود عليها، وما سر هذا السريان وعلاقة ذلك بمولد التفكير الوجودي (السنخية)؟

 

مشكلة تقدم الاعيان الثابتة على الوجود

لقد افترض الفلاسفة الذين قالوا باصالة الوجود في الممكنات ان هذا الوجود تسبقه الماهيات المعبر عنها بالاعيان الثابتة، لكن السؤال المطروح، هو كيف يجوز ان تتقدم الماهية على وجودها، مع ان التقدم يعطي لها بعداً من الكمال؟ باعتبار ان الاخس لا يمكنه ان يكون قبل الاشرف بحسب منطق السنخية، وبالتالي فان الاشرف هو اولى بالوجود من غيره.

وقد يبدو لأول وهلة ان الفلاسفة لا يترددون في وصفها بالوجود الذي يصحح مسألة تقدمها وكمالها، وكما وصفها صدر المتألهين بانها وإن لم تكن موجودة برأسها لكنها مستهلكة في عين الجمع، وهذا الاستهلاك هو نحو موجوديتها4. كما وصفها ايضاً بانها وإن لم تكن في الازل موجودة بوجوداتها الخاصة الا انها كلها متحدة بالوجود الواجبي، واعتبرها بهذا القدر قد خرجت عن كونها معدومة في الازل، دون ان يلزم شيئية المعدوم كما زعمته المعتزلة5. لهذا كانت بنظره عبارة عن صور كمالات الحق تعالى ومظاهر اسمائه وصفاته6، او انها تمثل المجالي والمظاهر التي تتجلى فيها صفات الرب وظهور اسمائه.7

او هي كما عرفها حيدر الآملي ‹‹من شئونه الذاتية التي هي عبارة عن كمالاتها الغير المتناهية الكامنة في ذاته المسماة بالصفات والاسماء والكمالات والشئون››.8

وهي من هذه الناحية تمثل معلومات الله الازلية وصوره العلمية التي لا يجوز ان توصف بكونها مجعولة لكونها معدومة في الخارج9. او باعتبارها قوابل للتجليات الالهية والاسمائية، بالتالي فانها ليست بجعل جاعل.10

فبهذه الاعتبارات يمكن ان يقال: كيف لا يكون للاعيان الثابتة وجود، وهي التي تمثل موضع الشهود العلمي المعبر عنه بالفيض الاقدس والمخاطبة بخطاب (كن)، فهي منتسبة بهذه الجهة الى حضرة الوجود، ومستفيضة منه الوجود الآخر العيني المعبر عنه بالفيض المقدس، والذي يعتبر محض الاضافة الاشراقية، فكيف لا يكون لها وجود اعظم من الوجود الخارجي الذي تظهر به في فيضها الآخر المقدس 11؟ وهي قد سميت بالفيض الاقدس بمعنى الاقدس من شوائب الكثرة الاسمائية ونقائص الحقائق الامكانية12، خاصة انها تمثل صوراً علمية، والصور لدى الفلاسفة من طبقة صدر المتألهين احق بالوجود من غيرها. كيف لا وقد اقر هذا الحكيم بان للاشياء وجوداً الهياً كما لها وجود عقلي ومثالي وطبيعي، فذلك الوجود هو عين صور الاشياء كلها؛ كلّيها وجزئيها وقديمها وحادثها، وهو الذي اعتبره اولى ان يكون نفس الامر دون ان يلزم ثبوت المعدومات، فالمعدوم المحال لديه هو انفكاك الشيئية عن الوجود مطلقاً، لا انفكاكها عن الثبوت الخارجي مع تحققها بالوجود الرباني وظهورها فيه13. بل كما سنرى ان الاعيان الثابتة تكون في رتبة الذات الالهية الاحدية هي الفاعل والقابل للموجودات، وهي خالقة كل شيء، كالذي ذهب اليه العارف حيدر الاملي والذي يتفق مع مذاق صدر المتألهين.

