يحيى محمد
يتوقف إثبات المسألة الدينية على عدد من قضايا العقل، كما يصورها أصحاب الدائرة العقلية، بعضها يعود إلى القضايا المشتركة، والبعض الآخر يختص بحسب ما عليه كل من المنطقين: الحق الذاتي وحق الملكية.
وأبرز قضية يشترك فيها المنطقان الآنفا الذكر، تلك التي لها علاقة بإثبات المسألة الإلهية، حيث جنّد لها المنطقان أدلة مشتركة قائمة على الاعتبارات القبلية الخاصة بمفاهيم الجسم والعرض والجوهر والحدوث وما إليها.
ففيما يتعلق بإثبات وجود الله، قدّم أصحاب الدائرة العقلية عدداً من الأدلة، أبرزها ما يُعرف بدليل الحدوث، وهو أنه لما كانت الأشياء الخارجية مكونة من الأجسام أو الجواهر الفردة، وأن هذه الجواهر تقوم فيها أعراض أو حالات متغيرة كالحركة والسكون والإجتماع والإفتراق، فعلى ذلك تكون الأعراض حادثة لكونها تحدث بعد أن لم تكن، ثم تزول، حيث الحدوث عبارة عن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، وبالتالي فلا بد لها من محدِث. وحيث أن الجواهر لا تنفك عن الحوادث، وكل ما لا يخلو من الحوادث فلا بد أن يكون حادثاً مثله. فالأجسام لا تنفك عن الأعراض، والأعراض حادثة، لذا فالأجسام حادثة مثلها، وبذا يثبت أن لها محدِثاً، وهو الله، إذ لا يمكن أن يتسلسل الأمر إلى غير نهاية[1].
وقد تعرّض هذا الدليل لجملة إنتقادات، أبرزها ما قدّمه الفيلسوف ابن رشد في هذا المجال، إذ لخّص الدليل بثلاث مقدمات قبل نقدها، كما يلي:
1ـ لا تخلو الجواهر من أعراض ولا تنفك عنها.
2ـ إن الأعراض حادثة.
3ـ كل ما لا ينفك عن الحوادث لا بد أن يكون حادثاً مثله.
وقد إعترض ابن رشد على المقدمة الأولى، فالخلاف حول الجوهر الفرد بين العلماء والفلاسفة كثير، أو أن عليه أقاويل كثيرة متضادة، وأنه ليس معروفاً بنفسه، فهل له وجود أم لا؟ لا سيما وأن الفلاسفة ينفونه ويرون أن كل جزء من الجسم قابل للإنقسام إلى ما لا نهاية له من الأجزاء. ولا شك أن أصحاب الدائرة العقلية على علم بمثل هذا الخلاف الحاصل بينهم وبين الفلاسفة، وأن كلا الطرفين يضع من الأدلة لإثبات موقفه من ذلك الجوهر، إن كان يقبل الإنقسام كما ذهب إليه الفلاسفة، أو لا يقبله كما يقول العقليون ضمن النظام المعياري[2].
وحول المقدمة الثانية اعتبر ابن رشد أنه لا دليل للعقليين على حدوث جميع الأعراض، إذ بنوا هذه المقدمة طبقاً لدليل الشاهد على الغائب، فإذا كنّا نشهد حدوث الأعراض في الأجسام الارضية، فإن الأمر في الجسم السماوي غير معلوم، سواء بالنسبة ما يتعلق بهذا الجسم، أو بأعراضه الخاصة، إذ ليس بالضرورة أن يكون حاله حال الجسم عندنا. وينطبق الأمر أيضاً على الزمان، فهو من الأعراض، لكن ليس للحس دلالة تشير إلى أنه حادث. وكذا ينطبق الحال على المكان الذي يكون فيه العالم، إذ كل متكوّن؛ فالمكان سابق له، الأمر الذي يعسر تصور حدوثه.
أما المقدمة الثالثة، فقد نقدها ابن رشد لعدم إمتناع أن يكون المحل مورداً لجنس الحوادث دون أن يكون حادثاً هو الآخر. فقد تتعاقب على المحل أو الجسم أعراض غير متناهية؛ متضادة وغير متضادة، مثل حدوث الحركات غير المتناهية كما يعتقده الفلاسفة[3].
وحول إثبات مسألة التوحيد، اعتمد الكثير من أصحاب الدائرة العقلية على دليل التمانع، وخلاصته هي أنه لو فرضنا وجود إلهين، أراد أحدهما خلق إنسان، وأراد الآخر عدم خلقه، ففي هذه الحالة إما أن يتحقق المرادان، أو لا يتحقق، أو يتحقق أحدهما، فالفرض الأول مستحيل لأنه يعني التناقض، والثاني مستحيل أيضاً لأنه يعني الوسط المرفوع، أما الأخير فهو الصحيح وبه تثبت الالوهية، وهو معنى قوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾[4].
