-
ع
+

الحديث الشيعي وانسداد علم الرواية

يحيى محمد

معلوم أن هناك اربعة جوامع لكتب الحديث تعود الى من عرفوا بالمحمدين الثلاثة الاوائل، وذلك خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة، وهي كتاب (الكافي في الاصول والفروع) لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (المتوفى سنة 329هـ) وكتاب (من لا يحضره الفقيه) لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الملقب بالشيخ الصدوق (والمتوفى سنة 381هـ) وكتاب (التهذيب) وكتاب (الاستبصار) وكلاهما لابي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (والمتوفى سنة 460هـ). وتعد هذه الجوامع أهم ما لدى الشيعة من مصادر للحديث، لكن الرواية فيها تمتاز بعدد من نقاط الضعف يجعلها غير صالحة للاعتماد، كما يتبين لنا ذلك من خلال الفقرات التالية:


اولاً:

اذا غضضنا الطرف عن مشكلة التوثيق في علم الرجال بالطريقة التي عرضناها من قبل، وتساءلنا عن الكيفية التي تعامل بها اصحاب الكتب الاربعة مع سند الروايات التي جمعوها، فهل بدا منهم حرص على الاهتمام بالسند لمن رووا عنه؟ أم كانوا مجرد نقلة جامعين من غير تحقيق؟

واقع الامر انه قد استقر عمل هؤلاء على النقل من الكتب والاصول المنسوبة الى مؤلفيها دون النظر في رجال السند ولا تمهيد لبيان المشيخة الواقعة بين الناقل وبينها[1].

فالكليني يصدر سنده بذكر اسم الراوي عادة دون ان يعرّف اتصاله به إن كان قد عول في ذكره على ما في الكتب والاصول المشهورة انذاك، او انه استند الى طريق اخر، والارجح هو الاول، خاصة انه روى عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة من انه قال لأبي جعفر الثاني (الجواد): جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها فإنها حق[2].

اما الشيخ الصدوق فقد اشار الى ان جميع ما أورده في كتابه (من لا يحضره الفقيه) مستخرج من كتب مشهورة معروفة، وذكر ان طرقه اليها معروفة في فهرس الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه. لكن هذا الفهرس الذي ذكر فيه طرقه الى الكتب التي رواها عن مشايخه لم يصل الينا، فلا يعرف من طرقه غير ما ذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه. وأما طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة تماماً، لذلك لا يعلم والحال هذه اي منها كان صحيحاً واي منها غير صحيح[3]. وقد اعتبر المحقق الخوئي ان الكتب المعروفة المعتبرة التي أخرج الصدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السند في كتابه وذكر جملة منهم في المشيخة، وإنما هي كتب غيرهم من الاعلام المشهورين، التي منها رسالة والده إليه، وكتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، فالروايات الموجودة في كتابه مستخرجة من هذه الكتب[4]. وهذا يعني انه لم يعتمد في نقله للروايات عن الكتب المشهورة مباشرة، بل نقل ما فيها اعتماداً على بعض مشايخه. كذلك فكما يقول بعض العلماء ان الشيخ الصدوق لم يف بما وعده في أول كتابه، من أنه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع، وذلك لانه روى عن جماعات غير مشهورين، ولا كتبهم مشهورة[5].

اما الحال مع الشيخ الطوسي فمختلف، حيث بدأ في السند في كتابيه (التهذيب والاستبصار) لمن هو صاحب كتاب، فروى عنه ما جاء في كتابه، على ما صرح به في آخر كتابيه. مع ذلك فالطوسي لم يذكر ان الكتب التي اعتمدها في رواياته كانت كتباً معتبرة معروفة[6]. وهو ايضاً قد حذف - كما سبق ان عرفنا - في كتاب (التهذيب) الكثير من اسانيد رواياته استناداً الى ما سيذكره في خاتمة الكتاب من المشيخة لتخرج عن حد المراسيل، لكنه لم يذكر جميع الطرق التي له، بل احال بيانها الى كتابه (الفهرست) والى فهارس شيوخه، ومن سوء الحظ انها فقدت ولم يبق منها اثر، باستثناء القليل كمشيخة الصدوق وفهرست الشيخ ابي غالب الزراري. لذا بقيت جملة من الاحاديث في (التهذيب) مرسلة بغير اسناد معروف، وان كان الفاضل الاردبيلي في خاتمة (جامع الرواة) تمكن من اصلاح جملة من الطرق التي كانت مغفلة، وصنف في ذلك رسالة سماها (تصحيح الاسانيد)[7].

وخلاصة ما سبق ان القدماء قد اعتمدوا على ما شاع عندهم من الكتب المعروفة دون تحقيق وتدقيق في السند الذي يوصل الى هذه الطرق، ولا الى ما يتصف به اصحابها ومضامينها، وكأنها كتب صحاح بما تضمنته من الروايات. لذلك ورد عن المفيد قوله وهو بصدد نقده للشيخ الصدوق: ‹‹لكن أصحابنا المتعلقين بالاخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة، يمرون على وجوههم في ما سمعوه من الأحاديث ولا ينظرون في سندها، ولا يفرقون بين حقها وباطلها، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في اثباتها ولا يحصلون معاني ما يطلقون منها››[8]. كما ورد عن الشريف المرتضى قوله وهو بصدد نقد اصحاب الحديث من الشيعة: ‹‹ومن اشرنا اليه بهذه الغفلة يحتج بالخبر الذي ما رواه ولا حدث به ولا سمعه من ناقله فيعرفه بعدالة او غيرها، حتى لو قيل له في الاحكام: من أين اثبتّه وذهبت اليه؟ كان جوابه: اني وجدته في الكتاب الفلاني، ومنسوباً الى رواية فلان بن فلان. ومعلوم عند كل من نفى العلم باخبار الاحاد ومن اثبتها وعمل بها، ان هذا ليس بشيء يعتمد ولا طريق يقصد، وانما هو غرور وزور››[9]. خاصة وان الروايات التي يتعامل معها اصحابها لا تحمل صفة علو الإسناد في الوساطة الرجالية الا في النادر، كالذي صرح به العلامة الحلي، ومعلوم انه كلما قلت الواسطة كلما كان احتمال الكذب اقل[10].

على ان هذا الحال من عدم اهتمام القدماء بالسند قد شكل معضلة لدى المتأخرين من الاصوليين، وذلك انهم صرحوا باعتبار الواسطة والاعتناء بها، والتي منها الطرق الى اصحاب الكتب والاصول التي ظلت مجهولة لدى المتأخرين. اما الاخباريون فانهم لم يبالوا بالامر، اذ ذهبوا الى عدم الحاجة الى الطريق فيما روي بصورة التعليق من أحاديث الكتب المعتبرة، وعلى رأيهم انه لا يضر الجهل بالطريق ولا اشتماله على مجهول او ضعيف، طالما ان الاصول والكتب كانت مشهورة معروفة في تلك الاعصار متواترة النسبة الى اصحابها، وإن فقدت الطرق التي توصل الى ارباب هذه الكتب واصبحت مجهولة لدى المتأخرين. وقد زاد المتأخرون من التعويل على الكتب التي عثروا عليها مما ينسب الى القدماء رغم الفاصلة الزمنية الطويلة وقوة احتمال الوضع والدس والتزوير، فقد ادرج الحر العاملي في كتابه (وسائل الشيعة) ثمانين كتاباً ظفر بها من كتب المتقدمين، وكذا ادرج حسين النوري في كتابه (مستدرك الوسائل) اكثر من ستين كتاباً ظفر بها[11]، وهناك من اضاف الى ذلك كتباً عثر عليها للقدماء المعاصرين للائمة؛ مثل بصائر الدرجات للصفار[12]، والمحاسن للبرقي، وجملة اخرى من الاصول قدرت بثلاثة عشر أصلاً، مثل تلك التي تعود الى كل من زيد الزراد وزيد النرسي وعباد العصفري وعاصم بن حميد الحناط وجعفر بن محمد بن شريح الحضرمي ومحمد بن المثنى الحضرمي وغيرها[13]، وقد اعترف الشيخ النوري ان جملة من تلك الكتب التي اعتمد عليها المتأخرون كالحر العاملي في (وسائل الشيعة) هي مما لم تثبت نسبتها الى مؤلفيها، كفضل الشيعة للصدوق، وتحف العقول، وتفسير فرات، وإرشاد الديلمي، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى، والاختصاص للمفيد وما اليها[14].