وواقع الامر ان الفلاسفة تارة يضفون على الاعيان نوعاً من الوجود يصحح كمالها وتقدمها، واخرى ينفون ذلك عنها. فهي من حيث الاعتبار الاول لا تخرج عن الوجود الالهي، بل انها ذات الشهود العلمي الالهي وفيضه الاقدس، وبكلها تمثل عينه وان كانت غيره من حيث التعين والتقيد. لكنها من ناحية اخرى عُدت في حيز الامكان العدمي ما شمت رائحة الوجود ازلاً وابداً. وكما قرر صدر المتألهين بأن الماهيات قبل الوجود لا يمكن الحكم عليها بشيء من الاشياء، ولا حتى الحكم عليها بثبوت نفسها لها، اذ لا ظهور لها ولا امتياز فيما بينها قبل الوجود، انما بالوجود تظهر الماهيات المظلمة الذوات على البصائر والعقول، وبسبب الوجود المعقول او المحسوس يمكن الحكم عليها انها هي هي او ليست الا هي، أما هي لذاتها فليست موجودة ولا معدومة ولا ظاهرة ولا باطنة، ولا قديمة ولا حادثة. فجميع السلوب صادقة في حقها ازلاً وابداً، فلا لا ذات لها حتى يثبت لها شيء من الاشياء، وبالتالي فان ارتفاع النقيضين انما يستحيل عن الشيء الموجود من حيث كونه موجوداً لا من حيث كونه غير موجود. ومن ثم فالحكم على الماهيات ولو كان باحكامها الذاتية واوصافها الاعتبارية السابقة الازلية من الامكان والبطون والظلمة والخفاء والكمون واشباهها انما يتوقف على انصباغها بصفة الوجود واستنارتها به. لذلك يقول بعض اهل الكشف بان الماهيات لم تظهر ذواتها ولن تظهر ابداً، بل يظهر احكامها واوصافها، وما شمت رائحة الوجود اصلاً14.

ويوضح صدر المتألهين مراده من امر حقيقة هذه الاعيان تارة فلسفياً بعلاقتها بالوجود، واخرى عرفانياً بعلاقتها باسماء الله. ومن حيث العلاقة الاولى اعتبر ان لشيئية الممكن وجهين، هما شيئية الوجود وشيئية الماهية، وتمثل الشيئية الاولى ظهور الممكن في مرتبة من المراتب وعالم من العوالم. في حين تمثل شيئية الماهية نفس معلومية الماهية بنور الوجود، وانتزاعها من دون تعلق الجعل والتأثير بها، وكذا من غير انفكاك هذه الشيئية عن الوجود، فلا تعني موجودية الماهيات ان الوجود يصير صفة لها، بل ما يحصل هو انها تصير معقولة من الوجود ومعلومة منه، فيكون المشهود هو الوجود والمفهوم هو الماهية، وبذا تمتاز شيئية الممكن عن الممتنع، وتتقبل الفيض الربوبي وتستمع أمر (كن) فتدخل في الوجود بامر ربها15. فالاعيان الثابتة مستعدة في ذواتها وحال عدمها لقبول الامر الالهي اذا ورد عليها الوجود عبر تلك الكلمة، كما في قوله تعالى: {انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون} النحل/40، حيث بها تكونت وظهرت في الاعيان الخارجية16. هكذا ان شيئية الماهية للممكن وثبوتها للامر الواجبي والفيض الالهي هو ظهور احكامها بنور الوجود لا اتصافها به. ويؤيد هذا الذي ذكره صدر المتألهين هو ان الممكنات عند العرفاء والصوفية ليس لها الا الشيئية الثبوتية، لا الشيئية الوجودية الا مجازاً، ولاجل ذلك لما سمع ابو القاسم الجنيد حديث ‹‹كان الله ولم يكن معه شيء›› قال: والآن كما كان17. فالماهيات او الاعيان من هذه الناحية لا تتصف بالوجود، انما لها شيئية وسطية بين الوجود والعدم التام، هي تلك المطلق عليها الشيئية الثبوتية.