وعادة ما يرد على هذا الدليل عدد من الإشكالات، مثل: لِمَ لا يُفترض وجود إلهين قادرين ينتج عنهما مقدور واحد؟ ولِمَ لا يُفترض أن القادرين يتفقان فلا يتمانعان؟ كذلك لِمَ لا يكون لكل إله خلقه الخاص دون العلم بالآخر، أو دون القدرة على منعه؟ أو كما جاء في شبهة ابن كمونة، حيث افترضت وجود هويتين بسيطتين كل منهما عبارة عن موجود بسيط مستغن عن العلة مطلقاً[5].
وحقيقة الأمر أنه لا هذا الدليل، ولا دليل الحدوث المطروح لإثبات وجود الله، يمكن أن يُقنع الباحث إقناعًا تامًا، بل إن قوة الدليل تُستمد عبر ملاحظة الواقع.
فمن جهة، إن العرض والجوهر كلاهما متغيران بلا فرق، وأن ذات الشيء وتغيره كلاهما يعبران عن حقيقة الموضوع الخارجي، والذي سبق أن أسميناه بالوجود الصيروري، كما جاء في حلقة (النظام الوجودي). ولما كان التغير لا يجري على وتيرة واحدة، بل هو تغير غير محدود، فذلك يكشف عن أن له أسباباً خارجية طبقاً لمبدأ السببية. إذ لو كان التغير نابعًا عن الطبيعة الذاتية للمادة؛ لكان على وتيرة واحدة، أي لكان ثابتاً من غير تغاير. أما والتغاير حاصل؛ فهذا يعني أنه بحاجة إلى تعليل من الخارج، وهو ما يثبت العلل الميتافيزيقية، ومن ثم وجود الله.
كما إنه بحسب التقديرات الإحتمالية، لا يُعقل أن يكون النظام القائم في الواقع المشهود قد نتج عن المصادفة العمياء. إذ إما أن نفسّر هذا النظام استنادًا إلى المصادفات العشوائية، أو إلى وجود عقل حكيم منظِّم.
ولا شك أن العمل باجراء الحساب الإحتمالي لا يُبقي للفرض الأول قيمة يُعدّ لها اعتبار، إذ تتحول أغلب القيم الإحتمالية لصالح إثبات تلك القضية.
فبحسب وحدة الأساس، لا يختلف استنتاج وجود العقل المدبر عن منهج استنتاج النظريات العلمية، بل يتفوق عليه، إذ تدعمه قرائن لا تُحصى من دون منافس، ما دام لا توجد ظواهر مضادة تكذبه. فضلًا عن أن أطراف هذه المسألة مغلقة وضيّقة للغاية، خلافًا للنظريات العلمية التي تظل مفتوحة وقابلة للاستبدال بلا حدود؛ إذ يمكن لكل تفسير علمي أن يحل محله تفسير آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية، بينما المسألة الإلهية محصورة بين فرضين لا ثالث لهما: إما النظام العاقل أو المصادفة العمياء. وبالتالي إذا كانت القرائن متجهة نحو إثبات هذه المسألة؛ فذلك يعني دحضاً للطرف الآخر، إذ ليس هناك طرف ثالث منافس في هذه المعادلة.
وبذلك يمكن القول إنه لا توجد قضية خارجية تحظى بتأييد معرفي يماثل ما تحظى به هذه المسألة. فحتى القضايا الحسية، رغم تعاملنا معها على أساس القطع واليقين، لا تبلغ - عند التحليل الدقيق - درجة ما تحظى به هذه القضية من تأييد، لما تختزنه من قرائن لا تقبل الحصر والنهاية[6].
وينطبق هذا الحال على إثبات مسألة التوحيد، فوحدة هذا النظام تدل على وحدة المصدر، فلو كان هناك أكثر من إله لكنا نجد أثار الإختلاف في الخلق، أو فساده واضطرابه، وحيث اننا لم نجد ذلك؛ فالأمر دال على صدوره عن واحد أحد. وهو ما يرشد إليه قوله تعالى: ﴿ما اتّخذ اللّه من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾ (المؤمنون/ 91)، وقوله: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا﴾ (الأنبياء/ 22). إذ تدل الآية الأولى على نفي الإختلاف، وتدل الأخرى على نفي الاضطراب والفساد. وبالتالي فلو كان هناك اتفاق بين إلهين؛ لبان التعدد في آثارهما، ولدلّت عليه الحسابات الإحتمالية، مثلما دلّت على عظمة الخالق ووحدته.