ثانياً:

يضاف الى ما سبق، ان اصحاب الكتب الاربعة قد تقبلوا الروايات الضعيفة، ومنهم من اعتبرها مقطوعة الصدور، كما ان منهم من تعبد بالعمل بها ضمن شروط. وكان موقفهم من الرواة يستند الى مبدأ المسامحة، فاكثرهم تشدداً هو الشيخ الطوسي الذي مارس مهمة الجرح والتعديل دون سابقيه، وهي المهمة التي ورثها عنه الفقهاء الاصوليون فيما بعد، لكنه مع ذلك لم يمانع من الاخذ بالروايات الضعيفة حين تسلم من المعارض الاقوى ولم يكن رواتها معروفين بالكذب. فهو يقبل كون الراوي ثقة من حيث تحرزه عن الكذب في الرواية وان كان فاسقاً بجوارحه، وادعى ان الطائفة كانت تعمل بالاخبار التي يرويها من هكذا صفته وحاله[15]. كما انه يقبل الروايات المرسلة اذا ما كان الراوي معروفاً بأنه لا يروي الا عن ثقة، وكذا يقبل الروايات المرسلة بشرط ان لا يكون لها معارض من المسانيد الصحيحة، واحتج بان الطائفة عملت بالمراسيل عند سلامتها عن المعارض كما تعمل بالمسانيد من دون فرق[16]. كذلك رغم اعترافه بان الكثير من المصنفين القدماء كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة، الا انه اعتبر كتبهم واصولهم معتمدة[17]. ويؤيد هذا المعنى ما آل اليه المحقق الحلي حين انتقد الجماعة التي تعمل بمبدأ صحة السند، فاعتبر ذلك طعناً بعلماء الطائفة وقدحاً في المذهب، مؤكداً على ان ما من احد فيهم الا ويعمل بخبر المجروح[18].

هذا مع الشيخ الطوسي، اما الكليني والصدوق فلا شك انهما لم يباليا بالجرح والتعديل، فقد كان الصدوق يعول في توثيقه على شيخه ابي الوليد، وجاء في كتابه الكثير من الروايات الضعيفة حسب اصطلاح المتأخرين. اما الكليني فمن الواضح انه لم يشترط على نفسه ضابطاً في انتخابه للروايات التي جمعها، وان اتخذ صورة المسامحة في العمل، بعد ان اعترف باللبس الذي يحيط بالروايات المتداولة انذاك، كالذي اشار اليه في مقدمة الكافي، حيث كان عمله شبيهاً بعمل المتأخرين فيما اصطلحوا عليه بالاصول العملية، كما انه لم يعول على الجرح والتعديل؛ فكان يروي عن الضعفاء من المنحرفين والغلاة وغيرهم. وبنظر بعض المحققين المعاصرين ان الكليني ربما كان يكتفي بوجود بعض الموثوقين في سند الرواية[19].

على ان عدم اهتمام الكليني بالتوثيق جعل الاخباريين يظنون ان ذلك دليل على صحة صدور أحاديثه عن الائمة. وهو على خلاف ما استنتجه الاصوليون، وقد وصل الحال بجماعة منهم الى عدم الاطمئنان بمثل هذه الاحاديث المدونة بعد طول الزمان وضعف القرائن، فشكلوا بذلك اتجاهاً يعرف باصحاب دليل الانسداد.

ولا بأس ان نقارن هنا بين الكافي وصحيح البخاري من حيث توثيق السند والرواية. فقد عرفنا ان منهج الاخير واضح وان شروطه التي حاول ان يلتزم بها قوية. وكان نتيجة ذلك ان وجد المتأخرون من التابعين ان الضعف لدى روايات البخاري او رجاله قليل جداً مقارنة مع عدد أحاديثه، خلافاً لما حصل مع الكافي، حيث اتصفت طريقة صاحبه بعشوائية لا تستند الى اساس من التدقيق والتمحيص. فالكليني يروي عمن يعدون من الضعفاء والموثوقين، كما انه يتسامح في السند والاخذ بما هو موجود من الكتب دون تحقيق، لذلك وجد المتأخرون ان اغلب أحاديثه ضعيفة. فنسبة الاحاديث المنتقدة او الضعيفة لدى البخاري مقارنة مع العدد غير المكرر من أحاديثه هي اقل من (3%) وهي نسبة ضئيلة. في حين ان نسبة الضعف في أحاديث الكافي هي اكثر من (66%) وهي نسبة كبيرة جداً.

وتبعاً لهذه المقارنة يلاحظ ان علماء السنة لم يجدوا انفسهم قادرين على تحقيق الرواية بالشكل الذي كان يفعله سلفهم البخاري، وذلك لبعد الزمان، وهو ما جعلهم يعتمدون على توثيقه ويعتبرونه كافياً في الاطمئنان. في حين ان المتأخرين من علماء الشيعة وان كانوا لم يجدوا انفسهم قادرين على تحقيق الرواية مثلما كان بوسع سلفهم الكليني وغيره من القدماء، الا ان اغلبهم لم يتبعوا طريقته ولا خضعوا الى غيره بنحو التقليد، بل اجتهدوا بانفسهم في التوثيق وتصحيح الحديث، فكان من جراء ذلك اختلافهم في اعتبارات التوثيق والتصحيح، وذهب عدد منهم الى الاقرار بالعجز عن التحقيق لبعد الزمان وغياب القرائن.


ثالثاً:

ان اكثر راو اعتمد عليه اصحاب الجوامع الحديثية هو علي بن ابراهيم وابوه ابراهيم بن هاشم القمي. فقد كان علي شيخاً للكليني وعاصر عدداً من الائمة المتأخرين، ويعد من اصحاب الامام الهادي وإن لم يثبت انه روى عنه شيئاً ولا عن غيره من الائمة مباشرة[20]. وبلغت رواياته في الكافي وحده اكثر من سبعة الاف (7068) رواية[21]، كان منها اكثر من ستة الاف (6214) رواية منقولة عن والده ابراهيم[22]. وقد وقع في اسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين (7140) مورداً[23]. وهو بنظر القدماء يعد من المشايخ الثقات، فقد عرفه النجاشي بانه ثقة في الحديث، ثبت معتمد صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً وأضر في وسط عمره، وله كتاب التفسير والناسخ والمنسوخ وقرب الإسناد والشرائع.. الخ[24].

ووصلنا منه تفسيره للقرآن، وهو تفسير بالرواية عن الامام الصادق، وذكر في مقدمة الكتاب انه روى فيه عن الثقات من مشايخه وسائر الرواة حتى ينتهي الى الائمة، فقال: ‹‹ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا بهم››[25].

وقد اعتبر العديد من العلماء ان هذه الشهادة دالة على صحة صدور روايات التفسير عن الامام الصادق، كالذي صرح بذلك الحر العاملي ووافقه عليه العلامة الخوئي، حيث اعتبر أن كل من وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين، قد شهد عليه هذا الشيخ بوثاقته. وعلق الخوئي بان علي بن إبراهيم انما اراد إثبات صحة تفسيره، وأن رواياته ثابتة وصادرة عن المعصومين، وإنها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة، وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم بلا واسطة كما زعمه بعضهم. ومثل ذلك حكم المحقق الخوئي بوثاقة جميع المشايخ الذين وقعوا في (اسناد كامل الزيارات)[26].

لكن نظرة داخلية للتفسير تظهر ان راوي التفسير عن علي بن ابراهيم هو تلميذه ابو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى الكاظم، وقد مزجه بروايات اخرى عن الامام الباقر مروية عن طريق ابي الجارود. وقد اشار العلماء الى ان ابا العباس لم يذكر في كتب الرجال، وإن ذكر في كتب الانساب.

وشكك بعض المعاصرين بصحة التوثيق الوارد في مقدمة التفسير، وذلك لامتزاج التفسير بين ما يعود الى علي بن ابراهيم القمي وبين ما وضعه تلميذه بسنده الخاص الى الامام الباقر عن طريق ابي الجارود، وكذلك للشذوذ الوارد في متون الروايات، بل انه يبدي تشكيكه بصحة نسخة التفسير الواصلة الينا، تعويلاً على ما ذهب اليه بعض المحققين من ان النسخة المطبوعة تختلف عما نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب، منتهياً الى القول بعدم وجود ما يعتمد عليه من التوثيق سواء من حيث السند او المتن[27].

