يحيى محمد
لفظ الأعيان الثابتة هو لفظ عرفاني أريد به معنى الماهية الإمكانية قبل ان يفيض عليها الوجود. وهو يصدق على الأشياء الكلية والجة، بينما يطلق الفلاسفة على الكليات عادة مصطلح الماهيات والحقائق، وعلى الجزئيات مصطلح الهويات[1].
ويُقصد بالأعيان الثابتة انها صور الأشياء الكامنة في العالم الإلهي، أو انها صور الوجودات الإمكانية. لكن إذا كنا قد علمنا ان الماهيات هي أظلال الوجود وان لها خصوصية محاكاته في الشبه؛ فإن الإرتباط بين الأعيان الثابتة والوجودات الممكنة لا يستقيم إلا بأن يتخذ شكلاً معاكساً، حيث يكون الوجود الإمكاني تابعاً وظلاً حاكياً لما عليه تلك الأعيان. فهذه الأخيرة تسبق الوجود وتتقدمه رتبة باعتبارها كائنة في محل الجمع الإلهي. والأعيان مع هذا السبق والتقدم والأصالة فإنها ليست معدودة في لوح الوجود، وعلى حد قول الفلاسفة والعرفاء انها ما شمت رائحة الوجود ولا كانت موضعاً للجعل والتأثير، بخلاف الحال مع نظيرها الوجود (الإمكاني). لكن من جانب آخر انها بهيئتها الجمعية تعبّر عن ذات الوجود الإلهي الذي يمثل صور الأشياء جميعاً ضمن قاعدة (بسيط الحقيقة كل الأشياء).
وهنا يتحدد الفارق بين الوجود والماهية بحسب اعتبارات الحدود، حيث تتصف الماهية بكونها محدودة، أما الوجود المحض فهو عبارة عن مجموع الماهيات من غير ان يكون محدوداً بحد خاص، مثلما صوره صدر المتألهين.
إذاً، نحن أمام مشاكلة ومطابقة أخرى بين الوجود والماهية، أو الأشياء والأعيان الثابتة. فالمشاكلة والسنخية بين الوجود والماهية على الصعيد المعرفي الإنساني ما هي إلا نتاج تلك المشاكلة السابقة بين الأعيان الثابتة والأشياء، وبالتالي بين المبدأ الأول والوجودات الفائضة عنه.
ورغم ان صدر المتألهين أنكر وجود سنخية بين المبدأ الأول والماهيات الكلية[2]، إلا ان اعتبار الماهية شبحاً وصورة للوجود، لا بد ان يحتم وجود نوع من التناسب بينها وبين الأول.
صحيح أنه لا مجال للحديث عن وجود شبه أو مشاكلة بين الطرفين عند أخذ الوجود بمعناه الفعلي، إلا أن الأمر يختلف تماماً إذا ما أُخذ الوجود بمعناه الذاتي، حيث تُقام على أساسه هذه العلاقة. وهذا هو المعنى الذي صرّح به ذلك الحكيم في مواضع كثيرة، واعترف بوجود نوع من المشاكلة والمحاكاة بين الوجود والماهية.
وبناءً على ذلك، يتحتم القول بوجود نوع من الشبه والمشاكلة، ولو كان ضعيفاً، بين المبدأ الأول والماهيات. فمن المقرَّر وجود مشاكلة بينه وبين الوجودات الفائضة عنه، وحيث إن بين هذه الوجودات وماهياتها نوعاً من المحاكاة، فلا مفرّ من القول بوجود مشاكلة ومحاكاة بين المبدأ الأول وتلك الماهيات المجعولة عَرَضاً بجعل الوجود.
بل نجد في بعض مواضع كلام صدر المتألهين ما يفيد التصريح بهذا المعنى من المسانخة والمحاكاة، كقوله تعويلاً على (اثولوجيا) افلوطين: ‹‹ان جميع الماهيات والممكنات مرائي لوجود الحق تعالى، ومجالي لحقيقته المقدسة، لكن المحسوسات لكثرة قشورها لا يمكن فيها حكاية الحق››[3].
ووفقاً لما سبق، لا يلاحظ وجود اتحاد نوعي بين الماهيات المجرّدة - أو المفاهيم النوعية الكلية – باعتبارها مفاهيم مبهمة. لكن الحال مع الماهيات الجزئية فشيء مختلف، إذ يلاحظ انها تعكس مراتب الوجود الخاصة. وبالتالي فإن تكثر الماهيات واختلافها انما يأتي من حيث كونها مفاهيم كلية غير مجعولة. وسواء إعتبرنا الماهية المجعولة هي نفس الذات المشخصة أو أنها ظل الوجود وتابعه، ففي كلا الحالتين يقتضي الأمر وحدة في الماهيات يسود بين مراتبها التشابه والتشكيك.