كذلك فإن إفتراض وجود إلهين قادرين ينتج منهما مقدور واحد، هو إفتراض معقد لا مبرر له، إذ يكفي أن يكون المقدور الواحد صادراً عن إله فرد. مثلما أنه لا مبرر لإفتراض التسلسل في الآلهة أو العلل، طالما يمكن تفسير النظام القائم طبقاً لأصل واحد تبعاً لمبدأ البساطة الذي تعتمد عليه العلوم الطبيعية[7].
***
يضاف إلى ما سبق، ثمة قضايا أخرى رئيسية يتوقف عليها إثبات المسألة الدينية. وهنا يأتي دور المنطقين الخاصين بالدائرة العقلية، فلكل منهما تشريعه الخاص تبعاً للإعتبارات التي يفرضها أصله المولّد، وهو ما سنتعرف عليه كالتالي:
الحق الذاتي والتأسيس الخارجي
معلوم أن منطق الحق الذاتي يرى أن أول الواجبات هو الواجب العقلي المتمثل في وجوب (النظر)، والذي يؤدي إلى معرفة الله وصفاته الرئيسة، ومن ثم يتأسس التشريع العقلي الخاص بسائر الألطاف ومتفرعات الحسن والقبح، كما يتأسس الخطاب الديني من الخارج.
فطبقاً لهذا المنطق أنه لا يمكن الإستدلال بالسمع ما لم تتقرر جملة من الأمور العقلية، كمعرفة الله وعدالته وحكمته وأنه لا يفعل القبيح مطلقاً. فلهذه المعارف أهمية خاصة لتصحيح صدق الباري في كلامه وإخباره، وأنه لا يُجري المعجز على يد الكذابين. وعندئذ يمكن الإستدلال بالسمع والاحتجاج به، لأن صحته تتوقف على هذه الأمور العقلية[8].
ومن الواضح أن جميع هذه القضايا، بإستثناء معرفة الله، هي قضايا معيارية تحددها قاعدة الحسن والقبح العقليين. بل حتى معرفة الله إنما تتحقق بشكلها الطبيعي عبر تلك القضية المعيارية الخاصة بوجوب النظر العقلي. وبالتالي فإن إثبات المسألة الدينية متوقف على تلك القاعدة. لذلك قال بعض أتباع هذا المنطق: إن عزل العقل عن إدراك الحسن والقبح يوجب هدم أساس إثبات الصانع، ويلزم عنه افحام الأنبياء، وبالتالي يوجب هدم أصل الشريعة[9].
ويمكن القول إن التشريع العقلي لدى هذا المنطق يفضي إلى تأسيس العديد من المسائل الوجودية، وعلى رأسها المسألة الإلهية. ولأجل ذلك ظهر البحث في القضايا الكونية، كالبحث في الجسم والأعراض والجوهر والجزء والخلاء والمكان والزمان وغيرها.
فالغرض من هذه البحوث هو إثبات المسألة الإلهية، وأن الغرض من هذه الأخيرة هو إثبات التكاليف العقلية والدينية وفقاً للحق الذاتي، رغم ما يفضي إليه الأمر من الدور. حيث تتوقف التكاليف الدينية على صحة التكاليف العقلية من غير عكس. فبحسب هذا المنطق تحتوي العقول على إدراك الأمور التكليفية بصورة إجمالية، ولا تُعرف تفاصيلها إلا عبر السمع أو الخطاب الديني[10]. وهو بذلك يجعل من هذه التكاليف مبرراً لإثبات منظومة الحقائق الدينية. لهذا كان وجوب النظر هو أول هذه التكاليف وأساس إثبات سائر التكاليف الأخرى، سواء العقلية منها أو الدينية.
ووفقًا لهذا المنطق، جاء الخطاب الديني محفزًا على النظر؛ كمنبّه لما ينبغي على العقل فعله، لذلك أشار جماعة من أتباعه إلى أن الله تعالى قد وبّخ الكفار بسبب تركهم الإستدلال بعقولهم على وحدانيته وربوبيته بما يشاهدونه في أنفسهم وغيرهم، فقال تعالى في عدد من الآيات القرآنية: ﴿لآيات لأولي الألباب﴾ (آل عمران/ 190).. ﴿لأولي النهى﴾ (طه/ 54).. ﴿أفلا تعقلون﴾ (البقرة/ 44).. ﴿لقوم يعقلون﴾ (البقرة/ 164).. ﴿وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل﴾ (الملك/ 10).. الخ[11].