ولعل اهم ما جاء في هذا التفسير هو الطعن في القرآن والقول بتحريفه، تعويلاً على جملة من الروايات، كتلك التي يرويها علي بن ابراهيم عن الامام الصادق، وهي تتفق مع ما اورده الكليني عنه من روايات في الكافي تشير الى التحريف[28]، فمما جاء في التفسير عن علي بن ابراهيم ان البعض قرأ قوله تعالى: ((كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) فقال ابو عبد الله الصادق لقارئ هذه الآية ((خير امة)) يقتلون امير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له وكيف نزلت يابن رسول الله؟ فقال: انما نزلت (كنتم خير ائمة اخرجت للناس). ومثل ذلك قرأ البعض قوله تعالى: ((الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماماً)) فقال ابو عبد الله الصادق: لقد سألوا الله عظيماً ان يجعلهم للمتقين اماماً، فقيل له يابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال انما نزلت (الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعل لنا من المتقين اماماً). وكذا جاء في التفسير ان الامام الصادق اعترض على ما ورد في المصحف من قوله تعالى: ((له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله)) حيث قال: كيف يحفظ الشيء من امر الله؟ وكيف يكون المعقب من بين يديه؟ فقيل له: وكيف ذلك يابن رسول الله؟ فقال: انما نزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بامر الله). وعلى هذه الشاكلة جاء في التفسير ايات تشير الى التحريف مثل القول: (لكن الله يشهد بما انزل اليك في علي انزله بعلمه والملائكة يشهدون) والقول: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في علي فان لم تفعل فما بلغت رسالته) والقول: (ان الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم) والقول: (وسيعلم الذين ظلموا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم) والقول: (وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم اي منقلب ينقلبون) والقول: (ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت)[29].

اما ابراهيم بن هاشم القمي والد علي المشار اليه قبل قليل فهو كوفي الاصل وقد ادرك الامامين الرضا والجواد وروى عن هذا الاخير بعض الروايات، وهو اول من نشر حديث الكوفيين في قم تبعاً لما اشار اليه الطوسي والنجاشي[30]، وقد روى عن مشايخ كثيرة يبلغ عددهم زهاء مائة وستين (160) شخصاً، وبلغت رواياته اكثر من ستة الاف واربعمائة (6414) رواية، ولا يوجد في الناقلين مثله في كثرة الرواية[31]. وقد روى عن محمد بن ابي عمير وحده ما يقارب ثلاثة الاف (2921) رواية[32].

لكن المشكلة هو انه لم ينص احد من القدماء على وثاقته؛ لا بالتعديل ولا بالتجريح والتضعيف، فقد قال العلامة الحلي عنه في (الخلاصة): لم أقف لاحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديل بالتنصيص والروايات عنه كثيرة، والارجح قبول روايته[33]. واعتبر الخوئي انه لا ينبغي الشك في وثاقته، ودلل على ذلك بثلاثة ادلة[34]، وهي قريبة مما ذكره بحر العلوم في فوائده الرجالية[35]: احدها ان ابن طاوس ادعى الاتفاق على وثاقته. ويرد على ذلك بانها مجرد دعوى تفتقر الى الدليل، حيث ان عصر ابن طاوس بعيد عن عصر القمي، ومثل هذا الادعاء يكون حدسياً غير قائم على الحس.

وثاني الادلة هو قوله بانه اول من نشر حديث الكوفيين بقم، والقميون قد اعتمدوا على رواياته، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لما قبلوا رواياته، ولاسرعوا في قدحه وجرحه وهجره واخراجه كالذي يظهر منهم مع الاخرين بأدنى ريبة. بل ان من المتأخرين من اعتبر العبارة التي نص عليها القدماء من انه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم، هي عبارة دالة على المدح، كالذي نص عليه الداماد معتبراً هذه العبارة كلمة جامعة، وكل الصيد في جوف الفرا[36].

لكن هذا الدليل غير تام، اذ ما يشار اليه عادة من تحفظ القميين هو تحفظهم من المغالين في الائمة او المعروفين بالكذب ووضع الحديث، وان التضعيف لديهم عادة ما يأتي بهذا الطريق، كالذي يظهر مما ينقله ابن الغضائري في رجاله، والذي استند اليه من جاء بعده من اصحاب الرجال كابن داود وغيره، حيث ذكر الكثير من الرجال الذين غمز القميون عليهم بالغلو والارتفاع وفساد المذهب، مثل أحمد بن الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن سيار وأمية بن علي القيسي والحسن بن علي بن أبي عثمان والحسين بن شادويه القمي وسهل بن زياد الرازي والقاسم بن الحسن بن علي بن يقطين ومحمد بن أحمد الجاموراني ومحمد بن علي بن إبراهيم الملقب بأبي سمينة ويوسف بن السخت ومحمد بن أورمة القمي وغيرهم[37]. فمثلاً جاء حول ابن أورمة القمي ان القميين غمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به، فوجدوه يصلي من اول الليل الى اخره فتوقفوا عنه[38]. كما جاء عن ابي سمينة انه كان من الغلاة الكذابين، وبعد أن اشتهر بالكذب في الكوفة انتقل إلى قم، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى، ثم اشتهر بالغلو فأخرجه أحمد من قم[39].

في حين ان من الرواة من سكن قم وروى عنه القميون رغم ما قيل فيه انه ضعيف جداً لا يلتفت إليه، وفي مذهبه غلو مثل عبد الرحمن بن أبي حماد[40]. بل ان القدماء كما قيل لا يتحاشون عن الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فيما لا يتعلق بالحرام والحلال، وان منهم من كان موضع اعتماد القميين وروايتهم عنه[41].

أما ما حدث لأحمد بن محمد بن خالد البرقي حيث ابعده عن قم رئيس القميين احمد بن محمد بن عيسى، وقد جاء ان سبب الابعاد يرجع الى كونه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، ويعود مصدر هذا التعليل الى ابن الغضائري حيث صرح في كتابه (الضعفاء) ان البرقي طعن القميون عليه، وليس الطعن فيه، إنما الطعن فيمن يروي عنه، فإنه كان لا يبالي عمن يأخذ على طريقة أهل الأخبار وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده عن قم ثم أعاده إليها واعتذر إليه[42]، وقيل ان أحمد بن محمد بن عيسى مشى في جنازته حافياً حاسراً تنصلاً مما قذفه به[43]. مع ان اعادته الى قم واعتذار رئيس القميين اليه لا يتسق مع التعليل الذي ابداه ابن الغضائري، فالامر لا يتعلق بكونه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، والا لما ارجعه واعتذر اليه، بل يتعلق بشيء اخر ظنه رئيس القميين في البرقي لكن ظهر انه لم يثبت عنده، وغالب الظن ان ذلك يتعلق بمسألة الغلو التي كان القميون يولونها جل اهتمامهم في التوثيق، وقد عرف عن هذا الرئيس اخراجه لعدد من العلماء من قم بعلة الغلو والكذب في الرواية، ومن بينهم سهل بن زياد وغيره. حتى اعتبر بعض المتأخرين ان ‹‹حال القميين - سيما ابن عيسى - في التسرع إلى الطعن والقدح والاخراج من قم بالتهمة والريبة، ظاهر لمن راجع الرجال››[44]. كما اعتبر بعض اخر انه قد يكون منشأ جرح القميين للرواة نابعاً عما تتضمنه روايتهم من معاني الغلو والارتفاع والمناكير، بل وان بعض القميين قد ينسبون الراوي الى الكذب ووضع الحديث بعد اتهامه بالغلو، وذلك اعتماداً على روايته التي تتضمن هذا المعنى[45].

يبقى الدليل الثالث فهو ان ولده علياً قد نص على وثاقة مشايخه في مقدمة تفسيره، وكان على رأس هؤلاء المشايخ والده ابراهيم حيث روى عنه معظم كتابه من الاحاديث، مما يدل على كونه ثقة لدى ابنه، والا لما اعتمد عليه في الرواية.

لكن لو اخذنا بالتوثيق الذي ادلى به الابن، لكان يعني التسليم بصحة التفسير رغم ما فيه من روايات عديدة تشير الى تحريف القرآن صراحة، فضلاً عما ورد فيه من روايات اسطورية، والعجيب رغم ان العلامة الخوئي لا يقر القول بتحريف القرآن كما ابان ذلك في بعض كتبه[46]، الا انه مع ذلك يرى تفسير علي ابن ابراهيم تفسيراً صحيح الصدور باعتبار التوثيق الذي ذكره صاحبه في المقدمة، مع ان قوله هذا يناقض متبناه، وذلك لان تصحيح التفسير يعني قبول مقولة التحريف كما هو واضح.