وهذا ما يفسر لنا وجه المشابهة بين محض الوجود وبين الوجودات الأخرى من حيث كونهما وجوداً، كما يُفسر أيضاً وجه المشابهة بين محض الوجود والماهية من حيث كونه جامعاً لماهيات الأشياء كافة، أو باعتباره جسماً أشرف من سائر الأنواع الجسمية، أو بأنه نور الأنوار جميعاً. وهي تعبيرات تنتمي إلى المقاربة الماهوية لا الوجودية.
هكذا عندما يكون الوجود أصلاً، والماهية فرعاً، فذلك لا يمنع من وجود سنخ وتشكيك بين الفروع ذاتها، مثلما هو حاصل بين الأصول. بل إذا كانت الفروع على شاكلة الأصول، وكانت الأصول ذاتها محكومة بمنطق المشاكلة، فإن الفروع ستكون هي الأخرى محكومة بهذا المنطق بالعرض والتبعية. وكل ذلك من مقتضيات قانون السنخية.
كما وفقاً لهذا المنطق، ان سريان الوجود وتنزلاته يجر معه تنزلات ما يتبعه من الماهيات. فالسريان مختص بالوجود، فهو يسري على الماهيات فيجعلها موجودة، وهو بهذا السريان الذي يحفظ للماهيات مقام التبعية يتنزل فيكون بعضه أضعف من البعض الآخر وفقاً لمقدار البعد عن المبدأ الأول، لكن ذلك يفضي إلى ان تكون الماهيات التي يسري عليها الوجود هي الأخرى متنزلة بالتبع، فيكون بعضها أضعف من البعض الآخر وفقاً لما هي عليه من الرتب التابعة للوجود.
مع هذا يمكن القول إن الماهيات من حيث كونها أعياناً ثابتة فإنها تكون الأصل في نشأة الوجودات الفائضة، فهي لا تتقدم على وجود الممكنات فحسب، وانما أيضاً لها ارتباط سنخي معه.
وهنا المشكلة، إذ كيف يمكن تصور انها الأصل الذي تعود إليه نشأة الوجودات الممكنة مع انها لا توصف بالوجود؟
وبعبارة أخرى، كيف نصف الأعيان الثابتة قبل سريان الوجود عليها؟ وما سر هذا السريان وعلاقة ذلك بمولّد التفكير الوجودي (السنخية)؟
مشكلة تقدم الأعيان الثابتة على الوجود
لقد افترض الفلاسفة القائلون بأصالة الوجود في الممكنات، ان هذا الوجود تسبقه الماهيات المعبر عنها بالأعيان الثابتة، كما سبق بيانه. لكن السؤال المطروح، هو كيف يجوز ان تتقدم الماهية على وجودها، مع ان التقدم يعطي لها بعداً من الكمال؟ باعتبار ان الأخس لا يمكنه ان يكون قبل الأشرف بحسب منطق السنخية، وبالتالي فإن الأشرف هو أولى بالوجود من غيره.
وقد يبدو لأول وهلة ان الفلاسفة لا يترددون في وصف الأعيان الثابتة بالوجود الذي يصحح مسألة تقدمها وكمالها، وكما وصفها صدر المتألهين بأنها وإن لم تكن موجودة برأسها لكنها مستهلكة في عين الجمع، وهذا الاستهلاك هو نحو موجوديتها[4]. كما وصفها أيضاً بأنها وإن لم تكن في الأزل موجودة بوجوداتها الخاصة إلا انها كلها متحدة بالوجود الواجبي، وإعتبرها بهذا القدر قد خرجت عن كونها معدومة في الأزل، دون ان يلزم شيئية المعدوم كما زعمته المعتزلة[5]. لهذا كانت بنظره عبارة عن صور كمالات الحق تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته[6]، أو انها تمثل المجالي والمظاهر التي تتجلى فيها صفات الرب وظهور أسمائه[7].
او هي كما عرفها حيدر الآملي ‹‹من شئونه الذاتية التي هي عبارة عن كمالاتها الغير المتناهية الكامنة في ذاته المسماة بالصفات والأسماء والكمالات والشئون››[8].
وهي من هذه الناحية تمثل معلومات الله الأزلية وصوره العلمية التي لا يجوز وصفها بأنها مجعولة، وذلك لكونها معدومة في الخارج[9]، أو باعتبارها قوابل للتجليات الإلهية والأسمائية، بالتالي فإنها ليست بجعل جاعل[10].