ومن حيث العلاقة الثانية، اي علاقة الاعيان باسماء الله كما يصورها العرفاء ويتابعهم فيها صدر المتألهين، فهي ان هذه الاعيان تُعد لوازم تلك الاسماء، وعند القيصري ان الاعيان تارة تكون عين الاسماء بحكم اتحاد الظاهر والمظهر، وتارة اخرى غيرها18، وهي من حيث كونها من لوازم الاسماء فذلك يعني ان تكثرها مستند الى تكثر الاسماء او الصفات، وكما يشير القيصري واتبعه في ذلك صدر المتألهين، انها من حيث كونها في غيب الحق وحضرته العلمية تعد شؤون الحق واسماءه الداخلة في الاسم الباطن، ولما اراد الحق ايجادهم ليتصفوا بالوجود في الظاهر كما اتصفوا بالثبوت في الباطن اوجدهم باسمائه الحسنى، فاول مراتب ايجادهم اجمالاً هو في الحضرة العلمية التي هي الروح الاول19، وبه دخلوا تحت الاسم الظاهرالذي هو مظهر العلم الالهي، كما انه مظهر القدرة الالهية. والاعيان الثابتة هي التي تعلق بها علم الله، فادركها على ما هي عليه مع لوازمها واحكامها. فالعلم في المرتبة الاحدية عين الذات مطلقاً20، وفي المرتبة الواحدية التي هي حضرة الاسماء والصفات صور مغايرة للذات حيث فيها الاعيان21، وذلك نظير ما ذهب اليه المشاؤون من ان علمه تعالى بالاشياء عبارة عن صور موجودة بعد وجوده وعلمه بذاته، وهي قائمة بذاته قيام الاعراض بموضوعاتها.

لكن لدى صدر المتألهين ان الامر ليس كذلك، فقد اعتبر الاعيان الثابتة معان متكثرة انسحب عليها حكم الوجود الواجبي بالعرض، والتغاير بينهما ليس بحسب الوجود، بل بحسب المعنى والمفهوم. فعلم الله بالاشياء علماً تفصيلياً عبارة عن المعاني والنسب اللازمة لاسمائه وصفاته، وهذه الاسماء والصفات ليست متأخرة في وجودها عن وجود الذات الاحدية تأخر الصفات الزائدة على الشيء عن وجوده، بل هي موجودة بوجود الذات، فتكون صفات الله عين ذاته وجوداً وغيرها معنى، وكذا الاعيان والمظاهر قياساً بالاسماء والصفات. فهذا هو معنى كون الاعيان قبل وجودها في الخارج موجودة في علم الله، وليس كما يفهم من ظاهر كلمات العرفاء من ان ثبوتها يجعلها منفكة عن الوجود. فهي اذن موجودة قبل وجودها في الخارج بوجود الاسماء والصفات، بل بوجود الحق، لكنها هناك غير مجعولة الوجود، كما انها غير مجعولة العين، وهي في الخارج مجعولة الوجود، فجعلها هنا تابع لجعل الوجودات الامكانية كما ان لا مجعوليتها هناك تابع للا مجعولية الوجود الواجبي. وبالتالي جاز القول ان العلم تابع للمعلوم، كما جاز القول ان المعلوم تابع للعلم، لاختلاف الجهتين، فثبوت الاعيان من حيث هي هي هو غير وجودها في علم الله بوجود الذات، غيرية الماهية من حيث هي لوجودها، والاول معلوم والثاني علم، فيكون العلم تابعاً للمعلوم. ثم ان وجودها في العلم الاحدي مقدم على وجودها في الخارج، فيكون المعلوم تابعاً للعلم22. اذن ان ثبوت هذه الاعيان انما بحسب صفاته واسمائه، فهو مشيء الاشياء، مثلما انه بحسب فعله وجوده موجد الموجودات ومظهر الهويات. فشيئية الاشياء انما هي برحمة الصفة لا برحمة الفعل، وصفات الله لا تعلل.23