وبيت القصيد من كل ما عرضناه في هذه الفقرة هو اننا بين امرين: إما قبول كون التفسير مروياً عن الامام الصادق حسب روايات علي بن ابراهيم رغم ما فيه من القول بالتحريف وسائر الاساطير، او التشكيك فيه ومن ثم التشكيك في وثاقة ابراهيم بن هاشم القمي وتضعيف رواياته على ضخامة عددها كما قدمنا.


المحققون القدماء وتوثيق الرواية

متابعة لما سبق يمكن ان نتساءل: هل كان القدماء المحققون من الفقهاء يثقون بالروايات المشتهرة في زمانهم والمدونة في الاصول الاولية والجوامع الحديثية؟ وهل كانوا يرون فيها شيئاً من الحجية كما ذهب اليه المتأخرون من الاصوليين؟

لعل الجزء الرئيسي من الاجابة على هذا التساؤل يتحدد بموقف القدماء من خبر الاحاد وحجيته. فاغلب المحققين من القدماء لم يتقبلوا خبر الاحاد ما لم تكن معه قرائن دالة على القطع، خلافاً لما آل اليه المتأخرون. وقيل ان الذين منعوا الاخذ بخبر الاحاد هو كل من سبق الطوسي، بل والكثير ممن جاء بعده، مثل المفيد والمرتضى وابن ادريس وابن زهرة والطبرسي، كما نسب هذا المنع الى المحقق الحلي وابن بابويه، وجاء في (الوافية) للفاضل التوني انه لم يجد القول بحجية خبر الاحاد صريحاً ممن تقدم على العلامة الحلي[47]، واعتبر الانصاري هذا الأمر عجيباً[48]. ويعد المفيد والمرتضى ابرز القدماء الذين منعوا العمل بهذا الخبر، اذ كان المفيد يقول: ان اخبار الاحاد لا توجب علماً ولا عملاً، بل ‹‹ولا يجوز لاحد ان يقطع بخبر الواحد في الدين الا ان يقترن به ما يدل على صدق راويه على البيان، وهذا مذهب جمهور الشيعة››[49].

اما المرتضى فقد تضافرت نصوصه في المنع من الاخذ بهذا الخبر، وادعى الاجماع على عدم حجيته، ونفى ان تكون في مصنفات المحققين من علماء الطائفة من يعمل به[50]، كما اظهر الايات الناهية عن العمل بغير العلم، والروايات التي تنهى عن العمل بما يخالف الكتاب والسنة. وبذلك لم يجد حاجة للكلام عن ترجيح الاخبار في حالات التعارض؛ باعتبارها فرعاً عن تلك المسألة. وقد استثنى من الامر حالة اجماع الطائفة على صدق خبر الاحاد المضاف الى العمل به، وبرر هذه الحالة بدعوى ان رجال الطائفة ربما قد علموا صدق الخبر ‹‹بامارة او علامة على الصادق من طريق الجملة، ويمكن ايضاً ان يكونوا عرفوا في راو بعينه صدقه على سبيل التمييز والتعيين، لأن هولاء المجمعين من الفرقة المحقة قد كان لهم سلف قبل سلف يلقون الائمة (ع) الذين كانوا في اعصارهم، وهم ظاهرون بارزون تسمع اقوالهم ويرجع اليهم في المشكلات››[51]. وهذا النهج هو الذي سار عليه ابن ادريس الحلي فيما بعد[52].

اما ابرز الذين عولوا على خبر الاحاد من المحققين القدماء فهو الشيخ الطوسي. صحيح انه في احد كتبه الكلامية لم يختلف عن قول استاذه المرتضى، حيث منع العمل بخبر الاحاد، وعد القول به وبالقياس واجتهاد الرأي هو قول فاسد لدى المذهب الشيعي؛ مشيراً الى ما بينه في مواضع من كتبه بهذا الخصوص[53]، كما انه كثيراً ما يقول في كتابه (التهذيب) حين يتعرض لتأويل الأخبار ولا يعمل بها: ‹‹هذا من أخبار الآحاد التي لا تفيد علماً ولا عملاً[54]، الا ان اقواله فيما عدا ذلك تدل على قبوله العمل بهذا الخبر ضمن شروط، وقد ادعى على ذلك اجماع الطائفة كالذي اشار اليه في كتابه (عدة الاصول)[55]، كما استدل عليه لما لاحظه من عدم قطع الموالاة بين علماء الطائفة رغم كثرة خلافاتهم في الفتاوى نتيجة العمل به. وفي بعض كتبه ذكر ما يزيد على (5000) حديث اكثرها مختلف بينهم، واستنكر من يتجاسر ويعتبر ان كل خلاف دال على دليل قاطع من خالفه مخطىء فاسق، اذ على رأيه انه بهذا يضلل جميع الشيوخ المتقدمين[56]. وزاد على ذلك واعتبر ان الله لو عاقب المخطىء لكان اغراء بالقبيح لا يجوز عليه تعالى[57]. لكنه لم يعمم هذا الموقف الى ابعد من حدود رجال الطائفة، حيث اكد على بطلان العمل بالقياس وخبر الواحد الذي يختص المخالف بروايته[58].

وهذا التفكيك الذي اصطنعه الطوسي حول خبر الاحاد فيما يرويه المخالف وما يرويه اتباع الطائفة، جعله يذهب الى توجيه ما منعه السابقون من قبول خبر الاحاد، وانكار العمل به واعتبار الاجماع منعقد على منعه مثلما يراه الشريف المرتضى، ومنهم من لم يجوزه عقلاً، فاعتبر كل ذلك انما جاء من باب المدافعة للمخالفين في الكلام معهم في الاعتقاد، ثم زعم انهم لم يختلفوا فيما بينهم ولم ينكر بعضهم على بعض بما يروونه[59].

لكن من البيّن ان تصريحات الشريف المرتضى تختلف تماماً عما ذكره الطوسي، وقد ادعى كل منهما اجماع الطائفة على ما يراه، الامر الذي اربك الكثير من العلماء المتأخرين، وقد حاول العديد منهم ان يجد لهذا الاختلاف حلاً يمنع فيه التناقض بينهما، ومن ذلك ما حكاه الانصاري في رسائله من وجوه للجمع؛ مثل ان يكون مراد المرتضى من خبر الواحد المجمع على عدم حجيته هو ذلك الذي يرويه المخالفون، فيكون موضع اتفاق مع الطوسي، خاصة وان الطوسي كما سبق ان عرفنا حاول ان يجد لنفسه اتفاقاً مع من سبقه من امثال المفيد والمرتضى تبعاً لهذا التوجيه. كما قد يكون المراد بالخبر الذي يمنع العمل به هو ذلك الذي يقابل الخبر المحفوظ في الاصول المعمول بها عند جميع خواص الطائفة، فيكون مراد المرتضى قريب المدرك مع ما يريده الطوسي. كما قد يحتمل ان يكون مراد الطوسي من خبر الواحد المجمع على حجيته هو ذلك الذي يكون محفوفاً بالقرائن المفيدة للعلم بصدقه؛ فيتفق مع ما يريده استاذه المرتضى . وقريب من هذا الرأي الاخير ما ذكره الكركي، حيث اعتبر انه على الرغم من ان الطوسي صرح في (عدة الاصول) بجواز العمل بخبر العدل الامامي، الا انه لم يرد بذلك الاطلاق، اذ اكد في محل اخر ان ما يعمل به من اخبار الاحاد هو ما اجمع عليه الاصحاب بالعمل؛ فيكون مدرك الحجة راجعاً الى الاجماع ويزول التعارض بينه وبين استاذه . اما الشيخ الانصاري فقد استحسن الوجه الاول ثم الثاني، الا انه رجح رأيه على جميع الوجوه، حيث رأى ان مراد المرتضى من (العلم) الذي ادعاه في صدق الاخبار هو مجرد الاطمئنان، اذ المحكي عنه في تعريف العلم انه (ما اقتضى سكون النفس) لا اليقين الذي لا يقبل الاحتمال، وانه قد اشار الى احتفاف اكثر الاخبار بالامور الموجبة للوثوق بها، وهو بمعنى العلم الذي يقتضي سكون النفس. وكذا ان مراد الطوسي من قبول خبر الاحاد هو ذلك المحفوف بعدم مخالفة القرائن الاربع، وهي الكتاب والسنة والاجماع والدليل العقلي، اي انه ذلك الذي يبعث على الاطمئنان وسكون النفس[60]. كما رجح المفكر الصدر ان يكون مقصد المرتضى من منعه لخبر الاحاد إما ذلك الذي يرويه المخالفون - كالذي سبق ان اشار اليه الطوسي وبعض المتأخرين كما عرفنا - او ذلك الذي لا يحرز فيه وثاقة الرواة منهم بالخصوص[61].