ويتوقف إثبات المسألة الدينية على العديد من الواجبات والشروط العقلية التي تجمعها نظرية اللطف، ومن ذلك إثبات البعثة وعصمة الأنبياء، وكذا الأئمة لدى بعض المذاهب، فهذه القضايا هي الأصول المباشرة لتأسيس الخطاب من الخارج. وسنقتصر الحديث في هذه الفقرة على وجوب البعثة كما يلي:
وجوب البعثة
لمنطق الحق الذاتي عدد من المبررات التي تؤكد وجوب بعثة الأنبياء على الله؛ تبعاً لنظرية اللطف، كالتي ذكرها الشيخ الطوسي بقوله: «الذي يدل على حسن بعثة الرسل فهو ما يؤدونه إلينا من المصالح والألطاف؛ لأنه لا يمتنع أن يعلم الله تعالى أن في أفعال المكلَّف ما إذا دعاه إلى فعل الواجب العقلي أو صرفه عن فعل القبيح العقلي، أو ما إذا فعله دعاه إلى فعل القبيح والإخلال بالواجب، فيجب إعلامه ذلك، لأن الأول لطف له والثاني مفسدة، ويجب عليه تعالى إزاحة علته في التكليف في فعل اللطف على ما بيناه فيما مضى، ولا يمكن إعلام المكلَّف ذلك إلا بأن يبعث إليه نبياً يعلمه ذلك، وإنما قلنا ذلك لأنه لا يمكن الوصول إلى ذلك بإستدلال عقلي، ولا يحسن خلق العلم ضرورة بذلك لأن التكليف يمنع منه، فلم يبق بعد ذلك إلا بعثة الرسول ليعرفه ذلك، وهذا الوجه الذي نقول إنه متى حسنت بعثة الأنبياء وجبت، فلا ينفصل الحسن من الوجوب، وإنما قلنا لا يمكن العلم بهذه الألطاف ضرورة؛ لأنا قد بينّا أن العلم بالله تعالى إنما يكون لطفاً إذا كان كسباً، وإن كان ضرورة لا يكون لطفاً»[12].
بهذا المعنى تكون التكاليف السمعية ألطافاً للتكاليف العقلية، فاللطف يدعو إلى فعل الواجبات وترك النواهي، ومنها الواجبات والنواهي العقلية. فمثلاً «إنا نعلم ضرورة أن الإنسان إذا واظب على فعل الصلاة والصوم - مثلاً - دعاه ذلك إلى العلم بالله تعالى وصفاته، ليعلم أن العبادة هل هي لائقة به أم لا؟ وكل لطف واجب كما تقدم»[13].
وشبيه بذلك ما أكده القاضي الهمداني حول تحديد وجوب لطف النبوة بما تقرر لدى العقل من أن الأفعال يدعو بعضها إلى بعض، ويصرف بعضها عن بعض «فإذا علم الله أن فعل المكلَّف ما إذا تمسك به كان أقرب إلى فعل الواجبات، أو أنه يكون فاعلاً لها لا محالة، ولم يكن في قوة العقول ما يمكن معه الوقوف على تفاصيله، فلا بد من حكمة أن يبعث إليهم من يعرفهم به. وبعبارة أخرى إن ما يحصل للمكلفين من الصلاح في بعض أفعالهم التي لا يمكنهم أن يقفوا عليها بعقولهم فلا بد من أن يزيح الله علتهم بالبيان ونصب الأدلة، كما لا بد فيما هو لطف من فعله تعالى أن يفعله، فإذا لم يكن لضرورة العقل مدخل في معرفة ذلك، ولا لأدلة العقول والنظر مجال، فلا بد من طريقة أخرى يعلمهم الله بواسطتها، وهذه هي طريقة السمع والنبوة». وأكد القاضي أيضاً بأن سبب وجوب البعثة هو أن فيها وجوهاً تحسن عليها[14].
كما قدّم هذا الشيخ تفصيلاً حول وجوب البعثة وعدمه، فذكر ثلاثة أحوال:
«1ـ فإما أن يكون من المعلوم من حالهم - أي حال المكلَّفين - التمسك بسائر ما كلفوه عقلاً، سواء تمسكوا بما نزل عن طريق النبوة أو لم يتمسكوا به، ومثل هذا المكلَّف لا تجب بعثة الرسول له لتأكيد ما يستملك به الأمور العقلية، ولكنها واجبة لما يتصل بالتكليف السمعي.
2ـ أن يكون المعلوم من حالهم أنهم لا يتمسكون بما في عقولهم أو بعضها، وهؤلاء لا تؤثر البعثة في حالهم من حيث أداؤهم الواجبات العقلية، ولذلك لا تجب بعثة الرسول إليهم عقلاً، ولكنها تجب سمعاً لإقامة الحجة، ومعرفة التكليف السمعي.
3ـ وأخيراً فإن هناك من المعلوم من حاله أنه إذا تمسك ببعض الشرائع صلح في بعض ما كلف به شرعاً وعقلاً واختار الواجب، ولولاه كان لا يختاره، وهذا النوع هو الذي تحسن البعثة له وتجب عقلاً وشرعاً. وإذا فإن النبوة تجب للمكلفين جميعاً، وإن اختلفت سبل وجوبها لهم»[15].