وواضح هنا ان صدر المتألهين لا ينفي عن الاعيان الثابتة وجودها، انما ينفي عنها ذلك الوجود الجعلي، وبالتالي انه بحسب هذا المفهوم لا تكون الاعيان وسطاً بين الوجود والعدم التام، فهي موجودة بوجود غيرها من غير جعل24. اذ الجعل لا يكون للقابل او الماهيات، بل يصدق على الوجود الخارجي، فهي من حيث هي هي ليست مجعولة25. ومن المفترض ان تكون في وجودها اللا جعلي هذا اكمل واتم مما هي عليه في وجودها الجعلي اللاحق، خاصة وانها تعد من لوازم الاسماء والصفات الالهية، وبالتالي لا مبرر لاعتبارها تمثل ذلك الثبوت المظلم. حتى استدل العرفاء والاشراقيون على هذا النوع من الثبوت المظلم للماهيات بالحديث النبوي القائل: ‹‹خلق الله الخلق في ظلمة، ثم رش عليه من نوره››؛ اشارة الى ثبوتها في العلم قبل ان تظهر بالوجود، او المعبر عنه بالشيئية دون الوجود26. وكذا استدلوا عليها بقوله تعالى: {وجعل الظلمات والنور} الانعام/ 1، حيث اعتبروا تقدم الظلمات على النور للاشعار بثبوت الاعيان او الماهيات في الثبوت العلمي27. وكان ابن عربي يرى ان الظلمة هي غيب الغيب وحضرة الهية لا تُسلك ابداً الا بنور السالك28. وعلى ما يبدو انه هنا يراد لها من الكمال الذي هو كمال الباطن ما يفوق كمال الظاهر او الوجود الخارجي.

مع ان هناك مشكلة تتعلق بتفسير الحديث النبوي والآية القرآنية الانفي الذكر. فلفظة (خَلَقَ) في الحديث لا يمكن تفسيرها بمعنى جعل واوجد وما شاكل ذلك، اذ الاعيان الثابتة ليست مجعولة، لهذا فسرت بـ (قدّر)، فيصبح المعنى ان الله تعالى قدّر الخلائق في عالم الظلمة لكونها لم تتنور بعد ولم تتعلق بالايجاد والجعل من قبل الاسماء الالهية.29

والواقع ان هذا المعنى حتى لو كان يطابق الحديث تماماً من حيث كون (خلق) بمعنى (قدّر)، فانه لا يطابق مقام ما هو عليه الماهيات الا مجازاً، فهي لا تخضع لتقدير مقدر بمعنى القياس والتدبير، فهي مقدرة بذاتها دون حاجة الى من يقدرها، لكونها تمثل جمعاً عين ذات المبدأ الحق.

أما ما جاء في الآية من كون الجعل شاملاً لكل من الظلمات والنور حيث يقول تعالى: {وجعل الظلمات والنور}، فقد فُسّر الجعل ايضاً على معنى التقدير من حيث هو متعلق بالظلمات30، فيكون معنى جعل انه (قدّر)، في الوقت الذي لا يخرج معناه عن الجعل والايجاد، فيكون بمعنى (قدّر) بخصوص الظلمات، وبمعنى (جعل واوجد) بخصوص النور، وهو تأويل وتفكيك لسياق الآية كما هو واضح.

وفي جميع الاحوال يلاحظ ان الاستدلال المذكور حول اسبقية الظلمة على النور يواجه اعتراضاً، وهو ان الماهيات في العالم الجمعي الالهي ينبغي ان تكون اكمل مما هي في هذا العالم لاعتبارات تتعلق بانها في عالم السبق والجمع والصورة والاله، مما هو مفضل على عالم الخلق والمادة. فكان الاولى ان لا يصرح بأنها في محل التقدير، فهي في عالم يفيض عليها بالوجود ضمن ما يعرف بالفيض الاقدس، وان كان باعتبار آخر يمكن القول بانها غير موجودة بالوجود الجعلي لعدم تنزلها الى عالم الخلق. فهي اشبه بقطة شرودنجر التي أُعتبرت قبل الرصد والكشف وانهيار الدالة الموجية بان حقيقتها ليست حية ولا ميتة، بل بين بين، ضمن عالم الامكان والاحتمال، كالذي صرح به نيلز بور. وهو ما جعل اينشتاين يعتبر هذه القصة غير مكتملة ولا مفهومة31.