والواقع ان جميع الوجوه السابقة ليست صحيحة، فالذي يرجع الى نصوص المرتضى يجد انه لا يقبل من اخبار الاحاد حتى تلك التي تعود الى العدول والثقات، او تلك المنقولة في الكتب المعتمدة، وذلك باعتبارها تفيد الظن دون العلم، على ما فصل ذلك في اجوبته على المسائل التبانيات والموصليات والحلبيات وغيرها[62]. وهذا ما جعله ينكر الروايات الخاصة بالترجيح، ومنها الترجيح بما يأتي على خلاف ما يذهب اليه اهل السنة، وقد اعتبر هذه الروايات قائمة على الدور، اذ انه ينفي حجية العمل باخبار الاحاد في الفروع؛ فكيف الحال في الاصول التي هي اولى منها بذلك[63]. في حين تقبل الطوسي خبر الاحاد وعمل بالترجيح عند التعارض بين الاخبار، بل وعول على الاخبار الضعيفة ضمن شروط.

اما دعاوى الاجماع التي كثيراً ما يرددها الفقهاء ومنهم المرتضى والطوسي وغيرهما، فانها لا تحضى لدى العلماء المتأخرين بالاعتبار، وذلك لكثرة التناقضات فيها. ومن ذلك ان الشهيد الثاني افرد ما يقارب اربعين مسألة نقل الطوسي فيها الاجماع مع انه خالفها في الحكم. فمثلاً قال الطوسي في (النهاية) ضمن كتاب الحدود: ان من استحل اكل الجري والمارماهي وجب قتله، وهو قد زاد في هذا الحكم على الاجماع على تحريم أكلهما، مع انه في كتاب الاطعمة من (النهاية) بعينه جعلهما مكروهين. وقد علق الشهيد الثاني على ذلك بقوله: قد افردنا هذه المسائل للتنبيه على ان لا يغتر الفقيه بدعوى الاجماع، فقد وقع فيه الخطأ والمجازفة كثيراً من كل واحد من الفقهاء، سيما من الشيخ الطوسي والمرتضى. كما ذكر المحدث الكاشاني انه كثيراً ما يقع من الفقهاء نقل الاجماع في مسألة على حكم؛ مع نقل الاجماع على خلاف ذلك الحكم بعينه لتلك المسألة؛ اما في ذلك الكتاب بعينه أو في غيره، فضلاً عن نقل الخلاف فيها، مثل ما وقع من الشيخ الطوسي من نقله الاجماع على وجوب سجود التلاوة على السامع، ونقله اياه على عدم وجوبه عليه ايضاً. ولهذا انزل الشهيد الثاني لفظ الاجماع الواقع في كلامهم على معنى الشهرة في ذلك الوقت أو عدم اطلاعهم حينئذ على المخالف او ما يقرب من ذلك صوناً لكلامهم عن التهافت[64].

***

وقد انعكس التباين السابق في الموقف من خبر الاحاد على النظرة الى الروايات المدونة في الاصول والجوامع الحديثية، ومنها الكتب الاربعة. والبعض يعد ابن ادريس اول من زعم ان اكثر أحاديث اصحابنا المأخوذة عن الاصول المتداولة في عصر الائمة هي اخبار احاد خالية من القرائن الموجبة للقطع، وادى به ذلك الى الاعتراض على اكثر فتاوى الطوسي لكونها تعتمد على تلك الاصول[65]، اذ قال ابن ادريس ان الطوسي  صنف كتباً إخبارية أكبرها تهذيب الاحكام، أورد فيه من كل غث وسمين[66]. كما اعترض عليه فيما اورده في (الاستبصار) وقال بصدد احدى المسائل الفقهية: ‹‹إني لأربأ بشيخنا أبي جعفر، مع جلالة قدره وتبحره ورياسته، من هذا القول المخالف لاصول المذهب، وله رحمه الله في كتابه الاستبصار توسطات عجيبة، لا استجملها له، والذي حمله على ذلك، جمعه بين المتضادات، و هذا لا حاجة فيه، بل الواجب الاخذ بالادلة القاطعة للاعذار، وترك أخبار الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، فانه أسلم للديانة، لان الله تعالى ما كلفنا إلا الاخذ بالادلة و ترك ما عداها››[67]. كذلك شيع ان ابن ادريس هو اول من فتح باب الطعن في اكثر الاخبار[68]. مع انه سبقه في ذلك الشريف المرتضى الذي طعن بالاخبار الواردة في الكتب والاصول الشيعية. ومن قبله عرّض المفيد الكثير من أحاديث هذه الكتب الى الطعن، كتلك التي رواها الصدوق حول سهو النبي، وحول العدد في رؤية شهر رمضان[69]. وجدد المرتضى اعتراضه على روايات العدد ونقد اصحابها[70]، وزاد في طعنه على شيخه المفيد بما لا يقاس، ومن ذلك انه استخف بمصنفات أصحاب الحديث لكونها تعتمد على خبر الآحاد، وقال بهذا الصدد: ‹‹دعنا من مصنفات أصحاب الحديث من أصحابنا فما في اولئك محتج، ولا من يعرف الحجة، ولا كتبهم موضوعة للاحتجاجات››[71]. وهو في محل اخر اكد بانه لا يجوز العمل بكتب الحديث - ككتاب الكافي وغيره - للعالم والعامي، واعتبر ان فائدة هذه الكتب هي انها تسهل علينا النظر لاستخراج صحيحها من فاسدها، وذكر بان علماء الطائفة ومتكلميهم كانوا ينكرون على كل من يعمل بها[72].

والاهم من ذلك انه طعن بجميع روايات الفقه المشتهرة في عصره، متهماً ناقليها بانحرافهم عن الاعتقاد الحق وعدم العدالة، وقال بهذا الصدد: ‹‹ان معظم الفقه وجمهوره، بل جميعه، لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة، اما ان يكون اصلاً في الخبر او فرعاً، راوياً عن غيره ومروياً عنه، والى غلاة وخطابية ومخمسة واصحاب حلول، والى قمي مشبه مجبر، وان القميين كلهم من غير استثناء لاحد منهم الا ابا جعفر بن بابويه بالامس كانوا مشبهة مجبرة، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به[73]، فليت شعري اي رواية تخلص وتسلم من ان يكون في اصلها وفرعها واقف او غال، او قمي مشبه مجبر، والاختبار بيننا وبينهم التفتيش. ثم لو سلم خبر احدهم من هذه الامور ولم يكن راويه الا مقلد بحت معتقد لمذهبه بغير حجة ودليل، ومن كانت هذه صفته عند الشيعة جاهل بالله تعالى، لا يجوز ان يكون عدلاً، ولا يمكن ان تقبل اخباره في الشريعة. فان قيل: ليس كل من لم يكن عالي الطبقة في النظر، يكون جاهلاً بالله تعالى، او غير عارف به، لان فيه اصحاب الجملة من يعرف الله تعالى بطرق مختصرة توجب العلم، وان لم يكن يقوى على درء الشبهات كلها. قلنا: ما نعرف من اصحاب أحاديثنا ورواياتنا من هذه صفته، وكل من نشير اليه اذا سألته عن سبب اعتقاده التوحيد والعدل او النبوة او الامامة، احالك على الروايات وتلى عليك الاحاديث، فلو عرف هذه المعارف بجهة صحيحة لا احال في اعتقاده اذا سأل عن جهة علمها، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك، والمدافعة للعيان قبيحة بذوي الدين››[74].