فبهذه الاعتبارات يمكن ان يقال: كيف لا يكون للأعيان الثابتة وجود، وهي التي تمثل موضع الشهود العلمي المعبر عنه بالفيض الأقدس والمخاطبة بخطاب (كن)، فهي منتسبة بهذه الجهة إلى حضرة الوجود، ومستفيضة منه الوجود الآخر العيني المعبر عنه بالفيض المقدس، والذي يعتبر محض الإضافة الإشراقية، فكيف لا يكون لها وجود أعظم من الوجود الخارجي الذي تظهر به في فيضها الآخر المقدس[11]؟ وهي قد سميت بالفيض الأقدس بمعنى الأقدس من شوائب الكثرة الأسمائية ونقائص الحقائق الإمكانية[12]، خاصة انها تمثل صوراً علمية، والصور لدى الفلاسفة من طبقة صدر المتألهين أحق بالوجود من غيرها.
كيف لا؟ وقد أقرّ هذا الحكيم بأن للأشياء وجوداً إلهياً كما لها وجود عقلي ومثالي وطبيعي، فذلك الوجود هو عين صور الأشياء جميعاً؛ كلّيها وجزئيها وقديمها وحادثها، وهو الذي إعتبره أولى ان يكون نفس الأمر دون ان يلزم ثبوت المعدومات، فالمعدوم المحال لديه هو انفكاك الشيئية عن الوجود مطلقاً، لا انفكاكها عن الثبوت الخارجي مع تحققها بالوجود الرباني وظهورها فيه[13].
بل كما سنرى ان الأعيان الثابتة تكون في رتبة الذات الإلهية الأحدية هي الفاعل والقابل للموجودات، وهي خالقة كل شيء، كالذي ذهب إليه العارف حيدر الآملي والذي يتفق مع مذاق صدر المتألهين.
وواقع الأمر ان الفلاسفة تارة يضفون على الأعيان نوعاً من الوجود يصحح كمالها وتقدمها، وأخرى ينفون ذلك عنها. فهي من حيث الاعتبار الأول لا تخرج عن الوجود الإلهي، بل انها ذات الشهود العلمي الإلهي وفيضه الأقدس، وبكلها تمثل عينه وان كانت غيره من حيث التعين والتقيد. لكنها من ناحية أخرى عُدت في حيز الإمكان العدمي ما شمت رائحة الوجود أزلاً وأبداً.
وكما قرر صدر المتألهين بأن الماهيات قبل الوجود لا يمكن الحكم عليها بشيء من الأشياء، ولا حتى الحكم عليها بثبوت نفسها لها، إذ لا ظهور لها ولا امتياز فيما بينها قبل الوجود، انما بالوجود تظهر الماهيات المظلمة الذوات على البصائر والعقول، وبسبب الوجود المعقول أو المحسوس يمكن الحكم عليها انها هي هي أو ليست إلا هي، أما هي لذاتها فليست موجودة ولا معدومة ولا ظاهرة ولا باطنة، ولا قديمة ولا حادثة. فجميع السلوب صادقة في حقها أزلاً وأبداً، فلا ذات لها حتى يثبت لها شيء من الأشياء، وبالتالي فإن ارتفاع النقيضين انما يستحيل عن الشيء الموجود من حيث كونه موجوداً لا من حيث كونه غير موجود. ومن ثم فالحكم على الماهيات ولو كان بأحكامها الذاتية وأوصافها الاعتبارية السابقة الأزلية من الإمكان والبطون والظلمة والخفاء والكمون واشباهها انما يتوقف على انصباغها بصفة الوجود واستنارتها به.
لذلك قال بعض أهل الكشف إنّ الماهيات لم تظهر ذواتها قط، ولن تظهر أبداً، بل يظهر أحكامها وأوصافها، وما شمت رائحة الوجود أصلاً[14].
وقد أوضح صدر المتألهين حقيقة هذه الأعيان من جهتين: جهة فلسفية تتعلق بعلاقتها بالوجود، وجهة عرفانية تتصل بعلاقتها بأسماء الله. وهو ما سنوضحه في الفقرتين التاليتين:
العلاقة الفلسفية:
وهي العلاقة التي تربط الأعيان الثابتة بالوجود. فقد اعتبر صدر المتألهين ان لشيئية الممكن وجهين، هما شيئية الوجود وشيئية الماهية. وتمثل الشيئية الوجود ظهور الممكن في مرتبة من مراتب الوجود، أو عالم من العوالم. في حين تمثل شيئية الماهية نفس معلومية الماهية بنور الوجود، ومنتزعة منه دون أن يلحقها جعل أو تأثير، وكذا من غير انفكاك هذه الشيئية عن الوجود. فموجودية الماهيات لا تعني أن الوجود يصير صفة لها، بل إنها تُدرك وتُعقل بنوره. فيكون المشهود هو الوجود والمفهوم هو الماهية، وبذا تتميّز شيئية الممكن عن الممتنع، وتتقبل الفيض الربوبي وتستمع أمر (كن) فتدخل في الوجود بأمر ربها[15].