بل لا ينفع ما قد يطرح للتوجيه من ان الاعيان لو اُخذت مقيدة منفصلة عن بعضها البعض فهي ماهية بلا وجود لاستهلاكها في عين الجمع، ولو اُخذت كلها مطلقة فهي وجود عبارة عن ذات الحق نفسها. فيصبح هذا العالم وجوداً من حيث الكل، وليس وجوداً من حيث التقييد، وهو حق بالاعتبار الاول، وخلق بالاعتبار الثاني، وكذا مطلق ومقيد.

فهذا التوجيه الذي يجعلنا نقترب من المفهوم الصوفي لوحدة الوجود، لا يسعه ان ينكر كثرة تلك الصور في عين الوحدة الجمعية، وهو الامر الذي يصحح وجودها قاطبة.

وعليه لو اعتبرنا أن للاعيان وجوداً، هو الوجود غير المجعول، فستصبح الماهيات في ذلك العالم هي عين الوجود بلا فرق، رغم انه بالوجود الجعلي تتمايز الماهية عن الوجود. ومن ثم سيتصحح المعنى فيكون سريان الوجود وفيضانه على الوجود بالذات، اي اضافة الوجود الجعلي على الوجود غير المجعول.

اما علة نفي الوجود عن تلك الاعيان لدى الفلاسفة، او ترددهم في ذلك، انما يرجع على ما يبدو الى ان الاقرار بوجود الاعيان يفضي بثبوت موجودات كثيرة متمايزة في عين الذات الواحدة. ولا شك ان الفلاسفة يخشون من مثل هذه الكثرة للوجود في المبدأ الاول، وهو ما جعلهم يتحاشون اثبات وجودها، الا بنحو استهلاكيتها وجمعها، فعبروا عن ذلك بتعبيرات اخرى هي اقرب للتوسط بين الوجود والعدم. رغم ان الفلاسفة والعرفاء يعولون على هذه الاعيان في تفسير العديد من المظاهر التي تخص العلاقة الجارية بين الحق والخلق. ومن ذلك انها منبع للخير والشر كما يراها العرفاء. اذ ليس للحق سوى ان يفيض عليها وجودها الخارجي الآخر. فالسريان هو اظهار الاعيان وابراز احكامها من عالم الظلمة والخفاء الى عالم النور والظهور، فهي اظلال النور، حيث ظهورها به وعدميتها في نفسها. وان هذا الاظهار يجعل من علاقة الحق بالخلق علاقة تكاملية، فاحدهما يحتاج للاخر ويفتقر اليه، كالذي يصوره لنا ابن عربي في التقابلات التي يقيمها بين الحق ووجودنا، ومن ذلك قوله: ‹‹فوجودنا وجوده، ونحن مفتقرون اليه من حيث وجودنا، وهو مفتقر الينا من حيث ظهوره لنفسه››32. وكذا قوله في بيت له من الشعر:33

فأنى بالغنى وأناأساعده وأسعده

والمعنى هو ان الحق ليس غنياً الغنى المطلق، فنحن نساعده باعياننا الثابتة في ظهور اسمائه وتجلياته وجميع كمالاته فينا، فالقابل مساعد للفاعل في فعله، وذلك بقبوله هذا الفعل34. وعلى حد قول الجندي بان هذا البيت ‹‹يشير الى توقف النسب الاسمائية على الاعيان الكونية، فان الالهية متوقفة على العبودية، فهو من حيث انيتي العبدانية يساعده بي ويسعده، كما قال تعالى: {ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم} محمد/ 7، والنصر المساعدة والاسعاد في تحقيق الربوبية والالوهية، وحسن تأتي القابل في كمال مظهريته لربه اسعاده له، فان سعادة الحقايق والنسب الاسمائية ان يظهر اثارها في مظاهرها››.35