بل حتى الشيخ الطوسي هو الاخر اثار شبهة كون اكثر الرواة في الكتب الشيعية هم من المجبرة والمشبهة والمقلدة والغلاة والواقفية والفطحية وغيرهم، وناقش في بعض ما ذكر واعترف بوجود روايات الجبر والتشبيه، لكنه اعتبرها لا تدل بالضرورة على كون ناقليها هم ممن يعتقدون بها. مع هذا فقد اعترف بان اكثر الاخبار الخاصة في الاحكام تفتقر الى القرائن الدالة على صحتها[75]. فلا عجب - اذاً - ان يرى بعض المتأخرين ان ما ذهب اليه اصحاب دليل الانسداد في الازمان الاخيرة له جذوره في ما سبق اليه الطوسي من اعتقاد[76].

على ذلك يمكن القول ان هناك نزعة تشكيكية سادت بين المحققين القدماء ازاء الروايات المدونة في الاصول الاولية وكتب الحديث القديمة، رغم تباين حجم هذا التشكيك بينهم. وهو موقف يختلف عما آل اليه المتأخرون؛ سواء الاخباريون منهم او الاصوليون، باستثناء اصحاب دليل الانسداد.

والغريب انه رغم الموقف المتشكك للمحققين القدماء بالروايات المشتهرة في زمانهم، وقد كانوا على علم بالاصول الاولية واصحابها، الا انا نجد لدى بعض الاصوليين المتأخرين موقفاً يقترب من الزعم الاخباري، ومن ذلك ما نقله الخوئي من ان بعض الاعلام يرى أن روايات الكافي كلها صحيحة ولا مجال لرمي شيء منها بضعف السند، كما نقل ما سمعه من شيخه محمد حسين النائيني انه قال في مجلس بحثه: ‹‹إن المناقشة في إسناد روايات الكافي هي حرفة العاجز››[77]. وقبل ذلك ذهب الشيخ الانصاري الى ان جميع الروايات في تصانيف الشيعة هي صادرة عن الائمة باستثناء ما شذ وندر منها، بل واعتبر ان العلم الاجمالي بصدور اغلبها او كثير منها هو من البداهة، واستدل على القطع بصدورها عن الائمة عدا القليل منها تارة بدعوى مزعومة دون دليل، واخرى بعدد محدود او يتيم من الشواهد المروية التي تظهر نزعة الاحتياط فيما سلكه البعض في نقل الحديث. فهو يزعم بان اصحاب الجوامع الاربعة قد نقحوا ما اودعوه في كتبهم دون الاكتفاء باخذ الرواية من كتاب ثم ايداعها في تصانيفهم، وذلك حذراً من ان يكون الكتاب المعتمد عليه يتضمن أحاديث مدسوسة. كما انه نقل ثلاث روايات عن رجال الكشي والنجاشي تبين الاحتياط في الحديث. ففي رواية عن احمد بن محمد بن عيسى انه قال: ‹‹جئت الى الحسن بن علي الوشاء وسألته ان يخرج الي كتاباً لعلاء بن رزين القلاء وكتاباً لابان بن عثمان الاحمر، فاخرجهما، فقلت: احب ان اسمعهما، فقال لي: رحمك الله ما اعجلك، اذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت له لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت ان الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فاني ادركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام››[78]. وفي رواية اخرى عن حمدويه عن ايوب بن نوح ‹‹انه دفع اليه دفتراً فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال: ان شئتم ان تكتبوا ذلك فافعلوا، فاني كتبت عن محمد بن سنان، ولكن لا اروي لكم عنه شيئاً، فانه قال قبل موته: كل ما حدثتكم به فليس بسماع ولا برواية، وانما وجدته››[79]. كذلك في رواية ثالثة جاء ان علي بن الحسن بن فضال لم يرو كتب ابيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه، وانما يرويها عن اخويه احمد ومحمد عن ابيه، واعتذر عن ذلك بانه يوم مقابلته الحديث مع ابيه كان صغير السن ليس له كثير معرفة بالروايات، فقرأها على اخويه ثانياً[80]. ومع ان هذه الشواهد لا تعد شيئاً قبال غيرها من الشواهد الكثيرة التي تفيد عكس ذلك تماماً، فانه يلاحظ في الشاهد الاول انه لا علاقة له بمسألة الاحتياط في النقل، وان الشاهد الثاني لا يدل على ان الاخرين يحتاطون في الرواية عن محمد بن سنان[81]، بدلالة ان المحمدين الثلاثة يروون عنه كثيراً، حتى ان الكليني روى عنه عدداً كبيراً من الروايات، بل ان الفضل بن شاذان رغم ما نقل عنه انه يمنع الرواية عنه ويعده من الكذابين، لكنه روى عنه الكثير من الروايات[82]، ومثله في ذلك الكثير ممن يعدون من الثقات[83]. مما يدل

على ان هذه المسألة يشوبها الكثير من الاضطراب، فكما ذكر بحر العلوم انه قد عظم الخلاف بين الاصحاب في محمد بن سنان، واضطربت فيه أقوالهم اضطراباً شديداً، حتى اتفق للاكثر فيه القول بالشيء وضده من التوثيق والتضعيف والمدح والقدح، والمنع من الرواية والاذن فيها والامتناع منها والاكثار منها، والطعن فيه والذب عنه[84]. وعليه فان ما نقله الانصاري من شاهد بهذا الخصوص يأتي على خلاف مطلبه، فضلاً عن ان عليه العديد من المؤاخذات التي لسنا بصدد بحثها هنا[85].

يبقى الاشكال الذي يورده العاملون بخبر الاحاد والروايات المدونة في الكتب المعتبرة، فكما اشار  جماعة من العلماء الى ان ترك العمل بهذه الروايات يقتضي (الخروج عن الدين). ومن ذلك ما صرح به الشيخ الصدوق وهو بصدد الحديث عن اخبار سهو النبي (ص) فقال: ‹‹فلو جاز رد هذه الاخبار الواقعة في هذا الباب لجاز رد جميع الاخبار، وفيه ابطال للدين والشريعة››[86]. وعلى هذه الشاكلة لم يتقبل المحدث البحراني ما صرح به العلامة الحلي برد اخبار الآحاد باعتبارها لا توجب علماً ولا عملاً، فقال: ‹‹ان الواجب عليه مع رد هذه الاخبار ونحوها من اخبار الشريعة هو الخروج عن هذا الدين الى دين اخر››[87]. كما ذهب بعض العلماء الى ان ترك العمل باخبار الاحاد هو في حد ذاته عبارة عن ترك التكليف، حيث ان البراءة الاصلية ترفع جميع الاحكام[88]. وسبق للشيخ الطوسي ان رد على الشبهة التي تقول ان فقدان القرائن التي تصحح الاحاديث الموجودة يقتضي العمل بالعقل، اذ اعتبر انه يلزم من ذلك ترك اكثر الاخبار والاحكام بحيث ‹‹لا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به، وهذا حد يرغب اهل العلم عنه، ومن صاراليه لا يحسن مكالمته لانه يكون معولاً على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه››[89].

مع ان الصحيح هو انه لا توجد ضرورة ولا اجماع يوجبان الرجوع الى الاخبار التي لا تفيد القطع، كالذي اشار اليه الشيخ الانصاري، مثلما اشار الى انه لا دليل على وجوب العمل بخبر الاحاد ما لم يفد الوثوق والاطمئنان بمؤداه، بحيث يكون احتمال مخالفته للحكم الالهي بعيداً لا يعتني به العقلاء ولا يسبب لهم التردد والشك في ذلك[90]. وقبله كان كاشف الغطاء (المتوفى سنة 1228هـ) يوصي الفقهاء بعدم الاخذ بخبر الاحاد الا عند الضرورة والاضطرار، وانه لابد من الاعتماد على القرآن الكريم والحديث المتواتر والسيرة القطعية[91]. وعليه فقد اجرى جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين العمل باعتبارات مختلفة غير الاعتماد على حجية خبر الاحاد او التقيد بالعمل بالروايات الموجودة. فمثلاً ان الشريف المرتضى قد طرح مثل تلك الشبهة، وهي انه اذا لم يكن من الجائز العمل بخبر الاحاد، فبماذا يعمل العالم المسلم؟ وكان جوابه هو العمل اما بالعقل او القرآن او التواتر او الاجماع. كذلك ذهب جماعة من المتأخرين الى وضع طريقة اخرى للعمل، وهي التي اطلق عليها (دليل الانسداد) فذهب اكثرهم الى صحة العمل بالظن الغالب، سواء كان مصدره الرواية او الشهرة او عمل الاصحاب او العقل او غير ذلك، اي انهم اجازوا العمل بالظنون غير المعتبرة، وبعضهم ذهب الى صحة العمل حتى بالظنون المنهي عنها كالقياس وما اليه[92].