فالأعيان الثابتة مهيّأة في ذاتها، رغم عدمها، لقبول الأمر الإلهي إذا ورد عليها الوجود عبر كلمة (كن)، كما في قوله تعالى: ﴿انما قولنا لشيء إذا اردناه ان نقول له كن فيكون﴾[16]. حيث بهذه الكلمة ظهرت تلك الأعيان في الأعيان الخارجية[17]. فشيئية الماهية للممكن وثبوتها للأمر الواجبي والفيض الإلهي لا يعني اتصافها بالوجود، بل هو ظهور لأحكامها بنور الوجود. ويؤيد ذلك ما ذهب إليه العرفاء من أن الممكنات ليس لها إلا الشيئية الثبوتية، لا الشيئية الوجودية إلا على نحو المجاز. ولأجل ذلك لما سمع أبو القاسم الجنيد حديث ‹‹كان الله ولم يكن معه شيء›› قال: والآن كما كان[18].
فالماهيات أو الأعيان من هذه الناحية لا تتصف بالوجود، انما لها شيئية وسطى بين الوجود والعدم التام، هي تلك التي يُطلق عليها (الشيئية الثبوتية).
العلاقة العرفانية:
وهي العلاقة التي تربط الأعيان الثابتة بأسماء الله كما صوّرها العرفاء وتابعهم فيها صدر المتألهين. فهذه الأعيان تُعد من لوازم تلك الأسماء. وعند القيصري ان الأعيان تارة تكون عين الأسماء بحكم إتحاد الظاهر والمظهر، وتارة أخرى غيرها[19]. وهي من حيث كونها من لوازم الأسماء؛ فذلك يعني ان تكثرها مستند إلى تكثر الأسماء أو الصفات الإلهية.
وكما أشار القيصري، واتبعه في ذلك صدر المتألهين، إلى أن الأعيان الثابتة من حيث كونها في غيب الحق وحضرته العلمية؛ فإنها تعد شؤون الحق وأسماءه الداخلة في الإسم الباطن، ولما أراد الحق ايجادهم ليتصفوا بالوجود في الظاهر كما اتصفوا بالثبوت في الباطن أوجدهم باسمائه الحسنى.
فأول مراتب ايجادهم اجمالاً هو في الحضرة العلمية، التي هي الروح الأول[20]، وبه دخلوا تحت الإسم الظاهر الذي هو مظهر العلم الإلهي، كما انه مظهر القدرة الإلهية. والأعيان الثابتة هي التي تعلق بها علم الله، فأدركها على ما هي عليه مع لوازمها وأحكامها.
فالعلم في المرتبة الأحدية عين الذات مطلقاً[21]، وفي المرتبة الواحدية، التي هي حضرة الأسماء والصفات، صور مغايرة للذات حيث فيها الأعيان[22]، وذلك نظير ما ذهب إليه المشاؤون من ان علمه تعالى بالأشياء عبارة عن صور موجودة بعد وجوده وعلمه بذاته، وهي قائمة بذاته قيام الاعراض بموضوعاتها.
لكن لدى صدر المتألهين ان الأمر ليس كذلك، فقد إعتبر الأعيان الثابتة معان متكثرة انسحب عليها حكم الوجود الواجبي بالعرض، والتغاير بينهما ليس بحسب الوجود، بل بحسب المعنى والمفهوم.
فعلم الله بالأشياء علماً تفصيلياً عبارة عن المعاني والنسب اللازمة لأسمائه وصفاته، وهذه الأسماء والصفات ليست متأخرة في وجودها عن وجود الذات الأحدية تأخر الصفات الزائدة على الشيء عن وجوده، بل هي موجودة بوجود الذات، فتكون صفات الله عين ذاته وجوداً وغيرها معنى، وكذا الأعيان والمظاهر قياساً بالأسماء والصفات.
فهذا هو معنى كون الأعيان قبل وجودها في الخارج موجودة في علم الله، وليس كما يفهم من ظاهر كلمات العرفاء من ان ثبوتها يجعلها منفكة عن الوجود.
فهي - إذاً - موجودة قبل وجودها في الخارج بوجود الأسماء والصفات، بل بوجود الحق، لكنها هناك غير مجعولة الوجود، كما انها غير مجعولة العين، وهي في الخارج مجعولة الوجود، فجعلها هنا تابع لجعل الوجودات الإمكانية كما ان لا مجعوليتها هناك تابع لعدم مجعولية الوجود الواجبي.