مهما يكن فان للوجود مراتب وتعينات مختلفة، هي الذات ثم اسمائها وصفاتها التابعة لها، ثم ما يلزم عنها من الاعيان الثابتة المسماة بالفيض الاقدس، وبعد ذلك الوجود الخارجي المجعول المعبر عنه بالفيض المقدس. فالفيض المقدس - كما يقول الاملي - مرتب على الفيض الاقدس، وهذا الاخير مرتب على الاسماء الالهية، وهذه الاسماء مرتبة على الذات الازلية36. او يمكن القول ان هناك الذات الحقة التي تتضمن اسماءها وتوابعها، ومن بعدها الوجودات الخاصة الخارجية الموجودة بسبب التجليات الحاصلة من الذات بحسب شؤونها واسمائها على الاعيان.

لكن سؤالنا هو: كيف امكن لهذا التجلي ان يتم؟ وبعبارة ثانية ما هو مبرر انبساط الوجود من الذات الحقة على غيرها؟ ثم ما هي طبيعة العلاقة بين هذه الوجودات؟

كما ان تفسير ظاهرة السريان والنقص والتعدد والاختلاف بحسب تفاوت الماهيات يثير مشكلة كتلك التي طرحها النراقي، وهو ان الماهيات اعتبارية بحسب القائلين باصالة الوجود، فكيف يجوز ان تكون هي السبب للتعدد والاختلاف مع انها من العدميات37؟

كذلك هناك مشكلة اخرى تجعل القول بالوجود الجعلي ينافي القول بالوجود الواحد المنبسط، فالاخير لا يدع مجالاً للجعل والتأثير باعتباره واحداً غير متكثر حتى يؤثر بعضه في البعض الاخر، فصفته الثابتة من الوحدة والانبساط لا تدع مجالاً لتلك المقالة، والا تضمن شيئاً من التغير والانقلاب، وكما قال العارف الخميني انه بحسب ذوق العرفاء فان الماهية هي المجعولة باعتبارها مفتقرة وليس في الوجود جعل ابداً، بل له الاصالة والحقيقة والظهور والبطون والاولوية والاخرية، وليس هذا عنده من الجعل38. وبالتالي فالقول بالسريان هو قول مجازي، فليس من شيء يسري على شيء اخر، اذ ليس في العين غير الوجود الواحد المنبسط بذاته اصلاً.

هكذا فان الجعل والتأثير لا يلوح الاعيان الثابتة التي تمثل القابلية للوجود، بل كذلك يصدق الامر على الوجود ذاته باعتباره واحداً غير متكثر.

 

الخلاصة

يمكن ابراز خلاصة ما قدمناه بحسب النقاط التالية:

* رغم ان الاصالة للوجود قبال الماهية عند الفلاسفة المتأخرين، وان وجود الماهية هو تبع لوجود الوجود ذاته، لكن مع هذا فان الماهية تسبق وجودها في ما يسمى الاعيان الثابتة، حيث يعرض عليها الوجود بالسريان فتكون موجودة به عرضاً. والاعيان قبل ان يسري عليها الوجود لا توصف به، وانما لها نوع من الثبوت المعبر عنه بالثبوت المظلم؛ باعتبارها لم تتنور بعد بالوجود الجعلي، رغم انها في الوجود الالهي عبارة عن صور الاشياء ولوازم الاسماء والصفات.