[1] روضات الجنات، ج6، ص218، ونهاية الدراية، ص470

[2] الكافي، ج1، باب رواية الكتب والحديث، حديث 15، وانظر ايضاً: محمد باقر المجلسي: بحار الانوار، عن مكتبة الكوثر الالكترونية، ج2، ص167، وبنظر بعض المحققين المعاصرين ان هذا الحديث وان اعتبر صحيحاً من حيث السند، لكنه كاذب، معتبراً العهدة فيه على احمد بن محمد بن خالد البرقي الذي تفرد به (معرفة الحديث، ص46).

[3] معجم الرجال الحديث، ج1، ص24ـ25.

[4] معجم رجال الحديث، ج1، ص77ـ78

[5] نهاية الدراية، ص568ـ569

[6] معجم رجال الحديث، ج1، ص78

[7] انظر: خاتمة المستدرك، ج6، ص13ـ14، واعيان الشيعة، ج9، ص163، وروضات الجنات، ج6، ص220

[8] المفيد:  شرح عقائد الصدوق، وهو ملحق خلف أوائل المقالات، نشر  مكتبة الداوري، قم، ص64ـ65

[9] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص212

[10] معالم الدين، ص392، وفرائد الاصول، ج2، ص802

[11] خاتمة المستدرك، ج1، الفائدة الاولى.

[12] من المعاصرين من اعتقد بوجود الدس في كتاب (بصائر الدرجات) وان الصفار كان يأخذ من الكتب السائدة دون تمحيص، وكون النسخة الحالية ليست له (معرفة الحديث، ص252ـ254).

[13] نهاية الدراية، ص533ـ534

[14] خاتمة المستدرك، ج1، ص20ـ21

[15] معالم الدين، ص230ـ231

[16] معالم الدين، ص245ـ246

[17] الفهرست، ص2

[18] المعتبر في شرح المختصر، مصدر سابق، ج1، ص6

[19] دراسات في الحديث والمحدثين، ص192

[20] معجم رجال الحديث، ج12، ص208

[21] المصدر السابق، ج19، ص59

[22] المصدر السابق، ج1، ص292، وج12، ص213

[23] المصدر السابق، ج12، ص213

[24] رجال النجاشي، ص260

[25] تفسير القمي للقرآن، مكتبة: الكوثر الالكترونية، ج1، ص4

[26] معجم رجال الحديث، ج1، ص49ـ50

[27] كليات في علم الرجال، ص316ـ317

[28] لاحظ مثلاً: الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، نكت ونتف من التنزيل في الولاية، الاحاديث المرقمة: 25 و26 و27 و47

[29] تفسير القمي، ج1، ص6ـ11

[30] فهرست الطوسي، ص4، ورجال النجاشي، ص16، كذلك: خلاصة الاقوال، ص49، ومعالم العلماء، ص40

[31] معجم رجال الحديث، ج1، ص290 و291

[32] معجم رجال الحديث، ج1، ص292

[33] خلاصة الاقوال، فقرة 9، ص49، وانظر ايضاً: بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج1، ص464

[34] معجم رجال الحديث، ج1، ص291

[35] الفوائد الرجالية، ج1، ص462ـ464

[36] الرواشح السماوية، مصدر سابق، ص48

[37] الفقرات الواردة بالاسماء المذكورة نقلاً عن رجال ابن الغضائري، لاحظ: القهپائي: مجمع الرجال، ج1، عن مكتبة اهل البيت الالكترونية : www.ahl-ul-bayt.org/newlib/Rejal/Ghazaery ، وانظر ايضاً: ابن داود: كتاب الرجال، مكتبة الجعفرية الالكترونية، الفقرات المرقمة: 423 و431 و469 و486 وغيرها.

[38] رجال النجاشي، ص329، كذلك: مجمع الرجال، ج1، فقرة محمد بن أورمة أبو جعفر القمي.

[39] خاتمة المستدرك، ج4، ص14

[40] مجمع الرجال، ج1، فقرة عبد الرحمن بن أبي حماد.

[41] نهاية الدراية، ص416

[42] مجمع الرجال، ج1، فقرة أحمد بن محمد بن خالد.

[43] ابن داود: كتاب الرجال، فقرة 122

[44] بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص23ـ25

[45] الوحيد البهبهاني: الفوائد الرجالية، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص38ـ39

[46] ابو القاسم الخوئي: البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الاولى، 1412هـ ـ1992م، ص197 وما بعدها.

[47] عبد الله بن محمد الخراساني التوني: الوافية في اصول الفقه، تحقيق محمد حسين الرضوي الكشميري، مؤسسة مجمع الفكر الاسلامي، قم، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص158

[48] فرائد الاصول، ج1، ص109

[49] اوائل المقالات، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد (4) ص122

[50] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص26

[51] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص19 و212

[52] محمد بن إدريس الحلي: السرائر، مؤسسة النشر الاسلامي، الطبعة الثانية، 1410هـ، عن مكتبة التبيان الالكترونية، ص5.

[53] الطوسي: تمهيد الاصول في علم الكلام، انتشارات دانشگاه طهران، 1362هـ.ش، ص354

[54] انظر: وسائل الشيعة، ج20، ص64ـ65

[55] فهو يقول: ‹‹فاما ما اخترته من المذهب، فهو ان خبر الواحد اذا كان وارداً من طريق اصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مروياً عن النبي (ص) او عن واحد من الائمة (ع) وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديداً في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر، لانه ان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة، وكان موجباً للعلم. ونحن نذكر القرائن فيما بعد التي جاز العمل بها . والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة، فاني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في اصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه، حتى ان واحداً منهم اذا افتى بشيء لا يعرفونه سألوه: من أين قلت هذا؟ فاذا احالهم على كتاب معروف، او اصل مشهور، وكان راوية ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي (ص) ومن بعده من الائمة (ع) ومن زمن الصادق جعفر بن محمد (ع) الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزاً لما اجمعوا على ذلك ولأنكروه، لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو›› (عدة الاصول، ج1، ص126).

[56] عدة الاصول، ج1، ص135ـ136

[57] عدة الاصول، ج1، ص137

[58] قال بهذا الصدد: ‹‹والذي اذهب اليه وهو مذهب جميع شيوخنا المتقدمين والمتأخرين، وهو الذي اختاره سيدنا المرتضى واليه كان يذهب شيخنا ابو عبد الله (المفيد) ان الحق في واحد وان عليه دليلاً من خالفه كان مخطئاً فاسقاً. واعلم ان الاصل في هذه المسألة القول بالقياس والعمل باخبار الاحاد، لان ما طريقه التواتر وظواهر القرآن فلا خلاف بين اهل العلم ان الحق فيما هو معلوم من ذلك، وانما اختلف القائلون بهذين الاصلين فيما ذكرناه، وقد دللنا على بطلان العمل بالقياس وخبر الواحد الذي يختص المخالف بروايته››. كما قال: انه ‹‹اذا ثبت ذلك دل على ان الحق في الجهة التي فيها الطائفة المحقة، واما على ما اخترته من القول في الاخبار المختلفة المروية من جهة الخاصة فلا ينقض ذلك، لان غرضنا في هذا المكان ان نبين في الجهة التي فيها الطائفة المحقة دون الجهة التي خالفها، وإن كان حكم ما يختص به الطائفة والاختلاف التي بينها الحكم الذي مضى الكلام عليه في باب الكلام في الاخبار، فلا تنافي بين القولين››. وقال ايضاً: ‹‹والذي اذهب اليه ان خبر الواحد لا يوجب العلم، وان كان يجوز ان ترد العبادة بالعمل به عقلاً. وقد ورد جواز العمل به في الشرع، الا ان ذلك موقوف على طريق مخصوص، وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة، ويختص بروايته، ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها›› (عدة الاصول، ج1، ص100).