وبالتالي جاز القول إن العلم تابع للمعلوم، كما جاز القول إن المعلوم تابع للعلم، لاختلاف الجهتين، فثبوت الأعيان من حيث (هي هي)؛ هو غير وجودها في علم الله بوجود الذات، أي ان الماهية من حيث هي في ذاتها؛ مغايرة لوجودها، والأول معلوم والثاني علم، فيكون العلم تابعاً للمعلوم. ثم ان وجودها في العلم الأحدي مقدم على وجودها في الخارج، فيكون المعلوم تابعاً للعلم[23].
إذاً، إن ثبوت هذه الأعيان انما بحسب صفاته وأسمائه، فهو مشيء الأشياء، مثلما انه بحسب جوده وفعله موجد الموجودات ومظهر الهويات. فشيئية الأشياء انما هي برحمة الصفة لا برحمة الفعل، وصفات الله لا تعلل[24].
وواضح هنا ان صدر المتألهين لا ينفي عن الأعيان الثابتة وجودها، انما ينفي عنها ذلك الوجود الجعلي، وبالتالي انه بحسب هذا المفهوم لا تكون الأعيان وسطاً بين الوجود والعدم التام، فهي موجودة بوجود غيرها من غير جعل[25]. إذ الجعل لا يكون للقابل أو الماهيات، بل يصدق على الوجود الخارجي، ذلك أنها من حيث (هي هي) ليست مجعولة[26].
لكن من المفترض ان تكون الأعيان الثابتة في وجودها اللاجعلي أكمل وأتم مما هي عليه في وجودها الجعلي اللاحق، خاصة وانها تعد من لوازم الأسماء والصفات الإلهية، وبالتالي لا مبرر لاعتبارها تمثل ذلك الثبوت المظلم.
لذلك استدل العرفاء والإشراقيون على هذا النوع من الثبوت المظلم للماهيات بالحديث النبوي القائل: ‹‹خلق الله الخلق في ظلمة، ثم رش عليه من نوره››؛ اشارة إلى ثبوتها في العلم قبل ان تظهر بالوجود، أو المعبر عنه بالشيئية دون الوجود[27].
وكذا استدلوا عليها بقوله تعالى: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾[28]، حيث إعتبروا تقدم الظلمات على النور للاشعار بثبوت الأعيان أو الماهيات في الثبوت العلمي[29].
وكان إبن عربي يرى ان الظلمة هي غيب الغيب وحضرة إلهية لا تُسلك أبداً إلا بنور السالك[30].
وهو ما يعني أن للماهيات نوع من الكمال الباطني ما يفوق كمال الظاهر أو الوجود الخارجي.
مع ان هناك مشكلة تتعلق بتفسير الحديث النبوي والآية القرآنية الآنفي الذكر. فلفظة (خَلَقَ) في الحديث لا يمكن تفسيرها بمعنى جعل واوجد وما شاكل ذلك، إذ الأعيان الثابتة ليست مجعولة، لهذا فسرت بـ (قدّر)، فيصبح المعنى ان الله تعالى قدّر الخلائق في عالم الظلمة لكونها لم تتنور بعد ولم تتعلق بالايجاد والجعل من قبل الأسماء الإلهية[31].
والواقع ان هذا المعنى حتى لو كان يطابق الحديث تماماً من حيث كون (خلق) بمعنى (قدّر)، فإنه لا يطابق مقام ما هو عليه الماهيات إلا مجازاً، فهي لا تخضع لتقدير مقدر بمعنى القياس والتدبير، فهي مقدرة بذاتها دون حاجة إلى من يقدرها، لكونها تمثل عين ذات المبدأ الحق من حيث الجمع.
أما ما جاء في الآية من أن الجعل شامل لكل من الظلمات والنور حيث يقول تعالى: ﴿وجعل الظلمات والنور﴾، فقد فُسّر الجعل أيضاً على معنى التقدير من حيث هو متعلق بالظلمات[32]، فيكون معنى جعل انه (قدّر)، في الوقت الذي لا يخرج معناه عن الجعل والايجاد، فيكون بمعنى (قدّر) بخصوص الظلمات، وبمعنى (جعل وأوجد) فيما يتعلق بالنور، وهو تأويل وتفكيك لسياق الآية كما هو واضح.
وفي جميع الأحوال يلاحظ ان الاستدلال المذكور حول أسبقية الظلمة على النور يواجه اعتراضاً، وهو ان الماهيات في العالم الجمعي الإلهي ينبغي ان تكون أكمل مما هي في هذا العالم لاعتبارات تتعلق بأنها في عالم السبق والجمع والصورة والإله، مما هو مفضل على عالم الخلق والمادة.
فكان الأولى ان لا يصرح بأنها في محل التقدير، فهي في عالم تخضع لفيض الوجود ضمن ما يُعرف بالفيض الأقدس، وان كان باعتبار آخر يمكن القول بأنها غير موجودة بالوجود الجعلي لعدم تنزلها إلى عالم الخلق.