* الذي يتضح مما سبق ان هناك تقابلاً مضايفاً بين الوجود والماهية، فليس هناك وجود من غير ماهية، ولا ماهية من غير وجود، وان هذا الامر يمكن تقريره بشكل اخر هو التقابل الحاصل بين الوجود والاعيان الثابتة، حيث حاجة كل منهما للاخر، فلا الوجود يمكنه ان يكون وجوداً بدونها، ولا هي يمكنها ان تكون بدونه. وهذا المعنى من التقابل هو الذي فرض مسألة سريان الوجود وظهور الاعيان بالوجود، ومن ثم القول بوحدة الوجود ووجوب الكل. وبعبارة اخرى يمكن القول انه يتحتم على الوجود ان تضايفه الماهية والاعيان الثابتة، كما يتحتم على الوجود الواجب ان يتنزل عنه الوجود الممكن، فكل منهما مفتقر للاخر، تبعاً لمنطق السنخية كأصل معرفي مولد.

 

1 مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، ج1، ص45.

2 الاسفار، ج1، ص418-419.

3 ايقاظ النائمين، ص36.

4 ايقاظ النائمين، ص31.

5 الاسفار، ج6، ص283.

6 صدر المتألهين: مفاتيح الغيب، تقديم وتصحيح محمد خواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنكي، ص326. والاسفار، ج1، ص262.

7 مفاتيح الغيب، ص335.

8 حيدر الاملي: اسرار الشريعة واطوار الطريقة وانوار الحقيقة، مقدمة وتصحيح محمد خواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنكي، 1983م، ص16.

9 اسرار الشريعة، ص13ـ14.

10 نقد النقود، مصدر سابق، ص683.

11 ان اصطلاح الفيض الاقدس والفيض المقدس هو اصطلاح صوفي يقابل اصطلاح الماهية والوجود للممكنات لدى الفلاسفة. فالفيض الاقدس والمعبر عنه بالاعيان الثابتة له نحو من الوجود الباطن والسابق على نظيره الظاهر، ويطلق عليه ايضاً بالتجلي الاول، مثلما يطلق على الفيض المقدس بالتجلي الثاني.

12 نقد النقود، ص683.

13 الاسفار، ج6، ص261-262. ويقول احد شراح (فصوص الحكم): ‹‹اعلم ان للاسماء صوراً معقولة في علم الله تعالى، لانه عالم بذاته لذاته، واسمائه وصفاته، وتلك الصور العقلية العلمية من حيث انها عين الذات المتجلية بتعين خاص، ونسبة معينة هي المسماة بالاعيان الثابتة، سواء كانت كلية او جزئية في اصطلاح اهل الله... فالماهيات هي الصور الكلية الاسمائية المتعينة في الحضرة العلمية، وتلك الصور فايضة من الذات الالهية بالفيض الاقدس والتجلي الاول بواسطة الحب الذاتي، وطلب مفاتيح الغيب التي لا يعلمها الا هو، ظهورها وكمالاتها، فان الفيض ينقسم بالفيض الاقدس والمقدس، وبالاول تحصل الاعيان الثابتة واستعداداتها الاصلية، وبالثاني تحصل تلك الاعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها، وهذا بحث مبني على ان الفاعل والقابل يكون شيئاً واحداً، ولا يكون في الوجود الا هو وكمالاته، فيكون فاعلاً من جهة وقابلاً من جهة اخرى، كما قالت الحكماء في العقل والعاقل والمعقول، فانها شيء واحد في الحقيقة وكثيرة بالاعتبارات›› (اسرار الشريعة، ص14).

14 الاسفار، ج2، ص288-289.

15 يصور صدر المتألهين حالة افاضة الوجود على الاعيان الثابتة بانها جاءت على طلب واستئذان من هذه الاعيان. فكأن العبد يسأل ربه ويقول: إئذن لي ان ادخل في عالمك الوجود، فاجابه الحق بقوله: (كن)، اي ادخل حضرتي فقد اذنت لك (تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج6، ص415). وهو تصوير لحالة الامكان التي عليها الاعيان.

16 ابن عربي: الفتوحات المكية، دار احياء التراث العربي، الطبعة الاولى، 1418هـ - 1998م، ج1، ص224.