***
نستخلص مما سبق النقطتين التاليتين:
أ ـ إن سبب وجوب بعثة الأنبياء يعود إلى كونها لطفاً؛ لحثّها على الواجبات، ومنها الواجبات العقلية، وتفصيلها لما يجمله العقل من واجبات ومنهيات.
ب ـ إن تعيين هذا الوجوب مستند إلى ملاحظة جهات الحسن في بعثة الأنبياء.
فحول هاتين النقطتين سنجمل نقاشنا عبر الفقرتين التاليتين:
1ـ أول ما يلاحظ أنه لا يمكن البت في وجوب اللطف، فليس كل ما يدعو إلى فعل الحسن يكون واجباً، ولا كل ما يدعو إلى فعل القبيح يكون محظوراً. ويظل العلم بهذا الوجوب متوقفاً على العلم بالحكمة. والعلم العقلي بطبيعة الأخيرة منفي لمجمل الأفعال الإلهية.
ولو أخذنا بنظرية اللطف لأعتبرنا بأن من الواجب ملئ الفترات الشاغرة للأنبياء والأئمة، فاستمرار وجودهم من غير إنقطاع يعمل على حفظ الدعوة إلى فعل الحسن وتجنب القبيح، بل لكان من الواجب أيضاً أن تكون بعثات الأنبياء ورسالاتهم شاملة لكل الناس على السواء، لذات العلة من لطف الدعوة إلى فعل الحسن وتجنب القبيح، ولأصبحنا اليوم نحفل بوجود عدد من الأنبياء أو الأئمة، طالما ظلت الحاجة إليهم قائمة لرفع اللبس والإنقسام بين الناس حول معرفة الحقيقة الدينية وتقويم السلوك، وذلك لنفس المبررات والدواعي التي وجبت بها بعثة الأنبياء في السابق.
2ـ كذلك يمكن القول إنه لا دليل على وجوب النبوة تبعاً لملاحظة وجوه الحسن فيها، إذ ما الذي يؤكد أنه لا بديل لهذه الوجوه؟ فلعل هناك مصالح أخرى سوى البعثة لا نعلمها قد تستوجب التعيين؛ مثل إفتراض أن تكون حكمة الله ناظرة إلى ما يتحقق للإنسان من مكاسب وتطورات بفعل الخبرة التاريخية، كالذي يُشاهد في القضايا الدنيوية التي تتقبل البحث العلمي. وبالتالي يتعذر علينا معرفة الواجبات الإلهية الفعلية؛ طالما ليس بإستطاعتنا العلم بكافة وجوه الحسن والحكمة في الخلق والتدبير.
على أن هناك صورة أخرى لإثبات النبوة منسوبة إلى الحكماء (الفلاسفة)، وهي طريقة كلامية غير فلسفية، وتقريرها كالتالي: «كلما كان صلاح النوع مطلوباً لله تعالى كانت الشريعة واجبة، وكلما كانت الشريعة واجبة كانت البعثة واجبة، فكلما كان صلاح النوع مطلوباً فالبعثة واجبة»[16].
وواضح أنه لا يمكن البت في المقدمة الأولى، إذ قد يكون صلاح النوع مطلوباً بأمر آخر غير المسألة الدينية. كما أن إستخدام مصطلح (الوجوب) إن كان يُقصد به ما تعارف لدى أهل الكلام من أن تركه قبيح؛ فهو غير لازم عن تلك المقدمة، وإن كان يقصد بالوجوب ما تعارف لدى أهل الفلسفة من معنى مرادف للضرورة والحتمية؛ فهو غير معقول بالمرة.
ومن الناحية العقلية الصرفة، تظل مسألة البعثة مرجحة تبعاً لقضايا الإحتمال، حيث من مصلحة الناس أن يأتيهم الأنبياء لحثهم على الفعل الحسن وتجنب القبيح، وأن يطمئنوا إلى أن ما يفعلونه من خير وما يصيبهم من شر لا يذهب سدى، فمثل ذلك لا يتحقق بقوة أخرى أفضل من النبوة. أما إثباتها فيعتمد على دراسة الواقع الخاص بمدعي النبوة وفقاً للقرائن الاستقرائية وحسابات الإحتمال، كالذي تناوله المفكر الصدر في كتابه (المرسل، الرسول، الرسالة). إذ لو ثبتت جزئية واحدة موجبة؛ لدلّ ذلك على صدق القضية على النحو الكلي.