فالماهيات بذلك أشبه بقطة شرودنجر التي إعتبرت قبل الرصد والكشف وانهيار الدالة الموجية بأن حقيقتها ليست حية ولا ميتة، بل بين بين، ضمن عالم الإمكان والإحتمال، كالذي صرح به نيلز بور. وهو ما جعل اينشتاين يعتبر هذه القصة غير مكتملة ولا مفهومة[33].
بل لا ينفع ما قد يطرح للتوجيه من ان الأعيان لو أخذت مقيدة منفصلة عن بعضها البعض فهي ماهية بلا وجود لاستهلاكها في عين الجمع، ولو أخذت كلها مطلقة فهي وجود عبارة عن ذات الحق نفسها. فيصبح هذا العالم وجوداً من حيث الكل، وليس وجوداً من حيث التقييد، وهو حق بالاعتبار الأول، وخلق بالاعتبار الثاني، وكذا مطلق ومقيد.
فهذا التوجيه الذي يجعلنا نقترب من المفهوم الصوفي لوحدة الوجود، لا يسعه ان ينكر كثرة تلك الصور في عين الوحدة الجمعية، وهو الأمر الذي يصحح وجودها قاطبة.
وعليه لو إعتبرنا أن للأعيان وجوداً، هو الوجود غير المجعول، فستصبح الماهيات في ذلك العالم هي عين الوجود بلا فرق، رغم انه بالوجود الجعلي تتمايز الماهية عن الوجود. ومن ثم سيتصحح المعنى فيكون سريان الوجود وفيضانه إنما على الوجود بالذات. أي إضافة الوجود الجعلي على الوجود غير المجعول.
اما علة نفي الوجود عن تلك الأعيان لدى الفلاسفة، أو ترددهم في ذلك، انما يرجع على ما يبدو إلى ان الإقرار بوجود الأعيان يفضي بثبوت موجودات كثيرة متمايزة في عين الذات الواحدة.
ولا شك ان الفلاسفة يخشون من مثل هذه الكثرة للوجود في المبدأ الأول، وهو ما جعلهم يتحاشون إثبات وجودها، إلا بنحو استهلاكيتها وجمعها، فعبروا عن ذلك بتعبيرات أخرى هي أقرب للتوسط بين الوجود والعدم.
رغم ان الفلاسفة والعرفاء يعولون على هذه الأعيان في تفسير العديد من المظاهر التي تخص العلاقة الجارية بين الحق والخلق. ومن ذلك اعتبارهم لها بأنها منبع للخير والشر، كما يراها العرفاء. إذ ليس للحق سوى ان يفيض عليها وجودها الخارجي الآخر. فالسريان هو اظهار الأعيان وابراز أحكامها من عالم الظلمة والخفاء إلى عالم النور والظهور، فهي بالتالي أظلال النور، حيث ظهورها به وعدميتها في نفسها. وان هذا الاظهار يجعل من علاقة الحق بالخلق علاقة تكاملية، فاحدهما يحتاج إلى الآخر ويفتقر إليه، كالذي يصوره إبن عربي في التقابلات التي أقامها بين الحق ووجودنا، ومن ذلك قوله: ‹‹فوجودنا وجوده، ونحن مفتقرون إليه من حيث وجودنا، وهو مفتقر الينا من حيث ظهوره لنفسه››[34]. وكذا قوله في بيت له من الشعر[35]:
فأنى بالغنى وأنا أساعده وأسعده
والمعنى هو ان الحق ليس غنياً الغنى المطلق، فنحن نساعده باعياننا الثابتة في ظهور أسمائه وتجلياته وجميع كمالاته فينا، فالقابل مساعد للفاعل في فعله، وذلك بقبوله هذا الفعل[36].
وعلى حد قول الجندي بأن هذا البيت ‹‹يشير إلى توقف النسب الأسمائية على الأعيان الكونية، فإن الإلهية متوقفة على العبودية، فهو من حيث انيتي العبدانية يساعده بي ويسعده، كما قال تعالى: ﴿ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم﴾[37]، والنصر المساعدة والاسعاد في تحقيق الربوبية والالوهية، وحسن تأتي القابل في كمال مظهريته لربه اسعاده له، فإن سعادة الحقايق والنسب الأسمائية ان يظهر اثارها في مظاهرها››[38].
مهما يكن فقد عرفنا ان للوجود مراتب وتعينات مختلفة، هي الذات ثم أسمائها وصفاتها التابعة لها، ثم ما يلزم عنها من الأعيان الثابتة المسماة بالفيض الأقدس، وبعد ذلك الوجود الخارجي المجعول المعبر عنه بالفيض المقدس.
فالفيض المقدس - كما يقول الآملي - مرتب على الفيض الأقدس، وهذا الأخير مرتب على الأسماء الإلهية، وهذه الأسماء مرتبة على الذات الأزلية[39].