17 ايقاظ النائمين، ص30.

18 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص442.

19 علماً ان القيصري ذكر ما قيل من ان حضرة الاعيان هي الروح الاول الذي يتشعب الى ارواح غير قابلة للحصر، منها ارواح الكمّل لنوع الانسان، وكل روح منتقش فيه كل ما يجري عليه من الازل الى الابد، وهي الاعيان الثابتة. ومع ان العقل الاول هو ايضاً ينتقش فيه صور كل ما تحته من الحقائق الممكنة الكلية، الا انه يتصف بالوجود على خلاف الروح الاول باعتباره عيناً متصفة بالثبوت قبل الوجود. وهذا الرأي المنقول لم يتقبله القيصري لانه يصف تلك الحضرة بالثبوت قبل الوجود، اما عنده فالاعيان الثابتة هي من لوازم الاسماء الالهية المسماة بمفاتيح الغيب (مطلع خصوص الكلم، ج1، ص231).

20 ان العلم بالذات عند ابن عربي ليس في الحضرة الاحدية وانما الواحدية، وذلك على خلاف ما يذهب اليه القيصري كما يبدو.

21 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص231. ومفاتيح الغيب، ص331.

22 مفاتيح الغيب، ص331-332.

23 مفاتيح الغيب، ص206.

24 وكما يرى العارف حيدر الاملي بان الاعيان الثابتة لما كانت في الثبوت العلمي فهي قابلة، والقابل يستحيل جعله. فالفاعل والقابل هما شيء واحد، وان الفاعل هو ذات المبدأ الحق، وان القابل هو اسماؤه وصفاته، والاول يطلق عليه الوجود المطلق الحق، وان الثاني يطلق عليه الوجود المقيد الخلق، ويطلق على الكل مظهر اسمائه وصفاته وافعاله، وان الاعيان والحقائق هي صور معلومات الحق الازلية الاولية، وبالتالي فليس يمكن لهذا الوجود ان يكون جاعلاً لشيء يتعلق بذاته وكمالاته، وذلك لكونه على هذه الصفة دائماً، فكيف يصير غير هذا، وقلب الحقائق محال (اسرار الشريعة، ص14).

25 نقد النقود، مصدر سابق، ص680.

26 جامع الاسرار، ص263. وتفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج6، ص416.

27 الفيض الكاشاني: كلمات مكنونة، تصحيح وتعليق عزيز الله الفوجاني، انتشارات فراهاني، طهران، ص51. وملا نعيم الطالقاني: أصل الأصول، مقدمة وتصحيح وتعليق جلال الدين أشتياني، طبعة طهران، ص62.

28 كتاب نسخة الحق، ضمن رسائل ابن عربي (1)، مصدر سابق، ص268.

29 حاشية الاشتياني لاصل الاصول، ص153.

30 حاشية الاشتياني لاصل الاصول، ص 64.

31 للتفصيل انظر كتابنا: منهج العلم والفهم الديني، مؤسسة الانتشار العربي، الطبعة الثالثة، 2014م.

32 مؤيد الدين الجندي: شرح فصوص الحكم، تعليق وتصحيح جلال الدين اشتياني، انتشارات دانشگاه مشهد، ايران، ص412.

33 أبو العلا عفيفي: فصوص الحكم والتعليقات عليه، دار احياء الكتب العربية، 1365هـ - 1946م، ج1، ص 83.

34 مطلع خصوص الكلم، ج1، ص377.

35 الجندي: شرح فصوص الحكم، مصدر سابق، ص357-358.

36 نقد النقود، مصدر سابق، ص683.

37 قرة العيون، مصدر سابق، ص215.

38 روح الله الموسوي الخميني: تعليقات على شرح فصوص الحكم، مؤسسة باسدار اسلام، ايران، الطبعة الاولى، 1406هـ، ص204-205. وتعليقات على مصباح الانس، وهو مطبوع مع الاول، ص288.

comments powered by Disqus