حق الملكية والتأسيس الخارجي
تبعاً لمنطق الحق الذاتي، ان تأسيس المسألة الدينية يستند إلى الواجبات المعيارية قبل أي اعتبار آخر، فتبدأ العملية بإثبات الواجبات المتعينة على المكلَّف، وعلى رأسها وجوب النظر، ليتم من خلالها إثبات حالة الثبوت التي تتعين بها الواجبات المفترضة على المكلِّف، ومنها واجبات بناء المسألة الدينية وفق بعثة الأنبياء والعصمة. لكن الأمر مع منطق حق الملكية يختلف تماماً، فهو لا يسمح بوجود واجبات عقلية مفترضة سلفاً، طالما أن كل واجب تكليفي مبعثه من المالك الحقيقي لا غير، مما يعني أنه لا بد من إذن شرعي لتبرير الواجبات دون أن يكون للعقل حظ من التشريع. وأيضاً فإنه بحسب اعتبارات البداهة الأولية لهذا المنطق لا مجال للقول بواجبات المكلِّف، طالما أن الأخير يمتلك سلطة الواجبات بإطلاق دون أن تعلو عليه سلطة أخرى كما هو واضح. وهذا يعني أن المسألة الدينية لا يمكنها أن تتأسس على القضايا المعيارية، فأي تأسيس لها على هذه القضايا يفضي بها إلى التناقض والصدام مع الأصل المولّد، وهو ما كان يعيه أصحاب هذا المنطق تماماً.
والسؤال المطروح: على ماذا تتأسس المسألة الدينية إذاً؟
من الواضح أنه لم يبق من الأمر شيء سوى أن يكون تأسيسها قائماً على القضايا الوجودية أو التكوينية. وإذا كنّا نعلم بأن ما يغلب على المسألة الدينية هو المضمون المعياري، فهذا يعني أنه لا بد من أن يتأسس المعيار وفقاً للأمر الوجودي، مما يقرِّب هذا الاتجاه من الاعتبارات التي عوّل عليها النظام الوجودي، خلافاً لما ذهب إليه منطق الحق الذاتي الذي جعل الأخير قائماً على الأول، ومن ذلك ما يتعلق بالأساس الأول للواجبات الملقاة على عاتق المكلَّف، وهو وجوب النظر، والذي تتأسس عليه المسألة الإلهية والدينية.
نعود لنسأل: ما هي القضايا الوجودية المعول عليها في إثبات المسألة الدينية؛ كبعثة الأنبياء وما إليها؟ إذ كنا مع منطق الحق الذاتي نعتمد على قاعدة العدل ومشتقاتها فيما يخص المكلِّف، وعلى وجوب النظر العقلي فيما يخص المكلَّف. لكن ماذا مع منطق حق الملكية؟
من المقرر لدى هذا المنطق أن إثبات المسألة الدينية يستند أساساً إلى نظرية (الكلام الإلهي). إذ تشكل هذه النظرية المناط الذي يربط القضايا العقلية بالدينية، كالذي يوضحه نص الإمام الغزالي التالي: إن «المعلوم بدليل العقل دون الشرع فهو حدوث العالم ووجود المحدث وقدرته وعلمه وإرادته، فإن كل ذلك ما لم يثبت؛ لم يثبت الشرع، إذ الشرع يبنى على الكلام فإن لم يثبت كلام النفس لم يثبت الشرع، فكل ما يتقدم في الرتبة على كلام النفس يستحيل إثباته بكلام النفس وما يستند إليه، ونفس الكلام أيضاً فيما اخترناه لا يمكن إثباته بالشرع»[17].
وما يعنيه هذا النص هو تأسيس المسألة الدينية عبر العقل النظري، إذ لا مجال للعقل العملي كالذي يفيده منطق الحق الذاتي. وبعبارة أخرى: لا مجال للقول بنظرية اللطف والوجوب العقلي على للمكلِّف.
لكن قد تثار إشكالية بهذا الصدد، وهي أن عدم أخذ اعتبارات الوجوب العقلي يمكن أن يفضي إلى جواز إتصاف الإخبار الإلهي بالكذب والخداع، ومن ثم استحالة تأسيس المسألة الدينية. وبالتالي كيف يمكن اثبات صدق الإخبار الإلهي وفق منطق حق الملكية؟
وكجواب عن الإشكالية المطروحة، نفى أصحاب هذا المنطق إمكانية الكذب والخداع في الإخبار الإلهي، وذلك إعتماداً على العقل النظري. إذ اعتبروا كلام الله كلاماً نفسياً ثابتاً وصادقاً يستحيل عليه الكذب. فالصدق والكلام كلاهما من الصفات الذاتية للمكلِّف[18]. وتبرير هذه المقالة يستند إلى قولهم بأنه لما كان الصدق من صفات الله تعالى، وأن الكذب نقص، فإن النقص محال عليه. وهم وإن جوزوا الكذب في مواضع مختلفة؛ إلا أنهم جوزوه لأغراض صحيحة من وجود ضرورة وحاجة، والله منزه عن الضرورة والأغراض والمصالح[19].