أو يمكن القول إن هناك الذات الحقة التي تتضمن أسماءها وتوابعها، ومن بعدها الوجودات الخاصة الخارجية الموجودة بسبب التجليات الحاصلة من الذات بحسب شؤونها وأسمائها على الأعيان.
لكن سؤالنا هو: كيف أمكن لهذا التجلي ان يتم؟ وبعبارة ثانية ما هو مبرر انبساط الوجود من الذات الحقة على غيرها؟ ثم ما هي طبيعة العلاقة بين هذه الوجودات؟
هذا ما عالجناه مفصلاً في كتاب (النظام الوجودي).
كما ان تفسير ظاهرة السريان والنقص والتعدد والاختلاف بحسب تفاوت الماهيات يثير إشكالية كتلك التي طرحها النراقي، وهي ان الماهيات اعتبارية بحسب القائلين بأصالة الوجود، فكيف يجوز ان تكون هي السبب للتعدد والاختلاف مع انها من العدميات[40]؟
كذلك هناك مشكلة أخرى تجعل القول بالوجود الجعلي ينافي القول بالوجود الواحد المنبسط، فالأخير لا يدع مجالاً للجعل والتأثير باعتباره واحداً غير متكثر حتى يؤثر بعضه في البعض الآخر، فصفته الثابتة من الوحدة والانبساط لا تدع مجالاً لتلك المقالة، وإلا تضمن شيئاً من التغير والانقلاب، وكما قال العارف الخميني انه بحسب ذوق العرفاء فإن الماهية هي المجعولة باعتبارها مفتقرة وليس في الوجود جعل أبداً، بل له الأصالة والحقيقة والظهور والبطون والأولوية والآخرية، وليس هذا عنده من الجعل[41].
وبالتالي فالقول بالسريان هو قول مجازي، فليس من شيء يسري على شيء آخر، إذ ليس في العين غير الوجود الواحد المنبسط بذاته أصلاً.
هكذا فإن الجعل والتأثير لا يلوح الأعيان الثابتة التي تمثل القابلية للوجود، بل كذلك يصدق الأمر على الوجود ذاته باعتباره واحداً غير متكثر.
[1] مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، ج1، ص45.
[2] الأسفار، ج1، ص418-419.
[3] ايقاظ النائمين، ص36.
[4] ايقاظ النائمين، ص31.
[5] الأسفار، ج6، ص283.
[6] صدر المتألهين: مفاتيح الغيب، تقديم وتصحيح محمد خواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنكي، ص326. والأسفار، ج1، ص262.
[7] مفاتيح الغيب، ص335.
[8] حيدر الآملي: أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة، مقدمة وتصحيح محمد خواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنكي، 1983م، ص16.
[9] أسرار الشريعة، ص13ـ14.
[10] نقد النقود، مصدر سابق، ص683.
[11] ان اصطلاح الفيض الأقدس والفيض المقدس هو اصطلاح صوفي يقابل اصطلاح الماهية والوجود للممكنات لدى الفلاسفة. فالفيض الأقدس والمعبر عنه بالأعيان الثابتة له نحو من الوجود الباطن والسابق على نظيره الظاهر، ويطلق عليه أيضاً بالتجلي الأول، مثلما يطلق على الفيض المقدس بالتجلي الثاني.
[12] نقد النقود، ص683.
[13] الأسفار، ج6، ص261-262. وقال أحد شراح (فصوص الحكم): ‹‹اعلم ان للأسماء صوراً معقولة في علم الله تعالى، لأنه عالم بذاته لذاته، وأسمائه وصفاته، وتلك الصور العقلية العلمية من حيث انها عين الذات المتجلية بتعين خاص، ونسبة معينة هي المسماة بالأعيان الثابتة، سواء كانت كلية أو جزئية في اصطلاح أهل الله... فالماهيات هي الصور الكلية الأسمائية المتعينة في الحضرة العلمية، وتلك الصور فايضة من الذات الإلهية بالفيض الأقدس والتجلي الأول بواسطة الحب الذاتي، وطلب مفاتيح الغيب التي لا يعلمها الا هو، ظهورها وكمالاتها، فإن الفيض ينقسم بالفيض الأقدس والمقدس، وبالأول تحصل الأعيان الثابتة واستعداداتها الاصلية، وبالثاني تحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها، وهذا بحث مبني على ان الفاعل والقابل يكون شيئاً واحداً، ولا يكون في الوجود الا هو وكمالاته، فيكون فاعلاً من جهة وقابلاً من جهة أخرى، كما قالت الحكماء في العقل والعاقل والمعقول، فإنها شيء واحد في الحقيقة وكثيرة بالاعتبارات›› (أسرار الشريعة، ص14).