[59] عدة الاصول، ج1، ص127،  كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص112 و146ـ147

[60] محمد رضا المظفر: اصول الفقه، دار النعمان، النجف، الطبعة الثانية، 1386هـ ـ1966م، ج3، ص86ـ87

[61] محمد باقر الصدر: بحوث في علم الاصول، تحرير محمود الهاشمي، المجمع العلمي للامام الصدر، الطبعة الاولى، 1405هـ، ج4، ص344

[62] مما قاله بهذا الصدد: قد بينا في مواضع كثيرة من كتبنا ان الخبر الواحد لا يقطع في صحته ولا يجوز العمل به وإن رواه العدول الثقات ‹‹لأنا لا نأمن فيما نقدم عليه من الحكم الذي تضمنه ان يكون مفسدة، ولا نقطع على انه مصلحة، والاقدام على مثل ذلك قبيح، حتى ان من اصحابنا من يزيد على ذلك ويقول: ان اخبار الاحاد لا يجوز العمل بها ولا التعبد باحكامها من طريق العقول. وقد بينا في مواضع كثيرة ان المذهب الصحيح هو تجويز ورود العبادة بالعمل باخبار الاحاد من طريق العقول، لكن ما ورد ولا تعبدنا به، فنحن لا نعمل بها، لان التعبد بها مفقود وان كان جائزاً›› (مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص30). وقال ايضاً : ‹‹اذا كان خبر الواحد لا يوجب عملاً، فانما يقتضي اذا كان راويه على غاية العدالة ظناً›› لذا يجوز ان يكون كذبه ثابتاً، وبالتالي كان العمل بقوله يقتضي الاقدام على القبيح (مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج3، ص269ـ270، ولاحظ ايضاً: ج3، ص309ـ313، وج1، ص21 وما بعدها، وص210ـ212).

[63] مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص212

[64] الفيض الكاشاني: الاصول الأصيلة، تصحيح وتعليق مير جلال الدين الحسيني، سازمان چاب دانشگاه، ايران، 1390هـ، ص145

[65] روضات الجنات، ج6، ص231

[66] السرائر، ج3، ص289

[67] السرائر، ج2، ص422

[68] هداية الابرار، ص8ـ9

[69] انظر: مدخل الى فهم الاسلام، ص392ـ393

[70] ومما قاله بهذا الصدد: ‹‹والذين خالفوا من اصحابنا في هذه المسألة عدد يسير ممن ليس قوله بحجة في الاصول ولا في الفروع، وليس ممن كلف النظر في هذه المسألة ولا ما في اجلى منها، لقصور فهمه ونقصان فطنته. وما لاصحاب الحديث الذين لم يعرفوا الحق في الاصول، ولا اعتقدوها بحجة ولا نظر، بل هم مقلدون فيها، وليسوا باهل نظر فيها ولا اجتهاد، ولا وصول الى الحق بالحجة، وانما تعوليهم على التقليد والتسليم والتفويض›› (رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص18).

[71] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص26ـ27، وقال ايضاً: فأما اصحاب الحديث فانهم رووا ما سمعوا وحدثوا به ونقلوا عن اسلافهم، وليس عليهم ان يكون حجة ودليلاً في الاحكام الشرعية، او لا يكون كذلك. فان كان في اصحاب الحديث من يحتج في حكم شرعي بحديث غير مقطوع على صحته، فقد زل وزور، وما يفعل ذلك من يعرف اصول اصحابنا في نفي القياس والعمل باخبار الاحاد حق معرفتها، بل لا يقع مثل ذلك من عاقل وربما كان غير مكلف. الا ترى ان هؤلاء باعيانهم قد يحتجون في اصول الدين من التوحيد والعدل والنبوة والامامة باخبار الاحاد، ومعلوم عند كل عاقل انها ليست بحجة في ذلك. وربما ذهب بعضهم الى الجبر والى التشبيه، اغتراراً باخبار الاحاد المروية (رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص211ـ212).

[72] رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص331ـ333

[73] من الجدير بالذكر أن العلامة الحلي أوصل عدد الرواة القميين خلال زمان علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (المتوفى سنة 329هـ) الى ما يقارب مائتي ألف رجل (انظر مقدمة حسن الموسوي الخرسان لكتاب من لا يحضره الفقيه، دار الكتب الاسلامية بطهران، ج1، ص د) . ويبدو ان هذا العدد مبالغ به، لكن ما يعنينا هو أن المرتضى لم يكترث بالحجم الضخم الذي ضمه اولئك الرواة فعرضهم جميعاً الى النقد والطعن باستثناء الشيخ الصدوق (المتوفى سنة 381هـ).

[74] رسائل الشريف المرتضى، ج3، ص310ـ311، كذلك: مدخل الى فهم الاسلام، ص393

[75] عدة الاصول، ج1، ص135، كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص187

[76] فرائد الاصول، ج1، ص150

[77] معجم رجال الحديث، ج1، ص81

[78] رجال النجاشي، ص39ـ40

[79] اختيار معرفة الرجال، حديث 976

[80] فرائد الاصول، ج1، ص167ـ168 و170

[81] وهو كوفي صاحب اربعة أئمة وروى عنهم، وهم: الامام الكاظم والرضا والجواد والهادي. وقد اتهم بالكذب، كما اتهم بالغلو فترة، ومن ذلك ما روي عن صفوان بن يحيى انه قال: ان محمد بن سنان كان من الطيارة فقصصناه. وفي رواية اخرى عنه: لقد هم محمد بن سنان أن يطير غير مرة، فقصصناه حتى ثبت معنا. ومن العلماء من نفى عنه هذه التهمة بضعف الروايتين، وكون القميين اعتمدوا عليه وهم أشد شيء في هذا الامر، سيما أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن علي بن بابويه (بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص252ـ254 و272)

[82] نقل الكشي في رجاله عن الفضل بن شاذان انه قال: لا أستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان. وفي رواية اخرى قوله: ردوا أحاديث محمد بن سنان عني. وقال في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين: محمد بن سنان وقرنه بأبي الخطاب وأبي سمينة وابن ظبيان ويزيد الصائغ. لكن مع هذا فالمعروف ان الفضل بن شاذان قد روى عن محمد بن سنان الكثير من الروايات، هو وغيره ممن يعدون من الثقات (بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص252 وما بعدها). 

[83] فمن ذلك ما ذكره بحر العلوم في رجاله من انه روى عنه جماهير الاجلاء والاعاظم، فقد أسند عنه من الفقهاء الثقات الاثبات المتحرزين في الرواية والنقل: أحمد بن محمد بن عيسى وأيوب بن نوح والحسن بن سعيد والحسن بن علي بن يقطين والحسين بن سعيد وصفوان بن يحيى والعباس بن معروف وعبد الرحمان بن أبي نجران وعبد الله بن الصلت والفضل بن شاذان ومحمد بن اسماعيل بن بزيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وموسى بن القاسم ويعقوب بن يزيد ويونس بن عبد الرحمان. كما روى عنه مشاهير الرواة الموثقين أو المقبولين مثل: إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمد بن خالد والحسن بن الحسين اللؤلؤي والحسن بن علي بن فضال وشاذان بن الخليل وعلي بن أسباط وعلي بن الحكم ومحمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن خالد البرقي ومحمد بن عيسى بن عبيد (الفوائد الرجالية، ج3، ص269ـ270).

[84] ومن ذلك ما حصل مع الشيخ المفيد حيث انه مدحه في كتابه (الارشاد) واعتبره من خاصة الامام الكاظم وثقاته ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، لكنه ضعفه وطعن فيه في رسالته (الرد على اهل العدد والرؤية) حيث صرح بانه مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه (الفوائد الرجالية، ج3، ص251 و253، كما لاحظ: الارشاد، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، عدد (11) ص248، ورسالة الرد على اهل العدد والرؤية، ضمن نفس السلسلة، ج9، ص20). 

[85] لاحظ حول ذلك: الفوائد الرجالية، ج3، ص274ـ277، وخاتمة المستدرك، ج4، ص84ـ85.

[86] من لا يحضره الفقيه، ج1، ص250،  كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص186

[87] فرائد الاصول، ج1، ص188

[88] فرائد الاصول، ج1، ص188 و187

[89] عدة الاصول، ج1، ص136، كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص187

[90] فرائد الاصول، ج1، ص173ـ174

[91] عن: محمد جواد مغنية: مع كتاب محاضرات في اصول الفقه الجعفري للشيخ ابي زهرة، رسالة الاسلام، نشر الاستانة الرضوية، مشهد، 1411هـ ــ1991م، ج10، ص48

[92] انظر كتابنا: الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، طبعة 2000م، ص88.

comments powered by Disqus