وتواجه هذه المسألة عدد من الاعتراضات كما يلي:
الاعتراض الأول: إن إستخدام العقل النظري لتبرير نفي الكذب الإلهي يمكن أن يثير إشكالية حول صلاحيات هذا العقل وفقاً لذات البداهة الأولية لحق الملكية، فماذا نقول لو أن المالك يمنعنا من إستخدام هذا العقل؟
صحيح ما قد يجاب على ذلك بأنه لا دليل على هذا المدعى، لكن صحيح أيضاً أنه لا دليل على العكس، إذ ما الدليل على جواز إستخدام العقل قبل ورود الشرع وقيام المسألة الدينية؟
فلو اعتمدنا على المرجعية الدينية في جواز إستخدام العقل؛ لوقعنا في الدور، إذ كيف نعلم حجية هذا الإستخدام من غير إثبات المسألة الدينية، وإن إثبات هذه المسألة موكول على عدم ممانعة المالك في إستخدام العقل، والعلم بعدم الممانعة لا يُعرف إلا بثبوت المسألة الدينية، وهكذا نقع في الدور والتسلسل.
الاعتراض الثاني: لا يوجد لدى العقل ما يدل على إستحالة الكذب في الإخبار الإلهي، فطالما أن القدرة حاصلة والإختيار ممكن، فذلك يجعل من الصدق والكذب أمرين ممكنين، وأن حتمية أحدهما لا تكون إلا على ضوء الفهم الوجودي كالذي يبشّر به النظام الوجودي.
الاعتراض الثالث: لا يتوقف الأمر عند الحد السابق، فحتى مع سلامة حتمية صدق الإخبار الإلهي، تظل هناك إشكالية أخرى تتعلق بالصدق البشري، إذ كيف يمكن التأكد من صدق الناس الذين ينقلون كلام الله تحت عنوان النبوة؟
فقد تكون دعوى النبوة كاذبة، لا سيما وأن أصحاب هذا المنطق يرون أن الأفعال البشرية هي أفعال إلهية، وأن كل شيء يعود إليه بحكم العادة، وأن من الجائز أن ينقلب كل شيء إلى ضده. وعليه ما المانع من أن يُظهِر الله المعجزات على يد الكذابين؟ وإذا كانت قد جرت عادة الله أن لا يُظهِر المعجز على يد الكذابين؛ فكيف نُثبت ذلك، مع أننا لم نطلع على الغيب، ولم نعرف إن كان أجراها سابقاً على يد كذابين أم لا؟
فكل ما قرره أصحاب هذا المنطق هو استحالة ظهور المعجزة عند دعوى الكاذب، باعتبار أن المعجزة تتضمن تصديقاً، فالخارق للعادة «يمتنع من الدعوى لأنه يكون تصديقاً لكاذب، وتصديق الكاذب محال، ولا يمتنع مع عدمها». وبعبارة أخرى: لا يمكن أن تظهر المعجزة على يد الكاذب؛ لأنها لو ظهرت لدلّت على صدقه، وتصديق الكاذب أمر مستحيل وفقاً لقضايا العقل[20].
وحقيقة الأمر، إنه لا توجد إستحالة عقلية فيما ذُكر، لكن القائلين بذلك اضطروا لهذا القول؛ لأنهم لا يملكون دليلاً آخر يُثبتون به إثبات المسألة الدينية، مثلما ألجأتهم الضرورة إلى اعتبار الكلام الإلهي صادقاً صدقاً محتماً. وكل ذلك يتنافى مع الاعتبارات المعيارية لهذه القضايا.
وقد ظهر من أصحاب هذا الاتجاه من ناقض نفسه، فجمع بين الأخذ بنظرية التقبيح والتحسين الشرعيين، وبين الإعتقاد بوجوب عصمة الأنبياء عقلاً في الحالة التي لا تناقض فيها مدلول المعجرة، وهي عبارة عن صدقهم فيما يبلّغون[21]، وكأنه بهذا عبّر عن وجدانه في حقيقة كون هذه القضايا معيارية غير محتمة.
الاعتراض الرابع: يدرك أتباع هذا المنطق أن ما يترتب على نفي عقلية الحسن والقبح يفضي إلى إستحالة إثبات الصدقين الخاصين بالإله والنبوة، أي أنه يفضي بالنتيجة إلى عدم إمكان تأسيس المسألة الدينية برمتها، ومن ثم عدم إثبات صحة ما يخبرنا التشريع الديني بقبح الكذب والخداع، إذ قد يكون ذلك من الكذب المتعلق بالكلام الإلهي، أو الكذب المتعلق بالنبوة.