[14] الأسفار، ج2، ص288-289.
[15] يصور صدر المتألهين حالة افاضة الوجود على الأعيان الثابتة بأنها جاءت على طلب واستئذان من هذه الأعيان. فكأن العبد يسأل ربه ويقول: إئذن لي ان ادخل في عالمك الوجود، فأجابه الحق بقوله: (كن)، اي ادخل حضرتي فقد اذنت لك (تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج6، ص415). وهو تصوير لحالة الإمكان التي عليها الأعيان.
[16] النحل/ 40 .
[17] إبن عربي: الفتوحات المكية، دار احياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1418هـ - 1998م، ج1، ص224.
[18] ايقاظ النائمين، ص30.
[19] مطلع خصوص الكلم، ج1، ص442.
[20] علماً ان القيصري ذكر ما قيل من ان حضرة الأعيان هي الروح الأول الذي يتشعب إلى أرواح غير قابلة للحصر، منها أرواح الكمّل لنوع الإنسان، وكل روح منتقش فيه كل ما يجري عليه من الأزل إلى الابد، وهي الأعيان الثابتة. ومع ان العقل الأول هو أيضاً ينتقش فيه صور كل ما تحته من الحقائق الممكنة الكلية، الا انه يتصف بالوجود على خلاف الروح الأول باعتباره عيناً متصفة بالثبوت قبل الوجود. وهذا الرأي المنقول لم يتقبله القيصري لأنه يصف تلك الحضرة بالثبوت قبل الوجود، اما عنده فالأعيان الثابتة هي من لوازم الأسماء الإلهية المسماة بمفاتيح الغيب (مطلع خصوص الكلم، ج1، ص231).
[21] سبق ان عرفنا بأن العلم بالذات عند إبن عربي ليس في الحضرة الأحدية وانما الواحدية، وذلك على خلاف ما ذهب إليه القيصري كما يبدو.
[22] مطلع خصوص الكلم، ج1، ص231. ومفاتيح الغيب، ص331.
[23] مفاتيح الغيب، ص331-332.
[24] مفاتيح الغيب، ص206.
[25] وكما يرى العارف حيدر الآملي بأن الأعيان الثابتة لما كانت في الثبوت العلمي فهي قابلة، والقابل يستحيل جعله. فالفاعل والقابل هما شيء واحد، وان الفاعل هو ذات المبدأ الحق، وان القابل هو أسماؤه وصفاته، والأول يطلق عليه الوجود المطلق الحق، وان الثاني يطلق عليه الوجود المقيد الخلق، ويطلق على الكل مظهر أسمائه وصفاته وافعاله، وان الأعيان والحقائق هي صور معلومات الحق الأزلية الأولية، وبالتالي فليس يمكن لهذا الوجود ان يكون جاعلاً لشيء يتعلق بذاته وكمالاته، وذلك لكونه على هذه الصفة دائماً، فكيف يصير غير هذا، وقلب الحقائق محال (أسرار الشريعة، ص14).
[26] نقد النقود، ص680.
[27] جامع الأسرار، ص263. وتفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج6، ص416.
[28] الانعام/ 1 .
[29] الفيض الكاشاني: كلمات مكنونة، تصحيح وتعليق عزيز الله الفوجاني، انتشارات فراهاني، طهران، ص51. وملا نعيم الطالقاني: أصل الأصول، مقدمة وتصحيح وتعليق جلال الدين أشتياني، طبعة طهران، ص62.
[30] نسخة الحق، ضمن رسائل إبن عربي (1)، ص268.
[31] حاشية الاشتياني لاصل الأصول، ص153.
[32] المصدر السابق، ص 64.
[33] للتفصيل انظر كتابنا: منهج العلم والفهم الديني، دار النهى، الجزائر، الطبعة الثانية، 2024م.
[34] مؤيد الدين الجندي: شرح فصوص الحكم، تعليق وتصحيح جلال الدين اشتياني، انتشارات دانشگاه مشهد، ايران، ص412.
[35] أبو العلا عفيفي: فصوص الحكم والتعليقات عليه، دار احياء الكتب العربية، 1365هـ - 1946م، ج1، ص83.
[36] مطلع خصوص الكلم، ج1، ص377.
[37] محمد/ 7 .
[38] الجندي: شرح فصوص الحكم، مصدر سابق، ص357-358.
[39] نقد النقود، مصدر سابق، ص683.
[40] قرة العيون، مصدر سابق، ص215.
[41] روح الله الموسوي الخميني: تعليقات على شرح فصوص الحكم، مؤسسة باسدار اسلام، ايران، الطبعة الأولى، 1406هـ، ص204-205. وتعليقات على مصباح الإنس، وهو مطبوع مع الأول، ص288.