فلأجل الفرار من مثل هذه اللوازم الفاسدة اعتبروا الصدق من الأمور الحتمية المناطة بالكلام الإلهي والنبوة، رغم أن التسليم بالصفة الذاتية للكلام الإلهي لا يستلزم ضرورة الإتصاف بالصدق دون الكذب. فالكلام الثابت شيء، وصدقه أو كذبه شيء آخر، ومثلما يحتاج الأول إلى دليل، فالآخر يحتاج إلى دليل غيره.
أما آراء أتباع هذا المنطق حول علاقة النبوة بمقالة الصدق التي يترتب عليها تأسيس المسألة الدينية؛ فهي مضطربة وضعيفة. فكما لاحظنا خلال الاعتراض السابق أنه لا مبرر للقول بإستحالة إجراء المعجزات على يد الكذابين، كما لا مبرر للقول بأن ذلك جار ضمن العادة الإلهية الثابتة من دون خرق.
الاعتراض الخامس: أضف إلى ما سبق أن في هذا المنطق ما يُغيّب مدلول المعجزة عن معناها. ذلك أنه إذا كانت السببية عبارة عن عادة إلهية تتضمن الخلق المستمر للأعراض، وأنه لا يوجد تأثير لبعض الأشياء على البعض الآخر، بل الله هو المؤثر المباشر، فذلك يجعل من المعجزة فعلاً لا يختلف نوعاً عن سائر الأفعال الإلهية الأخرى، فليس هناك خرق لقوانين الطبيعة، ولا ايقاف لتأثير بعض القوى على البعض الآخر، إنما الموجود هو أفعال نتوهم أنها جاءت خارقة للقوانين، وإلا فالكل عبارة عن فعل الله المباشر، وكل شيء جائز الحصول، وبالتالي فإن مقولة (لا فاعل في الوجود إلا الله) كما يقرها هذا المنطق لا تبرر لنا المعجزات بمعناها الخارق، ومن ثم فإنها لا تبرر صدق دعوى النبوة.
وبذلك نصل الى أن كلا المنطقين السابقين لم يتمكن من اثبات المسألة الدينية بالادلة العقلية التي تم طرحها وفق ما تعارف عليه من الأصول المولدة.
[1] التمهيد للباقلاني، ص22ـ23. وشرح الأصول الخمسة، ص94. والنكت الإعتقادية، ص5ـ6.
[2] يلاحظ بهذا الصدد أن العلم الحديث يخالف كلا النظريتين الفلسفية والكلامية حول إنقسام الجزء، كالذي تحدثنا عنه في بعض الدراسات (انظر: نقد العقل العربي في الميزان، طبعة دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية، 2008م، الفصل الخامس).
[3] ابن رشد: مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق وتقديم محمود قاسم، مكتبة الانجلو المصرية، الطبعة الثانية، ص140.
[4] اللمع للأشعري، ص20ـ21. والتمهيد، ص25.
[5] لاحظ هذه الشبهة في: صدر المتألهين الشيرازي: الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، مع تعليقات ملا هادي السبزواري ومحمد حسين الطباطبائي، دار احياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1981م، ج6، ص58ـ60، وج1، ص132.
[6] انظر حول ذلك: الإستقراء والمنطق الذاتي، ص212ـ214. كما انظر مقالنا: وجود الله أعرف من كل معروف، موقع فهم الدين، 2014م: http://fahmaldin.net/index.php?id=2244
[7] لاحظ التفصيل حول مبدأ البساطة كتابنا: منهج العلم والفهم الديني، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2014م. كما لاحظ كتابنا: القطيعة بين المثقف والفقيه، دار ابكالو، بغداد، الطبعة الرابعة، 2022م. وانظر بهذا الصدد أيضاً: Hemple, Philosophy of Natural Science, 1996, current printing 1987, USA, p.41.
[8] شرح الأصول الخمسة، ص226 و355.
[9] فوائد الأصول، ج3، ص59.
[10] المجموع المحيط بالتكليف، ج1، ص22.
[11] البحر المحيط، فقرة 81.
[12] تمهيد الأصول، ص313. كما لاحظ على هذه الشاكلة: النكت الإعتقادية، ص26.
[13] كشف المراد، ص375.
[14] نظرية التكليف، ص94ـ95. وشرح الأصول الخمسة، ص564.
[15] نظرية التكليف، ص95ـ96.
[16] ارشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، ص297ـ298.
[17] الإقتصاد في الإعتقاد، ص184.
[18] اللمع للأشعري، ص90 و118. والتمهيد، ص343. ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين. وتلخيص المحصل، ص267.
[19] مرهم العلل المعضلة، ص291ـ292.
[20] مرهم العلل المعضلة، ص154.
[21] الإرشاد، ص356.